صفات الشخصية السوية من وجهة نظر علماء النفس المسلمين:
سمات الشخصية السوية من وجهة نظر القرآن الكريم کما يريها سيد صبحي 2003:
أ – الشخصية المؤمنة التي تعمل عملاً صالحاً وتتواصي بالحق والصبر:
يقول الله تعالى فى سورة العصر: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ اْلإِنْسانَ لَفي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» . ومادام الإيمان هو التمسك بالمنهج، ذلك المنهج الذي يمثل حركة متصلة في صميم الوجود، صادرة عن تدبير متجهة إلى غاية وقيادة الإيمان؛ وفقاً لهذا المنهج الرباني هي قيادة لتحقيق منهج الحركة و الإنتاج و العمل، وتلك هي طبيعة الوجود الحركة الخيرة النظيفة البانية المعمرة، والتي تليق بمنهج يصدر عن الله سبحانه وتعالى والتواصي بالحق ضرورة ..
فهناك الكثير من المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام ظهور الحق، مثل: هوى النفس و منطق المصلحة و الأنانية و التطلعات المادية والظلم والطغيان، ويصبح التواصي بمثابة تذكير وتشجيع وتفاعل ودعوة إلى الأخوة والتآزر، والتواصى بالصبر ضرورة وعلامة للصحة النفسية .. فلابد من الصبر، ولابد من استخدامه على جهاد النفس وجهاد الغير والصبر على الأذى و المشقة، و على كل ما يقف في سبيل الإنسان فيمنعه من الرؤية الحقيقة، و يفقده القدرة على الوصول إلى الهدف الأسمى ... ذلك الهدف الذي يتحدد في العمل الصالح والتفاعل بالحق و العدل والصبر مع الآخرين.
ب- الشخصية المؤمنة بالآخرة و حقائقها
يعيش الإنسان فى الحياة الدنيا، وعليه أن يعمل و يكدح .. إلا أنه إذا أراد لنفسه السلامة والبعد عن التوتر والصراع النفسى وعوامل القلق، عليه أن يدرك أنه لم يخلق للفناء، وإنما خلق للبقاء، و أن هذه الدنيا مرحلة في الطريق وليست هي نهاية المطاف، ومن هنا لا يعتبر الإنسان أن هذه الدنيا هي الهدف الأسمى، و لكن هناك موعداً للقاء في حياة أخرى أفضل بكثير من هذه الحياة لمن أهتدى. "رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فيهِ إِنَّ اللّهَ لا يُخْلِفُ الْميعادَ" .. وبطبيعة الحال ..
فإن المكذبين بالآخرة يعيشون في غفلة عن قدرة الله، تلك التي تظهر أثارها فى آفاق الكون وفي نفوس البشر، ولينظر كل إنسان إلى نفسه ففيها دليل على البعث، وفيها تكذيب لهؤلاء الذين ينكرون الحياة الآخرة.
"يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي اْلأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى اْلأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهيجٍ*ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ*وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ".
جـ - الشخصية التي تؤمن بالقدر و تتجنب الصراع النفسى:
الإيمان بالقدر خيره وشره هو الذي يجنب الإنسان القلق النفسى، ويعصمه من الصراع و الحسرة و الجزع .. فلابد وأن يتقبل الإنسان الأحداث بنفس راضية، ويؤدي هذا الإيمان بالقدر و الشعور بالأمن النفسي، فلا تتقلب مشاعر الإنسان ولا تلعب بها حوادث الحياة. و يقول الله تعالى: "ما أَصابَ مِنْ مُصيبَةٍ فِي اْلأَرْضِ وَلا في أَنْفُسِكُمْ إِلاّ في كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسيرٌ*لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ".
