لقد بیّن الأستاذ سبحاني في سلسة من محاضراته تحت عنوان «النظام السیاسی في الإسلام» وجهة نظره حول أصول الحكومة الإسلامية و شَكلها، و كيفية تشكيلها و العلاقات الثنائية بين الحكومة و المواطنين مستدلا بآيات القرآن الكريم و أسلوبه التفسيري الخاص و المتمايز. و من المستغرب أن هناک ظهوراً جلياً لنظامه الفكري الخاص في محاضراته؛ بينما يوجد قليلاً في بحوثه الأخري. في مدارسة آثار الأستاذ نجده عالما بلسان القرآن و روحه و یؤکد كثيرا علي ما يجب علي الإنسان أدائه لله، و يقوم خلال هذا الأسلوب بتربية المؤمن الذي عليه تكاليفه. و بتعبير آخر كان مدار كل آثاره يدور حول التكليف و يمتاز الإنسان عنده بالإيمان و التكليف و إن كان الأستاذ لا يغفل عن حقوق المخلوق عند خالقه، و لكن ما له من الحقوق بالنسبة إلي ما عليه من التكاليف شيئ لايذكر ، و من فوائد توفير هذه البيئة للمخاطب، ارتفاع مستوي إعداده لقبول أوامر الله في مسيرة تزكيته. و ربما العناية بالتكاليف أكثر من الحقوق، شيئ فاقد الأهمية عند عدد من العلماء المعاصرين-من المسلمين الذين يبحثون عن الحقوق في نصوص الدين تحت ظل شمولية الحوار حول الحقوق- ؛ لكن يمكن القول بشكل قاطع أن المدارسة في نظرية الأستاذ حول «النظام السیاسی للإسلام» لَيُوصِل هؤلاء العلماء إلي مقصودهم.
إن الموازنة بين آراء الأستاذ في الحقوق المدنية مع ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الإسلام، و مع نظرية الدكتور يوسف القرضاوي في موضوع حقوق غير المسلمين في الحكومة الإسلامية، ليجلّي تماما أنه بالرغم من تقدّم الأستاذ في بيان هذا الموضوع، نري في رؤيته تقدمية جلية في بيان الحقوق المدنيين في الحكومة الإسلامية.
تَعرض محاضراتُه وجها من النظام الفكري الخاص له حول « النظام السياسي للإسلام » بشكل قلّما يجد الإصابةَ في آثاره الأخري؛ و هو الوجه القائم علي الحقوق و مستندا بآيات القرآن الصريحة، يحدد مثل هذه الحقوق المترقية للمواطنين في المجتمع الإسلامي –مسلما أو غير مسلم- ما لا نجده إلا بشكل نادرٍ في آثار العلماء الآخرين. و يبرز هنا سرُّ اتجاهه لجعل المهام محورا للمسلم في معظم آثاره و به تتكوّن العلاقة الذهبية بين العبد المكلف و المواطن المهتم بالحقوق. أليس الأفراد هم الوحدات الأساسية للحكومة و المجتمع؟ ألیست سلامة الحكومات و المجتمعات تابعة لسلامة الأفراد؟ إذن، كلّما زاد علم الأفراد بتكاليفهم أمام الخالق و المخلوقات، قبل تشكيل الحكومة- و لا حين تصدّي المناصب- اتخذوا هذا العلم مستند سلوكهم الذي صار ملكة.
من هنا يحدد الأستاذ النظامَ السياسي القائم علي الحقوق و يحددُ الايمان و الأخلاق ضماناً لهما.
بعد هذه المقدمه نبدأ ببيان خصائص رؤية الأستاذ السياسية و خلفيةِ تشكيل النظام السياسي و شكله و خصائصه و في النهاية نبين الحقوق المدنية –خاصة لغير المسلمين- التي يعترف بها النظامُ علي ما يراه الأستاذ.
خصائص رؤيته السياسية
1- قوامها علي القرآن: نذكر ابتدائا ما يميز رؤيته السياسية، الذي استنبط أغلب أجزائِها من الآيات القرآنية. إن الأستاذ يأتي في أول كل درس بآيات مرتبطة بالموضوع، ثم يشرع في بيان مفردات الآيات و تفسيرها بالترکیز علی النقاط الرئيسية في الدروس. الأمر الذي يُسَلِّط الضوءَ علي هذه الخصيصة و صار الوجهَ المتميّز في رؤيته السياسية، هو محورية الآيات القرآن الكريم في بيان كل من الوجوه النظام السياسي الإسلامي بشكل يجد المخاطبُ الآيات القرآنيةَ في البنية التحتية و البنية الفوقية معا في هيكل هذا النظام. و من البديهي أنه يتطلب هذا التعامُل مع الآيات القرآنية خاصة في موضوع كالنظام السياسي، معرفةً عميقة و وسيعة في لغة القرآن، و في فن التفسير، و إلي فهم الروح السائدة علي الآيات و السور قبلهما؛ الأمر الذي كان من اختصاصات البارزة للأستاذ باعتراف الجميع.
