اتجاهات أساسية لمفهوم التأصيل الإسلامي لعلم النفس:

هناك ثلاثة اتجاهات أساسية لمفهوم أسلمة علم النفس :

أولاً: الاتجاه الرفض « للتأصيل الإسلامي لعلم النفس » :

هذا الاتجام المتطرف « للتأصيل الإسلامي لعلم النفس »  بشكل عام فئتان:

أ- الاتجاه الرفض « للتأصيل الإسلامي لعلم النفس » مع التزامهم بالإسلام

ب- الاتجاه الرفض « للتأصيل الإسلامي لعلم النفس » من منطلق رفضهم للإسلام نفسه.

أ- الاتجاه الرفض « للتأصيل الإسلامي لعلم النفس » مع التزامهم بالإسلام:

يری اصحاب هذا الاتجاه أن علم النفس الحديث بكل فروعه هو وليد شرعي للحضارة الغربية اليهودية و المسيحية ، و أن العالم الاسلامي لو تمسك بدينه و تراثه لن يكون بحاجة لهذا « المسخ » الأكاديمي العلماني . ويری أصحاب هذا الرأي أن العالم الإسلامي بحاجة إلی « علم النفس إسلامي » مستمد فقط من نصوص القرآن الكريم و السنة المطهرة  و أفكار السلف الصالح ، و ربما من كتابات بعض علماء التراث من فلاسفة الاسلام و كبار متصوفيه  

 .يری  أنصارهذا الاتجاه أن علم النفس الإسلامي يجب أن ينحصر في ما جاء به الكتاب الكريم و السنة المطهرة . فالغالبية العظمی من أصحاب هذا التيار ليسوا من المتخصصين في علم النفس ، و يجب أن يحمد لهؤلاء حماستهم للدين ، و أن يكبر فيهم تطلعهم الصادق لتكون كلمة الله هي العليا ، و أن يشكر لهم حرصهم علی شباب الأمة الاسلامية و خوفهم من تأثير الفكر الغربي فيهم و ينبغي أن نؤكد لهم بعد ذلك أن أي اتجاه الاسلامي لتأصيل علم النفس الغربي لا بد أن يأخذ مبادئه العامة و تصوره لطبيعة الإنسان من القرآن الكريم الذي لا تأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه جاء نورا و هداية ربانية لكل زمان و مكان ، و ما هو بمبحث تخصص محدود دقيق لسلوك الإنسان و علاج اضطراباته و تعّرف تاثير العوامل النفسية و الجسمية و الاجتماعية في سلوكه ، و تحسين أدائه في المصنع و المدرسة و المختبر و ميدان القتال . فبعض هذه الجوانب يتأثر بظروف كل جيل و يتغير مع الأزمنة و الامكنة المختلفة ، و تقع مسؤولية دراستها التفصيلية علی علماء كل جيل و زمان . 

إن علم النفس الحديث قد أهمل الجانب الروحي في الانسان . و هذه الحقيقة هي من أهم أسباب قصوره في كثير من الميادين ، و لكن الإنسان ليس كله روحا ، فمما لا شك فيه الجوانب البيولوجية و النفسية و الاجتماعية تمثل دورا هاماًّ في تشكيل سلوكه السويّ و الشَّاذ . و علم النفس الحديث قد قطع شوطا لا يستهان به في هذه الميادين . و بالرغم من كل ما يقال عن تأثر علم النفس الحديث بالحضارة الغربية إلا أنه استطاع ، خصوصا في الجوانب التي تعتمد علی التجريب ، أن يأتي بأساليب و ممارسات لا يمكن أن تستغني عنها أمة معاصرة تريد أن تلحق بركب التطور المادي للأمم الحديثة . فأساليب التدريب و التعليم التي طورت في ميدان علم النفس التربوي قد أحدثت انقلابا شاملاً في طرق التدريس و أدخلت وسائل الإيضاح و تكنولوجيا التعليم المبرمج بآلاته الحديثة ، حتی تغير وجه المدارس و الكليات . و استخدام العلاج الكيميائي و العلاج السلوكي و التأهيل أحدثت تطور عظيما في مستشفيات العلاج النفسي و العقلي . كذلك نجد تقدماً مشابها في جميع المجالات التطبيقة التي أسهم فيها علم النفس الحديث كعلم النفس الصناعي و العسكري و التأهيلي و غيره من الميادين  .

