أسلمة المعرفة

أسلمة المعرفة يعود تاريخها إلی نهاية القرن التاسع عشر و حتی منتصف القرن العشرين حيث أخذت منحی تأملات متناثرة فی المنهج و المعرفة و التصنيف المعرفي الإسلامي عبر تاريخنا الفکري الإسلامي الطويل ، ثم أتت بعد هذه المرحلة ، المرحلة التمهيدية التی بلغت مستوی الأمنية و الحلم الجميل عند رواد المدرسة الإصلاحية في أواخر القرن العشرين لمواجهة محاولات الغزو الفکري والاستلاب الثقافي ، و منذ ذلک الوقت قدمت دراسات عديدة عند رواد هذه الفکرة ؛ منها مدارسة الأستاذ الشيخ الغزالي و الأستاذ عمر عبيد حسنة «کيف نتعامل مع القرآن»، و«کيف نتعامل مع السنة» للشيخ الدکتور يوسف القرضاوي، و« أزمة العقل المسلم »للأستاذ الدکتور عبد الحميد أبو سليمان و « مدخل إسلامية المعرفة »للأستاذ الدکتور عماد الدين خليل و « تراثنا الفکري بين النقل و العقل» للشيخ الأستاذ محمد الغزلي و «معالم المنهج الإسلامي » للدکتور محمد عمارة « والجمع بين القراءتين : قراءة الوحي و قراءة الوجود » و «إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم لطه جابر العلوانى ،« أسس المنهج القرآنى فى بحث العلوم الطبيعية »  للأستاذ منتصر محمود طاهر . ثم تبلورت لتکون فکرة قابلة للتطبيق في دراسات  و بحوث و مؤتمرات إسلامية المعرفة الأول و الثاني بصفة خاصة و کانت قد تحولت إلی کيان بتأسيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في أمريکا (1972)، ثم بتأسيس المعهد العالمی للفکر الإسلامي في مطلع هذا القرن الهجري الخامس عشر،فأصبحت قضية أسلمة المعرفة بعد ذلک مشروعاً ثقافياً فکرياً منهجياً له تيار لا يمکن تجاهله عند الحديث عن تيارات الفکر الإسلامي الحديث. و لقد تطور خطاب إسلامية المعرفة منذ تأسيس المعهد العالمي للفکر الإسلامي و شروعه في مزاولة نشاطه1981م، فتحول عن کونه خطاباً إسلامياً خاصاً موجهاً إلی العالمين في الحقل الإسلامي يلفت  نظرهم إلی حقيقة أزمة الأمة الإسلامية و يؤکد علی أنها أزمة فکرية و منهجية لا عقيدية ولا فقهية، و ثقافية أکثر منها سياسية و تحدٍ داخلي أکثر منه خارجي و منذ ذلك الوقت فقد أصبحت قضية إسلامية المعرفة « خطابا عالمياً قرآنيا يهدى للتى هى أقوم فيعالج مشكلة المنهج و يعمل علی حل إشكالية العلوم الاجتماعية و الإنسانية المعاصرة ، و إنقاذ فلسفة العلوم الطبيعية من المأزق الذى يكاد الإنسان المعاصر ينتحر فيه من خلالها و ذلك بإخراجها من مضايق النهايات الفلسفية الوضعية الخانفة - التى أوصلتها إليها الفلسفة الوضعية المنبتّة عن الله، المنقطعة عن هداية وحيه » .

و خطاب « إسلامية المعرفة» بحكم انطلاقه من الوحي الإلهي المطلق المهيمن علی العلم المحيط بالمعرفة ،المعادل للوجود الکوني کله سوف يكون قادراً علی احتواء ما بلغته الحضارة المعاصرة و تنقيتها و إنقاذها مما يتهدد البشرية كافة بمنهجية« الجمع بين القراءتين» قراءة القرآن المسطور و الكون المنثور فيظهر دين الله علی الدين كله و من وجوه إعجاز القرآن الكريم أنه قادر علی إعادة بناء الإنسانية من خلال المنهج و المعرفة و الثقافة التى يحتويها و إحداث التغيير في العالم كله و احتواء سائر تناقضاته و القضاء علی سلبياتها ، و تحويلها إلی عوامل تفاعل بناء ، و تجاوز ثنائيات الصراع و التقابل إلی وحدة في تنوع ، و توحد في تعدد »  .

