ما شاهده العالم من الأحداث التی وقعت فی مصر خلال الیومین الماضیین، تنذر بکارثة فی عالم الدیمقراطیة التی طالما یحلم الکل فی الشارع المصری بتطبيقها؛ ألا وهي الإنقلاب العسکری علی رئیس شرعی منتخب عبر صنادیق الانتخابات.

قبل عام تقريبا استطاع الدکتور محمد مرسی المرشح الرئاسی فی حزب الحریة و العدالة المنبثق من جماعة الإخوان المسلمین أن یصل إلی سدة الحکم و ذلک عبر فوزه فی الانتخابات الرئاسية .

بعد مشارکة المرشح الخاسر أحمد شفیق فی الانتخابات أدرک الشعب بما فيها الأحزاب الثوریة علی الساحة المصریة أنه یتحتم علیهم الإئتلاف و التلاحم في ما بينهم للحد من انتصار فلول النظام السابق وسرقة الثورة. وقد نجحوا بالفعل ووحدوا کلمتهم علی قلب رجل واحد لإکمال مسیرة الثورة والمنع من الإنحراف عن مسارها الصحيح فأصبح محمد مرسی أول رئیس منتخب فی تاریخ مصر الذی وصلته الصنادیق الانتخابات إلی كرسي الرئاسة.جدير بالذكر بأن العالم كان شاهدا علی نزاهة تلک الانتخابات في مصر .

بعد أخطاء وقعت من جانب الرئیس و کتلته الرئاسیة، سرعان ما انفجر الشارع المصری؛ و بدأت المظاهرات ضده و ذلک لعدة أسباب منها: 

1-الوعود التی لم یفِ بتنفیذها: لقد أعلن الرئیس مرسی أن خلال مئة یوم من حکمه الرئاسی سوف یحل 64 مشکلة من المشاكل الجذرية التی یعانی منها الشعب المصری؛ لكن  بعد إنتهاء المدة المحددة لم ینجح إلا في تنفیذ 4 من أصل 64 مشكلة التي وعدها. هذا ما سبب إرباكا له ولفريقه الوزاري والذي أدی إلى التدني من شعبيته وتدوال بين الناس بأنه لم یعد قادرا علی حلّ المشاكل؛ في حین ما تحل المشاکل التي خلفها النظام السابق في يوم أو مئة يوم  وإنما تحتاج لسنوات عدة.

2-الإعلان الدستوری: لقد أطلق الرئيس مرسي صلاحیات واسعة لنفسه وذلك بسبب غياب القانون أو دستور جديد الذي لم يكن متوفرا آنذاك؛ وعلى إثر ذلك عزل النائب العام من منصبه (علما بأن  فی الدستور المصری عزل النائب العام لیست من إختصاصات الرئیس الجمهوری)؛ فقوبل بالرفض من أوساط الشعب والأحزاب السياسية  مما أدى إلى النزول في الشوراع والهتافات ضده مرة أخرى.

3-عزل أکثر من خمسین قیادیا من قیادات الجیش المصری.

و غیرها من الاخطاء.....

جدیر بالذکر أن هذه الأخطاء التی وقعت لم و لن تکون دافعا لعزل رئیس مشروع منتخب؛ بل له دوافع سياسية التي شکل بدعة محدثة فی عالم الدیمقراطیة و نقطة سوداء وعار فی جبین التیارات التی تزعم أنها تسعی إلی إحیاء الدیمقراطیة فی مصر؛ لکن یا تری ما سبب هذا الانقلاب فی هذا الوقت الحساس و فی هذا المکان بالذات؟

هذا الانقلاب له مدلولات وأسباب وتداعيات خطيرة في الساحة الإقليمة بغض النظر في الساحة المصرية منها :

أن إمریکا وإسرائیل لما أدرکتا بأنهما خسرتا دولة صدیقة، التی کانت حصنا حصینا لتوفیرالأمن لها فی المنطقة خلال أکثر من 40 عاما و بعد صعود القوى و التیارات الإسلامیة أصبحت تتخوف علی سقوط هذا الحصن وقلعة أمنها ، لذا تجب الحیلولة دون انهیارها وذلك ببذل قصارى جهدهم للحد من فوز الإسلامیین فی المنطقة.

