الحمد لله والصلاة والسلام علی رسول الله وعلی آله وأصحابه ومن والاه...
أود أن ألقي کلمتي في هذا الاجتماع في ثلاثة محاور: الأمن والعدالة ومناقشة حول نهج الجماعة وهویتها.
قد جاء في القرآن الکریم أن إبراهیم دعا ربه قائلا: "رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ"
إذا تأملنا في فحوی رسالات الأنبیاء نری أن من أهم مقاصدهم إقامة القسط وتوفیر الأمن والسلام وأن النجاح في إصلاح المجتمع والهیکلة خاضع لتربیة الشخص الصالح؛ وإصلاح الأشخاص لیبدأ من الجذر والأساس ومن ثم یوجه سلوکه وبفضل الصلاح والتنمیة لدی الشخص يتوفر الأمن والسلام في قلبه وهو بمثابة جسر بین الدنیا والآخرة.
خلافا للفردیة المتطرفة في الغرب وتفضیل الحریة الفردیة وحقوق الفرد علی المصالح العامة، نجد أن الإسلام بینما یحترم الحریات الفردیة یرید التوازن بین الحقوق الفردیة والمصالح العامة؛ ولا یحقق الإصلاح الحقیقي في المجتمع دون إصلاح الشخص المتوازن. إن إصلاح الفرد یؤهله لیتواجد في المجتمع ویشارک فیه مشارکة بناءة والشخص الصالح هو البنیة التحتیة للتطویر والضمان الاجتماعي المستدام؛ الفرد الذي یتمتع بالصحة والسلام النفسي ویمکنه أن یجعل أفکاره ومهاراته وأخلاقه خدمة لإصلاح الآخرین وتطویر المجتمع.
إن دور الإیمان في توفیر الفرح النفسي والأمن الروحي وتوجیه مشاعر المرء إلی التناغم مع الکون بأسره لخدمة الکائنات عظیم جدا. وإحدی معاني الإیمان هي توفیر الأمن والطمأنینة ولهذا نری اسم المؤمن بين أسماء الله تعالی. الإیمان هو ینبوع الرضا والرخاء النفسي واعتبر القرآن في کثیر من الأحیان الهدوء والفرح النفسي من منتجات الإیمان:
"وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
علاقة الشخص الصالح والمرتاح مع الآخرین تکون علی أساس العدل والإحسان وأن القسط لیبدأ من الشخص نفسه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَی أَنفُسِكُمْ..." العدالة مع الآخرین أمر واجب علی المؤمن وإن جلب له خسائر ویجب علی الشخص أن یکون عادلا ویجتنب من مشاعر وحالات التي تحول دونه والعدالة ولهذا نری في الفقه الإسلامي والأصول المحاکمات المدنیة إذا کان للقاضي علاقة مع طرفي النزاع أو یکون له مصلحة ما في أمر القضاء فلا ینبغي له أن تقبل ذلک الملف.
وفي شؤون الأسرة یقول القرآن الکریم: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً".
وفي الإصلاح بین المتخاصمین یقول: "فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا".
العدالة هي علامة الإیمان والتنمیة الشخصیة ومن متطلبات التدین وهي أدنی مستوی التعامل الاجتماعي من وجهة نظر الدین ویلي بعده الإحسان والإیثار علی التوالي. مع ذلک رغم أن العدالة غایة بنفسها وهي أمر واجب ذاتیا ولکنها کالإیمان شرط للأمن. إن الإیمان شرط الأمن الداخلي والعدالة شرطه الاجتماعي وأن أبسط معاني الأمن هي أن لا یکون لدینا غلق حول المستقبل والإیمان أساس النجاح الأخروي وهو یوفر الأمل في المستقبل بشکل رئیسي.
ولنرجع إلی دعاء إبراهیم ونعید قراءته:
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ".
