عوائل كردستانية كثيرة اشتهرت في التاريخ وخاصة في التاريخ الإسلامي بالعلم والمعرفة، واحتلت مكانة بارزة وكان لها دورها في صناعة الحضارة، ودفع عجلة تقدم العلوم خطوات واضحة إلى الأمام وفتح آفاق جديدة في دراسة العلوم حيث كان لهم السبق في إيجاد طرق جديدة لتدوين المعارف والعلوم، أو لتخريج الأحاديث والتفنن فيها، وكانت علومهم ومؤلفاتهم مصادر معرفة وثقافة لكثير من طلاب العلم في العديد من مدارس وجامعات العالم الإسلامي إلى يومنا الحاضر. ومن هذه العوائل إحدى عوائل شهرزور العريقة في العلم والمعرفة، والتي ذاع صيتها في العالم الإسلامي قاطبة لا في كردستان فحسب، وهي عائلة الصلاح الشهرزوري والتي كانت محل إعجاب وتقدير الجميع بعلمهم وإخلاصهم وجدهم واجتهادهم، وخاصة شيخ الإسلام ابن الصلاح الذي كان أعجوبة الزمان في وقته، حتى صار يضرب به المثل في علمه وورعه وتقواه.....
مشاهير العائلة :
صلاح الدين الشهرزوري : العلامة، المفتي، الفقيه، أبو القاسم صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري، الشرخاني، الشافعي. ولد بحدود سنة (539هـ/1144م) بمنطقة شهرزور (السليمانية حالياً)، تزود بالعلوم في بلاده، ثم رحل في طلبه إلى الموصل وبغداد وحلب ودمشق، حيث درس على العديد من العلماء منهم العلامة ابن أبي عصرون وغيره بالشام، ثم درس وأفاد وخاصة بالمدرسة الأسدية (نسبة إلى أسد شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي ). أخذ عنه ولده في مؤلفه (نكت المهذب). توفي بحلب سنة (618هـ/1221م).
ولده: ابن الصلاح الإمام، العلامة، المفتي، الفقيه، الأصولي، المحدث، المفسر، الحافظ، شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبدالرحمن الكردي، المعروف بابن الصلاح . ولد سنة (577هـ/1181م) بقرية شرخان (من قرى أربيل في وقتها، وكانت قريبة من شهرزور)، نشأ في كنف والده، وقرأ عليه الفقه في شهرزور، ثم انتقل مع والده إلى الموصل، وتعلم بها مدة حيث قرأ وكرر كتاب (المهذب) لأبي إسحاق الشيرازي وهو في الفقه الشافعي، ثم تولى الإعادة عند العلامة الشيخ عماد الدين أبي حامد ابن يونس بن منعة الأربلي .
رحلاته في طلب العلم: أقام قليلا بالموصل ثم سافر إلى خراسان فأقام بها مدة وحصّل علم الحديث هناك، وقد سمع الكثير من العلماء، ثم إلى همذان وبغداد ودمشق وحران، ومن أهم العلماء الذين تتلمذ على أيديهم:
1- عبد الله بن السمين.
2- عبد المحسن بن الطوسي.
3-أبي احمد بن مسكين.
3- عمر بن طبرزد.
4- أبي المظفر السمعاني.
5- موفق الدين المقدسي.
6- فخر الدين ابن عساكر.
7- محمود بن علي الموصلي.
8- نصر الله بن سلامة .
وآخرين ...
عمله في بلاد الشام:
• التدريس بالمدرسة الناصرية( نسبة إلى الناصر صلاح الدين الأيوبي ) بالقدس الشريف.
• التدريس بالمدرسة الرواحية (نسبة إلى ابن رواحة الحموي).
• التدريس بمدرسة ست الشام زمردة خاتون الأيوبية.
• مشيخة دار الحديث الأشرفية (نسبة إلى الملك الأشرف ابن الملك العادل الأيوبي). بقي في منصبه مدة 13 سنة.
يقول ابن خلكان: "كان يقوم بوظائف الجهات الثلاثة من غير إخلال لشيء منها إلا لعذر ضروري لابد منه". ويقول ابن كثير: "إنه أول من وليَ مشيخة دار الحديث بدمشق". علومه : برز ابن الصلاح في علوم عديدة منها : الحديث والتفسير والفقه وأسماء الرجال والفتوى واللغة، وعلوم أخرى.
العلماء الذين أخذوا عنه العلم:
1 -الإمام شرف الدين النووي.
2- قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان الأربلي.
3- كمال الدين ابن سلار الأربلي.
4- شمس الدولة المقدسي.
5- أبو شامة المقدسي.
7- تاج الدين الفزاري.
8- الشيخ زين الدين الفارقي.
9- الشرف محمد بن الخطيب الأباري.
10- العماد بن البالسي.
11- أبو حفص الكرخي.
12- مجد الدين ابن المهتار. وآخرين......
مؤلفاته:
ترك ابن الصلاح مؤلفات قيمة تدل على سعة اطلاعه وغزارة علمه، وقد كانت بعض هذه المؤلفات مصادر ومراجع لمؤلفات ضخمة لعلماء كبار ومن أهم هذه المؤلفات:
1- علوم الحديث أحسن كتب هذا الفن وفاتحة عهد جديد في تدوين علوم الحديث. وقد طبع مراراً.
2- طبقات فقهاء الشافعية اختصره الإمام النووي.
3- فوائد الرحلة وهو في أجزاء كثيرة عن رحلته إلى خراسان.
4- أدب المفتي والمستفتي، مطبوع.
5- نكت المهذب.
6- الأمالي.
7- صلة الناسك في صفة المناسك.
8- الفتاوى طبع في مجلد.