الأسباب التی جعلت الخوف والهلع في قلوب الغرب وإسرائیل:

1-تحالف دولة مرسی مع حرکة حماس و تقاربهما من منظور وفکری وآیديولوجی:

ما لاحظناه من هجوم إسرائیلی سافر علی أهل غزة فی عام 2012 ظنا منها أن الحكومة القائمة في مصرتتعامل کحكومة مبارک التی لم تحرک ساکنا فی عام 2008 تجاه أهل غزة؛ لکن بعد الإدانة الواضحة و الاستنکار الشديد لإسرائيل من الرئاسة المصریة و وقوف الشعب المصری إلی جانب أهل غزة مادیا ومعنویا، (و کان آخرها زیارة القیادات فی حکومة مرسی کزیارة رئیس الوزراء هشام قندیل و سعد الکتاتنی رئیس مجلس الشعب المنحل  إلی غزة إبان الحرب الأخيرة) هذه المواقف فاجئت إسرائیل بالصدمة بأنها لم تعد الاعتماد على حكومة مصر الجديدة توفر أمنها، وكانت سببا لدخول الخوف والهلع في قلوبهم و الغرب معا.

من هذا المنطلق أدرک الغرب أنهم إذا لم یتحرکوا ضد التیارات الإسلامیة فی المنطقه (التی تسعی للوصول إلی سدة الحکم دیمقراطیا) سوف تسیطر علی الشرق الأوسط برمتها و التی ما تعرف حینئذ بقلب النابض للعالم من جهتین:  الأولی أنها تمتلک 50 بالمئة من وقود عجلة الاقتصاد فی العالم. والثانیة:  مهد الحضارة الإسلامية التي توحي بنهایة الدولة الصهیونیة فی المنطقة.

2-خوف الدول العربیة و الدیکتاتوریة من صعود الإسلامیین إلی الحکم دیمقراطیا، مما يهدد مستقبل بلادهم .

3-لقد أثبتت أمریکا أن ترسیخ الدیمقراطیة فی الشرق الأوسط لم تجدِ لها نفعا و لمصالحها القومیة، إذ تعلم وتدرک تماما أن  تنفیذ الدیمقراطية فی المنطقة تؤدي إلی فوز الأغلبیه من  الأحزاب الإسلامیة ثم  تؤدي إلى قفزة نوعیه لهذه الحکومات في ظل قياداتها ذات التوجه الديني  نحو التقدم إلی عالم متطور و منافس للغرب؛ و هذا ما لا تعجبه  الأمریکان فی المنطقة. من أجل ذلک  تساند أمریکا و تدافع عن أذنابها الدیکتاتوریة طالما لم تهدد مصالحها وتكون يدها ممدودة إليها ومحتاجة لها .

4-یقول الله سبحانه و تعالی قائلا فی کتابه العزیز: و لن ترضی عنک الیهود ولا النصاری حتی تتبع ملتهم:

إستنادا إلی هذه الآیة الکریمة کانت الدول الغربیة سباقة لتوجیه التهم و الانتقادات اللاذعة نحو الدول الشرق الاوسطية بدعوى أنها لم ترسخ الدیمقراطیة؛ لکی تفتح نافذة أمام الأحزاب والقوی السیاسیة المختلفة للمشارکة فی إدارة بلدانهم ، لکن سرعان ما أُتیحت الفرصة لقوى وأحزاب إسلامیة و غیرها فی دول الربیع العربیة ( الإخوان والسلفیة والأحزاب المتشددة الإسلامية التي ألقت السلاح ) للمشارکة فی الانتخابات دیمقراطیا، وانقلب السحرعلی الساحر. وبالتالي أدرک الغرب بأن السبیل الوحید لمنع وصول الإسلامیین و الأحزاب إلی الحکم هو عدم تنفیذ الدیمقراطیة فی المنطقة وعودة الدیکتاتوریة إليها و الأمثله علی ذلک كثيرة منها  :

الأول : فوز حرکة حماس فی الانتخابات التشریعیة الفلسطینیة بأغلبیة ساحقة فی عام 2006 و الانقلاب علی شرعیة رئیس الوزراء إسماعیل هنیة و إقالتة عنوة من قبل حرکة فتح وذلك إثر تهدیدات تلقتها الحركة من قبل أمريكا بقطع المساعدات المالیة المخصصة لها سنويا .

