ولد الدکتور «مظفر برتوماه» عام 1941 في حی «جورآباد» الواقع بمدينة «سنندج» في أسرة کادحة ومتدینة. بدأ دراسته الابتدائیة في مسقط رأسه، وبعد إنهاء الصف السادس الابتدائی والصف الأول من المرحلة الإعدادیة بتفوق، التحق بدار المعلمین الابتدائیة کطالب متفوّق، ثم نال شهادة الثانوية العامة في فرع الرياضيات بثانوية "هداية" بسنندج حاصلا على المركز الأول، وبعد نيله شهادة الثانوية العامة والمشارکة في اختبارعام لدخول الجامعة، التحق بمعهد طهران العالي و درس فيه ثلاث سنوات حيث احتل المركز الأول بين الطلاب.

ذکائه وحصوله علی الرتبة الأولی في کافة المراحل الدراسیة، مهد لابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية من قبل وزارة الثقافة آنذاک، حيث سافر إلی أمریکا في عام 1964 وأقام في مدينة «ماديسون» بولاية «ويسكونسن» من أجل استکمال دراسته، وذلک بعد قيامه بتدریس الریاضیات والفیزیاء والأدب لعام ونصف في مدینة «سقز» إحدی مدن محافظة کردستان الإیرانیة. بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية واصل دراسته في فرع الفیزیاء النوویة بجامعة ويسكونسن؛ إحدی الجامعات المرموقة فيها.

تعرف الدکتور برتوماه هناک علی عدد من الطلاب المسلمین الوافدين إلى أمريكا. بعد معرفته بوجود جمعية باسم "الكتلة الإسلامية لطلاب أمريكا" التی أسسها هؤلاء الطلاب، سرعان ما انضم إلیها، و باشر نشاطاته الدينية فيها.ثم عکف علی اکتساب العلم طوال النهار، وکان يقضي بقية وقته في الكتلة الإسلامية فی نشاطات الدؤوبة، مما أخرَّ ذلك نيله شهادة الدكتورا لسنتين. یقول الدكتور برتوماه حول ذلك: "الحمد لله علی الرغم من تأخيري في الحصول علی شهادة الدکتوراه لسنتین بسبب نشاطاتي في الکتلة، غير أن ذلك أدی إلى حدوث ظاهرة مبارکة وهی أنه من خلال ممارسة هذه النشاطات، وجدت أصدقاء من الطلاب المسلمین المقیمین في أمریکا المنحدرين من معظم البلاد الإسلامية، والذين ذاع صیتی بفضلهم في أفريقيا وأسيا وأوروبا وفي أنحاء العالم تقريبا، لذلک أقول من صمیم قلبي: "ألحمد لله رب العالمین".

وشارک الدکتور برتوماه عام 1968 في موتمر «رویال آبردهاو» الذي انقعد في لندن بعد إحراق اليهود المسجد الأقصى المبارك، ممثلا عن الکتلة الإسلامية لطلاب أمريكا الشمالية، وندد المؤتمر الحكومة الإسرائيلية بشدة لارتكابها هذه الجريمة، حيث اضطرت لرد الفعل على هذا التنديد.

مشاركته الفاعلة في هذ المؤتمر العظیم خلال زيارته إلى بریطانیا، وحرصه على الإسلام والمسلمین ودفاعه القاطع والصارم عنهم، خلق له شعبية وسط زملائه، مما دفع الطلاب لاختياره نائبا لرئيس الكتلة الإسلامية، وبعد سنة لرئاسته الكتلة كان عدد أعضائها زهاء 10 آلاف شخص آنذاك، واليوم يزيد عدد أعضائها من مليون شخص بفضل نشاطات الطلاب الدؤوبة.

وفي خطوة أولی بعد اختیاره رئیسا للکتلة، قام الدکتور برتوماه وأعضاء المجلس الإداري بشراء ثلاثة مبانٍ لتحويلها إلى المسجد ومكان لتنظيم اجتماعات مسلمي أمريكا الشمالية.