فإذا كان الإنسان السوي يشعر أن له إرادة وقدرة في الاتجاه إلى طريق الطاعة، أو إلى طريق المعصية، ولايجد نفسه مرغماً على سلوك أي منهما .. فإن الموت قدر محض لا إرادة للإنسان فيه ولاقدرة له على دفعه، كذلك أيضاً في قضية الرزق في ضيقه أو سعته، وذلك فيه تأكيد لحرية الإرادة الإنسانية، فلها أن تتجه كما تشاء مادام للحساب يوم، ومادام كل إنسان سيلقي ثمرة سعيه في الحياة.
و من هنا .. فإن الشخصية التي تؤمن بالقدر لاتجادل بالباطل، بل تعمل و تتخذ لنفسها سبيلاً إلى ربها و تجنب نفسها عوامل الصراع النفسى، من خلال محاسبتها الدائمة لنفسها عن كل أعمالها؛ بحيث لا تخذع نفسها بالأكاذيب .. فإن الحقيقة لاتخفى. "بَلِ اْلإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصيرَةٌ *وَلَوْ أَلْقى مَعاذيرَهُ".
د – الشخصية المحبة لربها و التى ترجو رحمته و تخشى عذابه
يوضح القرآن الكريم أن الصحة النفسية تتجلى من خلال عاطفة الحب المتدفق من الإنسان نحو خالقه؛ لأن الله هو واهب الحياة وصاحب الفضل في هذه النعم، التي يعيشها الإنسان (فهو الذي خلق فسوى و هو الذي قدر فهدى). والعاطفة جزء لا يتجزأ من تركيبة الشخصية الإنسانية، ومن اتجهت عاطفته لحب الله .. فإن هذه العاطفة تكون موجهة لفعل الخير، وتكون عاطفة عاقلة أو ما يسمونه بلغة العلوم الحديثة (موضوعية العاطفة)، ويحدد الله سبحانه و تعالى المجال العاطفي لهؤلاء في قوله تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيمانًا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ".
وإذا كان في طبيعة الإنسان الصحيح نفسياً مقابلة الإحسان بمثله .. فكيف لاتمتلىء قلوب المؤمنين بحب الله الذي لاتحصى نعمه ولا تنفد عطاياه (فالحياة بما فيها من نعم وما فيها من عوامل راحة و عطايا متعددة من عند الله). "وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ". لاينبغي أن تنقطع صلة الحب بين الأنسان وربه .. فهى تلك الصلة التي تسمو به إلى آفاق الكمال، وتجعله مطمئناً واثقاً من نفسه مؤمناً بسلامة تصرفاته، وحريصاً على أن يبذل و يضحى في سبيل المبادىء السامية، وابتغاء مرضاة الله فلا يبخل ولايجبن إيثاراً للمال أو رغبة في منصب أو جاه. وإذا أخلص الإنسان فى حبه لربه .. فإن الله يحبه؛ لأن الله يحب عباده المتقين الصالحين .
ويرى مرسی(2001) أن الإنسان السوي في الإسلام يتصف بالخصائص التالية:
1-أن يسلم المرء وجهه وقلبه خالصين لله ربه العالمين.
2-التقوى، بمعنى خوف الله واتقاء محارمه.
3- الاهتداء إلى الحق.
4- الإحسان الذي هو ذروة الإيمان.
5- الإنسان مسئول عن ذاته مسئولية شخصية لايشاركه فيها أحد. ثم مسئوليته الاجتماعية بوصفه عضواً فى الجماعة الإنسانية، يتحمل معها ما يتحمل من مسئوليات، ويشاركها في النتائج المترتبة على سلوكه الذي يسلكه هو معها في جانب الخير والشر على السواء.
6- الجهر بكلمة الحق.
7- تحمل الشدائد في صبر، ورضى في سبيل حياة طيبة وجزاء كريم من الله تعالى .
