أيها الإسلام العظيم.. أنت المنقذ من الضلال، والهادي إلى أقوم المسالك، وبك النجاة للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وبيانك هو الحق، والكَلِم المبين: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله و عمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}(فصلت:33)، لقد أبصر أتباعك الغر الميامين سبيلَك الأقوم، ومنهجك الأرشد، فساروا على بصيرة، وعاشوا على الأشواق يرنون إلى آفاق الغيب، فيرون من خلالها ما وعدهم الله سبحانه وتعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}(يوسف:108)، بينما تفرقت السبل باتباع الشيطان، وعاشوا الشقاء بكل صوره وأشكاله من خوف وقلق واضطراب وضياع، لم تنفعهم أهواؤُهم ولا أحزابُهم ولا أفكارُهم، وأنت مازلتَ وستبقى ــ بمشيئة الله ــ عنوان الخلاص وسفينة النجاة، حيث الاستقامة الأثيرة، والدعوة الهادية، وخسئ المرجفون والمنافقون ودعاة الإنقاذ الكاذبون الهالكون. إنَّ الأمة اليوم ترنو إليك.. إلى أنوارك التي أزالت الظلمات، إلى أفيائك النَّديَّة التي يشتاقها الناس، حيث الأمن والسعادة، وأنت تجمعهم على موائد الإخاء والمودة والرحمة: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، فمَن ذا الذي لا تشتاق نفسُه إلى هذه الظلال، ومَن الذي لا تنطلق آماقُه لتستجلي ما وراء هذا الأريج الفوَّاح، ومَن الذي لا تهفو نفسُه، وهي تسابق الآناء؛ لتسعد في رحاب الأنس الرباني، تَبّاً لمَن حرم نفسَه من هذا الخير، وراح منقاداً لأهوائه لا يلتفت إلا إلى جيفها وأقذارها البهيمية. غذاء روحي أقسم بالله العظيم إنَّ هذا المخلوق وأمثاله من الضَّالين ليحترقوا في أتون الموبقات المهلكات وهم لا يشعرون، فطرتهم التي في أعماق ذواتهم تلتهب غضباً، وتثور حزناً على ما فرَّط هؤلاء بحق أنفسهم قبل الموت، هم يقسون عليها ويظنون أنها تتمتع وهم في أحضان الشهوات المحرمة، وهم يتوجعون من حيث لا يشعرون على حرمانها من غذائها الروحي الكريم: {والآخرة خير وأبقى}(الأعلى:17). أيها الإسلام العظيم.. هذه أمتك تُهان وتُستعبد من قِبل أمم الأوثان والصلبان وجنود الشيطان، وها هم بعض أبنائها يرفعون فؤوسهم في وجه أنوارك، يحاربونك بكل ما أوتوا من قوة؛ بأفكارهم السقيمة، وأياديهم اللئيمة، فتحوا أبواب السجون وحشروا فيها المخلصين المجاهدين لإعلاء كلمتك، وأطلقوا الرصاص المغموس في بحار الحقد على صدور الأطهار الأبرار من أبناء وبنات أمتك، وربُّوا الغلاظ الشِّداد من الطغاة والظالمين والسَّجانين؛ ليخنقوا آمال أهل الهدى والتقوى في العودة إلى الله وإلى أسباب الفتح والانتصار. مواقف خسيسة إنهم ــ أيها الإسلام العظيم ــ الأشرار الفجار أهل المواقف الخسيسة، والأنظمة الملوثة بالمفاسد والرشى واللصوصية، أبوا أن يكون الحكم لله ربِّ الأرضِ والسماء: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(المائدة:44). ها هم ــ وبكل صلافة ووقاحة ــ يرفعون أصواتهم ينادون بقلب الحقائق، ويستبيحون الحرمات، ويدوسون على المآثر والفضائل والمكرمات، و«إذا لم تستحِ فاصنع ماشئت»، فسُحقاً لهم ــ مرة أخرى ــ وتَبّاً لهم مراتٍ وكرَّاتٍ على مافرَّطوا في جنب الله. أذى وعار شوَّهوا صورة الأمة الجميلة المشرقة، وتباهوا بما استوردوه من سوء وخلل وأذى وعار، إنهم يلومون أنفسهم إذا ماخلوا معها، ويتضاحكون ويتغامزون إذا ما اجتمعوا برفاقهم، رفاق السوء، وراحوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الله والرسول، بئس الناسُ هم ضاعوا وأضاعوا أمتهم، وقطَّعوا أجنحتها التي كانت بها تجوب الآفاق، وهي تحمل الرحمة والمودة والصلاح والفلاح للعالمين، كأنهم أعداء أمتهم، بل هم أعداؤُها، فليس همُّهم هو همُّ أمتهم، عيونهم لاترى حالها، ومشاعرهم لم تجد مكاناً ترفرف فيه من مغانيها الكئيبة الثكلى، مسامعهم لم تعد تسمع أنَّات الثكالى، لقد غرقوا في مستنقعات اللهو، وداست على جبابهم بنات الليل الساقطات، وأخذت عقولهم أمُّ الخبائث والمخدرات، فأي خير يُرتَجَى ممَّن فقد عقلَه وضميره، وأصمَّ أذُنيه حتى لايسمع صوت الحق! جند الله أيها الإسلام العظيم.. لك جند لم يبالوا بما في الأرض من ظلم وكفر واستكبار، فحياتهم لك، حيث وجدوا في الدفاع عن حياضك ومقارعة أعدائك ــ كل أعدائك ــ جنَّة الحياة الدنيا، إن في الجهاد مشقة و قتلاً وخسارة للأنفس والأموال