رمضان شهر معروف بألوان للجمال، يشعر بها المسلم في قلبه، قبل أن تراها عينه، ممتدة من نور الفجر وقرآنه، إلى ألوان غروب الشمس والاجتماع على مائدة الإفطار، ومن بياض هلال الصيام ونيته، إلى غسق الليل وتهجده، ويفيض الجمال في الأرواح وهي تنعم بحلاوة الإيمان، وأنوار الطاعة، في خلفية رائعة من قناديل المساجد، وشموخ المآذن، والبنيان المرصوص في صفوف الصلاة. هل شاهدت صفوف المصلين في رمضان وغيره، وقد تراصوا واعتدلوا، مع اختلاف ألوانهم؟ كما في قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (فاطر: 28)، كما من الثمرات والجبال مختلف ألوانه بالحمرة والبياض والسواد والصفرة، وغير ذلك (تفسير الطبري)، لوحة بديعة بتدرج الألوان؛ فالناس كما قال ابن كثير: «منهم بربر وحبوش في غاية السواد، وصقالبة وروم في غاية البياض، والعرب بين ذلك، والهنود دون ذلك، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم: 22)»، كل هؤلاء بألوانهم توحدوا في الإسلام في خط واحد سواسية كأسنان المشط، في محاريب الصلاة، ومطاف الكعبة، ومجالس العلم؛ فديننا يؤكد: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، فلا عنصرية بغيضة، ولا عرقية مقيتة، ولا ازدراء لألوان البشر.

لون سجادة الصلاة بالبيت والمسجد:
سجادة الصلاة عنوان لطهارة المكان ونقاء الوجدان ودموع الساجدين وإلحاحهم بالدعاء، وكلما كانت زخرفتها بسيطة، كانت أدعى للخشوع، ولكن يتفنن بعضهم في ألوان فرش أرض المساجد، بل رأينا مساجد حديثة بزخارف على الأرض والسقوف والجدران والأعمدة حتى صارت كمتاحف الفن، تسرق قسطاً من خشوع الصلاة. يقول الشيخ الغزالي عن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: «وتم المسجد في حدود البساطة، فراشه الرمال والحصباء، وسقفه الجريد، وأعمدته الجذوع، وربما أمطرت السماء فأوحلت أرضه.. هذا البناء المتواضع، هو الذي ربَّى ملائكة البشر، ومؤدبي الجبابرة، وملوك الدار الآخرة، في هذا المسجد أذن الرحمن للنبي أن يؤم بالقرآن خيرة من آمن به، وأن يتعهدهم بأدب السماء.. إن مكانة المسجد في المجتمع الإسلامي تجعله مصدر التوجيه الروحي والمادي؛ فهو ساحة للعبادة، ومدرسة للعلم، وندوة للأدب، وقد ارتبطت بفريضة الصلاة وصفوفها أخلاق وتقاليد هي لباب الإسلام، لكن الناس -لما أعياهم بناء النفوس على الأخلاق الجليلة- استعاضوا عن ذلك ببناء المساجد السامقة.. أما الأسلاف الكبار فقد انصرفوا عن زخرفة المساجد وتشييدها إلى تزكية أنفسهم وتقويمها؛ فكانوا أمثلة صحيحة للإسلام»(1).

لون الهواتف لتفقد ذوي القربى:

تعددت ألوان وزخارف وأغراض الهواتف الذكية والحواسب الإلكترونية، وفي رمضان فإن حرمة الشهر المبارك تعني استخدام هذه الأجهزة فيما يفيد فقط، ومن أهم ما يفيد في الدنيا والآخرة صلة الأرحام، الذين لا نستطيع رؤيتهم وجهاً لوجه أو زيارتهم في أماكنهم الحقيقية وليست الافتراضية، سواء لبعد المكان، أو عدم الاستطاعة، أو عدم السماح مثلما حدث نتيجة جائحة «كورونا»، وحبذا لو اندمج الأمر بألوان جميل الصفح وطيب القول وجليل الكرم، وجميل الهدية لأغنيائهم، وخالص الصدقة لفقرائهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يبسط له في رزقه، أو يُنسأ له في أثره، فليصل رحمه» (رواه البخاري).

لون النقد والذهب الأصفر للزكاة:

إلى جانب زكاة الفطر، فهناك الكثيرون يخرجون زكاة أموالهم في رمضان، فيكتب الله لهم الطهارة بها والنماء والبركة، وفي عصر البنوك، والبطاقات والتحويلات المالية، قلّ من يمسك أوراق النقد بألوانها المختلفة وزخارفها المعقدة ليعطيها إلى مستحقيها بيده، وكانت ألوان الأموال في السابق الدنانير الذهبية والدراهم الفضية. يقول الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة: 103)، هي الزكاة المفروضة، تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة،‏ وتزكيهم أي‏:‏ تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم‏، وفيها‏:‏ أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها (تفسير السعدي).

لون العمامة الأزهرية:

يذكرنا رمضان بألوان العمامة الأزهرية البيضاء فوق الطربوش الأحمر الصغير، بما يقدمه العلماء الربانيون منهم من علم، وفتاوى، ووعظ، وقراءة القرآن في رمضان. وتمثل العمامة عند العرب التاج عند غيرهم من الأمم؛ لأن أهم ما تميز به علماء الأزهر عبر التاريخ فضلاً عن علمهم وخلقهم هو حسن المظهر وبهاء الزي.

لون الشمس بعد ليلة القدر:

قال العلماء: لليلة القدر علامات يراها من شاء الله من عباده في كل سنة من رمضان؛ لأن الأحاديث وأخبار الصالحين ورواياتهم تظاهرت عليها، فمنها حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: «إنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر..» (رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله ثقات). وعن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها» (رواه مسلم)، قال النووي: قال القاضي عياض: قيل: معنى لا شعاع لها أنها علامة جعلها الله تعالى لها، وقيل: بل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الأرض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها(2).

البياض وعمرة في رمضان:

في الحديث: «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ..» (رواه أحمد)، وللرجال فالرداء قطعة تلبس على الجزء العلوي من الجسم، والإزار يلف على أسفله، ولا يشترط أن يكون لباس الإحرام أبيضَ، لكن يستحب له ذلك وهو الأولى، وهو الذي جرى عليه عمل المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير ثيابكم البياض..» (رواه الترمذي). وكلنا في تشوق أن نكون هناك، ونرى الكعبة المشرفة، زادها الله تعالى تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وبراً، بكسوتها من الحرير الأسود، وخيوط الذهب التي كتبت بها الآيات والأطر الرائعة، روى البخاري عن ابْن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: «.. فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً»، وفي رواية لمسلم: «حجة معي». قال ابن حجر: «فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض»، وقال ابن الجوزي فيه: إن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد(3).

______________________________________________________

(1) فقه السيرة، محمد الغزالي، دار القلم، دمشق، 1427هـ، ص188.

(2) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392هـ، 8/65.

(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، 3/605.