انعقدت الجلسة الهیئة التنفیذیة بحضور مسئوولی المحافظات فی الرابع من سبتمبر 2013 وقد حضرها الأمین العام للجماعة الأستاذ عبدالرحمن البیرانی وألقی کلمته حول الأوضاع المصریة و انتخابات رئاسة الجمهوریة فی إیران التی أبدی فیها ما یلی :

بسم الله الرحمن الرحیم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أتقدم بالسلام والتحیة لأخواتی وإخوانی الأعزاء وأتمنی لکم مزید التوفیق فی مسیر الدعوة إلی الله .

أود أن أقدم لکم عدة نقاط حول الأحداث الأخیرة فی العالم الإسلامی وإیران ولکن قبل ذلک لابد من البدء بمقدمة.. 

کل الأنبیاء قد نالوا مظهرا من مظاهر النصرة الإلهیة ؛ ففی قصة سیدنا موسی علیه الصلاة والسلام والتی تکررت فی مواضع شتی من القرآن یظهر لنا أن عامل الصبرکان له الدورالأکبر فی نیل النصرة الإلهیة کما فی قوله تعالی:(... وَتَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِی إِسْرَائِیلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا کَانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا کَانُوا یَعْرِشُونَ) [اعراف:137]  قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ یُورِثُهَا مَن یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ) [اعراف: ۱۲۸] (... عَسَىٰ رَبُّکُمْ أَن یُهْلِکَ عَدُوَّکُمْ وَیَسْتَخْلِفَکُمْ فِی الْأَرْضِ فَیَنظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ) [اعراف: ۱۲۹] 

کما أن سیدنا سلیمان علیه السلام قد حظی بتجهیز الجیوش والقدرة العسکریة وهذا ما تشیر إلیه الآیة فی مقابلته لقوم سبأ (ارْجِعْ إِلَیْهِمْ فَلَنَأْتِیَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) [نمل: ۳۷]

ومن الأمورالملفتة للانتباه أن جمیع الأنبیاء والرسل الذین دارت بینهم وبین الباطل معارک وحروب، لم یقتلوا فی میادین الجهاد فی سبیل الله وعندما یذکر القرآن الکریم عدداً من الأنبیاء الذین قتلوا کقوله تعالی (... أَفَکُلَّمَا جَاءَکُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُکُمُ اسْتَکْبَرْتُمْ فَفَرِیقًا کَذَّبْتُمْ وَفَرِیقًا تَقْتُلُونَ) [بقرة: ۸۷] فالذی یظهر لنا أن هذا القتل لم یکن فی میدان الحرب وذلک لأن الذی یقتل فی میدان الحرب یعد خاسرا للمعرکة؛ وقد استدل العلامة الشینقیطی -رحمه الله- من قوله تعالی( کَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِی ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ) علی أنه لم یقتل نبی فی جهاد قط ، کما نقل عن سعید بن الجبیر والحسن البصری - رحمهما الله -  قولهما أنه ما قُتِلَ نَبِیٌّ فِی حَربٍ قَطّ. وفی الحقیقة أن کل من سار فی طریق الدعوة ونصرة الدین فإنه یعد من المنصورین بالمعنی الحقیقی؛ (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهَادُ) وهذا وعد من عند الله الذی لا یخلف المیعاد.

والمتأمل فی سورة النور یری أن الآیة الکریمة وهی قوله تعالی : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ یَعْبُدُونَنِی لَا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا ۚ وَمَن کَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِکَ فَأُولَـٰئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [نور: ۵۵] قد بینت تمکین المؤمنین وأشارت إلی عوامل التمکین الأربعة وهی: 1- وجود جماعة مؤمنة قد رسخ الإیمان فی قلوب أفرادها 2- ظهورالعمل الصالح علی یدهم وهو ما یعنی تحول الإیمان إلی سلوک وعمل 3- الالتزام بمنهج الرسول وأصحابه الأوفیاء 4- اجتناب الشرک الذی یعتبر أکبر خطأ ومعصیة : (یعْبُدُونَنِی لَا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئًا)...

وفی الواقع فإن کل معتقد وسلوک یقع فی طریق شرع الله وفی الإطار المذکور فإنه یکون مستحقا لحمایة الله تعالی؛ ولذلک فإن کل جماعة تکون سببا لظهور دین الله ومدافعة له فلا شک أنها ستحظی بنصرة الله لها(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ ْ [ محمد: ۷] هذه النصرة الإلهیة للأنبیاء والرسل والأمة الإسلامیة والجماعات الاسلامیة  تاتی علی طرق وأشکال متعددة.  