هذه المحاضرات كما يلي:
الدرس الأول: سورة الاعراف، الآية:54.
الدرس الثاني:الأعلی،الآيات:1و2و3،الإسراء/85،النحل/2، الطلاق/3.
الدرس الثالث: الطلاق/3، الأنبیاء/18، العنكبوت/4، الحج/48، الصف/8 و 9، التوبه/33.
الدرس الرابع: مریم/83، الحج/3 و 4، الشوري/21، آلعمران/64.
الدرس الخامس: النساء/165، النحل/44 و 89.
الدرس السادس: البقره/30، الأحزاب/72، هود/61، الحجرات/1، الأنبیاء/ 105.
الدرس السابع: الحدید/25، الحج/41، البقره/القسم الأول/ 143.
الدرس الثامن: النور/55، الشوري/ 36 و 37 و 38 و 39، النساء/ 59.
الدرس التاسع: الزمر/ 17 و 18، المائده/100، النساء/115.
الدرس العاشر: النساء/ 58 و 59 و 83، الأحزاب/ 72.
الدرس الحادي عشر: القصص/26، المائده/55، النساء/ 34، الأنفال/72.
الدرس الثاني عشر: الفتح/ 10، النحل/ 91، الشعراء/ 151 و 152.
الدرس الثالث عشر: الفجر/23، الجمعه/2 و3، الفاتحه/5، النساء/32.
الدرس الرابع عشر: الإسراء/70، الحجرات/10 تا 13، ص/26، النساء/65.
الدرس الخامس عشر و السادس عشر: التوبه/29، المائده/8 و 42.
الدرس السابع عشر: الحجرات/9، المائده/33 و 34، النساء/75، الانفال/39 و 40.
الدرس الثامن عشر: محمد/4 و 5 و6، الأنفال/60.
مضافا إلي دور المركزية للآيات، نجد في هذه المحاضرات آثارا بديعا في تفسير الآيات القرآن الكريم، نشير إلي أمثلة منها:
النموذج الأول: يقول الأستاذ بعد مقدمة في موضوع الخلق و الأمر في تفسير آية «... یسئلونك عن الروح، قل الروح من أمر ربی...» مستدلا بآية 54 من سورة الأعراف: « الإيمان بالله كخالق يستلزم وجوبا الإيمان به حاكما و أن يتمَّ منّا القبولُ لكل أوامره في كل المجالات» و بعده يبدأ في بيان مراحل خلق الكون (يعني القدر و القضاء) مستدلا بآيات 1و2و3 من سورة الأعلي و يَعدّ الروحَ - وهی القوةُ الدافعة- الوجهَ الفارق بين الإنسان مع النبات و الحيوان؛ هذه القوة هي السبب ليمتلك الانسانُ أوصافَ الرشد و النمو-كالنباتات- وأوصافَ الإدراك بالحواس و الحركات الإرادية -كالحيوانات- و هي تعطي الانسانَ قوتین متمايزتین، هما «العلم و الإرادة» ليكون قادرا علی تمييز الحق والباطل باستخدام قوة العلم (التي تحتوي علي: البصر و الفؤاد و السمع) و قادرا أيضا علي اختيار مسيرة الحياة باستخدام قوة الإرادة.
يبدأ الأستاذ بعد هذه المقدمة ببيان النقاط الرئيسية في تفسير آية «... قل الروح من أمر ربی.. » و يقول: « بعد أن خلق الله المخلوقات أمرهم بالحركة في مسيرة أداء واجباتهم ... فالمخلوقات الفاقدة للإرادة، تبدأ حركتَها علي الفور في مسيرها الطبيعي للرشد و الحركة، لأنها غير مختارة. و لكنّ وضع الإنسان مختلف عنها. لأنه بعد أن أمره الله بالحركة، يحتاج لامتثال هذا الأمر إلي روح و بتعبير آخر إلي علم و إرادة. فالمراد من الآية(قل الروح من أمر ربي) هو أن الروح خلقت في مجال امتثال «الأمر» من الله. في هذا الموضوع يعبر الأستاذُ عن تفسير جديد من الآية و بالإضافة إلي ذلك أنشأ رابطا قويا بين هذه الآية و آية «... ألا له الخلق و الأمر...» الذي هو المصداق البارز في تفسير القرآن بالقرآن. و لو قبلنا هذا التفسير الجديد، في مقابل الآية التي بعدها ((و ما أوتیتم من العلم إلا قلیلاً)) و نضراً لمعني العلم في النظام الفكري الاستاذ،نتمسك بأداة أكثر كفاءة لفهم هذه الآية.