 

منهجية أسلمة المعرفة :

لقد وضع الأستاذ إسماعيل الفاروقى1986، إطاراً عاماً و مفصلاً لعملية أسلمة المعرفة علی الوجه التالي :

أولا :مفهوم أسلمة المعرفة: حيث عرَفها بمعنی إعادة صياغة العلوم فى ضوء الإسلام وذلک من خلال تحقيق الأهداف التالية: 

«1ـ فهم واستيعاب العلوم الحديثة في أرقى حالات تطورها، والتمكن منها، وتحليل واقعها بطريقة نقدية لتقدير جوانب القوة والضعف فيها من وجهة نظر الإسلام.

2 ـ فهم واستيعاب إسهامات التراث، المنطلق من فهم المسلمين للكتاب والسنة في مختلف العصور، وتقدير جوانب القوة والضعف في ذلك التراث في ضوء حاجة المسلمين في الوقت الحاضر، وفي ضوء ما كشفت عنها المعارف الحديثة.

3ـ القيام بتلك القفزة الابتكارية الرائدة اللازمة لإيجاد «تركيبة» تجمع بين معطيات التراث الإسلامي وبين نتائج العلوم العصرية بما يساعد في تحقيق غايات الإسلام العليا » . 

ثانيا : تقسيم منهجية إسلامية المعرفة عندما تطبق في دراسة أحد الموضوعات العلوم الاجتماعية إلى مرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولى مرحلة التنظير، والمرحلة الثانية مرحلة‌ البحوث، ولكل مرحلة منهما خطواتها على الوجه التالي:

المرحلة الأولى: مرحلة‌ بناء الإطار النظري المتكامل، وتتضمن: 

 أ- حصر إسهامات العلوم الاجتماعية المتصلة بالموضوع وذلك عن طريق: 

1) حصر النظريات والقضايا والتعميمات والمفاهيم المتصلة بالموضوع في الكتابات العلمية التي تمثل الوجهة السائدة (The Paradigm) في فهم الموضوع وفي الآراء المنشقة عليها (بوجه خاص). 

2) إلقاء نظرة نقدية فاحصة‌ على تلك الإسهامات (بنوعيها) في ضوء التصور الإسلامي للكون والإنسان والوجود.

3) استبقاء المفاهيم والتعميمات والأطر النظرية التي صمدت للنقد والتي تتمشى مع التصور الإسلامي، واستبعاد ما بُني من تلك المفاهيم على مسلمات خاطئة.

ب- حصر البصائر التي تتضمنها معارف الوحي والتراث الإسلامي ذات الصلة بالموضوع، وذلك من خلال: 

1) استقصاء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتصلة بالموضوع، والكشف عن المقصود بها في كتب التفسير والشروح المعتبرة.

2) حصر إسهامات علماء المسلمين من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين بما يرتبط بالموضوع، مع تعريضها لنظرة نقدية فاحصة تضعها في إطار الظروف التي ظهرت تلك الإسهامات في نطاقها. 

3) الجمع بين البصائر المختارة من بين تلك المصادر جميعها مما يطمئن إليه عقل الباحث وقلبه توصلا إلى مايشبه أن يمثل في نظره التصور الإسلامي لموضوع الدراسة.

ج- بلورة الإطار التصوري الجامع بين بصائر الوحي وما صح من ثمار الخبرة الإنسانية من خلال: 

1) إعادة ترتيب المشاهدات المحققة التي توصل إليها المشتغلون بالعلوم الاجتماعية من خلال البحوث العلمية المنضبطة، وإعادة تفسيرها في ضوء الأطر النظرية المستمدة من معارف الوحي من جهة، وباستثمار الأطر النظرية المستقاة من تراث العلوم الاجتماعية بعد ثبوت اتساقها مع التصور الإسلامي، من جهة أخرى.

2) صياغة ذلك الإطار التصوري المتكامل (الجامع لبصائر الوحي وما صح من ثمار الخبرة الإنسانية) في شكل أنساق استنباطية تسمح باستخلاص فروض يمكن التحقق من صدقها ومعرفة مدى اتساقها مع السنن الإلهية في الأنفس وفي الآفاق.