ويری مرسي(1989) أن خصائص الشخصية السوية الإسلامية المتمعة بالصحة النفسية هي ما يلي:
1 – الخلّو من التوترات الزائدة ،والأخطاء الفجة ،والإنحرافات الكبيرة،والإضطرابات الواضحة ،لإنه لايحقد ولايحسد ولايغشّ ولايغتاب ولايسىء الظن بأحد. فقد سئل رسول الله: من خير الناس؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان. قيل: ومامخوم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد.
2 – الإعتدال في تحصيل حاجات الجسم والنفس والروح وفي تحصيل مصالح الفرد ومصالح الجماعة. ففي الإعتدال صحة النفس وفي الميل عنه سقمها.
3 – حسن التوافق مع الناس لأن المسلم حسن الخلق هينَّ لينَّ فطن،لا يحسد ولا يخاصِم،يألف الناس ويألفونه،يصلهم ويودّهم ابتغاء مرضاة الله ،قيحبه الله بحبه للناس ،ويضع حبه في قلوب الناس. قال رسول الله صلی علیه و سلم : "من عاد مريضا أو زار أخاً له في الله ناداه منادأن طبت وطابت ممشاك،وتبوأت من الجنة منزلاً". و قال أيضاً: "إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملکاً. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لى في هذه القرية. قال: هل لك من نعمة تربها عليه؟ قال: لا،غيرأني أحببته في الله. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه".
4 – طاعة أولي الأمر في المجتمع، إذا لم يؤمر بمنكر،أو ينهى عن معروف فعلى المسلم السمع والطاعة في ما يحب ويكره، مالم يؤمر بمعصية فاذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
5 – الرضا عن النفس، فالمسلم حسن الخلق قانع بما وهبه الله من قدرات جسمية ونفسية متقبل لواقعه، وما قُدر له شاكر في السراء، صابر في الضراء، محتسب عند البلاء، لأنه يؤمن بأن أمره كله خير، وبأن الله لا يقضي له قضاء إلا كان خيراً له.
6 – الإكتفاء بالله عن الناس؛ فالشخص حسن الخلق لا يكتفي بنفسه عن الناس كما يذهب علماء النفس، بل يكتفي بالله عمن سواه. الشخص حسن الخلق لا يتهم الله في الرزق، ويثق به، ويسكن إلى الوفاء بما ضمن، فيطيعه ولا يعصيه ويخلص في عبادته، ويصلح ما بينه وبين الناس؛ فإكتفاء الإنسان بالله يجعله آمن النفس، طيب المعسر، راضياً بالحياة فأمره مع ربه كله خير.
7 – الإجتهاد في تنمية النفس، والاستفادة من القدرات والمواهب، وإثبات الكفاءة في تعمير الأرض. فالمسلم مطالب في كل ساعة من عمره أن يسعى نحو الكمال ،ويحث المسير إلى الإرتقاء الجسمي والنفسي، لأن مستقبله عند الله مرتبط بالدرجة التي يبلغها في تنمية نفسه وتقويتها. قال رسول الله عليه السلام: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ،وفي كلَّ خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".
8 – الإستمتاع بعمل الصالحات، فالمسلم يحقّق ذاته في عمل ما يرضي الله وينفع الناس، ويحمل نفسه على حسن الخلق ويكلفها به،حتى يتعوّد على العادات الحسنة ويتلذذ بالطاعات، وينفر من العادات السيئة ويكره المعاصي في كل زمان ومكان.
9 – الإخلاص في العمل ،لأن المسلم يشعر بمراقبة الله الذي أمره بأن يعمل ويجتهد قدر استطاعته، فاليد التي تعمل يحبها الله ورسوله، والمؤمن – كما قال الرسول الكريم - "كالنحلة لا تأكل إلا طيباً ولاتضع إلا طيباً".
