الشوري أقدس مبدأ تقوم عليه الحياة السياسية في المجتمع الإسلامي ، كما أنها من ألزم اللوازم لإنسانية الإنسان وكرامته التي قدسها الإسلام وحافظ عليها ، وتعد أول الأعمدة في هيكل البناء الدستوري للدولة المسلمة ، وهى اصل في إدارة الشؤون الجماعية بل هي أهم قواعد الحكم في الإسلام
قال ابن عطية كما أورد القرطبى وابن كثير فى تفسيريهما : الشوري من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف عليه. وعزائم الأحكام هي الواجبات التى لا يجوز تركها .
وفي قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ قال الرازي فى تفسير مفاتيح الغيب : ظاهر الأمر للوجوب ، فقوله ﴿ وَشَاوِرْهُمْ ﴾ يقتضى الوجوب . وليس من قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب ، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء
وقد كان أمرالله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بالشوري ليقتدي المسلمون به من بعده ولتكون سنة عامة ماضية في الحكم علي وجه الخصوص.
قال الحسن والضحاك كما ذكر ابن كثير: ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلي رأيهم وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمته من بعده .
وقد سوى الله سبحانه بين الشورى وبين الصلاة والإنفاق في قوله ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ الشورى 38 .
والشورى إحدي الركائز فى الحياة العامة لاستحقاق الأمة الحياة. ، وفى هذا جاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه الترمذى :"إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خيرلكم من بطنها" .
وقد عرفها القاضى أبو بكر بن العربي بقوله :هي الاجتماع علي الأمر ليستشير كل واحد منهم صاحبه ويستخرج ما عنده .
ومن أجمع التعريفات المعاصرة للشورى ما ذهب إليه أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا بأنها صدور الحاكمين فيما يتخذونه من قرارات أو يحدثونه من أوضاع وتنظيمات عن رأي أهل العلم والخبرة والمعرفة فيما يحقق مصلحة الأمة أو يتعارض معها.
وفي ضوء التطور الحادث والتداخل القائم في نظم الحكم الحديثة تعد الديمقراطية التي ترتكز على إرادة الشعوب وتحتكم إلى صناديق الاقتراع أقرب النظم المعاصرة لنظام الشوري في الإسلام، وإن ظلت هناك فوارق جوهرية تفصل بين الشورى والديمقراطية مردها إلى مصدرية التشريع فيما ورد فيه نص شرعى قطعى .
ومن غير اللائق إنسانيا أن يعيش الإنسان مهمشا معزولا فى مجتمعه دون أن يكون له دور فعال فى الأحداث من حوله ، ومشاركة إيجابية فى صنع القرار ومراقبة تنفيذه .
وحين يقرر الإسلام الشوري مبدأ دستوريًا في الحكم فإنه بذلك يقضي علي عدو الإنسانية الفاضلة ومفسدها ــ كما يقول الشيخ محمود شلتوت ــ وهو الاستبداد بالحكم والرأي، واحتكار التشريع والتصريف و الإدراة، ويحقق للفرد كرامته الفكرية، وللجماعة حقها الطبيعي في تدبير شؤونها .
والشورى فى المنظورالإسلامى تحول دون نشوء ديكتاتوريات في المجال السياسي، وترد الأمر لأهله وهم الأمة التي تقرر شؤونها وتحدد مصالحها بإرادتها الكاملة بحيث لا يقع في حياتها إلا ما ترتضيه ولا يبرم أمر إلا بإقرارها.
والحكم الفردى من قديم ومن حديث أنتج تشوهات وعاهات فى مسيرة الحياة الإنسانية السوية وأفقر الأمة فى أهم ما يمكن أن تمتلكه من المعادن الإنسانية النفيسة التى يقوم بها – وعليها - النهوض الحضارى المنشود ، ، وعمل جاهدا على تغييب الوعى، وسلب العقول ، وإماتة الضمائر ، وتزييف الحقائق ، وتسويق الأوهام .
لقد كان من مساوئ الديكتاتويات - القديم منها والحديث - الممثلة فى فرد او حزب أنها سببت الشقاء للشعوب وأفسدت الحياة العامة، وكان من محاسن الشوري أنها أسعدت الشعوب وأبقت على الحياة العامة فى الجملة نظيفة ، وفي هذا المعنى جاء قول حافظ إبراهيم في عمريته:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفـرد يشقيـهـا
ومن مميزات الشوري الكبري أنها ترد الحاكم إلي حجمه الطبيعى كلما حاول الانتفاخ والتطاول
والبيئة المنكوبة بالاستبداد أشبه بدجاج كثير وديك واحد كما يقول الشيخ محمد الغزالي .
ولكن باسم الشوري في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وقعت مهازل كثيرة، فحيث يتم تزوير الانتخابات وتزييف إرادة الأمة فباسم الشوري تمَّ هذا، وحين تمثل أغلبية جاءت علي حراب التزوير الشعب فى المجالس النيابية فباسم الشورى جاءت، وحين يمارس الاستبداد والتسلط والقهر على أفراد المجتمع فباسم الشورى يمارس، وهكذا أصبح ترديد كلمة الشورى - حتي في أكثر الأقطار استبدادا- طلاءً يصبغ النظام السياسي القائم بصبغة مصطنعة تستر قبحه، وتواري سوءاته تحت غطاء يناسب الأغطية التي ترتديها ــ أو تتسر بها ــ أنظمة العالم المتحضر، حتى وإن فرغت كلمة الشورى من محتواها وأصبحت شكلا لامضمون له.وصدق حافظ إبراهيم حين قال:
لقد كان فينا الظلم فوضي فهذبت حواشيه حتي صار ظلمًا منظمًا .
إن الشورى في إحدي صورها اليوم لدي الديكتاتوريات المعاصرة تعني القدرة علي تزوير الانتخابات العامة ، واختلاق سوق انتخابي لا يوجد إلا فى وسائل الإعلام الخاضعة الموجهة ، وإحداث ضجة إعلامية من صنائع المستبدين عن مشاركة المواطنين توازى نسبة المشاركة المحددة سلفا والتى سيعلن عنها لاحقا .
إن الشوري الحقة هي التي تثمر نظامًا سياسيًا مدعومًا بإرادة الأمة، أما غير ذلك مما يلبس مسوح الشورى فإنها مسرحيات هزلية سئمتها أمتنا، وملتها شعوبنا .
رحم الله الشيخ شلتوت لقد عدد أشكالًا مما يتسمي بالشورى زورًا، والشوري منه براء، واعتبرها جميعًا لا قيمة لها عند الله من ذلك: الشورى التي تنسج خيوطها بكثرة العدد، أو عن طريق الإغراء والإرهاب لا قيمة لها عندالله، والشوري التي تجعل من الفرد المفسد أو الذي لا يعقل حاكمًا بأمره في الأمة لا قيمة لها عندالله، والشورى التي لا يجد المخلصون في جوها متنفسًا يكشفون فيه عن عبث العابثين وفساد المفسدين، لا قيمة لها عند الله، والشورى التي يلبس المنافقون في جوها مسوح الصدق والإخلاص ويكتمون عن الحاكم المخلص بذور الشر و الفساد لا قيمة لها عند الله .
الآراء