الثانی: الانقلاب العسکری علی الرئیس الشرعی والثوري بالأمس القریب في مصر.

 

أسباب الإنقلاب:

1-مؤامرة الغرب تجاه الدول الثائرة وعدم إعجابها بالإسلاميين و الرغبة بعودة النظام السابق بسبب انسجامه مع السیاسات الأمریکیة.

2-انزعاج الأنظمة الدیکتاتوریة فی المنطقة و الخوف من وصول الانتفاضات الشعبية  إلیها.

3-تجنید المعارضة الداخلیة المغررة بهم لتنفیذ مخططات الدول الدیکتاتوریة فی المنطقة و مساندتها بملیارات الدولارات مادیا و معنویا واستغلال نظام المبارك للعودة إلى الحكم .

4-انزعاج إسرائیل من السیاسات المصریة التي لا تواكب ميولها، و وقوفها إلی جانب الشعب الفلسطینی المظلوم.

5-نمو الاقتصاد المصری إبان حکم الرئیس المعزول محمد مرسی.

6-عدم تنفیذ المخططات الأمریکیة فی المنطقة التی کانت علی عاتق النظام المصری السابق.

7-خوف الغرب من إیجاد مثلث مصری- ترکی - قطری التی کانت ستجعلها مثلث البرمودا لتضعیف المخططات الغربیة فی  المنطقة.

8-إعادة نبض الروح الإسلامی إلی العالم الاسلامی و قیادته نحو مستقبل أفضل للأمة الإسلامية.

9-سحب تأیید حزب النور السلفي بعد ما كان مؤيدا لحكومة مرسي،  كان سياسيا محضا وأتى بأمر من إحدى الدول العربية التى يعتبرها حزب النور الداعمة الأساسية لها.

إلیکم ببعض المفارقات فی الشارع المصری خلال الثورة علی نظام حسنی مبارک و الانقلاب علی مرسی:

1-الجیش المصری صبر علی مبارک و نظامه 18 یوم بعد سقوط مئات من المعارضین ولکن صبر علی مرسی 48 ساعة مع سقوط عشرات من المؤیدین.

2-الجیش عجز عن تأمین البلاد خلال سنتین ونصف ولکن قام بتامین البلد خلال ساعتین و نصف بعد عزل مرسی.

3-الشیخ الأزهر أفتی بحرمان خروج المتظاهرین علی نظام مبارک فی 25 ینایر؛ لکن شارک فی بیان عزل مرسی بالأمس القریب.

4-البابا منع نزول الناس إلی الشوارع ضد النظام  أيام مبارک فی 25 ینایر لکن شارک فی بیان انقلاب وعزل مرسی قبل أمس.

5-فلول النظام السابق لم يستطع دخول میدان التحریر قبل سنتین إلا علی ظهر الخیول و الجمال لکن فی 30 من یونیو دخلوا المیدان علی ظهر المغفلین کما یقول القائل,,, ( منقول )

خلاصه القول، لقد أدرکت الأمریکان والغرب بأن تنفیذ الدیمقراطیة فی الشرق الأوسط لم تصب فی صالحها لأنها وسیلة للوصول بالتیارات الإسلامیة إلی سدة الحکم, و نجحت مبدئیا بإزاحة مرسی فی طریقها و سوف تلاحق الدول الثائرة ككل لمحاولة منع إجراء الدیمقراطیة فیها( کتونس و المغرب و لیبیا و غیرها من الدول الثائرة). مادام الحزب الإخوانی یشکل عنصرا هاما فی الساحات السیاسیة فی هذه الدول,,,

يكفيك يا سيادة الرئيس شرفا أنه عند فوزك احتفلت فلسطين؛ وعند الانقلاب عليك إحتفلت إسرائيل