مراحل النصرة الإلهیة

أول مرحلة من مراحل التمکین والنصرة الإلهیة ، هی النجاة من الخسران یعنی الضرر فی أصل الثروة وهی ثروة الحیاة (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِی خُسْرٍإلا     الذین آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) وفی هذه الصورة الصغیرة فی ظاهرها تمت الإشارة إلی ستة خصال وهی الإیمان، والعمل الصالح، والعمل الجماعی والعنایة بمبدأ التواصی بالحق وهو شرع الله تعالی، والحریات وحقوق الإنسان والالتزام بالتواصی بالصبر والبعدِ عن التطرف والاعتدال ؛ وهذه الخصال الستة کفیلة بأن تضمن للجماعة النجاةَ من الخسران فی الدنیا والآخرة وتجعلها مستحقة للنصر والتمکین.

والمرحلة الثانیة هی التایید والتقویة : وَآتَیْنَا عِیسَى ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ...) [بقره: ۸۷] فینزل جبریل لنصرة عیسی بن مریم کما یقوم حسان بن ثابت رضی الله عنه بنصرة رسول الله بأشعاره الجمیلة وکذلک نصرة الله تعالی لعب 

والمرحلة الثالثة هی الظهور وعلو المومنین (... فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِینَ) [صف: 14]  

 والمرحلة الرابعة هی النصر المباشر من الله تعالی(... وَکَانَ حَقًّا عَلَیْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِینَ) [روم: ۴۷] (إِن یَنصُرْکُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَکُمْ...) [آل عمران: ۱۶۰ ] وهنا یحل الأمن والاطمئنان... إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهَاد[غافر:51]  

والمرحلة الخامسة هی الفوز والنجاح وهنا یذکر المؤمنین علی انهم القوة الأفضل والأعلی (کَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِی ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ) [مجادله: ۲۱] 

 والمرحلة الأخیرة هی مرحلة الاستقرار والأخذ بزمام الحکم وإقامة الدولة أو الخلافة الإسلامیة التی تعد استمرارا لعمل الأنبیاء علیهم السلام (وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً...) [بقره: ۳۰] (یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ...) [ص: ۲۶]

وإنما ذکرت هذه المقدمة تمهیدا للدخول فی مبحث مصر والتی ینبغی أن أقول: إن الحرکات الإسلامیة وعلی رأسها الإخوان المسلمون لها الفضل العظیم علی الأمة الإسلامیة بل وعلی الإنسانیة جمعاء.حرکة الإخوان المسلمون بعد زهاء قرن من العمل علی نشر تعالیم الدین الإسلامی- ولهذا السبب فقط- ألقی القبض علی رجالها؛ وعذبوا فی السجون سنین عدیدة وحرموا من حقوقهم وحریاتهم وأعدم قاداتهم مواضع شتی ولکنهم صبروا وتابعوا مسیرة النضال السلمی حتی تمت إتاحة الفرصة وإمکانیة المشارکة السیاسیة والمدنیة واستطاعت بإبداء الواقعیة والکثیر من التسامح وقبول الآخر والاعتدال بین مدعی الدیمقراطیة وتقبلها علی أنها الطریق الصحیح للحفاظ علی الحریات والحقوق للمواطن وصیانتها وهی طریقة لتنظیم العلاقات بین المواطن والحکومة ومؤسساتها ، أن تؤدی دورا لا ینسی ..

فقام الإخوان بتبیین دورالدیمقراطیة وضرورة العمل علی قبوله کطریقة مطلوبة .هذا ما جعلهم یواجهون أمواجا من النقد والتهم والتشکیکات حتی قام بعض أبناء الحرکة وغیرها من الحرکات بإطلاق الکفرعلی هذا العمل وقالوا بأنکم قبلتم حاکمیة الإنسان علی نفسه وقبلتم بالدیمقراطیة التی هی نتاج مستورد من الغرب وجعلتموها بدلا للخلافة الإسلامیة؛ بینما کان من الواجب السعی وراء تحکیم الله وشرعه..