بعد تأسیس هذه المساجد الثلاث في أمریکا بدأ الطلاب یفکرون لأول مرة بمصير هذه الأماكن ومن سيتولي شؤونها بعد تخرجهم وعودتهم إلى بلدانهم. لذلك بعد مشاورات توصلوا إلی قناعة بضرورة إنشاء مؤسسة لرعاية ممتلكات المسلمين تفاديا لضياع هذه الأماكن. بعد ذلک تمّ تسجيل المؤسسة واختير الدكتور برتوماه رئيسا لها، يقول الدکتور حول ذلك::"من أعظم ما أعتز به طیلة حیاتي هو أننی وقّعت على الوثیقة التاريخية للعقارات الموقوفة ومساجد مسلمي أمریکا، حيث سُجلت ذلك لأول مرة في تاريخ أمریکا".

أعلنت الموسسة في تقریر عن أدائها خلال مؤتمر عام 2004 للطلاب المسلمین في أمریکا عن تسجيل ما يناهز عن 7 ألاف مسجد وعقارات موقوفة تحت رعاية هذه المؤسسة.

وبعد نيله شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية، بدأ عمله في منظمة ناسا الفضائية الأمريكية، إلا أن حبه للإسلام دفعه في المهجر إلی الدخول في ساحة الدعوة إلى هذا الدين السماوي المنقذ.

وعاد الدکتور برتوماه عام 1979 إلی إیران، اختير ممثلا للحكومة في لجنة "حسن النوايا" ومُشرفا على انتخابات المجلس المحلي لمدينة سنندج ، والتي أجريت لأول مرة في تاريخ إيران باقتراح من الأستاذ أحمد مفتي زادة. وبعد إجراء هذه الانتخابات واختيار 11 شخصا للمجلس المحلي لسنندج، دعته الحكومة العام 1980 للعمل معها، حيث تم تعيينه كالمستشارالأعلى لرئيس الجمهورية في الشؤون العلمية ورئيسا لمنظمة الصناعة للأبحاث، لكنه استقال بعد فترة لأسباب، وعاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية مجددا لاستكمال عمله في "ناسا"؛ غير أنه تعرض لتمييز وظلم كونَه إيرانيا عمل مع الحكومة ومجلس الثورة، حيث منعوه من مواصلة العمل مع هذه المنظمة. لذلك اقترح عليه أصدقائه في الکتلة الإسلامیة للطلاب مواصلةَ دراسته في فرع الفیزیاء الطبية، وبعد تخرجه من مرحلة الدکتوراه التخصصية بدأ بالعمل في موسسة تابعة لناسا في مجال علاج السرطان، وتمکن من تحقیق نجاحات باهرة فيها، منها اختراع جهاز خاص لعلاج المصابین بالسرطان. عمل تسعة عشر سنة في مجال الفیزیاء الطبية بمستشفي ناسا، لكن بعد مهاجمة بُرجَي منظمة التجارة العالمية في 11 سبتمبر 2001والتي أدت إلى تضييق الخناق علی المسلمين في أمريكا وأوروبا، تم فَصلُه أولا ثم أحیل إلی التقاعد؛ للحيلولة دون لجوئه إلى القضاء ورفعه الشكوى. 

واكتشف الدکتور برتوماه عمق حرمان الشعب الکردي ومظالمه خلال إقامته في كوردستان وأثناء العودة إلى الولايات المتحدة عبر كوردستان تركيا. و فورَ عودته أسّسس "حزب کوردستان الإسلامي" بالتعاون والتنسیق مع أکراد الدول التی یقطن بها الکرد، ثم أنشأ مجلة "جودي" لإيصال حرمان الشعب الكردي من حقوقه والظلم المضاعف الذي يتعرض له هذا الشعب إلی العالم.

إضافة إلی تحقیقه نجاحات باهرة منقطعة النظیرعلى صعید العلوم والتقنیةٰ، عُرفَ الدكتور برتوماه کشخصیة إسلامیة بارزة تعتز بإسلامه على عكس الكثير من المغتربين، ففضلا عن حفظه القرآن الکریم بالكامل ومعرفته بالعلوم والمعارف الإسلامیة، قام بترجمة وتفسير القرآن الكريم قبل وفاته إلى اللغة الكردية وقد صدر قبل بضع سنوات. وتوفي الدكتور برتوماه عام 2005 عن عمر ناهز 64 عاما.

رحمك الله يا دكتور؛ ففقدانك صعقنا وأحزننا كثيرًا، ولكن عزاءنا أنك رسمت الطريق لمن خلفك.