بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. 

تدبرت يوماً هذه الآيات من کتاب الله عزوجل:(إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً) [النساء : 133] 

وقوله تعالى:(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) [الأنعام : 133]

 وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [إبراهيم : 19] 

وقوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38]

يقول الإمام الطبري في تفسير الآية الأولی: «إن يشأ الله-أيها الناس- يُذهبكم بإهلاككم وإفنائكم،ويأت بناس آخرين غيركم لمؤازرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونصرته، وكان الله على إهلاككم وإفنائكم واستبدال آخرين غيركم بكم ذا قدرة على ذلك.»

ويقول في تفسير الآية الأخيرة:« وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذي جاءكم به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فترتدّوا راجعين عنه، يهلككم ثم يجيء بقوم آخرين غيركم بدلاً منكم يصدّقون به، ويعملون بشرائعه، ثم لا يبخلوا بما أُمروا به من النفقة في سبيل الله، ولا يضيعون شيئا من حدود دينهم، ولكنهم يقومون بذلك كله على مايُؤمرون به».

فعرفت أن هذا الدين محفوظ بعناية ربانية، لايضره من خذله، ولا من تولی عنه، حتی يأتی أمر الله.

 قد يقول قائل کيف يکون هذا؟

من سنن الله الکونية أن أطوار حياة الأمم والشعوب تشبه أطوار حياة الأفراد إلی حد کبير، فالأمم کالأفراد يمرون بطور الولادة ثم الطفولة ثم المراهقة ثم الشباب ثم الکهولة ثم الشيخوخة ثم الموت، وهذا ما أکده المولی سبحانه في مواضع عديدة من کتابه، منها قوله تعالی: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34] 

والسؤال الذی يطرح نفسه الآن هو: هل هذه السنة الکونية والقاعدة الربانية تسري علی المسلمين أيضاً، أم هم مستثنون عن هذه القاعدة؟

مما لاشک فيه أن السنن الربانية لاتحابي أحداً، فهي لا تفرق بين المسلم وغير المسلم، ولکن –کما سبق في الآيات التي سردتها في أول المقال – وجود هذا الدين وحياته لا يتوقف علی حياة شعب دون شعب ولا أمة دون أمة، ولا يستمد حياته من حياة الأمم والشعوب، کما أنه لايتأثر بموتهم، فکلما تخاذل أمة عن نصرته أو ماتوا، استبدل الله بهم أمة غيرهم علی غير شاکلتهم، فحملوا رسالته علی أکتافهم، وعزروه ونصروه، وقامت قائمة الإسلام من جديد.

وإذا استنطقنا التاريخ الإسلامی علی مدار أربعة عشر قرناً، نجد أن الإسلام سار علی هذا النهج علی قدم وساق، فشاءت حکمة الله سبحانه وإرادته أن يجعل رسالته في العرب، وأن يبعث نبيه الخاتم من بينهم، ثم لما تخلت العرب عن نصرة دينه وضعفوا، وانشغلوا بالحروب الداخلية علی السلطة في أواخر عهد الأمويين، استبدل الله بهم الفرس لرد الأمور إلی نصابها، فقوضوا أرکان الأمويين وأقاموا العباسيين مکانهم عام 132هـ، ولما ضعف العباسيون وسقطوا علی أيدي المغول عام 656هـ، واختفت الخلافة الإسلامية والدولة المرکزية من العالم الإسلامی قرابة 45 عاماً، ظهر هناک في آناضول شاب ترکي مسلم طموح يُدعی«عثمان بن ارطغرل بن سليمان» فأسس فيها خلافة اسلامية عام 699هـ-1299م واستمرت حتی القرن الماضي أي حتی 27/7/1342هـ-3/3/1924م، حيث تحالف علی إسقاطها جميع الدول الغربية بمساعدة يهود الدونمة، وبسقوطها انقسمت الخلافة الإسلامية إلی دويلات صغيرة وغابت الدولة المرکزية من العالم الإسلامي حتی يومنا هذا.

فهل يمکن أن يتکرر هذا السيناريو مرة أخری؟ وعلی يد من؟

يؤکد لنا القرآن الکريم في الآيات الآنفة الذکر وتجارب التاريخ الإسلامی أن هذا السيناريو قابل للتکرار، وهذا ممالاشک فيه، لأن هذا الدين کما قلنا يستمد حياته وديمومته من الله، وليس من الأفراد والشعوب، ولکن علی يد من؟

لا نستطيع أن نجزم بالإجابة علی هذا السؤال، واعتقد أنه لايهمنا کثيراً معرفة من سيکون بيده إنجاز هذه المهمة، ولکن ما يهمنا أکثر: هل سنکون نحن يومئذ في رکب هؤلاء الناس؟

 لا شک أن قافلة الإسلام ستسير بعز عزيز أو بذل ذليل،کما أخبر عنه المصطفی صلی الله عليه وسلم، وهناک کلاب ستنبح علی مسير القافلة، ولکن هل سنکون نحن مع قافلة الإسلام، فنتشرف بنصرته والسير في موکبه، أو مع الکلاب النباحة- لاسمح الله-؟

أعتقد أننا ينبغی أن نشفق علی أنفسنا قبل أن نشفق علی الإسلام،لأننا بحاجة إلی الإسلام، والإسلام ليس بحاجة إلينا، ولأن للإسلام رب يحميه بعباده الصالحين، فنحن إذا تخلفنا عن اللحوق بقافلة الإسلام، فيسبقنا إليها غيرنا بنصرته، فنلحقها متأخرين، وقد لاندرکها أبداً، فأدرک القافلة قبل فوات الأوان.