و هناك علماء هذه الطائفة الرافضة لعلم النفس الغربي لها تصورات « لعلم النفس الاسلامي » تستند أساسا علی كتابات علماء التراث الإسلامي من إمثال الغزالي و المحاسبي و ابن تيمية و ابن سينا و غيرهم من علماء زمانهم و فلاسفتهم و متصوفتهم . و لا شك أن أفكار هؤلاء العلماء تثري عملية التأصيل الإسلامي لعلم النفس و إن كان ذلك ينحصر بشكل أساسي في ميدان تزكيه النفس و أساليب محاربة الشهوات و الارتقاء في مدراج السالكين ، لكن الدراس لأفكارهم يجب أن يستحضر الظروف التاريخية و الاجتماعية التي أسهم فيها هؤلاء العلماء و أن يستفيد من أفكار اولئك الذين التزموا الخط الاسلامي  الصحيح دون تأثر مفرط بالفلسفة اليونانية أو إغراق في المذاهب المنحرفة التي كانت سائدة في عصرهم . كما ينبغي أن يذكر الدارس لفكرهم أن الجوانب التي تطرقوا اليها لا تغني عن الاستفادة من إسهامات علم النفس الحديث بميادينه المختلفة . 

لكننا من ناحية أخری نحتاج إلی دراسة و تمحيص ما خلّفه جميع هؤلاء العلماء و الفلاسفة المسلمين من تراث نفسي حتي نؤصل تاريخ علم النفس الحديث و مدارسه من وجهة نظر إسلامية . فكثير مما أسهم  به هؤلاء الرجال الأفاضل ارتبط بأسماء علماء غربيين جاءوا بعدهم بعدة قرون . و مما يؤسف له أن جميع كتب تاريخ علم النفس و مدارسة التي تؤلف في الغرب و تعرّب في الشرق تتحدث عن إسهامات الفلاسفة اليونانيين القدماء ثم تنتقل إلی أروبا و كأن فترة ازدهار الحضارة الإسلامية حدثت في كوكب آخر . و لا شك أن هذا التأصيل التاريخي يعتبر من أهم جوانب أسلمة علم النفس ، إذ هو يعطي الدراسين عمقا في التفكير و ثقة بالنفس و التراث  .

و قد عدد الدكتور فؤاد ابوحطب أهم الانتقادات التي و جهت لعلم النفس من اصحاب  هذا الموقف و أجاب عنها بتفصيل بما يأتي : 

1- الشك في علمية علم النفس :

فعلم النفس عند النقاد ليس علماً بالمعنی المتعارف عليه للعلم ، بل لا تنطبق عليه شروط العلم الواجبة ، وأهمها عند هم اليقين و الموضوعية و أجاب بأن رفض بحجة اللاموضوعية و اللايقين في علم النفس حجة متخلفة ، لأن مفاهيم اليقين و الموضوعية – في الأبستمولوجيالوجيا المعاصرة – تتعرض لتطور كبير إلی حد يدفعنا إلی القول بأنه لايوجد فرع من فروع العلم التجريبي – و منه العلوم الفيزيائية – يؤدي إلی المعرفة اليقينية . و لا توجد ملاحظة بشرية معصومة من الخطأ . وكل ما تطمح اليه العلوم التجربية في الوقت الحاضر أن يكون ما يقرر الملاحظ حدوثه أكثر احتمالاً في الحدوث بنسبة عالية من "اليقين" .

2- مادية علم النفس :

والمقصود بها غلبة  الاتجاه المادي علی علم النفس بحيث جعله يتصور "النفس الانسانية " تصوراً مادياً. مستدلين بذلك " أن الإنسان عند سيجموند فرويد هو مجموعة " غرائز " تتطلب الإشباع المادي المباشر" . وهو عند السلوكين " آلة ميكانيكية معقدة لاتحركه دوافع موجهة نحو غاية بل مثيرات فيزيقية تصدر عنها استجابات عضلية و غددية مختلفة . و أجاب بأن السلوكية و التحليل النفسي – موضع نقد النقاد – ينتميان إلی " الوجهة القديمة للعلم " التي سادت في العلوم کلها و ليس في علم النفس وحده .أما اتجاهات الجدیدة في علم النفس أخيراً ( خاصتاً :علم النفس الإنساني و علم النفس المعرفي) متاثراً بالوجهة الجديدة للعلم حیث أن) و فيهما القيم محور الاهتمام و يعترفا بأولوية العقل . 