والأولاد، وهجراً للدنيا وملذاتها، ولكن الحقيقة غير ذلك، ففي الجهاد انتصار لك ــ أيها الإسلام العظيم - وفيه لأصحابه الخلود في فراديس الجنة مع النبيِّين والصِّديقين، ومن أجل ذلك تهون الدنيا وما فيها في عين المجاهد: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(البقرة:216). إذ لا سعادة حقيقية للبشرية إلا بدين الله: {إنَّ الدينَ عندَ اللهِ الإسلام}(آل عمران:19)، فبالجهاد تنتهي أهواء الأشرار، وتُفتتح بيوت الله لإعمارها بالعابدين الساجدين الراكعين، ويرتفع في جنباتها الترتيل بآيات الله البينات، حيث الهداية والبشريات للأمة: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}(الإسراء:9). الفوز العظيم وهنيئاً - والله - لمَن مات شهيداً في سبيل الله، فهو الفائز بعز الدنيا، وأيامه فيها لم تذهب هدراً، وما ضاعت سدى، وهو الناجي يوم القيامة من الأهوال والشدائد التي تشيب لها الولدان.. يوم تُفتح للشهداء أبواب الجنة، ويُقال لهم: ادخلوها بسلام آمنين، فطوبى لهم وحُسن مآب، فكيف لايشتاق المسلم لساحات الجهاد، وكيف لايعشق غبار الملاحم، وكيف لايسخر من أهل الأهواء والآثام وزخارف الدنيا وبهرجها الزائل، وما في ملاهيها وحاناتها وأسواقها من فجور وفساد وسفور، وكيف لايترنم بأناشيد الرعيل الأول من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقائلهم يقول: إني لأشتم ريح الجنة من وراء أحد، إنهم عرفوا ربَّهم ولزموا منهج إيمانهم، فكان لهم ذلك الحضور المتوقد باليقين، الحضور الذي استأثر بما عند الله على ما عند غيره. رفع راية الإسلام أيها الإسلام العظيم.. هذا زمن عودتك إلى قلوب المسلمين، هذه أيام أوبتك إلى أرواح المشتاقين إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وها هم شباب الإسلام يرفعون رايتك في كل الميادين، يرفضون الظلم والجور، يشمخون بهاماتهم العزيزة فوق كل الطغاة والجناة أعدائك، لايبالون بالأذى ولا يخافون المنايا، ولا توقف زحف كتائبهم المصائب والنوائب؛ لأنهم لك ولا يمكن أن يكونوا لغيرك، جذور فضلك ومجدك وخلودك تُسقى اليوم بدماء الأبرار من شيب هذه الأمة وشبابها، ومن دم أطفالها ونسائها، لن نسمح للتاريخ أن يسجل علينا أننا هنَّا وتقاعسنا وركنَّـا، وكأني الآن برسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلينا ويحيِّينا، ويقول: ها هم إخواني.. ها هم إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني، أجر الواحد منهم كأجر خمسين.. أجل ها هم أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي يرفعون الراية وأيديهم مضرجة بالدماء، وصدورهم تدفق بالدماء، وميادين صبرهم وجهادهم تغطيها الدماء، وها هو التاريخ يعود مرة أخرى، وهو يبتسم ليسجل للأجيال القادمة أن جذور المجد والسؤدد لم تمت، إنها تشق الصخور الصلدة؛ لتعلن للملأ أن الإسلام حيٌّ، وأن أهله لم يغرقوا في طوفان الباطل، ولم تحرق خطاهم المكينةَ رمضاءُ الأحقاد والأضغان. صبر ومصابرة لقد نادى اليوم مناديه: حيَّ على الجهاد.. حيَّ على الجهاد، فاهتزت الأرض، ونبت مجد أهل الإسلام من جديد، وربت الفضائل في المغاني والآكام، لقد ذاقوا أصناف التعذيب والتنكيل، وتركوا ديارهم وأهاليهم، وصبروا وصابروا وهاجروا في سبيل الله، فاستحقوا رحمة الله وفتحه ونصره المؤزر: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(البقرة:218)، أولئك الذين ثبتوا على الحق، وقارعوا الطغاة بكل ما يستطيعون وبكل ما يملكون، وأذاقوا عدوَّهم نار الخوف والقلق، وشعر بالخزي والألم، وليس له من وليٍّ ولا واقٍ: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(آل عمران:140). شتان بين مَن يجاهد في سبيل الله، ومَن يهلك من أجل فتات الدنيا، وبين مَن يحيا صابراً محتسباً راجياً ما عند الله من فضل وتأييد، وبين مَن يعمل للشيطان وللأهواء وللملذات الفانية.. أيها المنافقون المتخاذلون بعداً لكم ولتخذيلكم، وأنتم تعلمون أن سنام الإسلام هو الجهاد في سبيل الله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}(آل عمران:167)، فلا خوف من الموت في ساحات الوغى، وصاحب التمرات من أصحاب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مازال يردد: بخٍ بخٍ.. ولا يزال الصَّدى يملأ أعماق القلوب: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(آل عمران:169-175).