مقدمة:
إن الإنسان بفطرته هو مزاج مترابط من الجسد و الروح، و لإرتباط الروح بالبدن تتکون النفس الإنسانية، فالروح و الجسد في القرآن الکریم متکاملان یمثلان معاً الذات الإنسانية، ومفهوم النفس بما وردت في القرآن الکريم بمعنى عام يشمل الإنسان بكليته؛ جسمه و روحه، و يشمل الصدر و القلب(العقل) و الفؤاد و اللب، فيتصل النفس من جانب الصدر بقوي الغرائز و دوافع الحياة الجسدية، و يتصل من جانب القلب و الفؤاد و اللب بالعمليات العليا في الإنسان التي تمثل الجانب الروحي المتميز للإنسان.یقول عقاد:« ويتوسط العقل بين القوتين فهو وازع الغريزة ومستلهم لهداية الروح. فالانسان يعلو علی نفسه بعقله، ويعلو علی عقله بروحه، فيتصل من جانب النفس بقوي الغرائز و دوافع الحياة الجسدية، و يتصل من جانب الروح بعالم البقاء و سر الوجود الدائم وعلمه عند الله... و حق العقل أن يدرک ما وسعه من جانبه المحدود، ولکنه لا يدرک الحقيقة کلها إلا من جانبها المطلق الإ بالإيمان و الإلهام..»1.
و یوجهنا القرآن الکریم إلی أن مکان الإنسان في القرآن الکریم أشرف مکان في المیزان العقیدة، و لأنه مخلوق مزود بالعقل و هو أسمی عناصره،الذي یتمیز به الإنسان عن سائر مخلوقات، فهو أساس التکلیف في القرآن لحمل الأمانة و المسئولية، کما قال تعالی: « كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ »2،و قال تعالی: « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا »3.
وفرقوا العلماء بين الصدر والقلب والفؤاد واللب بأن الصدر مقر الإسلام « أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ »4 والقلب مقر الإيمان « ولكن حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمان وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ »5. « أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمان »6. والفؤاد مقر المعرفة و المشاهدة « مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى » 7. واللب مقام التوحيد « إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الالباب »8. أي الذين خرجوا من قشر الوجود المجازي وبقوا بلب الوجود الحقيقي9.
و يورد الإمام الحافظ محمد بن علی الترمذي، بیان الفرق بین الصدر و القلب و الفاد و اللب بقوله:« الصدر أو المقام الخارجي مرتبط بنور الإسلام، و القلب و هو داخل الصدر مرتبط بنور الإيمان، و الفؤاد و هو المقام الثالث مرتبط بنور المعرفة. و اللب و هو آخر المقامات مرتبط بنور التوحيد. و هو یربط کل مقام منها بالحالة الإیمانية، و هو یتدرج في الإسلام (کمقام خارجي لأنه الشهادة و نطق باللسان) إلى الإيمان (کمقام داخلي لأنه الاعتقاد بالغيب) إلی نور المعرفة (شروق الإيمان) سمواً إلی التوحيد (و الذي هو استقرار الإيمان و تجليه) ثم هو يربط هذه المقامات الأربعة بأربع حالات مقامات للنفس وهي( الأمارة، اللوامة، الملهمة، المطمئنة )10.
هذا ما يبينه لنا حبنکة عن علاقة هذه العناصر فيما بينها و تعامل بعضها مع بعض بالأخذ و العطاء و يمثلها ضمن دوائر متداخلة فکل له أعماله و وظائفه حيث أحدها تدخل عن الآخر و لذلک کلها تکون ضمن دائرة النفس الکبری، فيقول: " الذي يظهر من دراسة الدلالات القرآنية من النفس و الصدر و القلب و الفؤاد، أن هذه الأربعة بمثابة دوائر أربع، الأولی کبری، وهي تمثل النفس، و الثانية أصغر منها في داخلها، و هي تمثل القلب، و فيه يکون العقل الإرادي، والرابعة هي الدائرة الصغری و هي في داخل الثالثة و هي تمثل الفؤاد.
