لا يكاد تمر أیام إلا ونقرأ ونسمع عن إهانة للکرامة الإنسانية، أو نشاهد صورها وأفلامها سواء في المواقع الإخبارية أو التواصل الاجتماعي، وكأننا أصبحنا بالفعل نفتقر إلى كل أبجديات الإنسانية بكل ما تحمله من معان. ولا أعني فقط تلك الإهانات والمآسي الناجمة عن الحروب والنزاعات العرقية والطائفية في دول عدة، ولكن أيضًا التي يمارسها البعض إن لم يكن غالبية الناس من سلوكيات وممارسات في منتهى الازدراء وغایة الاستهتار بمقدسات الآخرین ومشاعر المسلمین. فمنذ أيام قليلة انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فیدئو لإحدی مواکب العزاء الحسیني في طهران العاصمة یرفع المعزون شعارات ملیئة بالشتائم واللعن للخلفاء الثلاثة وأم المؤمنین عائشة رضي الله عنهم على مرأى ومسمع من الجميع بكل أريحية ودم بارد وهذا الحدث المؤلم والمخجل لكل مفاهيم ومعاني الإنسانية أدی إلی الغضب والاحتجاج في أوساط أهل السنة في البلاد البالغ عددهم قرب عشرین ملیون نسمة.

وهذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها مثل هذه الإهانات بحیث یمکن اعتبارها استثناء ؛ کأنها حلقة في سلسلة لا نهاية لها على ما يبدو وأن البعض لا يلتزمون بالتحذيرات. قد تکون ممارسة هذه التصرفات عشوائیة من قبل فنان أو لاعب ویمکن حملها علی جهلهم أو سوء فهمهم لمقدسات الآخرین ولکن إذا مارستها الأشخاص والجماعات الدینیة أو مواکب العزاء أو القوافل الزیاریة فلیس من السهل قبولها لأنه من المتوقع أنهم نشأوا في ظل التعالیم الدينیة ومن أبجدیاتها احترام کرامة الإنسان ومقدسات الآخرین وتوقیر کبارهم أو عدم الإساءة بهم علی الأقل.

هذه الظاهرة تثبت أننا بصفة عامة نفتقر إلی أبجدیات الإنسانیة والمبادئ الأخلاقیة ؛ نفتقر إلى التهذيب في سلوكنا اليومي وفي علاقاتنا ببعضنا بعضا، نحتاج إلی أن نفکر في تصرفاتنا ونقیمها بالمعاییر الأخلاقیة التي لا یجحدها أحد إلا المعاند ولا یتهرب منها إلا المجنون.

هذه الظاهرة تؤکد أننا لم نتعلم کیف نتعایش بسلام مع الآخرین وکیف نتعامل مع مقدساتهم دون المساس بها وهذا من أهم شيء بالنسبة لنا حتی من إقامة هذا المراسم؛ لأن إقامتها إن أدت إلی شقاق وتشاحن – وفقا لقواعد الإنسانیة – أو إلی حرام – تماشیا مع التصریحات التي أطلقها کبار الفقهاء الشیعة – فلا خیر فیها. إن جلبت الشقاق والتشاحن في المجتمع الواحد وأورثت البغضاء والضغینة فلا جدوی لها. المشکلة تحدث عندما یعتبر البعض هذه الشتائم عبادة لهم وتقربا إلی أهل البیت انطلاقا من قاعدة التبری وهذا یطلب علاجا جذریا.

فقد یضر الدین أو المذهب إذا کان لا یتفق مع الطبیعة الإنسانیة فیدعو إلی العزلة والتبتل والرهبانیة، وقد یضر الدین إذا کان دین خرافات وأوهام، یقف حجرة عثرة فی سبیل العلم، وقد یضر الدین إذا ملأ الإنسان رعبا وخوفا ورهبة فشله عن العمل فی الحیاة، وقد یضر الدین إذا لم یکن روحانیا واقتصر علی الانهماک فی اللذائذ والاستهتار بالحیاة، کذلک یضر الدین إذا زرع العداوة والبغضاء بین الناس وبین أتباع الدین الواحد في نفوس الأصحاب وأدی إلی إحراج بني الجلدة وإزعاجهم. إنما الدین الصحیح هو الذی یبث فی نفوس أصحابه روح الأخوة بینهم وبین سائر أبناء البشر فضلا عن إخوانهم في الدین لأنهم جمیعا من صنع إله واحد.

كلنا يواجه خطرًا حقيقيًا، طالما الإنسانية في تراجع، فاندثارها هو عين الفساد والإفساد في الأرض، فكل الجرائم الوحشية في هذه الحالة مباحة، ولن يأمن أي منا على نفسه أو أولاده، إذا أصبحنا نعيش في مجتمع يتسم بالامبالاة تجاه الآخرین في سلوكياته وممارساته اليومية وﻋدم اﻻﮐﺗراث ﺑﻣﺷﺎﻋر أبناء وطنه ومعاناتهم فلا حول لهم ولا قوة. إن أردنا النجاة قبل فوات الأوان، علينا أن نبدأ فورًا باستعادة كل قيم الرحمة والإنسانية المفقودة في حياتنا، والعمل على حث أبنائنا عليها، وممارستها كسلوك يومي حتى نعتادها، ونعود مجتمًعا إنسانيًا مرة ثانية.

فنحن بحاجة ماسة إلى إعادة غرس كل القيم الإنسانية في نفوس النشء وفي نفوس جميع أفراد المجتمع بوجه عام. بالطبع ليست كل نفوس بني آدم جبلت على الاحترام والالتزام وليست استجابة الجميع متساوية لنزعات الإنسانية، ولكن في كل الأحوال يمكن تحجيم الشر والجريمة بتشريع قوانين رادعة لكل من تسول له نفسه الخبيثة بارتكاب ما يكدر صفو المجتمع الإنساني، ويهدد أمنه وسلامته.