تمهید عن أسرة المردوخیین بکردستان
أسرة المردوخیین إن من أقدم الأسر الدینیة والمدافع للشریعة الإسلامیة بکردستان إیران وهم قدموا سنة 737هـ من الشام إلی أورامان بکردستان وسکنوا في سهل شامیان وحظوا بالترحیب والاحترام الکبیر من قبل ساکنیها. ومن أولی الشخصیات البارزة في هذه الأسرة أمیر محمد بابا مردوخه الذي وفد في سهل شامیان في القرن الثامن الهجري. إن أهالي أورامان والشعوب المحیطة بها حین رؤوا من بابا مردوخه مراتب زهده وتقویه قاموا بتأییده وأعطوا له ثقتهم وأصبحوا تلامیذ له وهو من بین تسعة وتسعین شخصا کبیرا في أورامان وقد دفن فیها.
شجرة عائلة أسرة الشیخ مردوخ الکردستاني تشیر بأنه ینتهي نسبه إلی علي بن أبي طالب بعد ثلاثة وثلاثین أظهر؛ وهو الشیخ محمد مردوخ المعروف جمال الدین ابن الشیخ عبد المؤمن إمام الجمعة بکردستان ولد لیلة 27 من رجب سنة 1297هـ في مدینة سنندج وکان مفکرا وفیلسوفا وسیاسیا وشاعرا بارعا وصحفیا وقائدا حربیا ومع مجموعة من الصفات البارزة التي أودعها الله فیه صار شخصیة کبیرة وعبقریة انتشرت سمعته في کافة منطقة کردستان ثم في المناطق السنیة ثم في کافة أنحاء العالم الإسلامي.
وقد بدأ بقراءة الحروف الأبجدية والقراءة الكتيبات القرآن الکریم عند والده ثم عند عمه والتحق بحلقة الشیخ محمد لون بمسجد کهزاد بسنندج وتعلم الصرف والنحو والمنطق والحسبان والهندسة والتصریف الزنجاني ونصاب الصبیان وعلم الفرائض في فترة وجیزة ومن أجل تمتعه من ذکاء غیر عادي صار بإمکانه تعلم العلوم القدیمة من خلال النقاش والحوار مع الشخصیات العلمیة والأدبیة الکبیرة وبجانبه قام بدراسة نصوص العلوم العقلیة والنقلیة وصار ماهرا في کثیر من العلوم الرسمیة والریاضیات والصناعة والفنون الرائعة کفن الهندسة المعماریة والنقش والتملیط والتجلید وصناعة الساعات والنجارة في فترة وجیزة وکان یستفید من کل منها في زمن مناسب من أجل بلوغ ما یرید من الغایات وکان یمضي وقت فراغه بالفروسیة والصید والرمایة حیث کان فریدا من نوعه فيها.
وبعد رحیل الوالد تم تعیینه إماما وخطیبا وهو في 12 من عمره بناء علی طلب والده ومن أجل تمتعه من مهارة فن الإلقاء والخطابة ثم اختیر في مقام القاضي بکردستان رغم صغر سنه ومنذ ذلک الحین قام بجهود کثیرة من أجل وحدة الصفوف والحفاظ علی الحدود الإیرانیة والقضاء علی النظام الإقطاعي وتوجیه البلطجیة والمجرمین وقمعهم من أجل استعادة الأمن إذا وجد النصیحة غیر مجدية. وعلاوة علی القدرات التي وهبها الله إیاه یعتبر الشیخ من أعلام الأدباء الکورد حیث یمکنه التکلم باللغات الکوردیة المختلفة وفي هذا السیاق قد ألف قاموس ثلاثي اللغات - الکوردیة والفارسیة والعربیة - وکان یشند الشعر باللغات الثلاثة وکثیرا ما في نعت النبي ووصف الطبیعة والقضایا الدینیة والعلمیة.
وقرر مردوخ أن یترجم العلوم القدیمة باللغة الفارسیة حتی یمکن لعموم الناس الاستفادة منها وفي 30 من عمره أدخل ماکینة الطباعة بالأحرف الرصاصیة بسنندج ونشر صحیفة نداء الاتحاد وکتب فیها مقالات رائعة حول الوحدة الإسلامیة وقد قام بتشکیل لجنة الصداقة وبدّلها إلی حزب الترقي والتهذیب حین رأی إقبال الناس إلیه وقام فیها بنشر نهج الدیموطراطیة. ومن أبرز نشاطات الشیخ في المجال الاجتماعي والسیاسي علاوة علی فعالیاته الدینیة الکثیرة یمکن الإشارة إلی ما یلي: هو مجاهد مسلم کوردي الذي شارک في الحرب العالمیة الأولی وقاتل مع الشیوخ النقشبندیة بأورامان علی روسيا القيصرية. هو من المشایخ المؤیدین للوحدة الإسلامیة والتقریب بین المسلمین ومن أجل هذا نشر صحیفة نداء الاتحاد وعمل في الإطار الاجتماعي والسیاسي.