النموذج الثاني: لا يحصر الاستاذُ مصداقَ أهل الكتاب في الآية 64 من سورة آل عمران في اليهود و النصاري، بل يفسر «اهل الكتاب» بقادة الفكر الإنساني في جميع الفترات و يقول: «أصل كلمة «أهل الكتاب» لها معني عامّ و لهذا لا يقول –عزوجل- : يا يهود و يا نصاري، بل يقول: يا أهل الكتاب، لأن المراد منها قادة الفكر الإنساني كالفلاسفة و المقننين و المخططين للبشرية.
- ابتنائها علي الأخلاق: النظام السياسي الإسلامي في رؤية الأستاذ، ملتزم في كل مراحله تأسيسا و تشكيلا و استقرارا برعایة الأصول الأخلاقية في معاملته مع الناس أجمعين، إلي أن يعتقد بأن شهادة الناس علي شرعيته هی الهدف الغائي من استقراره. يقول الأستاذ مستشهدا بآية من سورة الحديد: الهدف، تأسيس النظام العادل الذي أنزله الله للبشرية و ليس الهدف الأساسي التحكم علي الناس. هل تتذكرون قضية الجزائر التي تكشف فيها المسلمات عن حجابهن لیفجرن القنابل لتخویف الفرنسیین و لتأسیس الحکومة؟ علي أنه خطأ كبير أن یُظَنَّ أن تأسيس الحكومة هو الهدف الغائي. علما بأن المقصد من تأسيس الحكومة الإسلامية هو قیام الناس بالقسط و العدل، والتي لا تلتزم بالنظام الإلهي و تترك الحجابَ كيف يمكن أن توصي الآخرين بمراعاته؟..قال الله: البسوا الحجاب و ما أمر بتأسيس الحكومة... و قال: تخلقوا بالخلق الإسلامي و إن استكثرتم و أراد ألاغلبیة تأسيس الحكومة الإسلامية و توفرت أسبابها فقوموا بتأسيسها؛ و لا يجوز لکم تأسیس الحکومة بأي طريقة كانت و لا يبرر الهدفُ الوسيلةَ ... و من لم يسعَ لتزكية نفسه من قبلُ و ما صار الالتزام بالأصول الأخلاقية خصلة عنده، إذا جلس علي كرسي الحكومة لا فرق بينه و الحكامِ الآخرين و ربما يكون أظلم منهم. فلهذا ليست الحكومة الهدف الغائي؛ بل الهدف تنفيذ منهج الله و الذي يؤاخَذ عليه المسلم يوم القيامة التزامُه بالأخلاق و لا يؤاخَذ علي تأسيس الحكومة بدون مراعاة أسبابه... و علي هذا حرم الإسلامُ اغتيالَ الحكام الظالمين لأن باغتيالهم لا يزول ما حاك في صدور الناس من قبول الظلم و ما زالت بيئتُهم متوفرة ليتحكم عليهم ظالم آخر ... و لهذا لابد من تغيير الأفكار و إزالة فكرة الوثنية قبل إزالة الاصنام. لأنك إن هدّمت صنما تصنع الفكرةُ صنما أجمل مما كان قبله و الله يقول: «ولینصرن اللهُ من ینصره» و هذا يعني أن الله ينصر من يلتزم بتنفيذ برامج الله و لا يتعدي الأصولَ الأخلاقية.
يمكن أن يُسأل: كيف یستقر نظامُ سياسي إسلامي مبتنيا علي الأخلاق فقط؟ و الجواب إنّ من سنن الله في البشر إذا رأوا جماعة منهم يظهرون الخُلقَ الإنسانية و الإسلامية بشكل جاد، يستسلمون أمام نظام تربّت تلك الجماعةُ تحت ظلّه بطريقة عفوية. إذاً بعد أن التزمت الجماعة بالأخلاق الإسلامية و استقامت في الطريقة و تحمّلوا الأذي و المضايقات و اشتروا بأنفسهم في سبيلها و استمرّت جيلا بعد جيل، بعد هذه كلِّها تُجبر الطواغيتُ بالتسليم و الناسُ بالاعتراف بشرعية ذلک النظام و يدخل الناسُ في دينهم أفواجا. ألا تري أنّ النبي بعد أن واجه من مشركي قريش كثيرا من المضايقات و التحرّشات دعا لهم و قال: «الّلهم اغفر لهم فإنّهم لا يعلمون»و في فتح مكة خاطب من آذاه طوال سنين: « اذهبوا فأنتم الطلقاء».
