عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم:

((إن العبد ليتكلم بالكلمة -من رضوان الله - لا يلقي لها بالاً, يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سخط الله - لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم))

[أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما والترمذي في سننه ومالك في الموطأ عن أبي هريرة]

 ظاهرة التفتت في المجتمع الإسلامي سببها التعاون المادي, قد يكون خمس وعشرون بالمئة, لو أخذنا ألف شخص, الذين يتعاملون مع بعضهم بعضاً مادياً لا يزيدون عن الربع, فما بال الباقين متخاصمين؟ متعادين؟ الذي يفتت المجتمع هو الكلام, الذي يضعف قوة المسلمين خصوماتهم الناتجة عن كلام قيل في حق بعضهم بعضاً.

 فلذلك الإنسان يتوهم أنه كلام, لم يتكلم إلا هذه الكلمة فقط, هذه الكلمة أورثت العداوة والبغضاء, هذه الكلمة صرفت إنساناً, له أخ صالح يحبه, جاءته وشاية فانصرف عنها؛ لأن الكلمة السيئة تفتت المجتمع, تضعف تماسكه, تجعل الأفراد متعاونين, متباغضين, لذلك الكلمة السيئة من أقبح الأعمال, أدخلها الله مع الأعمال.

((إن العبد ليتكلم بالكلمة -من رضوان الله - لا يلقي لها بالاً, يرفعه الله بها في الجنة, - بالمقابل- وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سخط الله - لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم))

المؤمن يعد كلامه من عمله :

مرة انتبهت إلى نقطة كانت غائبة عني: أخ من أخواننا دعا أحد أقربائه لحضور درس, رجل فقير جداً, من أطراف الريف, فلما وصل إليّ ليسلم عليّ قال لي: هذا ابن خالتي, أنا بشكل طبيعي رحبت به, وسلمت عليه بحرارة, وقلت: اهتم به, يقول هذا الشخص: أنا ما جئت للمسجد إلا لأستريح من ضغط هذا القريب, ضغط عليه, فجاء مرة ليستريح من ضغطه, فإذا به لا يغيب درساً بعد هذا اللقاء, يقول: السبب هو الترحيب, السلام الحار, الاحترام.

 فأنت كلمة لا تكلفك شيئاً, شددت إنساناً لنفسك, والإنسان أحياناً يتكلم كلمة فيها قسوة, ينفر الإنسان من نفسه, فالإنسان عنده حساسية, كلمة طيبة تطيب قلبه, تشده إلى الحق, وكلمة باطلة, قاسية, خافية, تنفره من الحق, وبالنهاية أربعة حروف, خمسة حروف, لفظتها من دون اهتمام قطعت؛ فهناك كلمة تقطع, وهناك كلمة تصل, وهناك كلمة تنفر, وهناك كلمة تحبب, وهناك كلمة تشد, وهناك كلمة تصرف:

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

 يا أيها الأخوة:

((إن العبد ليتكلم بالكلمة -من رضوان الله - لا يلقي لها بالاً, يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سخط الله - لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم))

 أحياناً كلمة تكون سبب طلاق, كلمة تكون سبب فك شركة, كلمة تكون سبب دمار أسرة, كلمة تكون سبب شقاق بين صديقين, كلمة تكون سبب شقاء بين جارين, لذلك المؤمن يعد كلامه من عمله، والله عز وجل قال:

﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾

الكلمة الحسنة في الموعظة أما في الحوار فالكلمة الأحسن :

نحن مكلفون أن نقول الكلمة الطيبة حتى في الحوار، قال تعالى:

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

[سورة النحل الآية:125]

 الموعظة الحسنة, الكلمة الطيبة, المريحة, اللطيفة, الحامية, الرقيقة, أما إذا ناقشت إنساناً فهذا شيء آخر, يجب أن تختار الكلمة الأحسن, الكلمة الحسنة في الموعظة, أما في الحوار فالكلمة الأحسن:

﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[سورة النحل الآية:125]

