لا یختلف اثنان علی أن الوحدة بین مکونات المجتمع من صمیم الدین وأن الله تبارک وتعالی أکد في غیر موضع من کتابه الکریم علی الالتزام بالوحدة وعدم التفرق ومن أبرزها: وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال:45].
هذا ومن الناحیة العقلیة نری أن الوحدة هي سر النجاح وما من مجتمع إلا وهو بحاجة إلی الوحدة والتضامن حتی یتمتع بالأمن والسلام ویتوفر أهله بظروف معیشیة أفضل و خاصة في زماننا الحالي حیث یعاني العالم الإسلامي من التطرف في العقیدة والعمل والمسلمون یقتتلون بینهم ویضربون أعناق بعضهم في بعض أنحاء العالم الإسلامي.
إن مصطلح أسبوع الوحدة کما یوحي اسمه اقترح إبان الثورة الإیرانیة لاختلاف روایة الفریقین عن ذکری ولادة النبي الکریم صلی الله علیه وسلم حتی یکون هذا الأسبوع حافزا علی أن لا یخوض أتباع الفریقین في القضایا التأریخیة الخلافیة وبدلا من ذلک أن یؤکدوا علی النقاط المشترکة.
منذ أن تم تسجیل مصطلح أسبوع الوحدة في التقویم الإیراني کان ولا یزال تقام احتفالات کبیرة خلال هذا الأسبوع في المحافظات السنیة وتجمع علماء السنة والشیعة وکثیرا ما یتم فیها التأکید علی الوحدة والترکیز علی المشترکات؛ فضلا عن تلک الاحتفالات التي تجري علی مستوی البلاد بحضور شخصیات کبار من أنحاء العالم الإسلامي.
لا شک أن القصد من وراء هذه التسمیة کان إیجابیا وأن مؤسسي الثورة کانوا متفائلین جدا أن یکون سببا لیصبح الفريقان علی قلب رجل واحد ویقلص حدة الخلافات إلا أنه لم یتحقق کل شيء من ذلك ولا تزال هناک بعض المشاکل عالقة؛ والیوم بعد أربعة عقود من عمر الثورة الإیرانیة من حق أي مواطن إیراني یسأل عن جدوی شعار الوحدة ومدی تأثیرها علی المجمتع وعلی تحسین الوفاق والتلائم بین شرائح الشعب وعن ثمرة التکالیف الباهضة التي تدفع من أجلها کل عام. هل هذه الوحدة أثرت تأثیرها علی الساحة المجتعمیة؟ وبعبارة أخری هل ازدادت ثقة المواطن السني بالنسبة لإخوانه الشیعة؟ وإلا ما سر هذا التأکید المفرط علی الوحدة؟
وحتی نکون منصفین علینا أن نأخذ بعین الاعتبار بأن منادي الوحدة قد یدفعون تکالیف باهضة أمام المتشددین الذین یرون بأن الوحدة لا تزیدهم إلا خذلانا وهي متعارضة مع العزة الإسلامیة التي یعتقدونها. ومن جانب آخر لم یزعم أحد من منادي الوحدة بأن الغایة منها تسویة الخلافات التأریخیة والعقائدیة والنظر إلیها من وجهة النظر الواحدة ولکنهم یرون الوحدة وسيلة للم الشمل والتقارب.
فکیف نبني الوحدة ونحافظ علیها؟
یری البعض بأن تحقیق الوحدة الحقیقیة بین السنة والشیعة بات أمرا مستحیلا لأن هذین المذهبین یخالفان مع بعض أساسا أي في أصول الدین فضلا عن بناء أحدهما علی نفي الآخر ومن الطبیعي أننا غیر قادرین علی أن ننظر إلى القضایا الخلافیة بنظرة واحدة ونسیر علی طریقة واحدة لأن هذه الخلافات أعمق من أن نقوم بتسویتها وربما تتعارض وجهات النظر مع بعض ولسنا مطالبین بتحقیقها؛ ولکن هل من غیر الممکن أن نکف عن النیل من مقدسات الآخرین ونحترمها؟ إذا أوصانا الله تعالی أن لا نسب الذین یدعون من دون الله فسیکون أسهل بکثیر أن ننتهي عن سباب مقدسات الآخرین.
