حضر الأمین العام لجماعة الدعوة والإصلاح الأستاذ عبد الرحمن بیراني في اجتماع المجلس المرکزي للجماعة حیث تم عقده یوم الخمیس 6 صفر واعتبر العدالة أساسا لشرعیة منظمة الجماعة المدنية وأکد علی التقسیم العادل لإعطاء المناصب والمسؤولیات. أفاد مراسل إصلاح‌وب أن الأستاذ بیراني بدأ کلمته حول النفس مشیرا إلی الحوار الذي جاء في الحدیث النبوي الشریف بین النبي وجبریل: جاء جبریل إلی النبي وقال: "أحبب من شئت فانک تفارقه واعمل ما شئت فإنک مجزی به وعش ما شئت فإنک میت واعلم أن شرف المؤمن قیامه باللیل وعزته استغناؤه عن الناس" وبناء علی هذا الحدیث أن الحیاة فرصة عابرة لا تتکرر کما یعبر عنها القرآن الکریم: "کلُّ مَنْ عَلیها فَان وَ یبقَی وجه ربک ذوالجلال و الاکرام" [الرحمن:٢٦]

وحول خلود النفس وعدم موتها قال: یقول أحد الصالحین: "إن الدنیا فیها عیبان: الأول أن تحقیق الأمنیات فیها صعب للغایة والثاني فإذا تحققت فهي عابرة فانیة". المهم أن کل شيء فان إلا النفس وأنها لیست صاحبة مؤقتة بل ترافق الإنسان في الدنیا والآخرة فعلینا أن نحسبها بمعزل عن القضایا الفانیة لأنها أبدیة وهي کالطفل الحبیب الذي یحتاج الدعم والتوجيه والرعاية المستمرة. فیجب أن نربیها بأحسن الوجوه ونجعلها في أفضل الأماکن ونحترمها کل الاحترام. وأضاف الأمین العام للجماعة: علینا أن نأخذ الدروس من الأیام الخوالي للنفس؛ والیوم نقوم بإدارتها لأن فجورها وتقواها سیؤثران علی حیاتنا ومصیرنا؛ قال تبارک وتعالی: "یا أَیهَا الَّذینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ یؤْتِکُمْ کِفْلَینِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَیجْعَلْ لَکُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ" [حدید:٢٨]

وفي إشارة إلی آیة: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَیهَا وَمَا رَبُّک بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ" [فصلت:٤٦] وآیة "مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَیها ثُمَّ إِلی‏ رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ" [جاثیة:15] اعتبر سماحته النفس کالمرآة؛ کلما کانت المرآة أكثر إشراقا وأكثر حساسية ستظهر حقائق الأشیاء على نحو أفضل وأحسن.

وتابع: إن قبول المسؤولیة ینبئ عن قوتنا وتنمیة شخصیاتنا مضیفا: هناک من یجعل نفسه تحت هیمنة القدر والجبر الاجتماعي بینما أن من سمات الإنسان البارزة قوة الإرادة والاختیار وتحدید المصر وأن العمل اللاإرادي لا یجدي نفعا وکل إنسان مرهون بسلوکیاته: "کُلُّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ رَهِینَةٌ" فیلزمنا أن نحمل مسؤولیة الحیاة الاجتماعیة والفردیة ومسؤولیة خیاراتنا.

واعتبر الأستاذ بیراني تبریر الأخطاء أو إسقاطه عن الشخص علامة العجز والتخلف قائلا: یقول العلماء: "إن مسؤولیتنا تعود إلی المناطق المختارة ولیس القضایا القهریة اللااختیاریة کاللون والمولد والحالة الجسدیة ولکن نحمل المسؤولیة في العقائد والسلوکیات.

وفي ضرورة إکرام النفس أردف قائلا: من منظر الإسلام علی الإنسان أن یسلط علی نفسه ویهدیها في سبیل النمو واغتنام الفرص وتمنعها عن الشذوذ والانحراف. یجب أن نتعلم حب النفس وتکریمها وبطبيعة الحال هذا ليس غطرسة وتکبراً. یقول حسن الفقیه من الشخصیات الإسلامیة البارزة: "عملت عملا جیدا یستحق التشجیع ولکن لم یقم أحد بتشجیعي فأخذت القلم وکتبت تقدیرا لي".

وأکد الأمین العام: إن الظروف الاجتماعیة تؤثر علی حیاتنا وشخصیاتنا ولکن لا لدرجه تهملنا عن حمل المسؤولیة. وفي جزء آخر من کلمته تطرق الأمین العام لجماعة الدعوة والإصلاح إلی موضوع العدالة قائلا: بناء علی القانون الإلهي بالعدل قامت السموات والأرض وأن الله تعالی لم یضع شیئا في غیر موضعه بل وضعه في مکانه الجدیر به.

وأضاف: إن العدالة قاعدة في الخلق وهي کمیزان الله في الأرض ومن أهداف الدین في المجتمع: "لِیقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" وعلاوة علی خطورتها الدنیویة هي مرجع للمحکمة الأخرویة ولها قیمة مطلقة خالدة. وفي إشارة إلی أن الإسلام قد جعل معیارا وراء العدالة أکد الأستاذ بیراني: إن إقامة العدالة وإن کانت معیارا للحکم وغایة له ولکنها لیست نهایة المطاف للسلوک الاجتماعي بل أوصی الإسلام بأعلی منها: "اِنَّ اللهَ یَأمُرُ بِالعَدلِ وَ الاِحسان" وقد أوصي المسلمون بأن یتصرفوا وراء العدالة أي باللطف والإحسان وقد قیل: "العدل حسن والاحسان أحسن".

وتابع: قد اعتنی الفقهاء والمحامون والسیاسیون علی مر التأریخ بإقامة العدالة والأمن؛ إن العدالة لها قواعد ثابتة ولکن الأمن یتبع التطورات والأحادث الاجتماعیة. التصالح بین العدالة والأمن صعب جدا؛ العدالة دون الأمن تذهب أدراج الریاح وأن الأمن دون العدالة یؤدي إلی التمرد ومن ثم یجب توجیه الشعب حتی یکونوا مطالبین للعدالة وملتزمین بتکالیف المواطنة.

وحول التقسیم العادل للمناصب أکد الأستاذ بیراني: تقسیم المناصب یجب أن یکون علی الجدارة ومن یقوم بإدارة شؤون الناس یجب أن یکون حفیظا علیما کما عبر عنه یوسف الصدیق. تفویض المسؤولیات لذوي الجدارات هو أحد الشروط الأساسیة للعدالة کما أن إقامة الأمن والعدالة بحاجة إلی قبول الآخر والتسامح والاجتناب عن الإقصاء السیاسي والطائفي.

وفي ختام کلمته تطرق الأستاذ بیراني إلی الفوارق الموجودة بین الإنسان المعاصر وسلفه من حیث وجهات النظر والمطالب اعتبر التناغم بین تطورات العصر ومستجداته أمرا ضروریا وأکد: إن القرآن الکریم یحدث عن "خلق جدید" وعلی هذا أری أن الإنسان المعاصر خلق جدید بالنظر إلی سلفه وأن رؤیته ومطالبه مختلفان عن سلفه جدا؛ نحن الیوم أمام تطورات هائلة في مستوی الأفکار والتقنیات وإذا فشلنا في التناغم بینها وبین البیئة الجدیدة والخلق الجدید لا یمکننا التعامل مع الموجات المضطربة من هذه التطورات وقد تشیر إلیه الآیة: "إِنَّ اللَّهَ لا یغَیرُ ما بِقَومٍ حتی یغیروا ما بأنفسهم"