وقد بین قادة الإخوان أن الحاکمیة لله ولکن الذی یقوم بتنفیذ هذه الحاکمیة وتطبیقها هم البشر، وحکم الله هو التشریع وما یقوم به البشر هو التنفیذ؛ فإذا ما کان أکثر المجتمع هم المؤمنون المطالبون بحکم الله ، فإنهم بلاشک سیختارون شرع الله وسینفذونه؛ وإن کانوا غیر ذلک فإننا لا یمکن أن نحمل الناس الشرع ونلزمهم بتطبیق الشریعة وحزب الله- وهم المؤمنون الذین یدافعون عن الشریعة -  لم یکلفوا بإبادة الشرّ وحزبه و إنما جاؤوا لیدافعوا عن الدین الحق (... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ...) [بقره: ۲۵۱] وهذا التدافع بین القرآن علی أنه ینبغی أن یکون بالتی هی أحسن(... ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ...) [فصلت: ۳۴] وذلک لأن الإنسان ینبغی أن یقبل الشرع باختیاره وإرادته، لا بتحمیل الآخرین له عن طریق القوة، فهو کما یقول الأستاد عمارة «الانسانُ سیّدٌ فِی الکَونِ و لیسَ سیدَ الکَونِ»

استطاعت جماعة الإخوان أن تقنع أکثرالمسلمین بقبول هذه الاصلاحات علی أنها لیست مضادة للدین؛ وأن تهییء المناخ لحضور من یکفر الإخوان ویعد المشارکة فی الانتخابات شرکا؛ والحزبیة أمرا منحرفا أن یشارک فی الانتخابات ویشکل حزبا وأن یکون له مرشح ونائب فی البرلمان وأن یقوموا بکل ما یقوم به السیاسیون وعلی نهج الإخوان؛ وهذا العمل یعد خدمة کبیرة من الإخوان لمن کان یدعی الدیمقراطیة بل ولجمیع مجتمعهم ولکن للأسف فإن أتباع الدیمقراطیة المزیفین ومدعیها لم یستطیعوا قبول دخول الإسلامیین في میدان السیاسة وحضورهم للتطبیق الصحیح لأصول الدیمقراطیة وأصبحوا هم أول من یدوس أصول الدیمقراطیة فی حق الإسلامیین.

وعندما أدرکوا أنهم لم یوفقوا فی الانتخابات، لجئوا إلی وضع الدیمقراطیة جانبا و جر البلاد إلی الحرب والقتال ..وهذا واقع مؤسف؛ فإن الذین کانوا بالأمس یعیبون علی الإسلامیین أنهم لایحسنون الدیمقراطیة والسیاسة؛ أصبحوا هم أنفسهم من لایقبل الدیمقراطیة، و رضوا بانجرار البلاد إلی طریق الهلاک والتدخلات الأجنبیة والحرب الأهلیة ولم یرضوا بإفساح المجال للحرکات الإسلامیة بأن تتولی مقالید الحکم؛ وهذا الوضع المؤسف نشاهده فی عدد من الدول کالجزائر وفلسطین المحتلة (غزة) والیوم فی مصر وبقیة الدول الربیع العربی التی فاز فیها الإسلامیون فی انتخابات حرة ونزیهة.  

 أما فی مصروبعد فوز الدکتور مرسی بدأت أربع مؤسسات رئیسیة مخالفاتها له وهی الجیش ، والداخلیة والشرطة ، والقضاء ، والاعلام؛ کما أنه قد أعلنت أربعة جهات مخالفتها –أو علی الأقل منافستها- مع الإخوان وکانت غیر منصفة وهم العلمانیون، واللیبرالیون، والناصریون، والأقباط، وکل هؤلاء أبدوا مخالفتهم للإخوان تحت عناوین الإنقاذ والتمرد وقالوا إنهم رسموا خطة الإطاحة بالرئیس مرسی من البدایة وربما لم یصدق البعض من البدایة ولکن البرادعی أعلن« أن الخیار الأول هو منعهم من الوصول إلی الحکم ولکننا قلنا الأفضل أن ندعهم یصلون إلی الحکم ثم نقوم بإسقاط الحکومة وبدأنا العمل علی هذا الأساس منذ البدایة» و منذ أن أعلنت بعض الحرکات والأحزاب االمتفقة مع الإخوان أنه إذا استمر الوضع علی هذه الحالة فإننا لن ندع رئیسا یستقر، بدأوا بتغییر المشروع وقالوا علینا ان نظهر فشل الحکومة الجدیدة وعلینا بإحداث مشکلة جدیدة فی کل یوم.