المرحلة الثانية – مرحلة البحوث والممارسة المنضبطة لاختبار الإطار التصوري المتكامل وتطويره، وتتضمن: 

1) استنباط فروض مستمدة من الإطار التصوري (أو النظري) المتكامل الذي تم التوصل إليه في نهاية المرحلة الأولى، والتحقق من صحة تلك الفروض من خلال البحوث العلمية المنضبطة، وكذلك استنباط مبادئ مبنية على تلك الأطر التصورية يتم اختبارها بالممارسة المهنية في مِهن المساعدة الإنسانية (كالخدمة الاجتماعية والتوجيهیة والإرشاد النفسي).

2) إذا لم تثبت صحة الفروض، أو عجزت مبادئ الممارسة المهنية عن تحقيق الإصلاح المتوقع في الأفراد والمجتمعات، فإنه يتم القيام بمراجعة الإجراءات المنهجية والممارسات التي اتبعت لإعادة التأكد من سلامتها، أو إعادة النظر في الأطر التصورية المتكاملة التي انطلقنا منها وتعديلها في ضوء المشاهدات المحققة.

 3) يستمر إجراء البحوث والممارسات المهنية على هذا المنوال، ويتم نشر نتائجها في الدوريات العلمية، وبذلك تتعرض لنقد علمي من الأفراد العلميين المتخصصين، ويؤدي هذا التنامي العلمي إلى التراكم الكمي والكيفي للنتائج الصحيحة، بحيث تصب ثمار هذا كله في كتب جامعية رصينة مؤصلة إسلامياً، تفصل مراحل تلك المنهجية " . 

و هذا المنهج يمكن تطبيقه علی موضوعات العلوم المعاصرة عند القيام  بتدريسها و عرضها بما يتناسب مع الرؤية الإسلامية .

و « فى ضوء ما سبق يتبين لنا علی الفور أن أى حديث فى الوقت الحالى عن تطبيق هذه المنهجية لايمكن أن ينصب إلا علی المرحلة الأولی فقط ، من مراحل عملية التأصيل الإسلامي للعلوم ... ، و هو ما يتصل بمحاولة بناء نظرية تكاملية تكون بمثابة نقطة انطلاق لبرامج بحثية أو ممارسات مهنية منضبطة ( فى المرحلة الثانية ) ، بهدف التحقق من صحة تلك الأطر النظرية ، فهذا .. وحده هو الضمان لاتساق تلك الأطر النظرية مع الحقائق المشاهدة و السنن الإلهية المودعة فى هذا الوجود و الحاكمة عليه »  . 

 

الآثار السلبية للعلوم الإنسانية و الاجتماعية علی المجتمعات الإسلامية:

هناک آثاراً سلبية للحضارة الغربية علی المجتمعات الإسلامية فى شتی فروع المعرفة و الفكر و النفس و الاقتصاد و الاجتماع و التاريخ و القانون و السياسة و غيرها .

ففى الجانب الاقتصادى ساد النمط الغربى في التعامل الربوي ، وزادت حاجات الناس المالية مما دفع الناس إلی سلوك طرق الحرام في الكسب ، وانخلعت كثير من القوانين الاقتصادية من التعاليم الإسلامية.  

و أما في جانب علم الاجتماع فقد أخفق هذا العلم باتجاهاته الرئيسة في تفسير مسيرة المجتمع :

1 ـ المنظور التطوري Evolutionary Perspective.

2 ـ المنظور البنائي الوظيفي Structural functionalism Perspective. 

3 ـ المنظور الصراعي Conflict perspective.

4 ـ المنظور التفاعلي الرمزي symbolic interactionist perspective .

لقد أخفقت هذه الاتجاهات فى تفسير المشكلات الاجتماعية لأنها دائماً تركز علی الجانب العلمانى ، أو بعبارة أخری إنها تفسر المشكلات تفسيراً فيزیقیاً مادياً و تغفل الجانب الروحى الإيمانى المعبر عنه بالوحى ... فكل ما لايمكن تفسيره تفسيراً ماديا فهو غير مقبول فى الغرب . فإغفال الجانب الروحى لدی الإنسان ، أدی إلی انحراف الإنسان في مجالات عديدة . 

