الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله تعالى نبيه، فقال: «وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم/4)

إن الأخلاق في الإسلام لا تقوم على نظريات مذهبية ، ولا مصالح فردية ، ولا عوامل بيئية تتبدل وتتلون تبعا لها ، وإنما هي فيض من ينبوع الإيمان يشع نورها داخل النفس وخارجها، فليس الأخلاق فضائل منفصلة ، وإنما هي حلقات متصلة في سلسلة واحدة ، عقيدته أخلاق ، وشريعته أخلاق ، لا يخرق المسلم إحداها إلا أحدث خرقا في إيمانه .

يقول الرسول (ص) : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن » وسئل صلى الله عليه وسلم : « أيكذب المؤمن ؟ قال : (لا) ثم تلا قوله تعالى : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }» فالأخلاق دليل الإسلام وترجمته العملية ، وكلما كان الإيمان قويا أثمر خلقا قويا .

للأخلاق أهمية بالغة لما لها من تأثير كبير في سلوك الإنسان وما يصدر عنه، بل نستطيع أن نقول: إن سلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات، وما أصدق كلمة الإمام الغزالي إذ يقول في إحيائه « فان كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة.»

وقد أحسن الشاعر إذ يقول:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فأفعال الإنسان، إذن موصولة دائما بما في نفسه من معان وصفات صلة فروع الشجرة بأصولها المغيبة في التراب. ومعنى ذلك أن صلاح أفعال الانسان بصلاح أخلاقه، لأن الفرع بأصله، إذا صلح الاصل صلح الفرع، وإذا فسد الأصل فسد الفرع .

« والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً» (الاعراف/58)

ولهذا كان النهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم وتيسير سبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون بإصلاح النفوس وتزكيتها وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها ولهذا أكد الإسلام على صلاح النفوس وبين أن تغيير أحوال الناس من سعادة وشقاء ويسر وعسر، ورخاء وضيق، وطمأنينة وقلق، وعزّ وذلّ كل ذلك ونحوه تبعٌ لتغيير ما بأنفسهم من معان وصفات، قال تعالى: 

«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»

التعريف بالأخلاق لغة و إصطلاحاً

لغة:

الأخلاق فى اللغة جمع خُلُق، والخُلُق: هو السجية والطبع، والمروءة، والدين.(القاموس المحيط، ص137، والمصباح المنير،ج1،ص180) 

والخُلُق مأخوذ من مادة : ( خ ل ق ) التى تدل على تقدير الشئ .

يقول ابن فارس : ومن هذا المعنى ـ أى تقدير الشئ ـ الخلق : هو السجية لأن صاحبه قد قُدِّر عليه . يقال : فلان خليق بكذا : أى قادر عليه وجدير به ، وأخلق بكذا أى ما أخلقه ، والمعنى هو ممن يقدر فيه ذلك ، والخلاق : النصيب لأنه قد قدر لكل أحد نصيبه .(مقاييس اللغة ، أحمد ابن فارس،ج2،ص214؛ دار الجيل ، بيروت ط1 بدون (ت))

وقال الراغب الأصفهانى : الخَلْقُ والخُلُق فى الأصل واحد لكن خص الخَلْقُ بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر ، وخُص الخُلُقُ بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة . (المفردات فى غريب القرآن ، الراغب الأصفهانى صـ164 ، المكتبة التوفيقية ،بدون تاريخ )

وقال الماوردى : فى الخلق العظيم ثلاثة أوجه : أحدها : أدب القرآن ، والثانى : دين الإسلام ، والثالث : الطبع الكريم وهو الظاهر . قال : وحقيقة الخُلُق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب ، سمى بذلك لأنه يصير كالخِلْقة فيه .» (تفسير الماوردى ( النكت والعيون ) أبو الحسن البصرى الماوردى (6/61ـ62) ، دار الكتب العلمية .)