وقد رأیتم القدر الکبیر من المشاکل والمصائب التی خلقوها فی مدة سنة أو أقل وعملوا علی أن لا یستطیع الرئیس مرسی التفکیر فیما علیه تجاه الناس؛ وفی النهایة لجئوا إلی الخطة السابقة وأحدثوا السناریو العجیب والمزین وأحضروا عددا  من الشخصیات المسیحیة والإسلامیة و صوروا الأمر وکأنه حرکة شعبیة وأسقطوا الرئیس الشرعی المنتخب واختطفوه حتی لا یعلم أحد أین الدکتور مرسی. وعندما رأوا الحضور السلمی للمعتصمین فی میدان الرابعة یزداد یوما بعد یوم وأنه قد تحول إلی عائلة عالمیة لم یستطیعوا التحمل.

کان الإخوان قبل ذلک یقومون بالتربیة فی البیوت وبشکل محدود ولکنهم الیوم قد جمعوا جمعا غفیرأ أمام أعین العالم یؤدون العبادة ویصلون ویقرأون القرآن ویقومون اللیل؛ وهذه النقاءة والعفة والانتظام یعد من النجاح المبهر للإخوان المسلمین و لذلک کان الأمر صعبا علیهم ولا شک أن ما صنعه الإخوان ومن آزرهم فی الرابعة والنهضة سیبقی مُسجّلا فی التاریخ ...

ولکن هذا الاجتماع قوبل بالقتل والقمع الشدید الذی لا یفعل مثله إلا فی الحرب مع الأعداء، وتم الهجوم علیهم بالدبابات والرشاشات ومختلف الطرق فی مواجهة من لایملک سلاحا یدافع به عن نفسه إلا الدعاء.

إغلاق القنوات التلفزیونیة واعتقال قادة الإخوان وانحلال مجلس الشوری وقتل السجناء العزل، والعمل علی حذف حرکة الإخوان العظیمة والأکاذیب والحقد والعداوة والانتقام والعداء للدین، لدرجة لا یمکن تصورها  وأنا شخصیا أتعجب کیف یمکن لشخصیات کبیرة عالمیا أن تصل إلی هذا الحد من الحضیض والانحطاط! فمثلا عندما تحدث اشتباکات نسمعهم یقولون إن الإخوان هم أخذوا السلاح وخرجوا إلی الشوارع؛ بینما یری الجمیع أن الإخوان هم الذین یُقتلون ویُطلق علیهم الرصاص الحی وهم فی الصلاة ...

ثم بعد ذلک استولی الجیش علی ما بقی من السلطة والمناصب؛ وهاهی المؤامرات الداخلیة والخارجیة تظهر کل یوم أکثر فأکثر.

والآن إلی أین تتجه مصر؟ وهل ستعود عقارب الساعة إلی الوراء ؟وهل سیلجأ الإخوان إلی العنف ؟

أنا أعتقد أن حرکة الإخوان المسلمین بما لدیها من فکرة الاعتدال والوسطیة فی الدین فإنها لن تفکر فی العنف أبدا وأن هذا الابتلاء والامتحان جاء بسبب عظمة هذه الدعوة فی هذا الزمن؛ وفی إطار ما کتبه أحمد منصور فإن هذا النقاء وهذا الإیثار والخدمة لا تُری إلا فی الرابعة؛ فانأ أقول إن هذا الابتلاء العظیم لا یکون إلا للإخوان فقط، فکلما کان الإنسان عظیما والحرکة عظیمة، والهدف عظیما کلما کان الابتلاء أعظم؛ والابتلاء لابد أن یکون علی قدرمکانة المبتلی.

ولا شک أن الحریة فی زماننا تعد درّة ثمینة تستحق تقدیم الأرواح لأجله وکما یقول الأستاذ الشیخ القرضاوی بأن " «تحقیقَ الحُرِّیةِ قبلَ تَطبیقِ الشَّریعَةِ" والحریة هی أحد مقاصد الشرع التی ینبغی تحقیقه ولذلک فإنه جدیر بالإخوان أن یقدموا لها الکثیر من أرواحهم الغالیة کأسماء بنت محمد البلتاجی ... 

لقد سجن الإخوان وقتل أبنائهم وصودرت أموالهم وأحرقت مقراتهم ولکن الإخوان التی تعد نفسها أکبر مدافع عن الحریة وحقوق الإنسان والوسطیة، لابد لها من التهییء لمثل هذه التضحیات..

وقد قال المرشد العام محمد بدیع حفظه الله  ومن معه – إن «ثَورتُنا سِلمِیَّةٌ و سَتَظَلُّ سِلمِیَّة وسِلمِیَّتُنَا أقوَی مِن الرَّصاصِ.»