فعلم الاجتماع عندما يعالج قضية الإنسان فإنه يركز علی الجوانب المادية و ضرورة إشباع الحاجات المادية غير المشبعة و يغفل الجانب الروحى ، و یؤكد علی أن الإنسان مخلوق يسعی لإشباع حاجاته بطرق مشروعة يقرها المجتمع دون النظر إلي الجانب الروحى الموجود فى كيان هذا الإنسان، فالعلوم الاجتماعية الحديثة لا تری فى الإنسان إلا كيانه المادي فى نطاق هذه الحياة الدنيا ... و تعتبر أن الإنسان لا يمثل إلا امتداداً تطورياً لعالم الحيوان و هذا يعنى أن علم الاجتماع لم يستطع فهم الإنسان و لا تفسر تصرفاته فى المجتمع تفسيراً صحيحاً.

و أما في الجانب القانوني فقد تأثر العالم الإسلامى بالقوانين الغربية التى فيها مخالفات صريحة للقرآن الكريم ، فقد وضعت الدول الإسلامية جملة من القوانين التي لا تمت إلی الدين بصلة ، باستثناء ما يتصل بما يسمي قوانين الأحوال الشخصية التى ما زالت موافقة للشريعة الإسلامية ...

و أما في الجانب التاريخي، فإن مادة التاريخ ، فإنها تدرس من وجهة نظر أروبية و ذلک لأنهم يقسمون التاريخ إلی حقبات تتناسب مع أروبا و لا تتناسب مع باقى مناطق العالم.. .

و أما في السياسة فقد شاعت المبادئ الميكافيلية التى تطبق مبدأ« الغاية تبرر الوسيلة »مما أدی إلی انهدام مبادئ الحق و العدل علی مستوی الأفراد و الجماعات » .

 

الحل الإسلامى القرآنى للخروج من مأزق المنهجية الغربية :

إن الحل الإسلامى للخروج من مأزق المنهجية الغربية فهو الجمع بين قراءة كتاب الكون و كتاب الوحى (القرآن )کما يقول : عبد الجبار الرفاعی1986 ، إن حل الأزمة الفکرية في عالمنا الإسلامي بل في العالم أجمع ، يتوقف علی تبني منهج إسلامية المعرفة . ولا سبيل لتحقق هذا المنهج إلاّ بالتوکؤعلی قراءة کتابين ، هما : الوحي المقروء ، والکون المتحرک ، فإنه عبر الجمعِ بين هاتين القراءتين تتکامل المعرفة ، و تتخلص العلوم الإنسانية من منزلقاتها و نزعتها المادية ، و ما نجم عنها من رکام ماديّ مفرَّغ من أي مضمون روحي ، و منظور قيمي أخلاقي ؛  لأن العلوم الحديثة انغلقت في مدار قراءة أُحادية ، هي قراءة الکون فحسب ، بينما الکون يمثل مساحة محدودة من الوجود ، و تجاهلت مساحة شاسعة ماوراء هذا الکون ، و ما يحفل به من غيب ، و لم تدرک کنه الوشيجة العضوية بين المساحتين.

إن الجمع بين القراءتين هو السبيل الوحيد لتحرير العلوم من أزماتها ، لأن قراءة کتاب الکون من دون کتاب الوحي تفضي بالتدريج إلی الکفر الوضعي الذي يسجن الوعي البشري في ظلمات المادة ، و يقطع صلته بخالقه ، أما قراءة کتاب الوحي « القرآن » و إهمال قراءة الکون ، فيقود بالتدريج إلی نفي النواميس والسنن التاريخية و الاجتماعية والنفسية ، و بروز عقلية قدرية تلغي عوامل الزمان و المکان والمحيط الخاص ولا تدرک الصيرورة التاريخية والتحولات المتجددة في الواقع ، و ما تحفل به الحياة من تبدل وتغير . فلابد من ضم کلتا القراءتين إلی بعضهما ، والاستناد إليهما معا في الوصول إلی الحقيقة وتجلية سائر أبعادها ، لأن کل واحدة من القراءتين تعضد الأخری و تکملها . فقراءة القرآن تهدي إلی الکون و سُنَنه، کما أن قراءة الکون تدل و ترشد إلی فهم آیات القرآن ، بمعنی أن القرآن والکون کلاهما يوصل إلی الآخر و يدل عليه .                                                                             

وبذلک ينعدم الفصام المزعوم بين الوحي و المعرفة الموضوعية للکون والوجود و هذا ما يشي به قوله تعالی : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... ﴾  . 