وقال ابن منظور :« الخُلُق هو الدين والطبع والسجية ، وحقيقته : أن صورة الإنسان الباطنة -وهي نفسه- وأوصافها ومعانيها المختصة بها ، بمنزلة الخُلُق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها» .( لسان العرب،ج10،ص86) 

وحقيقته أنه صورة الإنسان الباطنة، وهي: نفسه، وأوصافها، ومعانيها المختصة بها، بمنزلة: الخَلْق لصورته الظاهرة، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة.(غريب الحديث والأثر لابن الأثير، ج2،ص70) 

فالخلق: حال في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجةٍ إلى فكر ورويّة، وجمعه:أخلاق. والأخلاق: علم موضوعه أحكام قيمة تتعلق بالأعمال التي توصف بالحسن أو القبح . (المعجم الوسيط،ج1،ص445) 

وهذه الحال تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول:ما يكون طبيعياً من أصل المزاج، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو الغضب، ويهيج لأدنى سبب، وكالذي يجبن من أيسر شيء، كمن يفزع من أدنى صوت يطرق سمعه.

القسم الثاني: ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب، وربما كان مبدؤه بالرويَّة والفكر ثم يستمر عليه حتى يكون ملكةً وخلقاً.(مقدمة في علم الأخلاق، د/ محمود حمدي زقزوق، ص39)

أما السلوك: فهو سيرة الإنسان ومذهبه واتجاهه، يقال: فلان حسن السلوك أو سيّئ السلوك.(المعجم الوسيط، 1/252)

والسلوك: عمل إراديٌّ، كقول: الكذب، والصدق، والبخل، والكرم ونحو ذلك.

اصطلاحاً:

قال الجرجانى : « الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة يصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية ، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً بسهولة سميت الهيئة : خُلقاً حسناً ، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سُمَّيت الهيئة التى هى مصدر ذلك خلقاً سيئاً ، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك فى نفسه » (التعريفات للجرجانى صـ104 ، مكتبة القرآن بدون تاريخ)

ويذهب الجاحظ إلى « أن الخلق هو حال النفس ، بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار ، والخلق قد يكون فى بعض الناس غريزة وطبعاً ، وفى بعضهم لا يكون إلا بالرياضة والاجتهاد ، كالسخاء قد يوجد فى كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمل ، وكالشجاعة والحلم والعفة والعدل وغير ذلك من الأخلاق المحمودة » (تهذيب الأخلاق ، للجاحظ صـ12 ، دار الصحابة للتراث ط1 1410 هـ / 1989 م)

أما الماوردى فقال :« الأخلاق غرائز كامنة ، تظهر بالاختيار ، وتقهر بالاضطرار » (تسهيل النظر وتعجيل الظفر ، الماوردى ، تحقيق رضوان السيد ، صـ5 ، دار العلوم العربية للنشر ط1 1987 م)

قال ابن القيم : " الخلق هيئة مركبة من علوم صادقة ، وإرادات زاكية ، وأعمال ظاهرة وباطنة، موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوال مطابقة للحق، والأعمال عن تلك العلوم والإرادات، فتكتسب النفس بها أخلاقاً، هى أزكى الأخلاق وأشرفها وأفضلها".( بدائع التفسير،ج4،ص 509)

عناية الإسلام بالأخلاق

الإسلام دين شامل يجمع بين مناحي الحياة كلها، لا يفصل بين الجانب الاجتماعي أو الأخلاقي أو التعبدي، وإن أمة تضخم فيها الجانب التعبدي علي الجانب الأخلاقي فإنها أمة هالكة لا تقوم لها قائمة، إن الإسلام ليس عقيدة فحسب وإنما العقيدة في الإسلام كالقلب من الجسد، لا يستطيع القلب أن يحيا بدون الأعضاء، كذلك الإسلام لا يحيا بدون العقيدة، لكن الإسلام يحتاج إلي فهم عميق و فقه دقيق .

