التضامن هو الشعور بالإنتماء عن وعي واختيار بين الأفراد والفئات والمجتمعات وهذا الشعور ناتج عن مصالحهم المشتركة ويعتبر من مستلزمات الحياة الجماعية، التي يحتاج الأفراد والفئات بعضهم إلی بعض في سلسلة من التفاعلات الثنائية. 

إن الإنسان يبحث عن السعادة، والسعادة منوطة برُقيّه وحصوله علی آماله المعقولة القابلة للتحقق. ومن جانب آخر، فإن جميع نشاطات الإنسان الهادفة إنما تتم للحصول علی غايتين أساسيتين هما: جلب المنافع ودفع المضار، لأن جلب المنافع ودفع المضار، من الخصال الذاتيه للإنسان، ولكن هل يمكن للإنسان بوحده ومن دون معونة الآخرين أن ينمّي مواهبه ويدفع الأضرار عن نفسه؟

ومن البدهي أن الناس يحتاجون إلی عون الآخرين للحصول علی ما يريدون. وأنه يجب عليهم أن يحدوا قدراً من حرياتهم للوصول إلی غاياتهم. 

من جهة أخری، فإن كانت المجتمعات البدائية بإمكانها أن تحصل بوحدها علی أقل الإمكانيات اللازمة لحياة بسيطة آنذاک، فالیوم مع کل هذه التعقیدات السائدة علی حیاة الإنسان فإن ذلک لیس بمقدور، ویتعین علی الإنسان إنشاء علاقات قائمة علی التعاون مع الآخرین.

إن تعاليم الإسلام الاجتماعية تدعو المسلمين إلی التضامن والاتحاد والتكافل والتعاون وتعتبر التفرق والتخاصم ومفارقة الجماعة، من أسباب الانهزام والاضمحلال. فضلاً عن ذلك فإن الإسلام يساوي بين الناس في حقوقهم ويعتبرهم من أصل واحد. ولذلک يؤکد الإسلام علی المعاملة بـ«البر» و«القسط» باعتبارها مقدمة ضرورية لتحقيق التضامن في المجتمع الانساني ويدعو إلی معرفة الحضارات والثقافات الأخری والتفاعل معها. وعندما يلتزم المسلمون بهذه المعاني، فإنهم سيعيشون في وئام وطمانينة ويؤدون دورهم في عملية‌ تحقيق السلام العالمي. 

نحن نری أن العلوم المعاصرة والثقافة العالمية الحديثة، هي حصيلة جهود كل الشعوب التي عانت آلاف السنين لأجل نموِّها وازدهارها، تداولت العلوم والثقافات بين الحضارات علی مدی التاريخ حسب سُنّة التداول. وبناءً علی ذلك، فإن التفاخر واستخدام التكنولوجيا كوسيلة لقهر الشعوب الأخری والسيطرة عليها، سوف يضرّ قبل كل شيء بالعلم والتقدم الذي هو من الانجازات المشتركة بين الناس. 

ونعتقد بأن محاولة أبناء أي دين أو ثقافة أو حضارة، لتدمير سائر الحضارات والثقافات والأديان، تسبب الفوضی والاضطراب في العالم، ولن تؤدي إلا إلی تخلف فئات والتقدم غير المتوازن لفئات أخری. 

ولقد تعلمنا من القرآن الکریم والسنة النبویة‌ أن علاقات المسلمين بغيرهم يجب أن تكون سلمية إلا مع الذين نقضوا الأيمان وشرّدوا المسلمين وهم بدؤوا بالحرب. 

الحلول

نحن نری أن الحلول الآتية ملائمة لحصول الشعوب والأحزاب والفئات علی التضامن المنشود:

المشاركة العادلة 

عندما نتأمل قليلاً في ظروف العالم الراهنة نری أن مردّ كثير من التوترات هو إقصاء فئات وأشخاص من الساحة، الذين لم يحصلوا علی حقوقهم، ولم يؤذن لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، ويبذلوا الجهد لينالوا حقوقهم وغایاتهم. نحن نری أن معظم أسباب التوتر في العلاقة بين الإسلام والغرب لا يعود إلی الاختلافات العقدية والدينية، بقدر ما يرجع إلی عدم الإتزان في النظام السائد علی العلاقة بينهما، و لو أعدّت الأرضية الملائمة للمسلمين في الساحات الدولية، لكي يكون لهم مشاركة أكثر فاعلية وذلك باستخدام عادل لوسائل الإعلام وتنوير الرأي العام وعدم تحريف الحقائق، سوف يستدرک قسم من اللامساواة هذه، ولاشك أنه سوف تسود عقلية الوئام والتعاون والشعور بالمسؤولیة أكثر من ذي قبل. 

وفي الساحة الداخلية نحن نعتقد أن تفرّد الأحزاب والفئات وادعائها بأنها هي الممثلة الحقيقية للناس، والسعي لکبت المنتقدين الذين يبذلون الجهد في سبيل إسعاد الناس، يؤدي إلی القلق والضبابية ويسبب توتر العلاقات بين الأحزاب وشرائح الناس المختلفة. 

ونحن نری أن تقدیم الخدمات للمجتمع من قبل الأحزاب و‌الفئات بشكل مطلوب، إنما يتيسر إذا دافع بعضهم عن كيان بعض، وعن حق المشاركة ‌الفعالة علی جميع الأصعدة. وبذلك تعزز الأحزاب ثقافةَ تقدیم الخدمات بین الناس‌، وترفع مكانتها وتثبت أنها صادقة مع الناس وتقف إلی جانبهم. 

التأكيد علی المصالح المشتركة

لاریب أن وحدة الفكر والعقيدة تعتبر من أهم المؤثرات في تحقیق التضامن والوئام وأن بذل الجهد للحفاظ علی الفكر والعقيدة المشتركة بين أفراد فئة، هو في حدذاته یعتبر حمایة عن مصلحة مشتركة، ولكن قد يجب تجاهل الخلافات الدينية والأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، و‌التأکيد علی الجوانب المشترکة التي تحتوي علی مصالح کل الأفراد و‌الأحزاب أو أکثرها، و‌ذلک حفاظا علی التعددية في المجتمع وتمهیدا لتطویر الفئات المتعددة والنشطة في المجالات المختلفة. و‌للحصول علی التضامن المنشود يجب أن لا تُضخّم الخلافات، لأن الناس عندئذ ينسون الوجوه المشتركة بينهم ويخفقون في الحصول علی مقاصدهم بسبب تورطهم في الخلافات التي لا طائل ورائها ويخسر فيها الجميع.