إذن لا بدّ من يوم يبرهن المسلمون لدينهم بخلقهم الجميلة و الإنسانية و لابد لتشكيل الحكومة من تربية 75 في المئة من أفراد المجتمع علي هذا الأساس، و بعد هذه المرحلة التربوية يعلن المسلمون عن طريق ااستفتاء و لا المشاغبة و الفوضوية ما يريدون من السلطة و و وصولهم إلي الحكومة.
هكذا يصرح الأستاذ أنّ الطريق الوحيد لتولی المسلمين الحكومةَ هو الخلق الحسن الذي يتسبب فی تشكيل أمّة الوسط و یكون الناسُ عليهم شاهدين بالحق.
3- انتمائها إلي الشوري: الحكومة الإسلامية في رؤية الأستاذ ترادف الشوري و هي اليد العليا في الأخذ بدفّة االسلطة المركزية و باقي المؤسسات و المسؤليات كالخلافة و إمارة المؤمنين (يعني رئاسة الجمهورية في تعبيرنا اليومي)، و أنظمة القضاء و الشرطة و التعليم تكون تحديدها بالشوري و تقع في إطارها. يعبر الأستاذ عن الشوري بلفظ آخر و هو «القوة المبیِّنة» لأنها تبيِّن أحكام القرآن و السنة في الحياة و لا يري استعمال «القوة التشریعیة» مناسبا للشوري لأن وضع القانون مختص بالله فقط.
إنّ ما وافق عليه أهلُ الشوري يكون في حكم القوانين الوطنية من حيث وجوب قبوله و إطاعته علي الناس، و لكن للناس أن يحتجوا عليه قبل وصوله إلي مرحلة التصديق النهائي في الشوري و في بعض الحالات واجب علي الشوري أن يستفتي الناس لبعض القوانین التی تم التصدیق علیها حتي تحصل علي تأييد الناس.
و في توضيح هيكل الحكومة الإسلامية سنبين في ما بعد دورَ الشوري الرئيسي في الحكومة و نوضح ما يري الأستاذ في هذا المجال.
4- قوامها علي الحقوق: كما ذكرنا من قبل أن الأستاذ يؤكد كثيرا علي العلاقات الثنائية بين المواطنين و الحكوميين و خاصة يهتم بحقوق المدنيين علي الحكومة الإسلامية و هذا يعتبر من أبرز النقاط الرئيسية في وجهة نظره السياسي. و هذه الحقوق لا تنحصر علي المسلمين بل يشمل غيرهم في مستواها العالي و يعطيهم حقا لتشكيل الحكومة الفدرالية وفقاً للشروط التي سنبينها في توضيح الحقوق المدنية التي منها حق الاحتجاج علي الشوري و الخليفة و إن لم يتحقّق هذا الحقُّ ليُعزل عن منصبه مَن تسبَّب في تعطيله.
فالحقوق الأساسية للمدنيين كالآتي: 1- حق الحياة 2- حق العلم 3- حق الحرية 4- حق الملكية 5- حق الكرامة 6- حق المساواة 7- حق الأخوة . و هذه الحقوق سنوضحها في الفصل القادم.
الآراء
دیدگاه های ناصر سبحانی در خصوص نظریه ی سیاسی اسلام به یک معنا شرح و تفسیر اندیشه سیاسی کاک احمد می باشد۰ اخوان با آین طرز تفکر و تفسیر شورایی مفهوم اولی الامر از اساس بیگانه و نا آشنا هستند۰ مرحوم سید قطب که حتی جانش را در راه تحقق حکومت اسلامی فداکرد به هیچ وجه نظریه ی سیاسی خود را از شورا استنتاج نکرد، بلکه ایشان در جستجوی حاکمیت شریعت و فقه اسلامی بود که بوسیله ی یک حاکم مسلمان قابل اجرا باشد۰
مجهول
26 بهمن 1392 - 08:02سلام لطفا برای ادعای خود سند متقن ارائه دهید.