في الاجتماع الافتراضي الذي عقد بحضور الأمین العام لجماعة الدعوة والإصلاح مع مسؤولي الشعب أکد الأستاذ عبد الرحمن بيراني الأمين علی أن قضیة فلسطین هي القضیة الأولی للعالم الإسلامي. نص کلمة الأمین العام کما یلي:
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله والصّلاة والسّلام علی رسول الله وعلی آله وأصحابه ومن والاه
السّلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
إخواني وأخواتي الکرام سأقدم خطابي لکم في تمهید وثلاثة مواضیع:
التواصل الصادق مع إخواني وأخواتي الکرام صدر سعادتي خاصة في هذه الظروف الخطیرة والآلام والمشاکل الصحیة التي یسببها الفیروس کورونا المستجد وفرضت تغييرات مختلفة على طريقة حياة البشر وعلاقاتهم؛ کما یقول القرآن الکریم: "وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا" بالطبع نحن لا ندري ما هي مهمة هذا الفيروس؟ وإلی الآن حصد أرواح عدد کبیر من مواطنینا وأقاربنا نسأل الله لجمیعهم الرحمة والغفران ولذویهم الصبر والسلوان والأجر الجزیل.
رغم أن الموت هو قانون إلهي وحکمة ربانیة وفي جوهره یسبب العبرة والاتعاظ ولکن أن تموت بغرابة وبمنأی عن الأقارب حدث مأساوي جدا ومصدر تألم. مع الأسف في الظروف التي یواجهها العالم خاصة العالم الإسلامي والتحدیات والصعوبات التي یعاني منها الجمیع ونحتاج إلی الوئام والوداد أکثر من أي وقت مضی، قامت الأمارات المتحدة العربیة بتطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیوني ناسیة ومتناسیة القضیة الأولی للعالم الإسلامي وهي قضیة فلسطین والأراضي المحتلة والقدس الشریف.
الموضوع الأول: التأکید علی أهمیة ومکانة الواقعیة إخواني وأخواتي الکرام؛ أنتم علی علم أن الواقعیة هي من ممیزات دین الإسلام: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا" الإسلام یهتم علی حقیقة الوجود وواقع الحیاة واختلاف القدرات والمواهب: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" الفقه الإسلامي یعتبر الاهتمام بالواقع الذي یحکم علی المجتمع البشري وتلبية احتياجات الزمان والمكان کرسالة له؛ یقول ابن القیم تحت عنوان فقه الواقع: "یحتاج المفتي والحاکم إلی نوعین من الفهم لإصدار الفتوی: النّوع الاوّل: فهم الواقع والفقه فیه والنوع الثّاني فهم الواجب في الواقع". بمعنی التوافق بین النص الشرعي للکتاب والسنة یخضع للفهم الصحیح للواقعیة السائدة علی المجتمع وفهم رسالة الدین. جاء القرآن ليعالج ويصحح الحقائق الحاکمة علی حياة الناس وخاض فیها العلماء تحت عناوین مختلفة کفقه الواقع وفقه النوازل وفقه الأحداث. فإن رسالة دین الإسلام أن یتعامل مع الظروف الموجودة والزمان والمکان والأشخاص تعاملا حکیما ویصون علی علاقة المؤمنین بالوحي بتبیین الهدایة الربانیة. حتی إن بعض العلماء والمفکرین کأبي حنیفة والشافعي تحدثوا عن الفقه الافتراضي والاستعداد للتعامل مع الأحداث التي من المحتمل أن تحدث ولم تقع بعد؛ الأمر الذي أصبح قضیة مهمة في عصرنا وقد خاض فیها بعض المراكز الاستراتيجية في الدول المتقدمة.
لذلک من المتوقع أن یقوم المؤمنون خاصة أبناء الصحوة الإسلامیة والحرکات الرائدة والدعویة بالتعامل مع مستجدات الأوضاع والتطورات وظهور حالات جدیدة بأفضل طريقة ممكنة وبالواقعية اللازمة والفهم الصحيح للزمان والظروف والإمکانیات الموجودة والتقنیة بدلا من القلق والحداد على الماضي وتمنى التطورات وتوقف الزمان والقیام بأداء واجبهم نحو الأسرة والجماعة والمجتمع.