10 - الإقبال على الأخرة، فلا يشعرالمسلم بهّم في الدنيا مهما عظمت مصائبها،ولا يحزن على ما فاته،ولا يشقيه حرمان، ولايضنيه تعذيب إذا كان في سبيل الله لأنه يجد سعادته في رضا الله عنه والإقبال على الأخرة يجعل الرسل والمصلحين الاجتماعيين لايفرحون بملذات الدنيا لأنها نعيم زائل ،ولا يثنهم عن دعوتهم تهديد ولا وعيد، ويتحملون الأهوال في الدنيا وهم مستبشرون برضوان الله، وبمقعد صدق عند مليك مقتدر .
ويری خوالدة (2004) أن الشخصية السوية المسلمة التي يتمتع بالصحة النفسية هي:
أ ـ أن يشعر بالمسؤولية الشخصية:
أن المسلم لا بد أن يشعر بالمسوولية الشخصية متحملاً لتبعاته ، وشاعراً بالرقابة علی تصرفاته، لا ينساق وراء غيره تقليداً عمی بغير تثبت وإدراک.
ب ـ أن يتصف بحسن الخلق:
أن المسلم لا بد وأن يتصف بحسن الخلق متأسياً بجميع صفات الرسول صلی الله عليه و سلم الخُلُقية في معاملاته اليومية مع أسرته ومجتمعه ومطبقاً لها.
ج ـ أن يوافق عمله الذي يمارسه العقيدة الإسلامية:
فالمسلم قبل أن يقوم بعمل عليه أن يعرضه علی الشرع ، هل هذا العمل موافق أم مخالف ؟ حتی لا يقع الفرد بعمل يخالف عقيدته فيؤدي ذلک إلی اهتزاز و إضطراب في شخصيته.
د ـ أن يکون معتزاً بنفسه:
أن المسلم لابد و أن يکون معتزا بنفسه جريئاً في قول الحق ، لا يخاف في الله لومة لائم . و من المظاهر أيضاً التي يجب أن يظهر بها المسلم لتکون له شخصيته التي تميزه عن غيره ، فيکون قدوة يقتدي به الآخرون.
1 – أن يحب في الله و يبغض في الله.
2 – أن يوالي في الله و يعادي في الله.
3 – أن يبر و الديه و يصل رحمه.
4 – أن يحسن الجوار.
5 – أن يحض علی طعام المسکين.
6 – أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
7 – أن يبحث عن الحق و لا يحتکم لشرع الجاهلية.
النتائج:
نستنتج مما سبق أن المعيار الإسلامي يعتبر من أهم المعايير الصحة النفسية و أقواها أثراً لتمييز السلوک السوي من السلوک غير السوي لدی الإنسان، و أن للشخصية السوية في الإسلام أسس من أهمها مايلي:
1- أنها مبنية علی الاعتدال والتوازن:
إن الإنسان مخلوق من المادة و الروح و هو متکامل. فالشخصية السوية في الإسلام هي الشخصية المتزنة التي يتوازن فيها البدن و الروح و تظهر باتزانها بين حاجات البدن و حاجات الروح أو بين جانب المادي و الجانب الروحي، البعيد عن الإفراط و التفريط.فالشخصية السوية المسلمة تهتم بالجسد و قواه اهتماماً بالغاً، ليکون قوياً غير عليل، لکي يساعده علی أداء رسالته في الحياة. و من أجل هذا - في ضوء تصور الإسلامي - لم يحرم الإنسان نفسه من إشباع حاجاته الجسمية و لکن يضبط دوافعه و يشبع حاجاته في حدود الاعتدال و التوازن بحيث لاتطغی و لا تسيطر عليه دوافعه سيطرة تامة، فهو يعمل علی إعلائها و تسامي بها عن طريق تقوی الله و ابتغاء مرضاته.
کما يهتم في نفس الوقت بتلبية متطلباته الروحية عن طريق أداء العبادات و القيام بکل ما يرضی الله سبحانه و تعالی،و تجنب کل ما يبغضه.فالشخصية المسلمة السوية تسعی في تحقيق هذا التوازن بين کل متطلباته الجسمية و الروحية ، أو بين متطلباته الدنيوية و الأخروية عن طريق اتباع الوسط البعيد عن الإفراط و التفريط.