3- بناء علم النفس علی أساس الطبيعة الحيوانية للإنسان :

ويرون اصحاب هذا الاتجاه أن السلوکية متاثرةًبالنظرية التطور – تنکر الخالق والخلق وتقول بالطبيعة المتطورة التي تحكمها قوانين تنازع البقاء و البقاء للأصلاح أصبحت وجهة نظر علم النفس التي لا تعترف – عندهم – بالروح الإنساني الذي تميز به الانسان عن بقية الحيوانات . و أجاب بأن السلوكية  هي التي كانت في جميع مراحلها أكثر دعاته حماساً و تطرفاً و مستنداً إلی النظرية التطور . أماحجة اتهام علی علم النفس الحديث بأنه يحط من شأن الإنسان و يخلع عليه طابعاً " حيوانياً " قد تجاوزها هذا العلم منذ أكثر من ثلاثين عاماً حیث ظاهرة السلوک اللغوي خاصة أثبتت الفجوة و الانفصال في دالة ( أو منحني ) الاستكمال من سلوك الحيوان إلی السلوك الإنساني . و قد دفع ذلك و غيره بعلماء النفس المعاصرين إلی تجاوز السلوكية ، و اعتبار سلوك الإنسان ( فئة مستقلة ) و فتح الطريق للترك من الأعلی إلی الأدنی  .

4- الربط بين علم النفس و التحليل النفسي :

يری أصحاب هذا الاتجاه أن التحليل النفسي هو علم النفس ولكن هناك يخلطون  بين علم النفس psychology و التحليل النفسي . و كان يمكن لمعرفة هذا الحقائق التي تؤكد أن أصحاب التحليل النفسي من السيكولوجيين ليسوا إلا شريحة قليلة العدد محدودة الأثر في علم النفس أن تجنب النقاد الإسلاميين شن تلك المعارف الضارية علی علم النفس و كأن فرويد و تياره هما وحدهما هذا العلم  .

5- رفض التجريب في علم النفس :

يرون أصحاب هذا الاتجاه أن " علم النفس التجريبي " هو كذبة كبری ، لأن النفس ذات كلية و لايمكن تحويلها إلي موضوع أو تشريحها تحت المجهر، و هي بالتحليل و التشريح شئ آخر غير النفس الحية المطلوب فهمها . وأجاب بأن علم النفس التجريبي لم يقصر بحوثه علی " المعمل " و تجاهل البيئات الطبيعية للإنسان . حيث أن كثيراً من الوقائع التي توافرت لعلم النفس الحديث تم التوصل إليها بالتجريب في مجالات كثيرة خارج المعمل و في " البيئات الطبيعية " للإنسان ، فهناک في علم النفس الملاحظة العلمية و الملاحظة الطبيعية و دراسة الحالة في المواقف الکلينيكية و الملاحظة العلمية و غيرها التي لاتقع بالضرو في سیاق التجریبي، فالتجریب في علم النفس أوسع من التجریب المعملي 

6- التهوين من شأن الاكتشاف في علم النفس :

يرون منتقدين أي الاكتشافات في علم النفس ليست علمية و يضربون بمثال الاشتراط و يستدلون بذلك علی أن هذه الظاهرة معروفة تماماً للإنسان مند أقدم العصور ، و بها استطاع الإنسان أن يستأنس و يدرب الطيور و الحيوانات . و قد أجاب بأن يتفق علماء النفس مع نقادهم علی ذلك، بل يتفق معهم كل متخصص في أي مجال معرفي ، فالعلم ليس من مهامه " اختراع " ظواهره ، بل أن مهمته أن يجعل وصفاً للظواهر موضع البحث أكثر دقة و تفسيرنا لها أكثر معقولية وضبطنا لها و تنبؤنا بها أكثر إحكاماً . مثلاً مفهوم الاشتراط في ظروف التحكم المعملي الدقيق ، و الكشف عن القوانين التي تحكمها ،یزودنا بكثير من جوانب الفهم الصحيح و التفسير الدقيق لها ، و هي بضعة من أهداف العلم الأساسية  . 