قد سأل الله إبراهیم أمن مکة وفي آیة أخری سأله ازدهار أهلها ثم دعاه أن یوفقهم لتجنب الشرک وعبادة الأصنام کأن هناک علاقة وثیقة بین الأمن والتوحید ولا تستقیم الحیاة في ظل التوحید بلا أمان.
إن معنی الأمن کان في البدایة عدم وجود مخاوف حول المستقبل ولكنه تطور وتنوع تدریجیا مع تعقد الحیاة الاجتماعیة واشتمل علی الأمن المعیشي والغذائي والوظیفي والسیاسي والاجتماعي ثم أدی إلی تأسیس منظمة الأمم المتحدة للحفاظ علی الأمن العالمي. ومع الأسف أن کثیر من البلدان الإسلامیة یفتقر إلی الأمن من مختلف الأبعاد ونشکر الله تعالی أن بلادنا یحظی بالأمن ویجب علینا أن نهتم بالحفاظ علی الأمن من جمیع المستویات منها الأسریة والجماعیة والمجتمعیة وأن نکون شاکرین.
نحن نعد الجماعة حرکة إسلامیة إیرانیة علی طول الصحوة الإسلامیة ومن سمات هذه الصحوة الإبداع والدینامیة والاهتمام بالشؤون الیومیة. إن تکریر الثقافة والتفکیر التاریخي في ضوء الاکتشافات الحدیثة والقضایا الجدیدة هو ضرورة جدا وهذا لا یعني أن کافة أعضاء الجماعة لدیهم قدرة الاجتهاد ولکن علی النخبة أن يهتموا بتطویر معلوماتهم الدینیة فمثلا أن انقسام الدنیا بدار الإسلام ودار الکفر ودار العهد هو انقسام قدیمي والیوم لا یمکن انطباقه علی المجتمع؛ والأفضل أن نتعامل بعضنا مع بعض في ظل "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا".
الیوم نری بعض المجموعات یلجؤون إلی العنف ویحسبونه أمرا دینیا في حین نحن أمامنا آیة: "وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ" تقوم بتأصیل السلم والسلام حتی أن الله تعالی سمی الصلح الحدیبیة "فتحا مبینا". يبدو أن في ضوء التطورات الحدیثة في مجال تقنیة الاتصالات المیدانیة وإمکان القیام بإیصال الواسع والسریع لرسالة الدین في المستوی العالمي نجد أن نمط الترویج السلمي للدین هو أقل تکلفة وأکثر تناغما مع الفطرة ومع غایة الدین. في هذا السیاق قال العلامة القرضاوي:
"في الماضي کانت للجهاد غایة واضحة وهي عبارة عن إزالة العقبات أمام طریق الدعوة لأن الملوک الجبابرة کانوا یحولون دون إیصال رسالة الدعوة إلی الجماهیر والیوم قد إزیلت العوائق المادیة وأن المسلمین بإمکانهم أن یوصلوا رسالتهم إلی العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة ولا حاجة لخوض الحروب لأن الحرب تجوز فقط في قسمها الدفاعي وفي حین احتلال البلاد من قبل الأعداء".
لقد أکدنا دائما أن الجماعة لها استقلال فکري وتنظیمي وهذا لا یعني الخوض في قضیة الهلوسة والاستغناء عن الأفکار والتجارب المختلفة أو ترک التعامل مع الآخرین بل نعني به رفض الاتکال. نحن جماعة إیرانیة مستقلة ویتم صیاغة برامجنا التربویة وکذلک اتخاذ مواقفنا في استقلال تام. نحن نسیر علی طریق الاعتدال والتجنب عن العنف في الفکر والعمل ونرفض أي نوع من التکفیر والعنف.
نحن نؤکد علی هذا لأنه قد یسمع أو یروج خلافا لما نحن علیه؛ نحن لدینا عنوان و برامج واضحة ونوَد ونستحق أن نُعرف باسمنا المتنخب (جماعة الدعوة والإصلاح) ویعرفنا الآخرون بنهجنا وموقفنا. التاریخ: 12/2/1437
الآراء