2- أنها مبنية علی العقيدة الصحيحة:
إن العقيدة إذا کانت صحيحة تستطيع أن تقيم التوازن و التوافق الدائم بين أهداف الحياة و ضرورة المجتمع و نوازع الفرد الروحية و البدنية، دون أن يطغی هدف علی هدف، و لا مصلحة علی مصلحة، لأن تصور الصحيح الشامل عن الله و الکون و الإنسان و الحياة دور عظيم في تنمية الشخصية السوية و البعد عن الإفراط و التفريط و الشعور الفرد بالأمن و الاطمينان النفسي الحقيقي في حياة المسلم. فالإيمان بالله تعالی و توحيده هو الذي يحدد مدی بُعد الإنسان أو قربه من الله تعالی ،لأن قوة الإيمان و زيادته تقرب الإنسان المؤمن من الله سبحانه و تعالی و تدعم صحته النفسية وتجعله يسلک السلوک السوي، کما ضعف الإيمان و نقصانه ،فإنه يبعد الإنسان عن الله تعالی و ينحرفه عن الصراط المستقيم وبذلک هو يرتکب محارم الله تعالی و المنهيات عنها.
3- أنها مبنية علی العلم:
أي العلم الشرعي الوارد في کتاب الله و سنة رسوله صلی عليه و سلم،لأن هذا العلم يؤدي إلی معرفة الإنسان بکل جوانب الإسلام من العقيدة و شريعة و عبادة و الأخلاق و غير ذلک. فالمسلم في ضوء شرع اله يستطيع أن يسلک السلوک السوي و يبعد عن طريق الانحراف و الصياع. و يتعلم الإنسان في ضوء الشرع کيفية السير في طريق الله و القيام بعبادته و أداء وظائفه و بذلک يستطيع أن ينمی شخصيته و يزکي نفسه و يحميها من الانحراف و الضياع. فالمسلم بالشرع يعرف حدود الله و يعرف فيه سواءه و استقامته و مدی وصوله علی درجة عالية من الصحة و الاستواء في شخصيته.
4- أنها مبنية علی العاطفة النبيلة الإسلامية:
العاطفة في الإسلام هي الرابطة القلبية أو اتجاه نفسي بين الإنسان و خالقه و الکون و الأشياء التي تحيط به.فالمسلم لديه الکثير من العواطف، التي مبنية علی أساس حب الله، فهو يبنی علی أساس هذا الحب کل عواطفه و ميوله النفسية من الحب و الکراهية،و هو يتعامل مع الناس و العالم و کل شي من حوله علی أساس هذا الحب. فهذا الحب لدی المسلم هي عاطفه السائدة التي تغلب علی سلوکه و توجهه نحو کل شي و الناس و العالم من حوله و التي بها تتحکم في أموره و تصرفاته.
وبذلک نجد کل جهود الشخصية المسلمة السوية متجهة لتحقيق رضاء الله و القيام علی إقامة شريعته في الأرض و اتباع كل ما أمر الله تعالی و رسولي به و ابتعاد عن كل ما نهی عنه الله تعالی و رسوله صلی عليه و سلم.فعلی ذلک أن هذه العاطفة لها تأثير کبير علی التمتع الفرد بالصحة النفسية السوية، حيث يکون حبه و فرحه و غضبه في إطار حدود الله،و بذلك يتصل دائماً بذكر الله تعالی حتی يجعله أن يتحرر قلبه من القلق و المخاوف فيودي ذلک إلی الشعر بالأمن و الاطمئنان في شخصيته.
