دار حوار قصير بيني وبين بعض (المتدينين) ولفت نظري سوء الأدب الذي ينضح من لسان محاوري، وفساد استدلاله، واضطراب نقوله عن من يقلدهم، ومن خلال مطالعتي لبعض ما ينشره هؤلاء الشباب من خواطر وتفاريق منذ زمن، استوقفتني بعض الأمور أدعوكم للتأمل فيها:
1- أغلب هؤلاء الشباب هم شباب طيب تقي نفي، يتوق لنصرة السنة، ويصبو لإصلاح نفسه ودعوة غيره، ولكنهم لم يحظوا بمجالسة أهل العلم، وثني الركب على مفاتيح العلوم ومناهل المعرفة، فرضوا بالمعرفة السطحية المتشظية واستهوتهم شعارات فضفاضة انتشلتهم من واقعهم إلى عصور مجد الإسلام؛ فعاشوا حلما لا يريدون الاستيقاظ منه.
2- لقد تعلم هؤلاء الشباب من مدرسيهم قلةَ الأدب، وسوءَ الخلق، قبل أن يلقنوهم مفاتيح العلوم ومناهج النظر -هذا إن كان هؤلاء المدرسين يملكونها- فهم يتقربون إلى الله تعالى بسب،وشتم، وغمز من يراه مدرسُهم مبتدعا، أو ضالا.فلدى هؤلاء جُرأة عجيبة على الأئمة العلماء، ولديهم شغف بتجميع ما تناثر من زلات العلماء، وجمعها، ونشرها دون تأويل حسن، أو التماس معاذير، ونسي هؤلاء الناشئة أنهم سيعثرون يوما على طوام وزلات ممن يتبعونهم، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، وغير مبرأ من الخطأ والزلل، وهذه سنة الله تعالى الكبير المتعال.
3- يتخصص بعض هؤلاء في محاربة بعض الجماعات الإسلامية، وهو مسلك مخابراتي معروف، فقد دأبت بعض المخابرات العربية والغربية على تبني بعض الشخصيات وتلميعها وتمكينها من بعض المؤسسات العلمية والحكومية حتى تصبح رموزا علمية يطوف حولها الشباب، ثم يقوم هؤلاء الشيوخ بتلقين أتباعهم منهج اليهود الذي خلده القرآن، فيستحلون أعراض وأموال بعض مخالفيهم من المسلمين كما قال الله عن اليهود "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل.." فكل من خالفهم هو من الأميين الذين يجب تبديعهم وتشويههم وتكفيرهم واستحلال أعراضهم والخوض فيها!!.
4- أخطر ما في هذه المسالك أنها تصد الشباب الذي يبتغي الإقبال على الله تعالى ونصرة دينه ورفعة أمته،كما أنها تشوه صورة المتدينين عند عامة الناس، وتظهر المتدينين بأنهم أقوام لا خلاق، ولا أخلاق لهم، وأنهم قساة القلوب، يسيئون الظن بالمخالف، معجبون برأيهم، يتبعون عثرات الناس،ويفرحون بها، لا هم لهم إلا القدح في العلماء والدعاة، قست قلوبهم فلم يبق بها متسع، إلا لمن سقى في دلوهم واحتطب في حبلهم.
5- من عجائب هذه النبتة المحدثة، أن أصحابها (يتقربون) إلى الله تبارك وتعالى بمعصيته، ويناصرون الرسول صلى الله عليه وسلم بهجر أخلاقه وسمته، فقد علمهم مدرسهم أن مراتب القربى ثلاث: تبديع (المخالف)، ثم هجره، ثم التشهير به والتحذير منه. هذا الإسلام الذي يفهمونه!! وتجد الشاب منهم لا يميز بين سنة وأثر، أو عام وخاص، أو مطلق ومقيد، أو ناسخ ومنسوخ، أو راجح ومرجوح، بل لعله لا يفرق بين أنواع المياه التي يتطهر بها، ثم يرفع عقيرته ليبدع أئمة العلم وفحول العلماء.
6- لقد سمعت وقرأت والتقيت بكثير من علماء السلفية وقرأت وسمعت كثيرا للشيخ بن عثيمين وبن باز والألباني، رحمهم الله جميعا، وأشهد أن هؤلاء لا يمتون لنهج هؤلاء الناشئة الجدد بصلة، إنما هو انتساب مقطوع يريد أن يرفع به هؤلاء الصبية من شأنهم، وقديما قيل، والدعاوى إن لم تقم عليها بينات فأهلها أدعياء.
7- أنصح هؤلاء الشباب -ولا أظنهم يسمعون عن غير مدرسيهم النصح- أن يجلسوا على العلماء الربانيين المجازين ويصبروا على دراسة بعض العلوم وبخاصة علم أصول الفقه، والفقه، وتاريخ التشريع، ويطالعوا ما كتبه العلماء عن آداب طالب العلم، كما أنصح كل أولياء الأمور بالتنبه لأولادهم، فإن الشاب الصغير يغتر بظاهر صلاح هؤلاء وسمتهم الخارجي، ويشقى طويلا بمنهجهم العليل.
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"
الآراء