أقبل العيد يطوي صفحة رمضان، يمسح دمعة المقصّر المشتاق الوجِل.. مقصّرٌ في اغتنام رمضان المنصرم على أحسن وجه.. ومشتاقٌ لرمضان المقبل.. و. وَجِلٌ في أعماق نفسه: هل يُبلّغه ربُّهُ رمضانَ من جديد، أم تنقضي أيامه الدنيوية قبل حلوله المقبل؟! ..العيد فرحة، بالرغم من كل شيء.. بالرغم من الأحزان والهموم والمآسي والحروب والأمراض والأوجاع. .فرحة؟! من أين نأتي بالفرحة؟ يتساءل أحد أصدقائي! أنت أيضاً سيطلع عليك أحد مدمني الحزن والتشاؤم بتساؤلاتهم البائسة وزفراتهم الكئيبة.. هؤلاء الذين لا يجيدون فن الحياة .. ببساطة لا يعرفون كيف يعيشون سعداء.. ينظرون إلى النصف الفارغ من الكوب، وإلى تجهُّم السماء بالغيوم السوداء، وإلى الظلام الكالح الذي يسبق الفجر، وإلى لحظة العسر التي هي بين يُسريْن..

شخصياً، لم أعد أشفق على الكثير من هؤلاء الأصدقاء ولا أتعاطف معهم. ..هم من اختاروا هذا الطريق وهذا القالب وهذا الأسلوب يطل عليك أحد المشايخ “الكبار” مقطب الجبين عابس الوجه كأنه يعيبه التبسُم، ثم يدّعي بعد ذلك أنه من أتباع السلف الصالح!

وكأن السلف الصالح كان ديدنهم التكشير! يحملون همّ الأمة؟ هل تحملون همّ الأمة أكثر مما حملها سيد ولد آدم، صلى الله عليه و سلّم؟ كلا بالطبع. أليس من هديه، عليه الصلاة والسلام، إظهار الفرحة في العيد؟ “.. دعهن يا أبا بكر فإنها أيام عيد..” “.. دونكم يا بني أَرْفدة..” (يشجع الحَبَشة على اللعب في المسجد) “

.. لتعلم يهودُ أن في ديننا فَسْحة”.. يخرج عليك يوم العيد من ينوح على مآسي المسلمين، ويعدد مصائبهم، ويتوجع لما يحلّ بهم، ويذكّرونك بأن صلاح الدين لم يبتسم حتى فُتِحتْ بيت المقدس.. وينسون أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمداً – صلى الله عليه وسلّم – كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن، وكان يعجبه الفأل، وكان عليه الصلاة والسلام دائم البِشْر، كثير التبسُّم حتى قال أحد الصحابة (وهو عبد الله بن الحارث): ما رأيت رسول الله قط إلا متبسّماً!

كما سيخرج عليك يوم العيد من يتأوه على أحبابه الذين فارقوه وأصبحوا تحت التراب.. حتى أن كثيراً من الناس يقضون صبيحة يوم العيد في المقابر، وكأن العيد فرصة موسمية لتذكُّر الموتى والبكاء عليهم! على رِسلك، قبل أن تحدثني عن الوفاء للأحباب الذين انصرمت أيام دنياهم وغيّبهم هادم اللذات عن عيون محبيهم، دعني أسألك: ألا يمكن أن تستحضر معالم وفائك إلا في يوم إظهار الفرحة والسرور وبث الأمل والتفاؤل؟

افرح أيها الأخ المسلم، افرحي أيتها الأخت المسلمة، افرحوا يا عباد الرحمن، افرحوا وفرّحوا من حولكم. بشّروا ولا تنفّروا. يسّروا ولا تعسّروا. أكثروا من ذكر ربّكم الذي هداكم واحمدوه واستغفروه.. من فقد حبيباً أبقى الله له أكثر من حبيب، ومن فقد بيتاً حفظ الله له صحته، ومن فقد عملاً يسّر الله له مصدر رزق آخر، ومن أُغلق أمامه بابٌ فُتحت أمامه أبواب أوسع..

تأمل معي الحكمة والصبر والتفاؤل والرضا والإيجابية: قُطعت رِجلُ عروة بن الزبير ومات ولده، فقال: “اللهم إنك أخذت عضواً وأبقيت أعضاءً، وأخذت ابناً وأبقيت أبناءً فلك الحمد”.

يا ســـــــــلام! "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" أنت أيها االبائس الحزين هل ابتُليت بأكثر من ذلك؟! ..أيها المهموم المحزون الغارق في الآلام، المتعثر في الأحزان، المدفون في هموم يومك..

حالك هذا لا يرجو خيراً ولا يأتي بخير. ..لن يغير الحزن حالنا، ولن يرفع التشاؤم قدرنا، و لن يحل التباكي مشاكلنا، ولن يُعيد النواح غائبنا. ..ما أحوجنا اليوم، وقد غادرنا حبيب قلوبنا رمضان، إلى ثبات الإيمان.. إيمان صادق يعمر أفئدتنا فينعكس نوراً على أقوالنا وأفعالنا. ..ما أحوجنا اليوم إلى الأمل.. أمل يدفعنا الى عمل صالح دؤوب ..ما أحوجنا اليوم إلى التفاؤل.. تفاؤل يشد العزائم ويرفع الهمم فينتج إنجازاً.

لنحوّل المحنة إلى منحة ولنبدأ مستفيدين من تخرُّجنا من مدرسة رمضان ببذل ما نستطيع.. نبدأ بأنفسنا فنصلحها ونصلح نوايانا في التعامل مع من حولنا، لنحاول أن نكون قدوة في التعامل، لا خوفاً من الناس، وإنما إقتداءً بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم..

لنكن مفاتيح للخير مغاليق للشر، و لنبُثّ روح التفاؤل و الأمل و التسامح في محيطنا، لنشعل شمعة بدل أن نلعن الظلام.. ولا نيأس أبداً ولا نقلل من أهمية ما نقوم به. والأجر على الله.. و“الله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون”.