إذا کان شأن العالم مغلقا کالبرعم      فکن حلالا للعقود کنفحات الربیع

المجتمع الإیراني نظرا لسابقته الحضاریة النادرة وركائزه الثقافیة الهامة یستحق حیاة أفضل وألیق ویمکن ردم الثغرات ورأب الصدوع وتحسین الظروف معولا في ذلک علی التفکیر الحیوي المستمر والنشاط والفعالیة. عملیة الإصلاح إن لم تکن مدعومة بالتفکیر ستضيع في طريقها وأي تفکیر لم یعالج المشاکل الحقیقیة والعقد الموجودة، سوف لا یکون مثمرا ومجدیا. "التفکیر إصلاحي" یعزم علی الترمیم ورأب الصدوع علی قدر المستطاع وبنمط واقعي بالتوازي مع بذل الجهد لفهم العالم وتحلیل الأفکار والاتجاهات ویری أن التغییر الملائم للعالم یستلزم تفسیرا متقنا وأکثر دقة وشمولیة لجوانب الحیاة والکون. لذلک فإن التفکیر الإصلاحي والتغییر سیظل مثالیا خیالیا هشا إن لم يكن مصحوبا ببذل الجهد في سبیل الفهم الصحیح لواقعیات الحیاة الاجتماعیة وتفسیر متقن للعالم.

التفکیر الإصلاحي یحاول تسلیط الضوء علی المعضلات والصعوبات؛ ويرى أن الخطابات الحريضية لا جدوى لها وأن تقدیم الحلول والخطط العملیة هو الطريق المنشود. الأطر الاجتماعية والظروف الثقافیة تتمتع بالقدرات الإنجابية والتنمویة وإذا کان الغرض منها إعمار البلاد وازدهارها یجب أن نکشف الستار عن الحلول ونکون متسامحین کالنسیم ونقوم بالحضانة والبستنة لبراعم الأمل وکرنبات الإبداع ولا نتصرف کالطوفان بغیة التدمير والفوضى والارباك؛ لهذا أن التفکیر الإصلاحي یری بأن عملیة الإصلاح والإعمار وتحسین الظروف هي نتیجة الحرکات الطویل الأمد مقرونة بالنفس الطویل وهي عملية لطيفة وتدريجية ویعتقد بأن التغییرات الثوریة والآنیة معظمها مزیجة بالعنف وملیئة بالحماس والمشاعر العابرة أکثر من أن تکون مقرونة بالدهاء وبعد النظر والتفکیر.

التفکیر الإصلاحي لا یسعی للدعایات المغرضة والمعادیة وإشاعة الیأس والقنوط في الساحة المجتمعیة ولا تحاول الفصل بین شرائح المجمتع حتی یزید الطین بلة بل یسعی لیکون حلقة وصل ومصدرا للصداقة وسببا للمصالحة لشتی الأطیاف والتیارات والهویات مصحوبا بالتفکیر والتعقل إلی جانب بذل الجهود في سبیل التنمیة الثقافة وحیویتها کما یقول العارف الشهیر مولانا:

"في هذه التربة وفي هذه المزرعة الطیبة      لا نزرع إلا الحب والشفقة"

التفکیر الإصلاحي یسعی للحفاظ علی التضامن والتلاحم الاجتماعي متزامنا مع القراءة الناقدة للتقالید الفکریة والثقافیة والتعاطي النقدي مع المعتقدات التقليدية والخطابات السائدة ولا یجعل نعمة السلم والأمن الاجتماعي ضحیة الاتجاهات المتطرفة والمفککة وفي نفس الوقت لا یهمل الحیویة الفکریة والنقد البناء بذریعة المحافظة على الانضباط والتقارب ولا یغفل عن تقدیم الخطة الجدیدة والترحیب بالآفاق الجدیدة والرغبات الحدیثة. ولا یخفی مدی صعوبة الحركة في إطار الحدود والمحافظة علی الاعتدال والوسطیة والأخذ بعین الاعتبار الوقائع والظروف وفي نفس الوقت إن هذ العمل الجبار يستحق التقدير و الإجلال.

الفکیر الإصلاحي یرفض إزالة الفوارق الثقافیة والتستر علی مختلف الهويات وتغطیة الحقائق ذات الطبقات المتکثرة للحیاة الاجتماعیة ویعتبر الاعتراف الثقافي والعرض المستمر للتنوعات الموجودة سببا لتعزیز الثقافات وترویجها. إن الوئام والتماسک الاجتماعي یتم الحصول علیهما عبر الاحترام للفوارق الثقافیة وفهم ممیزات الآخرین وإلا ستکون هناک وفاق هش دون الحیویة والإنتاج.

الاتجاه الخطیر والمؤلم الذي یلزمنا التعرف علیه وعلی مصادره الفکرية والثقافية والقیام بإزالته هو الاتجاه الإقصائي والمتطرف الذي یسعی لإزالة وجهات النظر المتنافسة والثقافات المختلفة قسریا بدل الاعتراف بوجود الآخر والمحاولة لفهم أوجه الخلاف.

قبول الآخر والإذعان لحق المخالف هو الشرط الأساسي للمجتمع المدني؛ والتکامل الحقيقي بحاجة إلی قبول الفوارق والترحیب بالتنوعات الثقافية التي لا مفر منها بدل مکافحتها ورفضها. إن المصائب والکوارث التي جلبها النهج العدائي وثقافة عدم قبول الآخر ینبغي أن تکون محل العبرة لکي نفهم ضرورة الثقافة التي تقول: أنا لا أتفق مع ما تقول ولکني صامد حتی النفس الأخیر لتعبر عنه حرا.