و أما الفکر فله دائرة خاصة ضمن دائرة النفس الکبری، و هذه الدائرة التي للفکر تتعامل مع الدوائر الأخری بالأخذ والعطاء و التأثير و التأثر، فتتعامل مع دائرة النفس باعتبار أنها جزء منها، و تتعامل مع دوائر الصدر و القلب والفؤاد أيضاً باعتبار أنها أجزاء ضمن وحدة دائرة النفس الکبری، ولها بها صلات أخذ و عطاء و مشارکة و في عمق دائرة الفکر تقع دائرة اللب، و يطلق عليه النهي و الحجر، و في دائرة اللب يکون العقل العلمي. ويظهر من الدلالات القرآنية أنّ لكلّ دائرة من دوائر النفس المتسلسلة في التضاغر إلى نقطة مركزها أموراً مشتركة عامة، وأموراً هي من قبيل الاختصاصات، ومن هذه الاختصاصات ما هو اختصاص انفراد، ومنها ما هو اختصاص تركيز واهتمام، وهذا الثاني لا يمنع من مشاركة جميع أو بعض الدوائر الأخرى، نظراً إلى أنها جميعاً جزء من وحدة النفس. فإذا أطلق لفظ النفس، أو وصفت النفس بوصف، أو أسند إليها شيء، فقد يكون المراد عامة النفس، فيدخل بذلك دوائرها جميعاً، وقد يكون المراد ما يختص بدائرة الصدر، أو بدائرة القلب، أو بدائرة الفؤاد، أو بدائرة الفكر، أو بدائرة اللب، أو بما بقي تحت عنوان النفس فقط من وراء هذه الدوائر، وهي دائرة سطح النفس. وإذا أطلق لفظ الصدر، أو وصف الصدر بوصف، أو أسند إليه شيء، فقد يكون المراد عامة الصدر، فيدخل بذلك دائرة القلب، ودائرة الفؤاد، وقد يكون المراد ما يختص بدائرة القلب، أو بدائرة الفؤاد، أو بما بقي تحت عنوان الصدر فقط من وراء دائرة القلب. وإذا أطلق لفظ القلب أو وصف القلب بوصف، أو أسند إليه شيء، فقد يكون المراد عامة القلب، فيدخل بذلك دائرة الفؤاد، وقد يكون المراد ما يختص بدائرة الفؤاد. ولقائل أن يقول: قد يطلق لفظ القلب ويراد منه اللب، مركز العقل العلمي، وعلى هذا فلدائرة الفكر قلب يكون فيه القلب العلمي، ولدائرة الصدر قلب يكون فيه العقل الإرادي، والله أعلم. وحينما يدعو القرآن إلى التفكير فالظاهر أن المراد إعمال دائرة الفكر عامة، في الموضوع الذي وجه له القرآن، وتثبيت النتائج التي يتوصل إليها وعَقْلُها في دائرة اللب، والقيام بما يرشد إليه ما استقر في اللب والعقل العلمي من معرفة وهداية11.
القلب في اللغة:
قلب: له معنیان: أحدهما يدلّ على خالِص شَيءٍ وشَريفِه، والآخَرُ على رَدِّ شيءٍ من جهةٍ إلى جهة.. فالأوَّل القَلْبُ: قلب الإنسان وغيره، سمِّي لأنَّه أخْلصُ شيء فيه وأرفَعُه. فالقلب خالص كل شئ وأشرفه، و هو موضع الفكر.. والأصل الآخر قَلَبْتُ الثَّوبَ قَلْباً. قلب الشیء : تصريفه وصرفه عن وجه إلی وجه، کقلب الثوب، وقلب الإنسان أي : صرفه عن طريقته، وقلب الإنسان قيل: سمي به لكثرة تقلبه،..وتقليب الشيء: تغييره من حال إلى حال12.
القلب قد يعبر عنه بالفؤاد والصدر، قال الله تعالى: « كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ»13. وقال: « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ »14. يعني في الموضعين قلبك15.
تعریف القلب عند علماء الإسلام:
یقول الإمام الغزالي في تعریفه للقلب:هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهو المدرك العالم العارف من الإنسان وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب ولها علاقة مع القلب الجسماني وتعلقه به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان16.
یری الإمام البقائي: المراد بالقلب لطيفة ربانية روحانية مودعة في اللحم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدر، لديه تعلق..عقول الأكثر في أنه يضاهي تعلق العرض بالجسم، أو الصفة بالموصوف، أو المتمكن بمكان وهذه اللطيفة على حقيقة الإنسان سميت قلباً للمجاورة والتعلق17.
بناءً علی ذلک أن القلب في القرآن الکریم هو جوهر الإنسان، لبه وحقيقته و هو « یتحمل أمانة الله تعالى وتلك الأمانة هي المعرفة والتوحيد وقلب كل آدمي مستعد لحمل الأمانة ومطيق لها في الأصل. فهو مركز الاصلاح أو الفساد، لذلك قد جعل الرسول صلی عليه وسلم فساد القلب فسادً للجسدد كله، وصلاحه صلاحاً للجسدد كله. حیث قال: إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ18.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى أَعْمَالِكُمْ وَقُلُوبِكُمْ.وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ19.
و عن وابصة بن معبد الأسدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لوابصة : جئت تسأل عن البر والأثم قال قلت نعم قال فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال استفت نفسك استفت قلبك يا وابصة ثلاثا البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وان أفتاك الناس وأفتوك20.
الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في القلب، قالت صفيةُ زوجُ البني صلى الله عليه و سلم أنها جاءَت رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوره و هو معتكف في المسجد في العشر الغوابر من رمضان فتحدثت عندهُ ساعةً منْ العشاءِ، ثم قامت تنقلب فقام معها النبي صلى الله عليه و سلم يقلبها (أي يودعها)، فمر بهما رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه و سلم،ثم نفذا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي، قالا: سبحان الله يا رسول الله و كبر عليهما ما قال فقال : « إن الشيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدم و إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا »21.
مدلولات القلب في القرآن الکریم: لقد ورد لفظ «القلب» في القرآن الكريم (132) موضعاً، ففي صيغة المفرد (19) مرة، وفي صيغة المثنى مرة واحدة، وبصيفة الجمع (112) مرة، و ذلک بعدة معانٍ، و من أبرزها التالية:
1- أن القلب موضع العقل والعلم،والصدر محل القلب.
قال الله تعالی: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»22.
قال الإمام الطبري في تفسیر هذه الآية: والقلوب لا تكون إلا في الصدور، توكيداً للكلام، كما قيل:« يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ »23،« يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ »24،25.
قال ابن عادل :في قوله عز وجل : «يَعْقِلُونَ بِهَا » أي : يعلمون بها، وهذا يدل على أن العقل العلم، وعلى أن محل العلم هو القلب، لأنه جعل القلب آلة لهذا العقل، فيكون القلب محلاً للعقل26.و یقول الشنقيطي في تفسیره عند الآية: « أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا » تدل على أن محل العقل: في القلب، ومحل السمع: في الأذن27. ویقول العلامة العثيمين في شرحه للریاض الصالحین للنووي- رحمه الله تعالى - في تفسیر هذه الآية: أن القلوب في الصدور والقلوب هي التي يكون بها العقل ويكون بها الفهم ويكون بها التدبير28.
ویقول الأصفهاني: لمن کان له قلب « أي علم وفهم »29.
ویقول الإمام الآلوسي في قوله تعالی:« إِنَّ فِى ذلك لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ » وقوله سبحانه :«فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا»30 وقوله عز وجل «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»31. ولا يخفى أن الاستدلال بما ذكر على محلية القلب للعلم لا يخلو عن شيء، نعم لا ينكر دلالة الآيات على أن للقلب الإنساني لما أودع فيه مدخلاً تاماً في الإدراك، والوجدان يشهد بمدخلية ما أودع في الدماغ في ذلك أيضاً، ومن هنا لا أرى للقول بأن لأحدهما مدخلاً دون الآخر وجهاً، وكون الإنسان قد يضرب على رأسه فيذهب عقله لا يدل على أن لما أودع في الدماغ لا غير مدخلاً في العلم كما لا يخفى على من له قلب سليم وذهن مستقيم فتأمل...32.
و یقول الإمام الرازي:اختلف الناس في أن محل العقل هل هو القلب أو الدماغ وجمهور المتكلمين على أنه القلب33.فعبر عن العقل بالقلب لأنه موضعه، كما قال تعالى :«إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ»34.أي عقل، أطلق عليه اسم القلب لما أنه معدنه. کماأنه تعالى أضاف أضداد العلم إلى القلب، وقال :« فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ »35. « خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ »36.وقولهم : « قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ »37.« يَحْذَرُ المنافقين أن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم »38.« يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ »39.« كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ »40.« أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا »41.« فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ »42.فدلت هذه الآيات على أن موضع الجهل والغفلة هو القلب فوجب أن يكون موضع العقل والفهم أيضاً هو القلب43.
2- القلب محل تلقي الوحي والإلهامات الربّانية:
وجبريل عليه السلام قد نزّل القرآن بإذن الله على قلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالی:
« وَ إِنَّهُ لَتَنْزيلُ رَبِّ الْعالَمينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ اْلأَمينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيِّ مُبينٍ »44.
« قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْريلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدًى وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنينَ »45.
3- القلب مقر الإيمان والاطمئنان والهداية و الفهم:قال الله تعالى:
« وَ لِيَعْلَمَ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ »46.« فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ »، أي: تلين وتخشع47.
« وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ »48.
« وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ »49.
« أُولئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ اْلإيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهَ...»50.
«وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ اْلإيمانُ في قُلُوبِكُمْ »51.
4- القلب محل التقوى الله سبحانه و تعالی، وخشيته، والخشوع له، وذكره ومراقبته: قال الله تعالى:
«وَ لكِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ اْلإيمانَ وَ زَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ... »52.
« أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ»53.
« وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطًا »54.
« إِنَّ الَّذينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى... »55.
أي: أخلصها لها وجعلها أهلاً ومحلاً56. فالتقوى في القلوب
« إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ »57، أي:أن القلب وجلت من هيبته تعالى واستعظامه جلت عظمته58.
فخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف.
5- القلب محل الإثم و المعصية و الکفر و النفاق:
قال الله تعالى:
« وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَليمٌ ».
« يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ».
« سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ اْلأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ... ».
6- القلب یتأثر بما يُزيّن له من الباطل والشر من قبل شياطين الإنس والجّن:
قال الله تعالى:
« سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ اْلأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبيرًا * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْليهِمْ أَبَدًا وَ زُيِّنَ ذلِكَ في قُلُوبِكُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا »، «كَذلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمينَ».
7- القلب مقر النيات والمقاصد من الأعمال:
قال الله تعالى:
« ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ... وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اللّهُ غَفُورًا رَحيمًا ». لذلک المحاسبة عند الله تكون على ما في القلب من نيات ومقاصد من وراء الأعمال.
8- القلب مصدر الإرادة الواعية و الموجهة للسلوك:
قال الله تعالى:
« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ »59. فوصف الله هؤلاء بأن أكثرهم لا يعقلون، أي: لا يملكون الإرادات القوية الحازمة الواعية التي تعقلهم عن التسرع إلى نداء النبي من وراء الحجرات، ولو أنهم عقلوا الصبروا حتى يخرج الرسول إليهم، ولكان ذلك خيراً لهم عند الله. فنفي العقل عنهم ليس نفياً للذكاء والمعرفة، ولكنه نفي لقوة الإرادة، وبضعف الإرادة حرموا من خلق الصبر60.
« وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا إِنْ كادَتْ لَتُبْدي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ »61.
« نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدًى * وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ اْلأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهًا لَقَدْ قُلْنا إِذًا شَطَطًا »62.
« إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ اْلأَقْدامَ »63.
فتدل هذه الآیات على أن الإرادة تصدر عن القلب، والربط على القلب كناية عن تثبيته بما يجعل فيه الأمن والطمأنينة63.
9- القلب مصدر كسب أعمال بالإرادة الواعية
قال الله تعالى:
« لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ »64.
وقال الآلوسي : المؤاخذة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان وهو من الكيفيات النفسانية التي تلحق بالملكات، وليس كذلك سائر ما يحدث في النفس. أي من خواطر لا تصميم ولا عزم معها65.
« وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ »،أي: من الشك والنفاق66.
بما كسبت قلوبكم، أي بما نوت قلوبكم وقصدت من الإيمان67. أي عزمتم وقصدتم إلى اليمين، وكسب القلب العقد والنية68.
10- القلب محل العواطف والمشاعر، والإنفعال، كالرعب، والوجل، والاشمئزاز، والغيظ، والغل، والحب، والكراهية، والشجاعة، والجبن، والرأفة، والرحمة، والحسرة، والميل إلى الطاعة بالتوبة إلى الله،.. ومن أمثلة ذلك:
في الشعور بالکره و الإشمئزاز:قال الله تعالى:
« وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ »69.
في الشعور بالرعب :قال الله تعالى:
« سَنُلْقي في قُلُوبِ الَّذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمينَ »70.
في الشعور بالخوف و الوجل و الخشية:قال الله تعالى:
« إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيمانًا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ »71.
الوجل: استشعار الخوف. وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي: خافت منه قلوبُهم72.
في الرأفة والرحمة:قال الله تعالى:
« ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ » 73.
وفي الحبّ والتآلف:قال الله تعالى:
« وَ إِنْ يُريدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ * وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي اْلأَرْضِ جَميعًا ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ »74.
في الشعور بالشجاعة والحمية: قال الله تعالى:
« إِذْ جَعَلَ الَّذينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ... »75.
في الحسرة:
قال الله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذينَ كَفَرُوا وَ قالُوا ِلإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي اْلأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُواعِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً في قُلُوبِهِمْ وَ اللّهُ يُحْيي وَ يُميتُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ»76.
في الشعور بالآلم:قال الله تعالى:
« وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ »77.
في الميل إلى الطاعة و التوبة:قال الله تعالى:
« إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْريلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهيرٌ »78.
فقد صغت قلوبكما: أي زاغت ومالت عن الحق»79.
في الغل و الحقد:قال الله تعالى:
« قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »80.
« وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَااغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ »81.
إعداد الدكتور: مختار ويسي
Dr.Prepared by Mukhtar Veaisi
الآراء