5- أنها مبنية علی الأخلاق:
إن الأخلاق في تصور الإسلامي جزء أساس من بناء الشخصية المسلمة السوية ، لأنها تشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية سواءً کان روحية أو جسمية، عقلية أو إنفعالية، فردية أو اجتماعية،بحيث کل جانب يؤثر علی بقية الجوانب ،فهي نظام يرتبط بين کل أنواع النشاط الإنسانية و يوحد بينها في اتجاه واحد نحو مرضاة الله. فکل عمل من أعمال الشخصية المسلمة السوية مرتبط بالأخلاق و کله صادر عن کيانها واحدة،فالأخلاق الحسنة بدورها تثمر السلوک السوي و الخلق القويم في شخصية المسلمة.
لهذا لا يجد الإنسان الصعوبة عند تخلق بأخلاق الإسلامي لأنها موافقة للطبع و الفطرة،وقد حث القرآن الکريم المؤمن علی التحلي بالأخلاق الفاضلة و مکارم الأخلاق في واقع حياته لتکون شخصية متکاملة في غاية سوائه. وخير القدوة لنا في ذلک نبينا محمد صلی عليه و سلم، فقد لخص رسالته بأتمام مکارم أخلاق، و قد وصف ربه سبحانه و تعالی بذلک في قوله تعالی: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
6- أنها مبنية علی الغاية من الوجود:إن الشخصية المسلمة السوية في غاية سوائه تکون منسجماً مع غايته النهائية و هي عبادة الله وحده .فإذا عرف الإنسان أن الله تعالی هو خالق الناس جميعاً، و أن هناک وظيفة الإنسان في الأرض هي العبادة بمعنی أوسع و أشمل من مدلول إقامة الشعائر المتمثلة في أداء الفرائض و اجتناب النواهي. فإنه يقوم باستقرار معنی العبودية في نفسه و يتوجه إلی الله بکل حرکة في ضميره و وجوده،ليقضي حياته کلها لتحقيق معنی عبودية الله.
فالمسلم علی أساس هذا المعنی يفهم أن الحياة کلها عبادة،و عليه أن يعرف قواه و طاقاته، و ذخائره و مکوناته، ليطلقها في تحقيق معنی عبادة الله وحده،و القيام بأداء التكاليف التي شرعها الله له في الأرض و واقع حياته، والعمل علی استدماج ذلک المفهوم في کل أنشطه حياته. وبهذا يسلم لله تعالی جميع أموره و يرضی بقضائه،و هکذا يخلص في عبادته لربه و يتطلع إلی حبه و رضائه، فهو في ضوء هذا الفهم من سر وجود الإنسان يسعی لتخلي عن الکثير من العادات السيئة و التحلي بالکثير من العادات و الخصال الحميدة و بهذا تکّون شخصيته تکويناً متزناً متکاملاً بعيداً عن الزيغ و الانحراف. فعلی ذلک أن هذا الفهم له تأثير کبير علی الشعر بطمأنينة قلبه و راحت الضميره وتوافقه مع المجتمع الذى يعيش فيه لذلک هذا الفهم من سر وجوده له تأثير کبير علی أن يطلق طاقاته فيما ينفعه في الدنيا والأخرة و أن يناله إلی رضاالله وجنته.
الهوامش:
1- (العصر:3-1 ).
2- (آل عمران : 9).
3- (الحج: 7 – 5).
4- (الحديد: 23 – 22).
5-(القيامة: 15 – 14).
6- (الأنفال:2).
7- (النحل: 53).
8- صبحي، سيد: الإنسان وصحته النفسية ،المرجع السابق ، ص 162 – 159.
9- موسي، رشاد على عبدالعزيز، وآخرون: علم النفس الديني (1993). القاهرة: مؤسسة المختار، ص 319 – 320.
10- أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني، اُنظر:الألباني، محمد ناصر الدين(1408): صحيح سنن ابن ماجه: 2/3930 الریاض: مکتب التربیة العربي لدول الخلیج.
11- الترمذي، محمد بن عيسى : الجامع الصحيح سنن الترمذي ، كتاب المناقب عن رسول الله، باب زیارة الإخوان، حديث رقم 2008، الجزء 4، ص 365.