 إذا كان هناك مئة كلمة حسنة بالجدال يجب أن تختار الكلمة الأحسن, ليس القصد أن أفحم الخصم, وأصغره, وأبين له جهله, وأستعلي عليه, ليس هذا هو القصد, القصد أن آخذ بيده إلى الله, القصد أن أحببه بهذا الدين؛ فلذلك: الله أمر نبيه وهو سيد الخلق فقال له: قل:

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مبين﴾

[سورة سبأ الآية:24]

 فالنبي الكريم على علو قدره, وعلو علمه, وخلقه, وكماله, ومكانته عند الله, قال له: نحن أو أنت على حق أو على باطل, جعل نفسه مساوية لخصومه, فأنت حدد الهدف, تريد أن تستعلي عليه تكلم ما شئت, تريد أن تأخذ بيده إلى الله تلطف معه, لأنه لا يوجد ألطف من هذا، الدليل:

﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾

[سورة طه الآية:43-44]

 هذه النصيحة لسيدنا موسى مع من قال:

﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾

[سورة النازعات الآية:24]

 مع من قال:

﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

[سورة القصص الآية:38]

 مع إنسان ذبح أبناء بني إسرائيل, واستحيا نساءهم, وقهرهم, مع جبار, طاغية, ظالم, ادعى الألوهية:

﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾

[سورة طه الآية:44]

 أنت لست مكلفاً أن تكون قاسياً مع الناس, أنت مكلف أن تقول الكلمة الطيبة.

الانضباط دليل الاتصال بالله عز وجل:

حديث آخر:

((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها, يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب))

[ السيوطي عن أبي هريرة]

 أي لا يعرف مؤداها, ولو تتبعت حالات الطلاق أساسها كلمة, كلمة قاسية من زوجته, ردّ الفعل طلقها, كلمة قاسية من زوج, ردّ الفعل نشزت, فالكلمة القاسية تسبب الفراق.

 فإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها – أي الخير أو الشر- يزل فيها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب:

(( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ))

[ البخاري عن سهل بن سعد]

 ما الذي يُدخل الناس النار؟ اللسان والفرج:

((...مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ...))

 من يضمن لي استقامة لسانه وحفظ فرجه أضمن له الجنة.

 تجد المسلم, هذه الصفة صارخة فيه, ضبط لسانه؛ لا يوجد عنده كلمة قاسية, لا يوجد عنده كلمة فاحشة, لا يوجد عنده تعليق مزعج, لا يوجد عنده شيء محرج, لأن انضباطه دليل اتصاله بالله عز وجل, وغير المسلم تجد تعليقاته سخيفة, ولاذعة, يحرج الناس, يسبب شقاوة وعداوة بين الناس, حتى بين الزوج وزوجته.

اللسان و اليد أحد أسباب الشقاق بين الناس :

 الحديث الثالث:

((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))

[ البخاري عن عبد الله بن عمر]

 المسلم لا يؤذي الناس لا بلسانه ولا بيده, بالعكس يحسن إليهم بعمله, ويسلمون من لسانه, الذي هو أحد أسباب الشقاق بين الناس. 

 وهذا الحديث له ميزة أنه من سلمت سمعة المسلمين منه, المسلمون لهم كيان معنوي, فإذا أساء الإنسان لا يسيء إلى شخصه فقط, يسيء إلى الدين الذي ينتمي إليه, وأنت عندما تعامل غير المسلم لا تتهم ذاتك عندئذ, يتهم دينك.

 ودائماً غير المسلم إذا أسأت إليه يقول لك: هكذا الإسلام؟ هكذا دينكم؟ فالطرف الثاني ينسى أنك فلان بل يذكر أنك مسلم.

 فكل إنسان يسيء إلى الآخرين يسيء إلى دينه وهو لا يشعر, والمسلم لا يسلم إلا إذا سلم المسلمون, أي سلمت سمعة المسلمين, وسلم كيان المسلمين من لسانه ويده.

والحمد لله رب العالمين