فبدلا من شعار الوحدة علینا أن نرکز علی ثقافة قبول الآخر وعدم النیل من معتقدات المواطنین وتوفیر المجال لبروزهم في المجتمع واعتذار بعضهم بعضا فیما اختلفوا والتعاون فیما اتفقوا .هکذا تتحقق الوحدة الحقیقیة وإلا فلا تحصل النتیجة المرجوة.
یبدو أن هذا الرأي قد یکون مصیبا لما نری من عدم نجاح مشروع الوحدة کما کان متوقعا وبناء علی قاعدة "النجاح لیس عدم فعل الأخطاء بل هو عدم تكرار الأخطاء" علینا أن نقوم بباثولوجیا هذا الموضوع لتدارک النقائص وأوجه القصور حتی لا یبقی في مستوی الشعار بل یجب توفیر الأرضیات العملیة لتحقیقه.
قد أظهرت التجربة بأن التأکید المفرط علی شيء قد یأتي بنتائج عکسیة لاسیما إذا کان مصحوبا بممارسات هادفة لا تلائم کثیرا مع رؤية الطرف الآخر وإن تم القیام بها في إطار لم الشمل ولهذا نری أن مشروع الوحدة في بلادنا قد یواجه ثغرات أخص بالذکر إطلاق عدة قوافل زیاریة من بین شیوخ أهل السنة بمناسبة ذکری استشهاد سیدنا حسین- رضي الله عنه- إذا کنا متفائلین إزاء الغرض من إطلاقها، هل تساعد مثل هذه الممارسات على تعزیز عملیة الوحدة أم لها نتائج عکسیة؟ کل یعلم أن الرحلات الزیاریة لاسیما ما یتم سیرا علی الأقدام لم یسبق لها مثیل في أي فترة مضت من تأریخ أهل السنة ولم ترد عن فضیلتها روایة إلا رحلة الحج.
كل عام تقام احتفالات بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف في أنحاء المحافظات السنیة وتجمع علماء الفریقین ومفکریهما ولکنها تنتهي بالمجاملات والمدائح دون أن یخوضوا في القضایا الرئیسیة ویقدموا حلولا للمشاکل المتعلقة بالتعایش السلمي الأمثل بین الفریقین والتحقیق في أسباب العقبات القائمة حیث تواجه أحیانا بمشاکل. والوضع لیس بأفضل مما نری في وسائل الإعلام من المقابلات الشخصیة التي قد تتم مع بعض من علماء أهل السنة وما یتحدثون عن تحصیل حاصل کمکانة أهل البیت عند أهل السنة أو ما ورد في معتقدات السنة عن قیام الإمام المنتظر وکأن المشاهد یظن أنه لا تتم هذه المقابلات إلا بغرض إضفاء الشرعیة علی المذهب الرسمي للبلاد.
ومما یزید الطین بلة هو ما تحدث في المنطقة من الحروب الطائفیة القائمة التي تحرق الرطب والیابس وما اصطبغت بالصبغة الطائفیة؛ فهل یمکن للمواطن الإیراني أن یکون علی قناعة من حیادیة بلاده في تلک الأحداث؟
إن الوحدة الحقیقیة ستحقق:
حین یصطبغ الدعم لقضیة الوحدة بصبغة عملیة حقيقية لا تشوبه شائبة.
حین یتم تقسیم السلطة والثروة تقسیما عادلا بین کافة أبناء الشعب الإیراني.
حین یکف المتطرفون عن سب مقدسات الآخرین ویقوم المعنیون بتجریم أي إهانة.
حین یسمح لأصحاب الفکر والقلم أن یقوموا بمناقشة القضایا الخلافية في جو مفتوح دون خوف وقلق حتی تحدد أسباب الفرقة والانقسام.
حین یشعر المواطن السني بأنه لیس له حق الإدلاء بصوته فحسب بل حق الترشح أیضاً لکافة المناصب الحکومیة.
وکل هذه الشروط سیتم تحقیقها إن شاء الله إذا توفرت فینا سعة الصدر ونشرت بیننا ثقافة قبول الآخر وتحلینا کلنا بالتسامح والصبر...
وما ذلک علی الله بعزیز.
الآراء