حسن البراري لم يكن في تصور الكثيرين أن المخيال الرسمي السعودي بهذه السطحية، فكيف لصانع القرار في دولة بحجم السعودية أن يقدم روايةً مثل قطعة الجبن السويسري - التي تحتوي قليلا من الجبن وكثيرا من الثقوب - ويعتقد أن المجتمع الدولي سيأخذها على محمل الجد؟! ألم يكن الأجدر لو أن الرياض أعلنت عن الحقيقة مباشرة وتجنبت الإدانات المتتالية من كل حدب وصوب، وبخاصة تلك التي طالت وليّ العهد السعودي الذي يتهمه العالم أجمع بأنه هو من أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي بهذه الوحشية؟ وكأن السعودية بحاجة إلى مزيد من الإخفاقات حتى تقدم على عملية نفذت بشكل بدائي ومكشوف، فحروبها الإقليمية وخساراتها المتتالية كانت ينبغي أن تفضي إلى إعادة النظر في مجمل السياسة الخارجية للسعودية بدلا من الإصرار على الارتجالية والمغامرات الخطرة وغير المحسوبة. وحتى الإعلام السعودي أيضا لم يتمكن من الدفاع عن موقف المملكة، فتارة ينكر الجريمة جملة وتفصيلا وتارة يتهم قطر مقدما بذلك أسوأ رواية ممكن أن تصدر عن الرياض. لكن، لماذا نرى بأن هذه الرواية بضعف بيت العنكبوت؟ ربما السبب الرئيسي هو القناعة التامة بأن الرواية السعودية المتأخرة إنما جاءت لتحقيق هدف واحد وهو النأي بوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعيدا عن دائرة الاتهام وإن لزم الأمر تقديم كباش فداء حتى يحافظ الأمير على صورته التي تعرضت إلى هزة عنيفة. فيكفي أن يقرأ الواحد منا كبريات الصحف في الولايات المتحدة والعالم الغربي ليرى كيف أن المجتمع الدولي متفق - ربما لأول مرة - على هوية الجاني الحقيقي. الراهن أن هناك حقيقة ساطعة تفيد بأن السعودية ليست دولة مؤسسات حتى تجتهد إحدى هذه المؤسسات للقيام بعملية من هذا النوع، فالمركزية الشديدة في الرياض تشي بأن تصفية جمال خاشقجي ما كان يمكن أن تتم من دون أمر من أعلى مستوى في البلاد. والحديث عن مشاجرة فيه استخفاف بعامل الذكاء لدى المجتمع الدولي، فكيف يذهب فريق للتفاوض مع خاشقجي ويحمل بيده منشارا استعمل لتقطيع جثة الضحية؟! الجزء الصحيح والوحيد في الرواية السعودية هو أن جمال خاشقجي قد قتل في القنصلية، واللافت أن إقرار السعودية بهذه الجريمة بحق خاشقجي جاء بعد ما يقرب من عشرين يوما من تصريح محمد بن سلمان الذي أكد فيه أن السيد خاشقجي دخل السفارة وغادرها في غضون عشرين دقيقة. بمعنى أن الرواية السعودية جاءت لتكذب وليّ العهد السعودي الذي بدوره يبحث عن البقاء السياسي وبخاصة في ظل ارتفاع أصوات غربية تطالب بعزله وتنحيته. وعلى مستوى مختلف يمكن القول إن كل الرواية السعودية مزيفة، فمحاولة السعودية تقديم محمد بن سلمان كرجل إصلاحي يريد أن ينتقل ببلده من مرحلة إلى مرحلة تتناقض وبشكل جذري مع الشروط الضرورية التي ينبغي أن تتوافر لإحداث هذه النقلة، فمثلا، لا يمكن للمجتمع السعودي أن ينتقل إلى مجتمع إنتاجي في ظل التضييق على الحريات وتصفية من له رأي مختلف. عن صحيفة الشرق القطرية
الآراء