إن الحرية من أعزِّ الحاجات الإنسانیة وأغلاها ونعني بها: ازدهار طاقات الإنسان الروحية لبناء عالم أجمل وأكثر إنسانية والذي تتقلص فيه المعاناة البشرية، عالم يتحرر فيه البشرية من العبودية الفكرية والسياسية والاقتصادية والعقلية الانتهازية والنفعية، عالم يشعر الناس فيه بالطمأنينة والمحبة في ظلّ التعايش السلمي. والحرية لها مدلولات متعددة وأهمها مايلي:

1- إثبات الفردية  

لاشك أن ازدهار المواهب البناءة للفرد، يشكل أولي جوانب الحرية، وهذا يعني أن يستطيع الناس تحقیق استخلافهم الرباني دون أي خوف من الحکم والسلطة. وإنما نعني بالفردية، الفردية الخلقية، لا الفردية النفعية الانتهازية. ففي الفردية الخلقية، يحاول الناس تفعیل قدراتهم لتحسين حياتهم وحياة الآخرين، ولكن في الفردية النفعية التي نحن نرفضها، يهرول الكل وراء تحقيق أغراضه، ويستغلُّ کلَّ فرد وکلَّ شيئ في الوجود للوصول إليها. 

والفردية ‌التي نريد إثباتها للإنسان، هي التي لا يهدِّد فردية الآخرين. وتحدید الأعمال التي تضرُّ بفردية الآخرين، ليس من اختصاص القوي الحاكمة والفئات الاجتماعية التي تمتلك القوة، بل يجب أن تناقش في حوار حُرّ بين شرائح المجتمع ذات علاقات اجتماعية وثقافية‌ وتتبلور في القانون. 

2  - النشاطات الاجتماعية

إن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج إلی المساهمة فى النشاطات الجماعية للمضيّ قُدُماً في مسيرة الحياة، ورفع مكانته المادية والمعنوية. والتفاعل الجماعي جزء اساسي من عملية إثبات الإنسان وجوده. فبناءً‌ علی ذلک لابدَّ أن يکون للناس الحرية الکاملة للقيام بالنشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية المشترکة وبذل الجهد لبناء حياة أفضل. والحياة الدينية في الإسلام لها جذور اجتماعية يتمثل في كل من الجوانب العبادية: (الصلاة والزكاة والحج والجهاد والصدقة) والجوانب الاجتماعية والسياسية: (مبدأ الشورى) بصورة واضحة. 

3 - حرية التعبير

إن الحضارة والثقافة لاتزدهران إلاَّ في ظل حرية التعبير، ولا تتكون الحضارة والثقافة في مجتمع لا يتمتع بالحرية. بعبارة أخری، إنَّ التقدم الفكري والتقني إنما يتولد في مجتمع يستطيع المواطنون فيه أن يفکِّروا  في جو تسوده الحرية، وأن يفصحوا عن آرائهم وأفكارهم بکل راحة، وأنّ المجتمع الأحادي الرأي الذي ليس فيه إلا أبواق الحكام وأصحاب القوة ولا يمكن لأحد أن يفكر ويعبر عن آرائه إلا إذا کان منتمياً إلی الحكومة، لا ثمار له سوی تعزير قوة الحکام المتزايدة و توسيع سيطرتهم. 

4- حرية العقيدة و‌المذهب

بما أن اصحاب المذاهب يتمتعون بأفکار عاطفية قوية، يعتبر الاستبداد العقدي والمذهبي من أخطر أنواع الاستبداد، فاذا لم تكن هناك حرية دينية، فسوف يأخذ أفجعُ الأعمال وأكثرها عنفاً وهمجية صبغةً دينية وطابعاً قدسيّا وسيعتبر قتلُ أتباع المذاهب الأخری وحرمانهم من الحقوق الاجتماعية والسياسية، عبادة وقرباناً إلی الله. فللحدّ من هذا النوع من الجرائم – التي  تمتلئ بها ذاكرة الشعوب - لابد أن تُكرّس حرية العقيدة‌ والمذهب في المجتمع حتى يستطيع أصحاب المذاهب المختلفة ضمن احترام المذاهب الأخری أن يؤدوا‌ شعائرهم الدينية ويعبروا عن معتقداتهم وآراءهم في المجتمع. 

