إن العنف كعنصر ذات طابع سایکولوجي اجتماعي، كان له دور هام ومصيري في حياة الأفراد والتطورات الفكرية والتاريخية للمجتمعات البشرية علی مدی الزمان، وبعدما اجتاز الانسان العصور الحالكة ودخل في العصر الحديث وتغيرت رؤيته عن الكون ومکانة الإنسان فيه، وتعرّف علی حقوقه وواجباته، اتخذ العنفُ طابعاً أكثر أهميّة. وبما أن كثيراً من الفلاسفة والمفكرين يعتقدون أن الإنسان المعاصر في القرن الحادي والعشرين، له رؤية فردية وأنانيّة ويسعي لكسب القوة والثروة والمكانة الاجتماعية بأية طريقة ممکنة، فإن إحدي المعايير الأساسية التي تقيّم بها الصحة النفسية للأفراد وشرعية الفئات والنظم السياسية والاجتماعية، هي مدی علاقتهم بالعنف في الساحتين النظرية والعملية.
وما نعنيه بالعنف هو استخدام الطرق اللاسلمية واللاقانونية لتغيير البُني الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية في المجتمع. وبما أن الاجتناب عن العنف او استخدامه من جانب الأفراد والفئات والمؤسسات والنظم السياسية للوصول إلی أهدافهم أو إحداث أي تغيير أو تطوّر في المجتمع ينبع من رؤيتهم عن الكون والطبيعة والإنسان والتجارب التاريخية، كما ينبع من المكانة والحقوق والواجبات التي يريدونها لأنفسهم وللآخرين، فإننا قد اخترنا الاجتناب عن العنف في جميع الظروف والحالات أصلاً ثابتاً وأسلوباً غير متغير للتعامل مع الآخرين وإحداث التطورات السياسية والإجتماعية في المجتمع، معتمدين في ذلك علی مبادئنا العقدية المستلهمة من القرآن والسنة والسيرة النبوية، ولا نألوا جهداً في إيجاد أرضية نفسية واجتماعية وسياسية ملائمة لعدم استخدام العنف وللاجتناب عنه. ولذلک يعتبر تصحيح رؤية أفراد المجتمع وتصورهم من أولوياتنا كمايأتي.
لقد خلق الإنسان حراً، وأن حريته في اختيار العقيدة والدين يُعتبر من أبرز مظاهر حريته وقد ترك الله الناس أحراراً في هذا الاختيار ولا يحق لأحد أن يکره الآخرين علی قبول عقائده ظناً منه أن اختياره هو الأحسن والأحق، ولا يجوز أن يُضطهد أحدٌ بسبب اختياره الخاطئ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقره/256)، ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس/99).
إن الإنسان، كائن عاقل وقابل للتربية، وفي الظروف الملائمة يستطيع أن يختار المنهج الصحيح دون أي تهديد أو إجبار، فلا حاجة إذن إلی استخدام العنف وليس هناك فرق في هذا المجال بين الناس في الجنس واللون والثروة وغيرها.
يختلف الناس فيما بينهم من الناحية النفسية والجسمية والتجارب الفردية والعائلية، فمن الطبيعي إذن أن تختلف رؤيتهم إلی الظواهر وفهمهم للأحداث، وأن تکون لهم ثقافات متنوعة. لذلك لايملك أي فرد أو أية ثقافةٍ الحقيقةَ المطلقةَ، ولايستطيع أن يستمر في حياته أو يطوّر نفسه من غير معونة الآخرين. إن إقصاء الآخر واستخدام العنف، ليس مذموماً فقط، بل يخالف غاية الخلق ويضرّ بمصالح الأفراد والمجتمعات البشرية.
الحلول
الحوار
إن الاختلاف في الآراء و الأفکار هو أحد الأسباب التي تؤدّي إلی ظهور العنف، وأن الحوار علی ما جاء في القرآن الکريم وما يُفهم من سيرة الأنبياء الكرام هو أحسن حلٍّ لترقية مستوی التفاهم المتبادل بين أصحاب الأفكار المختلفة. ولاشك أن الحوار إنما يكون منتجاً ومفيداً إذا تمّ في جوّ يسوده الاحترام المتبادل ويتمتع كلا الجانبين بإمکانيات متساوية بعیدا عن التعصب أو الإکراه أو إصدار أحکام مسبقة.
الإعتقاد بضرورة النقد
إن عدم تقديس الأفراد والأفكار والأنماط الخاصة للحياة، والاعتقاد بضرورة النقد والتحليل بدل «النقل» و«التقديس» يعتبر خطوة مهمة في سبيل الاجتناب عن العنف وتوفير مناخ سلیم للحوار وتبادل الآراء والأفكار.
الإيمان بالتغيير
الاعتقاد بالتغيير وعدم الإلحاح علی حفظ الهياكل السابقة والإيمان بضرورة تطور الفكر عبر الزمان، وازدياد التجارب اليومية والانجازات العلمية، يعتبر خطوة أخری في سبيل الاجتناب عن العنف. فالإلحاح علی الهياكل السياسية والإجتماعية السابقة وعدم تغييرها، يهييء الأرضية لظهور العنف.
الالتزام بالعقد الاجتماعي
نحن نری أنه لابدّ من وجود عقد اجتماعي يتبلور حسب الإرادة العامة في منشور يسمی «الدستور» وإن الالتزام بالدستور الذي يحتوي علی حقوق المواطنين والحكام وواجباتهم، يسدّ الطريق أمام العنف.
العنایة بالتعاليم الخلقية
إن الإسلام يقلّص بواعث الحرب والعنف بحکمة وبشکل متدرّج وذلك بوضع نظام خُلقي معتمد علی واقع الإنسان والإيمان بالآخرة والخشية من الله.
إن التخلق بالصبر وضبط النفس والإيثار وكظم الغيظ والعفو والصفح، والاجتناب عن الغيبة والنميمة، وعدم إساءة الظن بالآخرين، وترك المراء و المجادلة الباطلة، وصلة الرحم مع الأقارب، ورعاية حقوق الجيران، والإنفاق ومساعدة الفقراء والمساكين، وتوطيد الصلات بين المؤمنين، وحب الناس وتقديم الخدمة إليهم في أنحاء العالم، کل ذلک يمهّد الطريق للوصول إلی السلم والتعايش السلمي والاجتناب عن العنف.
الآراء