أكد الأستاذ عبد الرحمن بيراني الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح ،على أصالة الفكر وواقعيته وديناميكيته في اجتماع المجلس المركزي لهذه المنظمة المدنية الذي عقد على الإنترنت. فيما يلي تفاصيل خطاب الأمين العام الذي ألقاه يوم الأربعاء 27 ربیع الأول:

بسم الله الرّحمن الرّحیم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على نبیّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعین.
نحمد الله الذي رزقنا توفيق المشارکة في هذا الاجتماع الإيماني المبارك لأداء الواجبات المنوطة بالمجلس المركزي ونأمل أن يرافقنا النجاح الإلهي دائمًا. في بداية کلمتي أسأل الله تعالی الرحمة والغفران لجميع الأحباء الذين لقوا حتفهم والشفاء العاجل لجمیع المرضی والعافیة والنجاة من المصاعب والمشاكل وتحقيق الراحة والسلام لجميع المواطنين.
اما بعد: كما تعلمون ، كان للأنبياء عليهم الصلاة والسلام مهمة ورسالة مشتركة تتعلق بالدعوة إلى التوحيد والإخلاص في العبادة ومحاربة الظلم والشرك ، ولكن كان لكل واحد منهم أرض وإقلیم وأمة أرسلوا إليها برسالة خاصة ومناسبة لهم. وفي هذا السياق يقول القرآن الكريم: "وَإِلَىٰ مَدْینَ أَخَاهُمْ شُعَیبًا قَالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَیرُهُ".
قصة النبي شعيب عليه السلام في أهل مدین على طريقة قصص الأنبياء الآخرين - علي نبينا وعليهم السلام - کقصة هود مع قوم عاد أو قصة صالح مع قوم ثمود والقرآن الكريم مهتم بهم علی سواء ؛ الفرق هو أنه إلى جانب الدعوة إلى التوحيد التي كانت المهمة المشتركة لجميع الأنبياء والمرسلین، أولى القرآن اهتمامًا خاصًا لموضوع الثقة واحترام العدالة في أهل مدین لا سيما في المعاملات التي كانت من الاحتياجات الأساسية لذلك المجتمع.
مدینة مدين التي كانت واقعة في طريق الحجاز إلى الشام كانت تشهد رخاء نسبیا وهي من مراكز التجارة بینما قلل بعض أهلها من مقاييسهم ومکاییلهم وقللوا من سلع الآخرين لصالحهم. لذلک أصبحت محاربة هذه الظاهرة القبيحة والضارة والمدمرة من أولويات شعيب كنموذج للفساد الاقتصادي. لأن تقليص حقوق الآخرين بالإضافة إلى اعتباره ظلمًا يخلق شعورًا بالتشاؤم والاستياء وانعدام الأمن واليأس في قلب الإنسان خاصة تجاه العدالة ، وله آثار مدمرة على البيئة المعيشية والعلاقات والمعاملات الاجتماعية.
لذلك قال لهم النبي شعيب: "يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين" وأكد لهم أنه ليس لدي أي غرض سوى الإصلاح العام لحياتكم وآخرتکم وأفکر في مصلحة المجتمع: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ"
في نظام تعاليم الإسلام الاجتماعية ، یبرز المفهومان الاستراتيجيان "البر" و"التقوى" حیث أكد الله تعالی علیهما "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ" "البر" يهدف إلى إصلاح العالم و "التقوى" یركز على إصلاح الآخرة ؛ وبالطبع فإن مصلحة العالم تتحقق بإقامة العدل والالتزام بمعايير القسط الإلهي ومصلحة الآخرة تتحقق بالعبادة والعبودية الواعية الصادقة.
يشار إلى أن الله تعالى خلق الإنسان من جهة ككائن اجتماعي يحتاج إلى تعاون ومشاركة الآخرين في مسيرة النمو والتميز والقضاء على النواقص ومن ناحية أخرى لم يخلق إنسانا كاملا غنیا عن الآخرین منذ الولادة حتى الموت. بل إن البشر ، وكذلك المجتمعات البشرية ، يحتاجون دائمًا إلى التعارف والتفاعل والتعاون مع الآخرين وكذلك إلی مجتمع يعيشون فیه من أجل تلبیة حاجاتهم واکتشاف أوجه قصورهم وتعویضها وتحقيق النمو والازدهار والتطور وفي هذا السياق يقول القرآن الکریم: "وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".
وتجدر الإشارة إلى أن التسخیر هنا لا یعني الاستغلال الجائر ، بل هو بمعنی الحاجة إلى التفاعل المتبادل وتلبية الاحتياجات وخدمة الناس بعضهم البعض والاستمرار في العيش والتعاون على التقوى واستخدام المواهب والقدرات والعبقرية والإبداع لدی العديد من الأشخاص وينطبق الشيء نفسه على الأمم ؛ أمة لديها موارد وهبها الله من الغاز والنفط ، وما إلى ذلك ، وأمة أخرى تتمتع بالتكنولوجي أو أمة لديها قوة بشرية وأرض مناسبة للزراعة أو السياحة والآثار والمناظر الطبيعية الرائعة وكل ذلک خاضعة للإنسان حتی یصل الأفراد والمجتمعات إلى النمو والازدهار.
من الواضح أن للبشر طريقتان فقط لتلبية احتياجاتهم وتحقيق مصالحهم: إما التعارف والتعاون من أجل تحقیق المصالح المشتركة ، أو الحرب والصراع وإكراه الآخرين ، والحرمان من حرياتهم والاستغلال الجائر. في النهاية أود أن أؤكد علی أن الأفکار عندما تکون فعالة ومؤثرة على المجتمع إذا کانت أصیلة وواقعية وفعالة ، وبإمکانها أن تقلل من مشاكل الناس وتلبي احتياجات العصر.
إن مجرد أصالة الأفكار وقدسيتها لا تكفي لإثارة إعجاب الجمهور وحيويتها والترحيب بها ؛ لأنه قد تكون فكرة حقيقية ومقدسة لكن لا يجب أن تكون فعالة ومقبولة لبعض الأسباب ولا يجب أن تكون لها أصالة وقدسية أمام فكرة أخری، ولكن يجب توفير أسباب قبولها في المجتمعات ويجب اختيارها والترحيب بها ؛ فكرة الشيوعية ، على سبيل المثال ، سيطرت على حوالي نصف العالم لعقود من الزمن.
أحيانًا تكون فضيلة الفعالية والديناميكية لها الأسبقية على فضيلة الأصالة والقداسة لذلك من الضروري تكييف أصالة الفكر وقدسيته مع منطق العصر والقدرة على الاستجابة للاحتياجات البشرية الجديدة متطلبات الزمان والمكان وتوفير السیاق اللازم لديناميكيته وفعاليته في مجال عمل.
والسّلام علیكم ورحمة الله وبركاته