وفي عقود من عمره قام بالکفاح ضد جور الحکام وأصحاب النفوذ المحليین وکابد في هذا الصدد مشاکل عدة وعانی صعوبات کبیرة وقد تعرض للاغتیال خمس مرات ولکنه نجا سالما من کلها. إن مشارکته في الحرکة الدستوریة مع کثیر من المواطنین الأکراد کانت أول تجربة سیاسیة بالنسبة له وفي هذه الحرکة أعرب عن آرائه بحضور معظم ممثلي الشعب الإیراني الذین توافدوا إلی باغ شاه من مختلف أنحاء البلاد وبحضور محمد علی شاه القاجاري والشیخ فضل الله النوري.
وفي أیام عمر الشیخ فضل الله الأخیرة کان الشیخ مردوخ ضیفا عنده وقد نقل لمحة من الطافه له ومنها: في الأیام الصعبة التی مرت بطهران وتعرض الشیخ فضل الله للخطر المتزاید عرض علیه المردوخ أن یلجأ إلی السفارة الروسیة حفاظا علی نفسه وأصر علیه ولکنه رد رافضا عرضه: "إنه وصمة عار علی العالم الإسلامي أن یُکتب في تاریخ الکفر والإسلام لجوء رجل دین إلی سفارة أروبیة خوفا من نفسه والموت أحلی لي من اللجوء إلی الأجانب". وقال في اجتماع الشعب بقیادة الشیخ فضل الله في باغ شاه لتفادي من العودة إلی الدستوریة: "نحن ممثلو الشعب الکوردستاني نقول بصراحة حتی یسمعه السفراء عامة ومندوبوا الدول المجاورة: نحن شعوبنا الحمقاء والطائشة لا نستحق برکات الدستوریة وطابع بلادنا لا تزال غیر قادرة علی تلقي هذا الدواء الشافي وما زلنا بحاجة إلی أوصیاء".
وبعد إخفاق الدستوریة کان الشیخ عارف القزویني ضیفا عنده في کوردستان وقد کتب الشیخ عارف في کلیاته حول شخصیة مضیفه وصفا مفصلا. وقد نال الشیخ مردوخ حظا وافرا من علوم الدنیا وعلی سبیل المثال تحدث في إحدی آثاره باسم "أسرار الخلق" عن تدفق الالكترونات في مختلف الدوائر وعن مستويات الطاقة المختلفة حول النواة والطاقة المنطلقة أثناء نقل الإلكترون من مستوی الطاقة إلی مستوی آخر وکان قام بمقارنة الدوائر الإلكترونية مع دوائر النظام الشمسي ودوران الکواکب حول الشمس وحول کیفیة نشوء المیاه علی سطح الأرض وإنشاء المحیطات والأنهار والبحار التي فاق علی مستوی تفهم الآخرین.
ونشاطات الشیخ الاجتماعیة والسیاسیة في عهدي القاجاریة والبهلویة وفي فترة حوالي ثلاثین عاما (من عام 1314 إلی 1344هـ) تنقسم علی بضعة دورات:
الدورة الأولی: قبل الحرکة الدستوریة.
الدورة الثانیة: أثناء الحرکة الدستوریة (من عام 1325 إلی 1327هـ).
الدورة الثالثة: أثناء انتفاضة سالار الدولة (1329هـ).
الدورة الرابعة: خلال فترة احتلال سنندج من قِبل الروس أثناء الحروب العالمیة الأولی (1334 إلی 1335هـ).
الدورة الخامسة: خلال فترة نشاطه في حزب رولسیونر الجماعي وإنشاء الحزب الإصلاحي (1336 إلی 1337هـ).
وبناء علی الکتابة الیدویة التي عثر علیها وحسب الروایات الشفویة التي تم تناقلها بین الناس أنه قد تنبأ عن موته 27 سنة قبل وقوعه وکتب أنه سوف یقع سنة 1395هـ ووفقا لتفسیره أن مولاه جل وعلا قد ألهمه هذا. واختار الشیخ ثمانیة أزواج طوال حیاته وقد رأی بعینه مئة وثلاثین ولدا وحفیدا وتوفي مساء الجمعة سنة 1395هـ حیث وري ثراه في قریة نورة علی بعد عشرین کیلومترا من مدنیة سنندج. وقد ألف أکثر من 114 کتابا ومقالة في مختلف المجالات وتم نشر أکثر من نصف هذه الآثار؛ وفي مجال الفلسفة ألف کتابا قیما بعنوان "جام جان و جین" باللغة الفارسیة.
وبعض آثاره التي تم نشرها فیما یلي:
تاریخ الکورد وکوردستان في مجلدین،
قاموس مردوخ في مجلدین،
الفقه المحمدي في أربعة أجزاء
وأصول الفقه،
الصرف المحمدي،
النحو المحمدي،
المنطق المحمدي،
الحساب والهندسة،
الجبر والمقابلة،
المواریث،
أسرار الخلق،
خلاصة الأحکام،
منتخب الخواص،
العقیدة الإسلامیة،
إصلاح المصطلحات،
نداء الاتحاد،
حل الاختلاف،
الرد علی البابي والبهائي،
الأرض والسماء،
مناسک الحج،
تاریخ التشیع،
زعیم البشریة،
المائدة...
الآراء