12- النيسابوري، مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم، حدیث رقم 2567 الجزء 2، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي. بیروت: دار إحياء التراث العربي، ص 1988.
13- النيسابوري، مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم، حدیث رقم 2664 الجزء 4، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي. بیروت: دار إحياء التراث العربي، ص 2552.
14- الطبراني، سليمان بن أحمد: المعجم الكبي،حديث رقم 459،الجزء 19(1983). تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي.الموصل: مكتبة العلوم والحكم،ط2،ص204.
15- مرسي، إبراهيم: المدخل إلى علم الصحة النفسية،المرجع السابق، ص 104-103.
16- خوالدة،حمود عبدالله:علم النفس الإسلامي(2004).عمان:دار الفرقان، ص105-100.
17- (القلم:4).
المراجع و المصادر:
1- توفيق، محمدعزالدين: التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية: البحث في النفس الإنسانية والمنظور الإسلامي(2002). القاهرة: دارالسلام.
2-خوالدة،حمود عبدالله:علم النفس الإسلامي(2004).عمان:دار الفرقان.
3-روتر، جوليان: علم النفس الإكلينيكي (1984). ترجمة محمود هنا ومراجعة محمدعثمان النجاتي، مكتبة أصول علم النفس الحديث: دارالشروق.
4- رياض،سعد: علم النفس في القرآن الکريم(2004).القاهرة: مؤسسة إقراء للنشر والتوزیع.
5- الشرقاوي، مصطفی خليل:علم الصحة النفسية(1985 ).بيروت: دارالنهضة العربية.
6- الشرقاوى، محمدحسن: نحو علم النفس إسلامي (1979). الإسكندرية: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
7- الشناوي، محمد محروس: الإرشاد والعلاج النفسي من منظور إسلامي في: ندوة علم نفس إسلامي (1989). القاهرة: المعهد العالمي للفكر.
8- صبحي، سيد: الإنسان وصحته النفسية (2003). القاهرة : الدار المصرية اللبنانية، ط 1.
9- الصنيع، صالح إبراهيم: التدين والصحة النفسية (2000). الرياض: جامعة الإمام بن سعود الإسلامية.
10- عبدالخالق: أحمد محمد: أصول الصحة النفسية (1993). الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية.
11- عيسوي ،عبدرحمن:الإسلام و العلاج النفسي الحديث (1986). دار النهضة العربية ،ص 136–135
12- قطب، محمد: دراسات في النفس الإنسانية (1995). القاهرة: دار الشروق.
13- محمد، محمدعودة، ومرسي، كمال إبراهيم: الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام (1994). الكويت: دار القلم.
14- مرسي، إبراهيم: المدخل إلى علم الصحة النفسية (1997). الكويت: دار القلم، ط 3.
15- موسي، رشاد على عبدالعزيز: أساليب العلاج النفسي في ضوء القرآن والسنة النبوية (2001). القاهرة: مؤسسة المختار.
16- مياسا، محمد: الصحة النفسية والأمراض النفسية والعقلية ووقاية وعلاجها (1997). بيروت: دار الجيل.
17- نجاتى، محمدعثمان: الحديث وعلم النفس (2000). القاهرة: دار الشروق، ط 4.
18- نجاتى، محمدعثمان: القرآن و علم النفس (1989). القاهرة: دار الشروق، ط 6.
19- النغيمشي، عبدالعزيز محمد: علم النفس الدعوى :دراسات نفسية تربوية للآباء والدعاة والمربين (2003). الرياض: دار المسلم للنشر والتوزیع، ط 2.
20-ياركندي، هانم حامد: الصحة النفسية في المفهوم الإسلامي ودراسات نفسية أخرى (2003). الرياض: دار عالم الكتب، ط 1.
21- يالجن ،مقداد: بناء المعالم النظرية التربوية الإسلامية (1991). الرياض: دار عالم الكتب، ص 68
الآراء