ما إن أنهى الشيخ درسه الذي ألقاه في المسجد حتى رفع أحد المصلين يده وقال: ممكن سؤال؟

رد عليه الشيخ: تفضل.

قال الرجل: أنا طبيب، ورغم علمي وخبرتي فإني أحيانا لا أوفق في تشخيص مرض المريـض، فأصف له دواء لا يفيده، بل لعله يضره ويؤذيه، فهل هناك دعاء أدعو به حتى أتجنب هذا الخطأ؟

همَّ الشيخ بإجابة الطبيب عن سؤاله لكنَّ رجلا آخر قال: أنا أيضا أعاني هذا في عملي.

سأله الشيخ: أنت أيضا طبيب؟

قال: بل أنا مهندس، وأحيانا أرتكب بعض الأخطاء في رسم المخططات أو في تنفيذها، رغم خبرتي الطويلة التي امتدت أكثر من عشرين سنة.

بادر رجل ثالث بالسؤال قائلا: شيخي أنا مدرس رياضيات ورغم تحضيري للدروس جيدا فإنني أحرج أمام الطلبة حين يُغلق علي فلا أنجح في حل بعض المسائل.

التفت الشيخ إلى من حولـه من الحاضرين وقال: هل لدى أحدكم أي سؤال قبل أن أبدأ بالإجابة؟

 

رفع أحد الحاضرين يده فقال له الشيخ: تفضل، ما سؤالك؟

قال الرجل: أنا أعاني من عدم إمساكي أعصابي حينما تجادلني زوجتي فأغضب وأصرخ فيها وأضربها أحيانا.. ثم أندم بعد ذلك.

قال الشيخ: أنتم جميعا تعانون مشكلة واحدة، وهي فقدانكم للرؤية المبصرة، فتقعون فيما تقعون فيه من أخطاء.

سأله أحدهم: الرؤية المبصرة؟ وكيف نحصل على هذه الرؤية المبصرة؟

أجاب الشيخ: حتى تحصلوا عليها لابد لكم من نور، نور يضيء لكم ما أمامكم وما خلفكم وما حولكم، نور يضيء لكم عقولكم وقلوبكم ونفوسكم، نور يمتد مئات الكيلومترات، ويستمر طوال الأيام والشهور والسنوات.

سأله الرجل نفسه: وأين نجد هذا النور؟

قال الشيخ: لست أنا من يدلكم عليه؟

سأل الرجل ثانية: من يدلنا عليه إذن؟

أجاب الشيخ: لقد دلكم عليه نبيكم  " صلى الله عليه وسلم"  في هذين الحديثين الشريفين:

عن أبي سعيد الخدري  "رضي الله عنه"  عن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال «من قرأ سورة {الكهف} في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (حديث صحيح أخرجه الحاكم والبيهقي).

وفي رواية أخرى عنه  "رضي الله عنه"  قال النبي  " صلى الله عليه وسلم"  «من قرأ سورة {الكهف} يوم الجمعة أضاء له النور ما بينه وبين البيت العتيق» (حديث صحيح أخرجه البيهقي).

فالحديث في الرواية الأولى يُبشر قارئ سورة {الكهف} في يوم الجمعة بأن يضيء له من النور ما يمتد زمانا ليشمل المدة الواقعة بين الجمعة التي قرأ فيها السورة إلى الجمعة التالية لها، فإذا قرأ {الكهف} فيها أيضا وحافظ على قراءتها في كل جمعة فهذا يعني أنـه سيضيء له نور طوال حياته.

والحديث في الرواية الثانية يبشر قارئ {الكهف} يوم الجمعة بأن يضيء له نور يمتد مكانا إلى البيت العتيق، بيت الله الحرام، مهما كان بعيدا عنه، وهذا يشير إلى نور يضيء طريقه أمامه حيثما اتجه وأينما ذهب.

وهكذا فإن الحديث بروايتيه يبشر قارئ {الكهف} بنور يمتد زمانا ومكانا، فالزمان يشمل حياته كلها إذا حافظ على قراءتها كل يوم جمعة، ومكانا يشمل ما حوله ويتصل بنور بيت الله الحرام في مكة المكرمة.

وما أحسب مسلما يستغني عن هذا النور ببعديه الزماني والمكاني، هذا النور الذي يحتاجه كل إنسان في عمله وأسرته بل في حياته كلها.

الطبيب يحتاجه في تشخيصه داء مريضه، فعلمه وحده لا يكفيه، إنه يحتاج إلى نور يضيء له عقله وقلبه، ويحتاجه في العمليات الجراحية التي يجريها(1).

والمهندس يحتاجه في رسم المخططات، وبناء العمارات، وتقدير الكميات، ولا تكفيه خبرته وعمله وحدهما ما لم يوفقه الله ويُنِرْ له عقله وطريقه.

والمعلم يحتاجه في تعليم طلبته، وإرشادهم وتوجيههم، وهو أحوج إلى هذا النور ليفتح الله عليه، ويفتح له عقول طلبته وقلوبهم، ومن دون هذا النور لن يحقق ما يريد على الوجه المرجو والمأمول.

وهكذا كل إنسان في هذه الحياة الدنيا لا يستغني عن هذا النور الذي يضيء له ما أمامه من زمان ومكان، فيحفظه الله تعالى من أخطاء وسقطات وعثرات؛ ما كان ليراها لولا هذا النور الذي أضاءه الله له بفضل قراءته سورةَ الكهف يوم الجمعة.

وكاتب هذه السطور لا يُخفي عنكم أنه يجد لقراءته سورة الكهف كل يوم جمعة نورا يضيء له طريق الكتابة أمامه، فيطوِّع الله له كلماتها، ويُسهِّل عليه أمرها، ويبارك له في أوقاتها.

والنبي  " صلى الله عليه وسلم"  يرشدنا إلى ما يزيد هذا النور حولنا بالدعاء الذي علمنا إياه «اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، ومن فوقي نورا، ومن تحتي نورا، ومن أمامي نورا، ومن خلفي نورا، واجعل لي في نفسي نورا، وأعظم لي نورا» (متفق عليه).

الهوامش

(1) جاء في بحث أميركي أن واحدا من بين كل ثلاثة أشخاص في الولايات المتحدة سيواجه نوعا من الخطأ أثناء إقامته في مستشفى، وهذا يؤكد أن العلم والخبرة لا يكفيان وحدهما.