وتظهر أهمية الأخلاق أيضا من ناحية أخرى، ذلك أن الإنسان قبل أن يفعل شيئا أو يتركه يقوم بعملية وزن وتقييم لتركه أو فعله في ضوء معاني الأخلاق المستقرة في نفسه؛ فإذا ظهر الفعل أو الترك مرضيا مقبولا انبعث في النفس رغبة فيه واتجاه إليه ثم إقدام عليه، وإن كان الأمر خلاف ذلك انكمشت النفس عنه وكرهته وأحجمت عنه تركا كان أو فعلا. إن عملية الوزن هذه قد تكون سريعة جداً وغير محسوس بها إلى درجة أن الإنسان قد يفعل الشيء أو يتركه بدون روية أو تفكير، وفي بعض الأحيان لا تتم عملية الوزن والتقييم إلا بعد تأمل ومضي وقت طويل، وقد لا تتم هذه العملية فيقع الإنسان في التردد بين الفعل والترك. ولكن في جميع الأحوال لا بدّ من عملية الوزن والتقييم لكل فعل أو ترك بلا استثناء ،أو وزن الأفعال والتروك بميزان الأخلاق، وصحة هذا الوزن أو فساده، ومدى التزام الإنسان بمقتضاه، وتنفيذه له، كل ذلك يتوقف على نوع المعاني الأخلاقية التي يحملها من حيث جودتها أو ردائتها، ومدى رسوخها في نفسه وانصباغها بها وحماسه لها وغيرته عليها وشعوره بضرورتها إليه، فلا يكفي لظهور أثر الأخلاق في فعل الإنسان وتركه أن يعرف الإنسان الجيد والرديء من الأخلاق ويخزن هذه المعرفة في رأسه ويتكلم بها في المناسبات بل لا بد من انصباغ كيانه بها ورسوخها في أعماق نفسه بحيث تصير له كاللون الأسود والأبيض بالنسبة للبشرة السوداء أو البيضاء، وأن تكون حاضرة في ذهنه مسيطرة على سلوكه متحمساً لها غيوراً عليها إلى درجة الإيمان بأن الحياة لا تصلح عوضا للتفريط بمعنى من معاني الأخلاق الفاضلة الإسلامية التي يحملها... ومن أجل هذا أكد الإسلام على معاني الأخلاق المطلوبة وشوق إليها، وحث النفوس عليها، وكررها وأعادها حتى يتذكرها المسلم دائما وينصبغ بها، فيكون أثرها واضحاً في سلوكه .

لقد أبان الإسلام مكانة الأخلاق فى رسالته من خلال نصوص الوحيين - الكتاب والسنة - بما يوضح ما جاء به هذا الدين وما يدعو إليه من مكارم الأخلاق وينهي عن الرذائل والفواحش والموبقات. 

وذلك من خلال العديد من النصوص نذكر منها:

من القرآن الكريم:

كثرة الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع الأخلاق، أمراً بالجيد منها، ومدحا للمتصفين به، ومع المدح الثواب، ونهيا عن الرديء منها وذم المتصفين به، ومع الذم العقاب، ولا شك أن كثرة الآيات في موضوع الأخلاق، يدل على أهميتها، ومما يزيد في هذه الأهمية أن هذه الآيات منها ما نزل في مكة قبل الهجرة، ومنها ما نزل في المدينة بعد الهجرة، مما يدل على أن الأخلاق أمر مهم جداً لا يستغني عنه المسلم وأن مراعاة الأخلاق تلزم المسلم في جميع الأحوال فهي تشبه أمور العقيدة من جهة عناية القرآن بها في السور المكية والمدنية على حد سواء.

بيان أن الخيرية فى هذه الأمة من أمرها بالمعروف المشتمل على الفضيلة ، ونهيها عن المنكر المشتمل على الرذيلة ، وذلك فى قوله عز وجل : 

« كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون » (آل عمران/110)

وقد أشار الله عز وجل فى آية أخرى أن الأسوة والاقتداء إنما تكون بخيرالأنبياء (ص) كما فى قوله تعالى :

« لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا » [الأحزاب /21)

فكان لزاماً على المسلمين أن يقتدوا به (ص) فى خلقه ، فإن حسن الخلق سبب فى الفوز بقرب المنزلة فى الآخرة من النبى (ص) .

وجعل الله سبحانه الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله تعالى:

« وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين»(آل عمران: 133-134)

وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت: 34)

من السنة النبوية:

الأخلاق في السنة النبوية موصولة بالإيمان وتقوى الله، وفي الحديث :« لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له.»

فالوفاء بالعهد من تقوى الله ومحبة الله؛ ومن الإيمان المسارعة إلى ما يحبه الله تعالى.