9- شرح الوسيط في فقه الشافعية.
10- شرح صحيح مسلم.
11- المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال.
مؤلفات اعتمدت على مؤلفه:
علوم الحديث تناول العلماء كتاب "علوم الحديث" شرحا واختصارا ً وإيضاحا ً وشعرا ً لما للكتاب من أهمية في هذا الصنف من العلوم؛ ومن أهم هذه المؤلفات:
• الإرشاد للإمام النووي ( تلخيص لكتاب علوم الحديث).
• اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير الدمشقي.
• الخلاصة في علم الحديث للشيخ الطيبي.
• اختصار علوم الحديث للشيخ علاء الدين المارديني.
• محاسن الاصطلاح للحافظ البلقيني.
• التبصرة والتذكرة للحافظ العراقي الكردي، شرح الكتاب في ألف بيت شعري وزاد فيها مسائل نافعة.
• ألفية الحديث لجلال الدين السيوطي.
• التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح للحافظ العراقي.
• شرح لبدر الدين الزركشي.
• الإفصاح على نكت ابن الصلاح لأبن حجر العسقلاني.
وفاته:
توفي رحمه الله تعالى صباح يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ( 643هـ/1245م)، وكان وفاته بمنزله في دار الحديث الأشرفية، وحمّل على الرؤوس وازدحم الخلق على سريره، وكان على جنازته هيبة وخشوع، صلي عليه بجامع دمشق، وشيّعوه ودفنوه بمقابر الصوفية .
مكانته عند العلماء:
• قال ابن خلكان: "كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة، وكانت له مشاركات في فنون عديدة، وكانت فتاويه سديدة، وهو أحد مشايخي الذي انتفعت بهم".
• وقال ابن الحاجب الكردي :" إمام ورع، وافر العقل، حسن السمت، متبحر في الأصول والفروع، بالغ في الطلب حتى صار يضرب به المثل، واجتهد نفسه في الطاعة والعبادة".
• وقال الإمام الذهبي :" كان ذا جلالة عجيبة، ووقار وهيبة، وفصاحة، وعلم نافع، وكان متين الديانة، سلفي الجملة، صحيح النحلة، كاف عن الخوض في مزلات الأقدام، مؤمنا بالله، وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته، حسن البزة، وافر الحرمة، معظما ًعند السلطان، وكان مع تبحره في الفقه مجودا لما ينقله، قوي المادة من اللغة العربية، متفننا ً في الحديث، متصوفا ً، مكباً على العلم، عديم النظر في زمانه، وكانت العمدة في زمانه على فتاويه".
• وقال ابن كثير :"الإمام العلامة، مفتي الشام ومحدثها، وهو في عداد الفضلاء الكبار، وكان ديّنا ً، زاهداً، ورعا ً، ناسكا ً على طريق السلف الصالح، مع الفضيلة التامة في فنون كثيرة".
• وقال تاج الدين السخاوي : "العلامة، الفقيه، حافظ الوقت، مفتي الفرق، شيخ الإسلام......، كان إماما ورعا ً، حجة،ًمتبحرا ً في العلوم الدينية، بصيرا ً بالمذهب ووجوهه، خبيرا ً بأصوله، جيد المادة من اللغة والعربية، حافظا ً للحديث متفننا ً فيه، حسن الضبظ، كبير القدر وافر الحرمة، عديم النظر في زمانه، مع الدين والعبادة والنسك والصيانة والورع والتقوى، انتفع به خلق وعولوا على تصانيفه".
• وقال تاج الدين السبكي :" الشيخ العلامة، أحد أئمة المسلمين علما ً ودينا ً.... وكان إماما ً، كبيرا ،ً فقيها ،ً محدثا ً، زاهدا ً، ورعا ،ً مفيدا ً، معلما ً، يعيد زمان السالفين ورعا ً ويزيد بهجتها بروضه علم جنى كل طالب جناها ورعا ً ويفيد أهلها، فما منهم إلا من اغترف من بحره واعترف بدره....".
• وقال الحافظ العراقي : " وإذا اطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو، وإلى ذلك أشار بقوله : وكلما أطلقت لفظ الشيخ ما أريد إلا ابن الصلاح مبهما.
• وقال النعيمي:" الإمام العلامة، مفتي الإسلام، الشيخ البارع، الإمام الفقيه...".
المصادر:
ينظر ترجمة والد ابن الصلاح :
1- ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية، رقم: 354.
2- الإمام الذهبي: سير أعلام النبلاء 22/148.
3-الأسنوي: طبقات الشافعية، رقم :731.
4- الطباخ الحلبي: تاريخ حلب، 4/323، رقم:162.
5- السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 8/175.
6-الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 618هـ، رقم: 532.
7- ابن خلكان: وفيات الأعيان،3/234.
وينظر ترجمة ابن الصلاح:
1- الإمام الذهبي: سير أعلام النبلاء 23/143.
2- الذهبي: تذكرة الحفاظ: ص1430، رقم: 1141.
3- الذهبي: العبر، 3/254.
4- ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، 5/221.
5- ابن كثير: البداية والنهاية، 13/168.
6- الداوودي :طبقات المفسرين، 1/384.
7- اسماعيل باشا الباباني: هدية العارفين، 1/654.
8- حاجي خليفة: كشف الظنون، 1/317.
9- ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، 6/354.
10- صديق القنوجي: أبجد العلوم، 3/145.
11- النعيمي: الدارس في المدارس، 1/15، 199، 223.
12- مقدمة كتاب علوم الحديث، تحقيق نور الدين عتر .
13- السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 8/326. 14- ابن خلكان: وفيات الأعيان،3/243.
ومصادر أخرى...
الآراء