أسباب سقوط مرسی

هناک عدة نقاط یمکن أن تذکر کعوامل لسقوط دولة مرسی

أولاها أن الحکم الاستبدادی طوال السنین العدیدة والمتمادیة لم یعط الفرصة للمسلمین کی یصلحوا ضعفهم ویجربوا مقتضیات الحکم فی میادین العمل؛ ومن الطبیعی أن الحرکة التی لم تتولَ الحکم حتی الآن لابد وأن تصدر منها الأخطاء؛ وکما یقول الأستاذ راشد الغنوشی «أن العمل الذی یبدأ به الإنسان فإنه لایری موانع کثیرة ما دام لم یخرج من الحیز النظری .»

والنقطة الثانیة هی عدم نضوج الثورة فی مصر؛ فثورة 25 ینایر وإن کان لها ما یقارب 800 شهید إلا أنها الآن قد قدمت الآن أکثر من 5000 شهید .

والنقطة الثالثة هی خوف التیارات الداخلیة والخارجیة من مجیئ الإخوان کخوف إسرائیل وبعض الحکومات المتزلزة فی المنطقة والتی تحکمها أسرة أو قبیلة واحدة. 

والنقطة الرابعة تکمن فی العلاقات الأمریکیة المصریة ، إذ أن التشکیلة العسکریة والجیش لها علاقات خاصة مع أمریکا. قد تأسست هذه العلاقة عام 1978 و أحکمت فی معاهدة« کمب دیفید» .فقد عملت أمریکا علی هذه العلاقة مدة سنین ولا ترید لهذه العلاقات الإستراتیجیة أن تنقطع بهذه السهولة. 

والسبب الخامس فی رأیی هو النظرة التفائلیة من الإخوان إلی الجیش المصری الذی لا یمکن احتوائه ؛ فالجیش أینما وضع قدمه فی السیاسة والاقتصاد أدی إلی نتایج سلبیة .

وفی نهایة المطاف أصیبت مصر بالوضع المأساوی الذی لا یمکن الدفاع عنه وهذا الحدث یعد مخجلا للغایة لمدعی الدیموقراطیة؛ والإخوانُ المسلمون حالیا هم المدافعون الحقیقیون من أجل الدیموقراطیة ومن المهم أن لا نظن أن الدیموقراطیة شیئ خطأ بسبب أن المنقلبین علی الحکم کانوا یدعونها ..

وأخیرا فبناء علی الآیات التی ذکرتها فی بدایة المقال فأنا أعتقد أن الإخوان هم من فازوا فی المعرکة وأن الإخوان الآن فی وضع جید. وحسب الإحصائیات التی قامت بها إحدی المؤسسات الإیطالیة فإن الإخوان یقف بجانبهم 67% من الشعب المصری،  بینما تحظی باقی الحرکات بـ 8 %  والعلمانیون واللیبرالیون یحظون بـ 26% من آراء الشعب المصری. 

إیران، وانتخابات رئاسة الجمهوریة والمجالس المحلیة

والأمر الثالث الذی یجب التنویه إلیه هو القضایا الداخلیة..

إجراء الانتخابات الحادیة عشرة لرئاسة الجمهوریة وانتخابات المجالس المحلیة، وفی النهایة اختیار السید روحانی کرئیس للجمهوریة واختیارعدد کثیر من الاشخاص ومنهم أهل السنة کأعضاء للمجالس فی المدن والقری ، ومراسم التحلیف واختیار الوزراء یعد حدثا مبارکا وقد تم بحمد الله بشکل جید.

والیوم الشعب الإیرانی والحکومة ونحن کجزء من أهل السنة واقفون علی سُلّم الأمل وبکل شوق ننتظر التغییر وانفتاح أبواب الأمن والرفاهیة وإصلاح الوضع الداخلی والعلاقات الخارجیة ..کما أنه ینبغی أن تکون التوقعات معقولة و واقعیة  ولابد أن نذکر أن أهل السنة کان لهم حضورٌ مؤثر؛ وأن صدور البیان المناسب من قبل الجماعة جاء فی الوقت المناسب وکان له تأثیره المناسب ونحن کنا الجهة الوحیدة التی قامت بإصدار بیان بهذا الخصوص؛ وقد استجاب لها الأعضاء والمحبُون والکثیر من أهل السنة وقد شارک ما یقارب من 85% من أهل السنة وأدلوا بأصواتهم لصالح السید روحانی.