الموضوع الثاني: تحسين جودة علاقات المؤمنين إخواني وأخواتي الکرام إن من رسالات الإسلام تكوين العلاقات التي تصنع حیاة الإنسان وتصحيحها وتوجيهها لتحقيق المکانة التي تستحقه.
الأول: علاقة الإنسان مع ربه وهو ما تتخلص في العبودیة بمعنی أن تتم جمیع أقوال المؤمن وأفعاله وسلوکه خالصا لوجه الله وفي إطار القواعد الشرعیة ولا تتعدی الحدود الإلهیة لأن الله تعالی إنما یتقبل صالح الأعمال. وقد أمر الله تعالی أن یقوم المؤمن بامتثال أوامره في جمیع جوانب حیاته: "اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً" ولذلک یحتم علی المؤمنین أن یضعوا إیمانهم في دائرة الدین وینظموا جميع أنشطتهم وتصرفاتهم على أساس الشرع.
الثاني: العلاقة مع الکون وهي ما یأتي به في إطار التنمیة والعمران البشري: "ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" وفي هذا السیاق سخر الله الکون للإنسان: "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" ووهب الإنسان القدرة على تعلم العلم والمعرفة وقوة الإدراك للکون والقوانین السائدة علیه والتمییز بین الخیر والشر وأودعه الثروات والاحتياطات والمناجم وألهمه طرق استخراجها والاستفادة من الفرص الثمينة؛ فلذلك لا ينبغي أن يقصر في هذا الصدد ولا یلعب دورًا في التنمية والتطور ورفاهية الإنسان الأمر الذي يتعارض مع رسالته ومسؤوليته وما أجمل ما قال صادق الرافعي: "إنْ لَمْ تَزِدْ عَلَی الأرْضِ فَأنْتَ زائدٌ عَلَیها"
الثالث: العلاقة مع الآخرین في التعاون علی البر والتقوی والإحسان والقیام بالقسط:
"وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"
"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"
بالطبع أن الإیثار والإحسان والقیام بالعدل ستجلب الأمن والسلام والنمو والتميز للبلاد والعباد وتعطي الحیاة معنی.
الرابع: العلاقة مع الحیاة وتتخلص في الابتلاء والامتحان ومشارکة الإنسان في میادین الخیر وأحیانا الشر وهي عبارة عن مسؤولیة الفرد تجاه نفسه وأسرته والمجتمع الذي یعیش فیه. وحول علاقة الإنسان مع حیاته لقد أکد الله تعالی علی عدة معاییر وهي:
١.إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.
٢.وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
٣.إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا.
٤.هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا.
وهذه هي المعاییر العامة التي تحكم الحياة البشریة و تتخلص في المسؤولية والاستعداد للإجابة والحصول على نتائج الأعمال: "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ" "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا"
الموضوع الثالث: الثقة بالنفس الفردیة والجماعیة: وقد عرّف العلماء الثقة بالنفس على الإيمان بقدرات الفرد وإمكانياته لتحقيق الأهداف والخطط والاستراتيجيات وفي الواقع الثقة بالنفس یعني احترام الإنسان لنفسه ولما یملکه. الثقة بالنفس هي مفتاح النجاح وهي المیزة الأکثر أهمیة ومؤثرة في الحیاة الفردیة والجماعیة والعامل الأهم للشعور بالمسؤولیة والتعاون والتفکیر الإیجابي لذلک یحتاجها القادة والمسؤولون أکثر من الآخرین.
طبعا أن الثقة بالنفس هي أمر اکتسابي ويتم تکونها وتعزيزها بواسطة الأنشطة والإجراءات الاجتماعية الإيجابية. الثقة بالنفس توفر نوعًا من الأمن الداخلي والاسترخاء الذهني ويزيد من نسبة النجاح في استخدام المرافق والقدرات والتحلي بالصبر في مواجهة المشاكل والشدائد والهموم.
أرجو لکم التوفیق والنجاح
الآراء