5- حرية المشاركة‌ والمنافسة‌ السياسية 

إن تحقيق الحرية يحتاج إلی مشاركة‌ نشیطة هادفة‌ للمواطنين في المجالات السياسية والاجتماعية ولا‌‌‌‌ يمکن الوصول إليها إلاَّ في ظل الاعتقاد بتعدد الأفكار والأحزاب والمشاركة الحرة والمنافسة السليمة لجميع المواطنين، وانطلاقاً من هذا المبدأ نری أن التعاون والحوار مع الأحزاب والکتل السياسية لتحقيق الأهداف المشتركة، أمر ضروري. ولابد أن تکون هذه العلاقات مبنية علی التسامح وقبول الآخر والتفاوض والتفاعل الحر الدیموقراطي. 

الحل 

لعلنا نستطيع القول أن الحرية لم تتحقق كاملة في أي مجتمع وأن تحقيقها‌ يحتاج إلی جهود كبيرة متواصلة، ونظراً لعدم تحقق أي جانب من جوانب الحرية في مجتمع ما والعراقيل التي تعترض أمام تحقیقها، فإننا نقدّم حلولاً محدّدة ومجربة لتحقيق الحرية والتي سوف نشير إليها.

المعرفة والوعي  

إن تنمية معرفة الناس تُعتبر من أهم الأعمال لتحقيق الحرية. والذين لم يتعرفوا علی حقوقهم ولم يطّلعوا علی انتهاک حرياتهم، لايستطيعون أن يقوموا بأي عمل لتحقيقها. ولذلك، فإن تعريف المواطنين بحقوقهم الفردية والإجتماعية، هو الخطوة الأولي في سبيل الحرية. والصورة الأخری للمعرفة هو التسلّح بالخطاب السياسي والاجتماعي المعاصر، وبما أنّ كل عصر له نظريات ومصطلحات خاصة، فإن المواطنين عندما يطّلعون عليها، يستطيعون أن يثبتوا مطالباتهم بالبراهين الدامغة وينتهجوا طريقا مناسباً للوصول إليها. 

التفكير الانتقادي

وللوصول إلی مجتمع حرّ لابدّ من تنمية التفكير الانتقادي بين المواطنين إضافة إلی إطلاعهم علی حقوقهم. بعبارة أخری، لابد أن تنمو فيهم الشجاعة والقدرة علی نقد كثير من الصلات والعلاقات غير الشرعية السائدة في المجتمع في جوانبها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وقد تجلّى هذا الأمر فى ثقافتنا الإسلامية في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لأولي الأمر.

وتبرز أهمية التفكير الانتقادي في أننا نرى كثيراً من الأحيان أن الفقر والحرمان والظلم يمُارس تحت ستار القانون والتقاليد الاجتماعية. وأهم قضية في التفکير الانتقادى، هو الوصول إلى فكرة تخطّى الوضع الراهن والصلات والنظم السائدة. وفي ضوء هذا التفكير إنما يتيسّر إصلاح الأمور وتحسينها.

إنشاء المؤسسات الديموقراطية

إن المؤسسات الديموقراطية هي التي تضمن الحرية، لا المؤسسات الاستبدادية. إن إنشاء المؤسسات الديموقراطية- ولو كانت بصورة محدودة- هي الخطوة الأخری للوصول إلی الحرية. و‌لا نعني بالمؤسسات الديموقراطية، المؤسسات السياسية المعتمدة علی الإنتخابات الحرة فحسب، بل نعني بها کل مؤسسات المجتمع الإنساني التي تهييء الأرضية المناسبة لازدهار المواهب الفطرية للإنسان، وكبت الرذائل والمظالم بعیدا عن العلاقات الفاسدة بین السلطة والثروة. فلذلك لا يمكن الوصول إلى الحرية بالتنظير والتسلّح بالآراء الفلسفية فقط، بل لابدّ من جهود عملية لبناء مؤسسات دیموقراطیة هي الصورة الإیجابیة للحریة. 

التسامح والمداراة

إنّ المجتمعات المعاصرة مجتمعات متعددة الثقافات، بحيث قلّما تجد في العالم المعاصر مجتمعا يتكوّن من مذهب واحد أو لغة وثقافة واحدة. فلذلك كي يمكن التعايش السلمي للأعراق الاجتماعية المختلفة، يجب أن لايكون هناك كبت وضغط علی الآخرين بسبب نمط حياتهم، بل يجب أن يحترم کلٌّ منهم أنماط حياة الآخرين وتسود بينهم روح التسامح والمداراة.