ونحن نحمد الله عزوجل علی أن وفقنا للوقوف بجانب الشعب والمشارکة فی الانتخابات ومع شکرنا وتقدیرنا لجمیع المواطنین ؛ نرجوا أن نکون قد أدینا دورا فعالا فی هذ ا الخصوص . وبالطبع فإن السیاسة التی تتبعها الجماعة فی دخولها الانتخابات لیس فیها أی مطالبة لمنصب أو أی شئ آخر خاص بالجماعة کما هی العادة لدی الکثیر ممن یدخلون الانتخابات؛ ونأمل أن یوفّق السید روحانی للوفاء بوعوده والعمل بوظیفته تجاه الشعب. والجماعة ستبذل کل الجهد فی سبیل التعاون علی تحقیق هذه المطالب وتأمل أن یستفید الرئیس من القدرات الموجودة لدی المواطنین السنة فی سبیل الأخذ بالبلاد إلی طریق التطور والرقی؛ وأهم شیئ لدینا هو القیام بتحقیق العدالة والمساواة والبعد عن النظرة الأمنیة فی إدارة البلاد و إعطاء الحریة المذهبیة وحق المواطنة لجمیع المواطنین ومختلف الأقوام والمذاهب ونبذ سیاسة التهمیش. والواضح أنه بموجب القانون فإن اللغة والمذهب والقومیة لاتکون سببا لحرمان المواطن من حقوقه .

و فی الواقع إننا علینا أن نعطی وقتا واهتماما أکثر لمسألة الانتخابات علی أنها طریقة صحیحة لخدمة الشعب .

و فی النهایة فإننا بعد سنتین أوثلاث یمکننا معرفة نسبة الآراء التی تلقی فی الصنادیق لصالحنا وهذا الأمر بحاجة إلی عمل مستمر ولا ینبغی أن نهمل الأمر إلی قُبیل زمن الانتخابات، بل علینا أن نبذل الجهد من الآن وأن نسعی إلی التعامل مع هذه القضیة بالطریقة الصحیحة وأن نعمل علی نبذ العنف والتطرف وعدم الإتقان والدقة فی إبداء الرأی وأن نسعی للحصول علی رضی الله بدل الاکتفاء برضی الناس ..

المدارس الدینیة لا تغنینا عن العمل الدعوی

والمسالة الرابعة فإننا فی الجنوب و باقی المناطق بحاجة إلی مدارس العلوم الشرعیة وبحاجة إلی العلماء ولکن المدارس والعلماء لیسوا کل شیء ولن نکون فی غنی عن العمل الجماعی؛ و قسم العلماء یعد جزءا من أعمال الجماعة ولسنا فی غنی عنه فی عملنا ولکن من الواضح أنه لیس کل شیئ ولا یغنینا عن باقی الأقسام فی الجماعة.

نخدم الوطن باعتدالنا 

وفی النهایة أقول أن هذا النظام لیس فی غنی عن الإخوان والجمهوریة الإسلامیة بحاجة إلی الإخوان کما أننا أیضا لسنا بغنی عن الجمهوریة الإسلامیة؛ ونحن نخدم الوطن باعتدالنا وأذکر کلام أحد الإخوة حین قال : کان یعتقد البعض بالخوض فی الصراع المسلح فلو قبلنا بهذه الأطروحة لبقیت آثارها السیئة إلی خمسین سنة علی الأقل ولکننا لم نوافق علی هذا الاقتراح و نبذنا العنف واختار العدید من الجهات طریقتنا واتبعونا فی طریق المسالمة ونبذ التطرف. وهکذا فی الانتخابات فإن العدید من الشخصیات المذهبیة والقومیة فی الخارج قاموا بمقاطعة الانتخابات ولکن الجماعة اتخذت موقفا آخر و أصدرت بیانا دعت فیه الشعب الإیرانی والمواطنین السنة للمشارکة وهذا یعد فضلا عظیما لنا. 

هذه الجماعة تدافع عن أهل السنة باستقلالها؛ ومع أنها تطرح مطالباتها إلا انها تؤکد علی مصالح جمیع الشعب الإیرانی؛ والأمر الذی ینبغی الإشارة إلیه هو أننا مع کل ما نشکو منه من الحرمان فإنه لا ینبغی أن نهتم بالمناطق التی یسکنها الکرد أو البلوش أو خراسان أو غیرها من المناطق السنیة فحسب بل علینا أن نظهر الود لجمیع الوطن والمواطنین وأن لا نخشی من العمل لصالح الوطن والشعب الإیرانی. ..

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته