إلى وقت ما قبل فرض العقوبات الدولية، الاقتصادية منها خاصة، على إيران، كانت مدينتا النجف، وكربلاء، في كل أنحاء العالم تزدحمان بوجود أكثر من 5 آلاف زائر إيراني يوميا، وهذا العدد يزداد إلى أكثر من 10 أضعافه في المناسبات الدينية، يصلون جوا عبر مطاري النجف وبغداد، أو برا عبر المنافذ الحدودية وبواسطة الباصات، وتحولت زيارات الإيرانيين إلى جزء مهم من عصب الاقتصاد في المدينتين الشيعيتين، مما استوجب تطوير مطار عسكري كان قد أنشئ في عهد النظام السابق إلى مطار مدني (مطار النجف الدولي)، وبناء ما يقرب من 350 فندقا في النجف و500 في كربلاء، مع انتعاش حركة البيع والمطاعم، حسبما يؤكد صائب أبو غنيم، رئيس رابطة فنادق النجف. لكن فنادق وأسواق النجف وكربلاء تعاني اليوم، بسبب انخفاض قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار والدينار العراقي، من انحسار واضح للوجود الإيراني، وحسب إيضاح أبو غنيم لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من النجف، أمس، فإنه «بدلا من دخول 5 آلاف زائر إيراني يوميا إلى المدينة في السابق، صار يأتي ما بين 800 إلى ألف زائر، وبرنامج الزيارة كان يجري وحتى اليوم بأن يبقى الزوار الإيرانيون 3 أيام في كربلاء، ومثلها في النجف، لهذا كان 95 في المائة من شاغلي فنادقنا هم من الزوار الإيرانيين»، مشيرا إلى أن «في النجف وحدها هناك 260 فندقا و75 قيد الإنشاء، وبواقع 30 ألف سرير نسبة تشغيلها اليوم لا تتجاوز الـ10 في المائة في أفضل الأحوال، وهذا ما أدى إلى إغلاق 200 فندق في النجف وحدها». ويضيف أبو غنيم متحدثا من فندقه (الفرقدين) قائلا: «فندق مثلا من فئة 4 نجوم كان يزدحم بالزوار، واليوم نسبة إشغاله 5 في المائة، وكانت أسعار الأسرّة تبلغ نحو 40 دولارا أميركيا للشخص، وهذا ما نطلق عليه فئة (أ)، و30 دولارا لفئة (ب)، و28 دولارا للفئة (ج)، وهذه الأسعار مع ثلاث وجبات طعام يخصم منها دولاران لوزارة السياحة، واليوم وبسبب الكساد هناك اتفاق شبه إجباري بتخفيض 8 دولارات من أسعار جميع الفنادق»، مشيرا إلى أن «فنادق النجف وكربلاء والمحلات التجارية كانت تقبل التعامل بالعملة الإيرانية ولكن بعد انهيارها لم نعد نثق بها، وصرنا نتعامل مع الزوار الإيرانيين بالدولار الأميركي، وهذا يكلفهم الكثير». وعبر رئيس رابطة الفنادق في مدينة النجف عن اعتقاده بأن «تكون العقوبات الجديدة التي هددت بها الولايات المتحدة الأميركية إيران بمثابة الضربة القاصمة لعملنا، فهنا أقل تكلفة لإنشاء فندق هي أكثر من 5 ملايين دولار، وهذا يتطلب الكثير من العمل لتعويضه، وزيارات الشيعة من دول الخليج العربي والهند وباكستان لا تشكل نسبة يمكن الاعتماد عليها». وتوضح الدكتورة افتخار عباس عضو الحكومة المحلية في محافظة كربلاء ومسؤولة لجنة السياحة في مجلس المحافظة أن «أبرز مشكلة واجهت أصحاب الفنادق والمصالح التجارية هي قرارهم بإيقاف التعامل بالعملة الإيرانية (الريال) والتعامل بدلا منها بالدولار الأميركي»، مشيرة إلى أن «هناك الكثير من الفنادق تعرضت للخسارة، لكنها لم تغلق أبوابها لأنها تشتغل في المناسبات الدينية وتعتمد اليوم على الزوار الخليجيين الذين يدفعون بالدولار، حيث استقبلت كربلاء وبمناسبة الزيارة الأربعينية لمقتل الإمام الحسين أكثر من 750 ألف زائر أجنبي». ويشير صاحب إحدى شركات الصيرفة في مدينة كربلاء إلى أن «سعر العملة الإيرانية انخفض كثيرا، وهذا ما أثر على عموم العمل التجاري في المدينة، فنحن اليوم لا نتعامل كثيرا بـ(التومان) الإيراني، بعدما كنا نتداول مئات الآلاف منه يوميا»، مشيرا إلى أن «تعامل التجار والفنادق في المدينة اليوم مع الزوار الإيرانيين بالدولار الأميركي، حيث كان سعر المائة دولار 100 ألف تومان، بينما سعرها اليوم هو 365 ألف تومان إيراني، والدينار العراقي الذي كان سعره 500 تومان، صار اليوم 3 آلاف تومان». ويضيف صاحب شركة الصيرفة الذي فضل عدم نشر اسمه، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التدهور في العملة الإيرانية أثر حتى على إيجارات المحلات التجارية وعلى حركة التجارة، فقد كانت أسواق كربلاء والنجف تزدحم بآلاف الزوار الإيرانيين، وخاصة النساء اللواتي يتسوقن الهدايا لأقاربهن في إيران، بينما اليوم الأسواق تكاد تكون خالية».
الآراء