7- تركيز علم النفس علی السلوك المرضي :

 يرون أن علم النفس يركز علی العيوب و الأمراض و الآفات و العلل ، و يفتش في الانحرافات و التشوهات و لا يقدم للإنسان شيئاً إيجابية عن النفس السوية الصحيحية ، و أجاب بأن علم النفس يتناول جميع أنواع مجالات السلوك الإنساني ( و الحيواني ) بالدراسة و البحث . مما ترتب عليه اتساع نطاق اهتماماته و ابحاثه و تطبيقاته علی نحو يكاد يشمل كل ميادين هذا السلوك ، مما أدی الی تفرعه و تشعبه الی فروع عديدة . و كذلك أن اهتمام علم النفس الحديث بالسواء النفسي ، يفوق كثيراً اهتمامه بالمرض النفسي و طرق علاجه ليس في ذاته عيباً يضير العلم  . 

8- سوء استخدام علم النفس :

 يشير اصحاب هذا الاتجاه أن بعض نتائج علم النفس استخدمت بطريقة سيئة أو ضارة أو خطرة . و يذكرون من ذلك أمثلة تطبيق نظريات المثير و الاستجابة و التعلم الشرطي علی الشعوب للسيطرة عليها و إجراء عمليات عسيل الدماغ ، و کذلک استخدام هذا العلم لصالح الرأسمالية في الغرب ، و قد أجاب بأن هذا النقد الموجه لعلم النفس ، وجه من قبل إلی العلم و التكنولوجيا العامة . لذلک إن إثارة هذه المسألة تتضمن ضرورة التنبه في وقت واحد إلی الدور الاجتماعي للعلم و المسئولية الجتماعية للبحث العلمي ، و الالتزامات الأخلاقية لمهنة العلم ، لذلک لقد ازداد الاهتمام في الوقت الحاضربهذا الأمرحيث أصبح القرار الأخلاقي ممتداً علی عملية البحث العلمی کله، وإعداد مواثيق أخلاقية للمارسة المهنيه في مختلف المجالات العلمية .

9- علم النفس الحديث هو علم الإنسان الأبيض :

لأن علم النفس يختص بالإنسان « الأبيض » أكثر من غيره من الشعوب . و أن أهداف دراسته خدمة الرجل الأبيض . و أجاب بأن أول من تنبه إلی هذه حالة كان علماء النفس أنفسهم و بدأت تظهر في السنوات الأخيرة ما يمكن أن يسمي « الاهتمامات القومية » في علم النفس كما ظهرت في غيره من العلوم الإنسانية ، كعلم الإجتماع، و معلوم أن ذلك لايعيب علم ، بل علم يتفاعل و يتأثر بثقافة المجتمع الذي ينشأ فيه و بالطبع هذه الثقافة تؤثر علی اختيار موضوعات و إجراء البحوث لدی علماء النفس الغربين عندما يوجهوا علم النفس لتحقيق مصالحهم و اهدافهم . 

إن هذا الموقف الذي يتضمن رفض مشروع « التأصيل الإسلامي لعلم النفس » مع التزامهم بالإسلام يرد عليه اجمالاً لا تفصيلاً بالآتي :

أولاً : إن الإسلام لا ينصر بإنكار العلوم ، ولا بإعلان مخالفتها للإسلام إجمالًا من غير تفصيل ؛ الإسلام يأمر بالبحث في النفس الإنسانية ويأمر بتزكيتها وعلاجها ، ويحث علی استعمال الطريقة العلمية في كل ذلك.

ثانياً : لم يحظر الإسلام علی أمته الاطلاع علی مختلف العلوم ؛ لأنه سلحها بالمنهج الصحيح بحيث الباحث المسلم يکون قادراً علی التمييز بين الصواب و الخطاء ومثال ذلک في العلوم الإنسانية : هناک الجوانب المتحيزة التي لها ارتباط بتأثيرات يهودية أو نصرانية أو وثنية أو إلحادية ، فحتی لا يحصل التكذيب بحق أو التصديق بباطل يتطلب الأمر النظر في كل ما هو متحيز في العلم البشري بمنهج صارم عند الاطلاع وعند الاقتباس.

ثالثاً : إن هذه العلوم الإنسانية قد فرضت نفسها في الميادين العلمية والاجتماعية ، فلم يعد الخيار بين قبولها ورفضها ، وإنما أصبح الخيار بين قبولها كما وفدت إلينا أو العمل علی تصحيح مسارها بما يحافظ علی رواق العلم ويغير من معروضاته تبعاً لخصوصيات بيئتنا ، وبذلك نميز بين العلم و الأبحاث التي تجري في إطاره.

رابعاً : إن الحكم العام بالرفض يعطي الحجة للمدافعين عن علم النفس بأن يصفوا الإسلام بمعارضة العلم ، كما يدفعهم للتشبث بما في علم النفس من جوانب صحيحة للاستدلال بها علی « سلامة علم النفس» وعدم جدوی فكرة تأصيله إسلاميًّا. فلابد من دراسة تفصيلية تبين لهم أن الرفض يتجه لنظريات بعينها وليس للعلم كله ، وهذا القدر المرفوض يكون مرفوقًا بالدليل النابع من العلم نفسه.

وبصفة عامة ، فإن الدراسة التفصيلية – كيفما كانت النتيجة التي تصل إليها – هي التي ستظهر حكم الإسلام بدقة ، وتبين أن الاعتراض ليس علی وجود علم بهذا الاسم وإنما علی نظريات ونماذج ووجهات تقوده وتسوده. لأنها تتعارض مع مبادئ الإسلام ولا تلائم البيئة الإسلامية ؛ وينظر حينئذ في علميتها ؛ لأن الحق لا يتعارض مع نفسه .و نظريات صحيحة و مفيدة أخری تحتاج إلی صياغة تجعلها في خدمة الأهداف الحضارية للأمة . 

ب -الاتجاه الرفض « للتأصيل الإسلامي لعلم النفس »من منطلق رفضهم للإسلام نفسه:

ظهر الاتجاه الرفض للتأصيل الإسلامي لعلم النفسلدی أقلية قليلة من علماء النفس في العالمين العربي و الاسلامي بسبب رفضهم للإسلام نفسه ، كدين و كأسلوب للحياة . من منطق  مختلف و في أغلب الحالات ذوو الاتجاهات الماركسية .

و من الغريب أن هؤلاء الذين يمثلون أقلية قليلة من علماء النفس في العالمين العربي و الاسلامي في الوقت الذي يرفضون « الأسلمة » فانهم يقبلون « الأدلجة » نسبة إلی الأيديولوجية – من أي مصدر آخر غير الاسلام ، مع محاولة منظمة لتشويه الصورة الحقيقية للإسلام ، و بالطبع فإن الأيديولوجية الأثيرة لديهم هي الماركسية .

يذکر أبوحطب، 1993معالم  علم النفس  کما تناولها أحد قادات علماء النفس السوفيت و هو بوريس لوموف ،1987 في أربع نقاط نذکرها باختصار فيمايلی: 

 (أ) مبدأ الحتمية : فمبدأ الحتمية عندهم هو أساس كل معرفة علمية . و لايقصد بالحتمية هنا معناها الميكانيكي  « الذي يتحدد في صورة علاقة مباشرة و خطية و بسيطة و صارمة بين السبب و الأثر  » . فهذه العلاقة – و خاصة في السلوك الإنساني – تتضمن مجموعة معقدة من الديناميات . و حسب المبدأ « الجدلي » فإن أطراف هذه العلاقة يمكن أن يحل كل منهما محل الآخر . فالسبب قد يصبح أثراً ، و الأثر سبباً . 

 (ب) مبدأ الانعكاس : يری علماء النفس السوفيت أن الظاهرة النفسية عبارة عن مستويات أو أنماط مختلفة من الانعكاس الذاتي للحقيقة الموضوعية . أما موقفهم فهو اعتبار العقل خاصة من خصائص المادة و هي في حالة حركة و ليس محض جوهر مستقل أو محض حركة . و تظهر هذه الخاصية في صورة مختلفة من « الانعكاس الذاتي » subjective reflection ، و تظهر في صور الحياة في مرحلة معينة من مراحل « التطور البيولوجي  » . يعترف علماء النفس السوفيت بأنهم يجعلون – حتی الأن – الشروط اللازمة لهذا الانعكاس لكي يتطور ، أو لتحول المادة  « غير الحساسة » إلی مادة « حساسة  » ، و بعد ذلك من الأمور الجوهرية و المعقدة عند نقطة المنشأ للحياة ذاتها .

