بدأت جبهة الإنقاذ، التي أسستها القوى المعارضة للرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين، بالتفكك؛ لأن الأسس التي قامت عليها- وأهمها: المعارضة من أجل المعارضة والكراهية الشخصية والنفسية للإخوان المسلمين، والصراع على المناصب والكراسي وتحالف الفلول مع بقايا النظام السابق مع أشباه الثوار مع بعض الثوار- جعلت شكلها ضبابيًّا وكشف عن حقائق ومطامع ومطالب الكثير من أطرافها؛ مما أكد للمخلصين فيها أنهم كانوا مستدرجين إلى مستنقع كبير.

فكثير من المحللين- ومنهم محللون غربيون- لاحظوا من البداية أن نسيج الجبهة غير متجانس، وليس به أى قدر من التوافق على شيء سوى المعارضة للرئيس محمد مرسي ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين، وقد ساعدهم على هذا أخطاء الرئيس مرسي التي تراكمت الواحد بعد الآخر بعد قراره الأول بإقالة النائب العام ثم تراجعه عن القرار، ثم توالت الأخطاء والتراجعات التي شجَّعت معارضيه على أن يجتمعوا مستغلين حماس الشباب وكثيرًا من البلطجية الذين قبض على بعضهم بالتحرك من أجل اقتحام قصر الاتحادية وإسقاط الرئيس مرسي، وأفصح بعضهم عن ذلك، وقال لمن دعوه للحوار صراحةً: أي حوار؟ إن النظام سوف يسقط خلال ساعات، لكن النظام لم يسقط وفشلت المؤامرة واكتمل الدستور وصوَّت ما يقرب من ثلثي المشاركين عليه في الاستفتاء بـ"نعم".

ورغم أن الرئيس مرسي ومن حوله لم يستطيعوا حتى الآن توظيف كثير من المكتسبات التي حققها لهم الشعب لصالح تصحيح أخطائهم واكتساب فئات كثيرة من الشعب تأثرت بالحملات الإعلامية والإعلانية الكبيرة التي شنتها جبهة الإنقاذ ضدهم، فإن وعي الشعب المصري وإصراره على أن يعطي فرصةً للرئيس كي يصحِّح أخطاءه ويحدد مساره وفق رؤية واضحة للخروج بمصر من هذا المأزق جعلا كثيرًا من أعضاء جبهة الإنقاذ التي قامت على المطامع يفكرون في المشاركة في جزء من كعكة السلطة قبل أن تنتهي في ظل قانون الانتخابات الجديد؛ الذي لن يسمح لأي حزب في الوجود في المجلس إلا بعد الحصول على نسبة 5% من أصوات الناخبين؛ حتى يدلل على أنه ليس حزبًا ورقيًّا وإنما له وجود وحضور بين الناس، وهذه ليست بدعة؛ فقد طبقت في مصر من قبل، وتطبق في تركيا ودول أخرى كثيرة بنسب تصل إلى 12%.

ومن ثم فقد تحركت بعض أطراف جبهة الإنقاذ للمشاركة في الحوار الوطني ومحاولة الدخول في تحالفات مع أطراف قوية للوجود على قوائمها، وقد أكد لي بعض القائمين على إدارة الحوار الوطني ذلك، كما أكدت لي مصادر مسئولة داخل جماعة الإخوان المسلمين أنهم يتلقون كل يوم طلبات من أطراف في الجبهة، كلٌّ على حدة، يريدون الجلوس والنقاش والبحث عن نقاط للالتقاء والتوافق، وهناك أطراف من الجبهة وسَّطت أطرافًا خارجيةً هي على صلة بها من أجل عقد جلسات للحوار، لكن الثقة شبه المنعدمة بين الإخوان وهذه الأطراف أجّلت كثيرًا من هذه الطلبات.

أما الأطراف التي تدرك أنها خاسرة لا محالة فإنها تسعى لتشكيل قائمة واحدة، لكن أنى لهم أن يتفقوا والوجود على رءوس القوائم هو مربط الفرس، ولن يقبل أي منهم إلا أن يكون على رأس القائمة هو أو من يمثله من حزبه، ومن ثم فإن معالم التفكك أصبحت تضرب أركان الجبهة من كل جانب، وسوف تكشف الأيام المقبلة المزيد من معالم التفكك، لكن أنى للطرف الآخر أن يتقن فن إدارة اللعبة السياسية والقدرة على الاستقطاب والتنازل حتى تتجاوز مصر مرحلة عنق الزجاجة التي تمر بها؟