کم من أیام مضت من عمرنا ونحن نجالس  إخواننا وأخواتنا في حلقاتنا الإیمانیة ونحاور ونتشاور فنتعاهد بأن نکون من المؤمنین العاملین.لأننا وجدنا الداء الذی ابتلیت به أنفسنا أولا ، والخلل الذی یتبعه في عملنا الدعوي والجماعي ثانیا.فلیس من العجب أن نُمنَی بعدم النشاط والتحرک و کثرة النقد!!

فأین الخلل؟؟

الخلل هو ضعف قوتنا الإیمانیة.إن الإیمان تضعف قوته باتباع الهوی. وأسباب اتباع الهوی في عصرنا هذا کثیرة جداً؛من القنوات الفضائیة  والکسب الحرام و سائر الأسباب التی قد لایکاد یمکن إحصائها لنا.  

إن الحساسیة الإیمانیة مهمة المؤمنین بل أهم أمورهم الذی تفرض علیهم أن یحافظوعلیها «یا أیها الذین آمَنوا  آمِنوا بالله ورسوله والکتاب الذي أنزل من قبل ..»النساء/136. إن الله  تعالی خلقنا لعبادته «وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون»الذاریات/ 56 ،والعبادة لا تتحقق إلا برعایة أصلین أساسیین وهما أن تکون خالصا لوجه الله والثانی أن تکون کما أمرنا الله بها.«بلی من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف علیهم ولاهم یحزنون»البقرة/112.فتحقق هذین الأصلین هو اتباع الشریعة ، و اتباع الشریعة هو العبادة التی یرید الله تعالی منا لیزکینا فیسعدنا في کلتا الدارین. .

وجاء شهر کریم برسالة عظیمة. . «یا أیها الذین آمنوا کتب علیکم الصیام کما کتب علی الذین من قبلکم لعلکم تتقون»البقرة/183.الصیام أصله الصوم والصوم ألإمساک...إمساک أي شیء من أي شیء؟ إمساک النفس عن أمورالحلال التی تمیل النفس إلیها أکثر من غیرها وهن(الأکل و الشرب والرفث إلی الزوجات) فنستطیع أن نلخصهن في شهوتین:1-شهوة البطن 2-شهوة الفرج.

فالنفس التي تستطیع أن تمسک عن الحلال فأحری بها أن تصون نفسها عن المحرمات.

قال النبي (ص):«من لم یدع قول الزور والعمل به فلیس لله حاجة في أن یدع طعامه وشرابه».وقال(ص):«خمس یفطرن الصائم:الکذب والغیبة والنمیمة والیمین الکاذبة والنظربشهوة».ثم قال في حدیث آخر:«لیس الصیام من الأکل والشرب،إنما الصیام من اللغو والرفث فإن سابَّک أحدٌ فقل إني صائمٌ».

فرسالة رمضان هي اتباع الشریعة...إتباعٌ في السروالعلن، في شؤوننا الفردیة والجماعیة والإجتماعیة والسیاسیة و في کل الحیاة جمعاء.«...لعلکم تتقون». .

فلنحذر من الأهواء والشهوات التي تعترض سبیلنا  ولنعتصم بحبل الله جمیعاً.«یا داوود إنا جعلناک علی شریعة من الأمر فاتّبعها ولا تتبع أهواء الذین لا یعلمون».فسبیل الله واحدٌ وسائر السبل أهواءٌ وضلال، کالأیدولوجیات والأفکارالمحدثة التي تتعارض مع ثوابت شریعتنا الإسلامیة وغیرها من  وسائل الضلال.

ومن الواضح أن اتباع الشریعة  لا یتحقق بألفاظٍ تُقال.. .و إنما یتحقق بأن نکون عاملین بما نقول ونؤمن.«یا أیها الذین آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون»الصف/2.«أتأمرون الناس بالبروتنسون أنفسکم وأنتم تتلون الکتاب أفلا تعقلون واستعینوا بالصبرو الصلاة وإنها لکبیرة إلا علی الخاشعین»البقرة/44-45..

وما أجملَ قول ربنا بشأن المؤمنین الصادقین«إنما المؤمنون الذین آمنوا بالله ورسوله ثم لم یرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبیل الله أُولـئک هم الصادقون»الحجرات/15.«والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا وإن الله لمع المحسنین»العنکبوت/63.

فکما قلنا ،النفس-في رمضان- بإمساکه عن الحلال تتدرب بأن  تبعد عن المحرمات عزیزةً سلیمةً وکلما بعدت من المحرمات تزید فیه قوة الإیمان أکثر فأکثر وإذا زادت  قوة إیماننا یزداد فینا العمل.فإذا کان کذلک،فرمضان یعلمنا العمل واتباع الشریعة..

فلنجدد إیماننا ولنواظب علیه ولنخش الله «ألم یأن للذین آمنوا أن تخشع قلوبهم لذکرالله وما نزل من الحق»الحدید/16. فهذا الشهر فرصة ذهبیة لمن یرید السعادة في الدارین بأن یجدد بیعته مع ربه بکثیراستغفاره و عبادته   واتباع الشریعة في شؤونه الفردیة أولاًوفي سائر شئونه الجماعية والدعوية ثانیاً ،لأن فتورنا  في دعوتنا لیس إلا حصیلة کثرة ذنوبنا وقلة علمنا وعدم تقوانا و ورعنا في اتخاذ قراراتنا الدعوية والجماعية وحب الدنیا وکراهیتنا للموت.وفي کلمة واحدة اتباع الهوی. . وما أجمل قول النبي الاٌمي علیه السلام:«حبُّ الدنیا رأس کل خطیئة».

ولننظر ماذا فعلنا؟علی المائدة من یجالسنا؟هذا الطریق الذی انتخبناه طریق الدم والمحنة،طریق الجد والمجاهدة وهذه المائدة التي نجالس علیها ، مائدة النبیین والصدیقین والشهداء والصالحین. .ولنحذرمن التهاون والتکاسل في هذا الطریق..«وإن تتولوا یستبدل قوماً غیرکم ثم لایکونوا أمثالکم»المحمد/38.

إذا نظرنا في أوصاف عباد الرحمن-في سورة الفرقان-إنهم إذا تحققت في أنفسهم سائرالأوصاف التي ذُکرت في الآیات السابقة، یستحقون بأن یدعوا ویقولوا«ربنا هب لنا من أزواجنا وذریاتنا قرة أعین و اجعلنا للمتقین إماماً»الفرقان/74.

فإمامة المتقین أمرٌ عظیمٌ جداً .من یستطیع حملها؟!الذي یتحلی  بأوصاف عبادالرحمن..« وجعلنا منهم أئمة یهدون بأمرنا لما صبروا وکانوا بآیاتنا یوقنون»السجدة/24.

أرجوا من المولی الرحیم في هذا الشهر الکریم أن  یقربنا من أوصاف عباد الرحمن ویجنبنا الذنوب والمعاصي. .

«ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدیتنا وهب لنا من لدنک رحمة إنک أنت الوهاب».

وآخردعوانا أن الحمد لله رب العالمین.