و يؤکد العلواني ، هذا الرأي کما يقول: إن هناك مصدرین أساسین للمعرفة الإنسانية و لابد من الجمع بينهما... ولابد من قراءتهما معاً :قراءه الوحي النازل المتمثل في الکتاب الکريم و قراءة کونية شاملة لآثار القدرة الإلهية، وخلق الإنسان، وسائر السنن و الظواهر الکونية. و  لابد من قراءتهما معاً لتوجد المعرفة الحضارية الكاملة التى تمكن الإنسان من القيام بمهام الاستخلاف ، و أداء حق الأمانة و القيام بمقتضيات العمران . و القراءتان في الوحي و في الكون فريضتان ، لأنهما أمران إلهيان،  و الجمع بينهما ضرورى ، إذ بدونه يقع الخلل . فمن تجاوز القراءة الأولي ـ و استغرق استغراقاً كليا في القراءة الثانية ـ التي تمثل علم الكون أو ميتافيزيقا الكون - فقد العلاقة بالله ، و تجاهل الغيب ، و انطلق بفلسفة وضعية منبتّة عوراء قاصرة في  مصادرها ، تحاول أن توحّد بين الإنسان و الطبيعة ، و تعتبر الخالق و الغيب كله مجرد ماورائيات أو ميتافيزيقا . . أما إهمال القراءة الثانية ـ أي قراءة الوجود و الكون ، و الاقتصار علی قراءة الوحى وحده منقطعا منبتّا عن الوجود ، فانه يؤدى إلی نفور من الدنيا ، و استقذار لها و لما فيها ، يشلّ طاقات الإنسان العمرانية و الحضارية ، و يعطله عن أداء مهام الخلاقة و الأمانة و العمران .. إن تجاوز القراءة الثانية أو عدم جمعها  يؤدي إلی ظهور العجز الإنسانی الحضاری و تعطل، و إلی خلط بين قضايا عالم الغيب و الشهادة . إذن لابد من الجمع بين القراءتين ، و الدمج بينهما لئلا يقع الإنسان في أي من ذينك الطرفين الذميمين  .

النتائج السلبية للفصل بين القراءتين :

إن الفصل بين القراءتين أدی إلی النتائج الخطيرة التالية :

1ـ جعل البشرية تعاني من أنواع الفصام في مناهجها التربوية و نظمها التعليمية بين علوم الدين و العلوم الكونية ولم تتوصل أمة من الأمم المعاصرة بعد إلی الصيغة التى تؤهل الطالب ليجمع بين العلمين فى آن واحد. سبب ذلك سيادة المناهج الغربية في الفصل بين العلمين علی مستوی العالم. 

2ـ إنه باعد بين العلوم الشرعية و العلوم الإنسانية الاجتماعية فابتعدت العلوم  الإنسانية و الاجتماعية عن هداية الوحى ، مما أدی ببعض العلوم إلی أن لا تعتبر الأخلاق و المبادئ و السيادة إلا بالقوة و ليس بالحق .

3ـ أدی هذا الفصل للشك أو الإلحاد من جانب المتعلمين للعلوم العصرية لأنهم يتعلمونها بدون أن تربطهم بالخالق سبحانه و تعالی .

4ـ أدت عملية الفصل بين هذه العلوم الدينية و العصرية إلی أن ينكر بعض المتعلمين أموراً دينية ثابتة في القرآن الكريم أو في الأحاديث النبوية الشريفة ، لمجرد أن تلك الأمور لم تدخل عقولهم الضيقة ، أو لأنهم لم يفهموا تأويلها الصحيح .

5ـ أدی هذا الفصل إلی التعصب الأعمی لدی المتدينين الجاهلين بالكون ، فأنكر البعض أموراً علمية بدهية. و كذلك أدی بالمتدينين للانعزالية عن المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية .

6ـ أدت عملية الفصل إلی إبعاد الوحى كمصدر من مصادر المعرفة و جعل الحس و التجربة هما فقط مصدراً للمعرفة  .