فالإيمان لا بدّ أن يورث الأخلاق الحسنة على رأسها الأمانة وحفظ العهد، فمن فقد الأمانة وضيع العهد كان ذلك ايذاناً بخلوه من معاني الإيمان المطلوبة منه وتفريطه بتقوى الله.

وفي حديث آخر :« والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه.»

فهذا الحديث الشريف يدل على أن الأخلاق السيئة تنافي الإيمان وتناقضه، وأنه لا يجتمع الايمان والخلق الرديء.

تعريف الدين بحسن الخلق فقد جاء في حديث مرسل أن رجلا جاء الى النبي (ص) فقال يا رسول الله: ما الدين؟ فقال الرسول (ص) : «حسن الخلق».

وهذا يعني أن حسن الخلق ركن الإسلام العظيم الذي لا قيام للدين بدونه، كالوقوف في عرفات بالنسبة للحج، فقد جاء في الحديث الشريف «الحج عرفة»أي أن ركن الحج العظيم الذي لا يكون الحج الا به الوقوف في عرفات.

إن حسن الخلق أمر لازم وشرط لا بد منه للنجاة من النار والفوز بالجنان، وإن التفريط بهذا الشرط لا يغني عنه حتى الصلاة والصيام، جاء في الحديث أن بعض المسلمين قال لرسول الله (ص): أن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها، قال: لا خير فيها هي من أهل النار.»

إشارة النبى (ص) إلى نظر الله عز وجل لأعمال العباد ، فعليهم أن يتخيروا من الأعمال أحسنها ، وألا يرى الله منهم ما يشين ، فعَنْ أبى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): 

(إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم) .(صحيح مسلم،  كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، رقم 2564)

فليس المنهج الأخلاقى فى الإسلام شيئا نظريا يأتى ذكره على اللسان دون أن يكون له تأثير على الجوارح والأركان ، بل هو قول بالقلب واللسان وعمل بالجوارح والأركان يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان. 

استخدام النبى (ص) أسلوب القصر فى بيان أن دعوته ما قامت إلا لإتمام مكارم الأخلاق ، المنهاج العملى فى هذا الدين ، فقد قال رسول الله (ص): « إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» .(صحيح الجامع للألباني،رقم2349، السلسلة الصحيحة برقم45)

إن المؤمنين يتفاوتون في الظفر بحب رسول الله (ص) وقربهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظفرا بحب رسول الله والقرب منه اولئك المؤمنون الذين حسنت أخلاقهم حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم جاء في الحديث الشريف عن النبي (ص): «أقربكم منى منزلة يوم القيامة أحسنكم أخلاقا» (صحيح الجامع،رقم1573؛صحيح الأدب المفرد رقم206؛وصحح إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة برقم791)

وفى ذلك بيان أن من أراد الفوز بأعلى الجنان والقرب من خليل الرحمن فعليه بمكارم الأخلاق فى كل زمان ومكان.

ترغيب النبى (ص) فى الأخلاق الفاضلة ، وذلك ببيان علو منزلة أصحابها فى الدنيا من خلال عدة نصوص نذكر منها :

وفى قوله (ص) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سمْعَانَ الأنصارى رضى الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) عَنْ الْبِرِّ وَالإِثْمِ، فَقَال:الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فى صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) (صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب تفسير البر والإثم ،رقم 2553) 

وحثنا النبي (ص) على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: 

« اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن .» (الترمذي)

فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله (ص) الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة.

وهذه العناية فى الكتاب والسنة بشأن الأخلاق إنما تُبرِزُ أهمية ومكانة الأخلاق فى دين الإسلام، لذلك فقد عنى المسلمون بالمنهج الأخلاقى فى كل وقت وحين ، فى حربهم وسلمهم ، فى شدتهم ورخائهم، وكان ذلك الخلق الذى هو ثمرة الإيمان والانقياد لشريعة الرحمن من أسباب انقياد الناس طواعيةً للدخول فى هذا الدين الذى وقف الناس أمامه عاجزين مما بدله من الأحوال والطباع والنفوس والتأليف بين القلوب ، فكانت فتوحهم للقلوب قبل أن تكون للبلاد.