(ج) مبدأ المادية التاريخية (النمو) : يری علماء النفس السوفيت أن أي ظاهرة نفسية لايمكن فهمها إلا في سياق نمائي . و يرکزون علي دور عوامل الاجتماعية في هذا النمو أکثر من عوامل البيولوجية حيث يرون هؤلاء في خلال العملية « التطورية » تحدد « تكوين » العقل الحيواني بالعوامل البيولوجية و يمكن تفسيره بالقوانين البيولوجية ، أما تكوين العقل الإنساني فقد لعبث فيه العوامل و القوانين الاجتماعية الدور الحاسم . و يتحدد جوهر الإنسان بالعلاقات الاجتماعية المعقدة التي ينسجها البشر أنفسهم ، و ذلك لا ينفي بالطبع أثر القوانين البيولوجية في السلوك الإنساني . إلا أن التحكم فيها يتم بالقوانين الاجتماعية التاريخية ، فالإنسان ابن التاريخ و صناعته . 

(د) مبدأ المادية الجدلية :  يرون أيضاً أن النمو النفسي  المحكوم بالمادية التاريخية أي محكوم بعملية صراع بين المتناقضات و الأضداد. يرون في كل مرحلة للنمو يوجد دائماً الصراع بين الدوافع ، و بين الأهداف ، و بين كل من الدوافع و الأهداف ، و داخل الصور و المستويات المختلفة للانعكاس . وسيادة الموقف التناقضي أو تلك المجموعة من الديناميات في مرحلة معينة يمثل المفهوم الماركسي للأطروحة (thesis ) و الذي يؤدي بالضرورة إلی محاولة حل الصراع و الوصول إلی نقيض الأطروحة (antithesis ) و الذي يعد مرحلة انتقالية إلی مرحلة جديدة من التركيب (synthesis ) و الذي يكون مختلفاً كيفياً عن المكونين السابقين . و بهذه الطريقة يری علماء النفس السوفيت أن قوانين النمو الإنساني تظهر بطريقة خاصة لكل فرد ، و معنی ذلك أن تكون الشخصية الإنسانية عندهم هو عملية فريدة لكل شخص علی الرغم من أنه يتبع بعض المبادئ العامة . 

أما المدقق في خصائص علم النفس السوفيتي يجد أنها مركبة من عناصر شتی : « العقيدة » الماركسية اللينية – و التي تعرضت لعدة تغيرات علی يد ستالين ثم خروشوف ، ثم علی يد جورباتشوف في الوقت الحاضر.تمثل وجهة«paradigm  » لعلم النفس السوفيتي تختلف عن  تلک التي سادت في الغرب.حقاً أن علماء النفس في عصرنا هذا يبحثوا  من أبناء الشعوب ذات الحضارات الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ عن « معالم قومية» لعلمهم بينما تنفر قلة من علمائنا من هذه المهمة التاريخية و يسعون إلی أيسر الحلول و هو استيراد« السلعة الثقافية الجاهزة» ؟ فإذا لم يتجشم أحد منهم مشقة الفحص العميق للتجارب الثقافية الإبداعية التي أشرنا إليها و التي يخوضها في الوقت الحاضر علماء النفس في ثقافات أخری غير الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة مثل اليابان و الصين و الهند و أمريكا اللاتينية ، ناهيك عن التجربة التي لاتزال في طور التشكيل آلان و هي تجربة « أوربا الغربية الموحدة » التي تسعی للاستقلال الثقافي عن الولايات المتحدة الأمريكية . و السؤال هو : لماذا لا نفعل نحن في ثقافتنا العربية و الإسلامية مثلما يفعل هؤلاء ، أي بحل مشكلات التنافر المعرفي في علم النفس من خلال العودة إلی المنابع الثقافية الحقيقية لثقافتنا ؟ و هذا هو أصعب الحلول للمشكلة .وبالطبع فإن أسهل الإجابات بالضرورة أفضلها؛ فطريق الإبداع ليس مفروشاً دائماً بالورود .