اعتبر محللون سياسيون عراقيون أن موقف الزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر المتناغم مع تكتل سحب الثقة من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو إستراتيجية وليس تكتيكا، فيما رجح آخرون أن يكون موقفه نابعا من مصلحة سياسية خاصة هدفها إضعاف المالكي الذي يسعى للهيمنة على الشارع الشيعي وإنهاء خصومه السياسيين. ويحاول تكتل معارض يمثل ثلاثة كتل رئيسية وهي القائمة العراقية والتحالف الكردستاني والكتلة الصدرية إضافة إلى عدد من النواب المستقلين، الإطاحة بالمالكي متهمينه بالتفرد في إدارة الحكم وعدم تنفيذه لوعوده التي قدمها للكتل الأخرى إبان تشكيل الحكومة. وأعطى انضمام الصدر الذي يحوز على أربعين مقعدا برلمانيا، لتكتل سحب الثقة دعما وثقلا كبيرين لهذا التكتل الذي بات يشكل مصدر إزعاج وقلق حقيقيين للمالكي، فيما فسر كثيرون موقف الصدر بأنه انشقاق عن التحالف الوطني الذي يضم جميع القوى السياسية الشيعية. وأثار موقف الصدر الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام خصوصا أن تحالفه مع المالكي في فترة تشكيل الحكومة نهاية عام 2010 مثل حجر الزاوية في عملية إعادة انتخاب المالكي رئيسا للوزراء لولاية ثانية رغم أنه تعهد لناخبيه أثناء حملته الانتخابية بإسقاط المالكي وعدم التحالف معه. موقف طبيعي ويعتقد يحيى الكبيسي الباحث في المعهد العراقي للدراسات الإستراتيجية، أن موقف الصدر الأخير في انضمامه لتحالف سحب الثقة من المالكي لم يكن مفاجئا أو تكتيكا وإنما هو "موقف طبيعي تفرزه طبيعة تاريخ العلاقة بين الرجلين". وكان المالكي قد قاد حملة عسكرية سميت بصولة الفرسان في عدد من المحافظات العراقية في مارس/آذار عام 2008 ضد مليشيا جيش المهدي التي يقودها الصدر. وعلى إثر تلك الهجمات قرر الصدر تجميد مليشياته واللجوء بعدها إلى إيران ولم يعد إلى العراق حتى بداية عام 2011، وبعد أن تحالف مع المالكي ليمهد هذا التحالف الطريق أمام المالكي لتشكيل حكومة جديدة والفوز بولاية ثانية. وقال الكبيسي للجزيرة نت "الصدر لم يكن على تناغم مع المالكي منذ البداية وموقفه الأخير هو تكريس لمواقفه السابقة ولا يمثل تحولا أساسيا". وبرر الصدر موقفه بالتحالف مع المالكي نهاية عام 2010 بأنه ناجم عن تعرضه لضغوطات خارجية، في إشارة لم يختلف اثنان على أنها تشير إلى إيران التي كان الصدر يقيم فيها آنذاك والتي ساهمت بشكل واضح في إعادة انتخاب المالكي لولاية ثانية رغم أن تكتل المالكي الانتخابي جاء في المرتبة الثانية بعد القائمة العراقية المدعومة بقوة من قبل السنة والتي يقودها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي. انتقادات لاذعة ووجه الصدر في الأشهر القليلة الماضية انتقادات لاذعة للمالكي وصفه فيها بأنه "دكتاتور" وأنه يحاول السيطرة على مقاليد الحكم في العراق وتهميش شركائه في العملية السياسية. ورغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة على تشكيل الحكومة ما زال المالكي يرفض تسمية وزير للدفاع ووزير للداخلية إضافة إلى منصب رئيس جهاز المخابرات. وبحسب الدستور العراقي فإن المالكي يعتبر القائد العام للقوات المسلحة. ويقول خصوم المالكي -ومنهم الصدر- إن رئيس الحكومة يسعى إلى الهيمنة على الناخب الشيعي من خلال تقويض منافسيه وخصوصا الصدر الذي يعتبر الخصم اللدود له رغم تحالفه معه في الحكومة. وقال الكبيسي "الصدر يعي جيدا أن استمرار المالكي في الحكم حتى موعد الانتخابات البرلمانية ستمكنه من الإطاحة بخصومه وبالذات الصدر لأنه منافس حقيقي للمالكي في المناطق ذات الأغلبية الشيعية". وأضاف "قد لا ينجح الصدر في مسعاه في مسألة سحب الثقة من المالكي لكن بالضرورة فإنه سيستمر في ممارسة الضغط مع حلفائه الجدد (العراقية والكردستاني) باتجاه إضعاف المالكي من جهة وباتجاه عدم منحه حق الترشح لولاية ثالثة من جهة أخرى". وما زالت عملية ترشح رئيس الوزراء لولاية ثالثة مسألة جدلية بين الكتل السياسية، حيث لا يوجد نص دستوري صريح بذلك. وتحاول الكتل السياسية باستثناء تكتل المالكي إصدار مثل هذا التشريع. مرجعية سياسية ودينية وقال الكاتب والمحلل السياسي سرمد الطائي إن "الصدر يسعى أن يثبت لإيران وللأطراف الشيعية العراقية الذين ضربوه في يوم من الأيام أنه ليس فقط مجرد رقم انتخابي وبرلماني بل إنه قادر على أن يكون لاعبا محوريا ومستقلا ويمكن أن يمثل في المستقبل مرجعية ليست فقط سياسية وإنما دينية أيضا". ويسعى الصدر إلى إكمال دراسته الدينية في إيران للحصول على مرتبة الاجتهاد، وهي مرتبة تتيح لصاحبها حق إصدار الفتوى. ووصف الطائي للجزيرة نت، موقف الصدر بأنه "مغامرة جديدة لأنه قرر مواجهة إيران. وهذا موقف لا يمكن اعتباره تكتيكا بل إستراتيجية". وأضاف "المهم في هذا كله أن الصدر كسر حاجز التكتلات الطائفية وأثبت أن المصلحة السياسية في العراق ليس بالضرورة أن تكون ضمن الطائفة نفسها وأنها أكبر من الطائفة". من جهته وصف المحلل السياسي أحمد الأبيض موقف الصدر بأنه محاولة منه لتغيير الصورة التي رسمت له في فترة الحرب الطائفية، حيث اتهمت مليشياته بارتكاب جرائم قتل في فترة الصراع الطائفي. وقال الأبيض -للجزيرة نت- "الصدر يحاول الآن أن يرسل برسائل يريد فيها تغيير الصورة الطائفية التي أخذت عنه. ويريد أن يقول إن تكتله ليس طائفيا بل هو شعبي وطني قادر على التعامل مع الأطراف الأخرى والتحالف معها وتغيير المعادلة السياسية الحالية الطائفية القائمة في البلاد". وأضاف "موقف الصدر يشير إلى أننا أمام مرحلة جديدة إذا ما تم استثمارها فمن الممكن أن تنتج تحالفا وطنيا عراقيا يجمع الشيعي والسني والكردي والعلماني والراديكالي في خندق واحد".