الإشارة: الدکتور جلیل رحیمي هو رئیس الکتلة السنیة في البرلمان؛ في التعقيدات البيروقراطية والإیدئولوجیة لهیکلة البلاد السیاسیة لا یمکن تحدید مدی فاعلیة هذه الکتلة الداخلیة للبرلمان رغم أن معظم الممثلین السنة – في توقیع البیانات المتعلقة بمطالب أهل السنة المدنیة علی الأقل – کانوا بجانبنا؛ ولکن هذا الرجل الکبیر قد وقف شامخا في قضیة صلاة عید الفطر بالأمس ولا شک في حال استمرار هذا الاتجاه سیخلد اسمه في قلوب الأجیال القادمة إلی جانب رجال شرفاء کالمهندس أدب والدکتور جلالي زاده والمهندس هاشم زاهي. وفي المذکرتین له التي حصلنا علیهما في قناته التیلیغرامیة الخاصة قد وصف مشاهده في یوم الجمعة التي تزامن مع عید الفطر بلغة رشیقة وإلیکم نص مذکرته:

البارحة قد شهد العلماء الهلال جزاهم الله خیر لا یکاد یمکننا الاستمرار؛ إن کل شهر 30 یوما ولقد صمنا 29 یوما منه نرجو أن یتقبله الله منا. استیقظت الساعة الرابعة والنصف صباحا خشیة من تأخیر الصلاة وعدم الاستیقاظ لها مبکرا. بعد شهر من الصیام قد فاجأ بطني من تناول الشاي أول الصباح وبعد أکل لقیمات الفطور انطلقت نحو مکان الذي تقام فیه صلاة العید؛ رکبت التاکسي خشیة نقص المکان لموقف السیارات وصلت إلی الساحة الصادقیة وفق العنوان الذي کان لدي. الصورة الأولی التي لفتت انتباهي کانت لحشود من الناس یقصدون المصلی وحین اقتربت فإذا بطابور من قوات الشرطة ثم طوابیر من الناس في انتظار الدخول للمبنی.

وجاءوا إلي مجموعة من رجال جماعة الدعوة والإصلاح فور اقترابي منهم وکانوا يقومون بفرز الصفوف. سألتهم متعجبا: هل هي طوابیر انتظار الصلاة؟ فأجابوا: نعم یا الدکتور. قد صلینا مرتین منذ أول الصباح وانظر إلی هذا الطوابیر الطویلة! مسجد أو مصلی الصادقیة مبنی سکني قدیم یشمل علی طابقین وساحة وینتهي إلی الشوارع من ثلاثة اتجاهات.

بدأت طوابیر الانتظار عند مدخل المبنی حتی محیطه والشوارع المحیطة وصولا إلی مفترق طرق المقبل. وقد رأیت مجموعات مکونة من 10 إلی 15 شخصا جالسین في ظلال الأشجار لعدم وجود المكان في طوابیر الوقوف. ومن جانب آخر تری قوات الشرطة واقفین بسیاراتهم ودراجاتهم الناریة وعدد من رجال الأمن بملابس مدنیة من أجل الحفاظ علی الأمن.

بدأت الذهاب إلى نهاية قائمة الانتظار ومعظمهم من الشباب ویبدو من تحاورهم وألوانهم أنهم من مختلف القومیات والمناطق. تذکرت طوابیر مهاجري العالم الثالث خلف الحدود الأروبي ومخیماتهم؛ شعرت بالحرج والعار الشدید؛ لماذا هذه الحالة للصلاة في دولة إسلامية؟ لا أظن أن یتم فرض قیود للصلاة وسط عالم الکفر في لندن ونیویورک حتی في روما عاصمة المسیحیین. في یوم العید لماذا یصلي الناس في المأذق؟ أصحبت مستاء للغاية ونشرت سحابة من الأسى وخيبة الأمل جناحيها فوقي؛ هذا لیس سلوکا إنسانیا ولا إسلامیا.

خطوت خطوات فإذا أنا بعدد من الشباب استقبلوني بحفاوة وترحیب وکانوا یعرفونني. وکانوا سعداء ولم یترکوني؛ فرحت من زیارتهم وتذکرت أنهم لعبوا دورا کبیرا في حملتي الانتخابیة.

حشود کبیر من الناس تقدر عددهم بنحو 20 إلی 25 ألف شخص ومن بینهم الدکتور جلالي زاده ممثل مدینة سنندج في الفترة السادسة للبرلمان حامل الدکتوراه في العلوم الإلهیة وقد استشهد والده وأخوه في أوائل الثورة الإیرانیة وهو رجل تضحوي ومن الشخصیات المعروفة ومن تیار الإصلاحیین ومن زعمائهم في کوردستان وأمین مجلس التنسیق للإصلاحیین الأکراد والعضو الوحید السني للمجلس المرکزي لجبهة المشارکة؛ رجل متواضع بینما الشجاع والشعبي في مواقفه السیاسیة. لقد تم استبعاده بعد البرلمان السادس حتی تم اعتقاله بسبب إلقاء کلمته لصالح مرشح إصلاحي في کرکان. أعرفه منذ أعوام حینما کنت طالبا في الماجیستر.

دخلنا معه المصلی واصطففنا إلی الصلاة وکان الإمام شیخا شافعیا ذا لحیة بیضاء مثل مشایخنا. یتم إدارة مصلی الصادقیة بید المسلمي الأکراد الشافعیة معظمهم من أعضا جماعة الدعوة والإصلاح أو أتباعها وفي منطقتنا خراسان الرضویة أیضا کنت أعرف بعض شخصیاتهم. وقام الإمام بتبیین عدد تکبیرات الصلاة للمصلین ولکن لا أحد اهتم بها لأنها لا تهمهم وذکرهم أن یضعوا جباههم علی من أمامهم ویسجدوا علی ظهورهم إذا لم یجدوا مکانا للسجود. خطب خطبة قصیرة وتحدث أقل من خمس دقائق وبدأ بالصلاة.

سألت الدکتور جلالي زاده ما هذا الوضع؟؟

فنظر نظرة حزینة وقال: والله ما لي أن أقول؟؟

وکان صادقا في ما یقول؛ ما نقول ولمن نشکو حتی لا یرمونا بالمتطرف أو المشاغب؟

إذا شکوتَ عند المسؤولین فتصبح متطرفا وإذا کشفت عن حل فتصیر مشاغبا.

قال صدیق لي: طالِبوا المسؤولین إذا لا یسمحون ببناء مسجد أو مصلی فیعطونا مسجدا واحدا في طهران لأن کثیرا من المساجد فارغة خاصة في یوم الجمعة. وقد عبر الإمام عن شکره للمسؤولین لسماحهم لهم بإقامة الصلاة في هذا المکان ومن رجال الشرطة الذین حضروا المکان في الساعة الخامسة صباحا ومن الجیران الذین تسامحوا مع هذا الازدحام والضجیج.

أقمنا صلاتنا وخرجنا وسط ضغوط الناس ورأیت الدکتور عبد الرحمن بیراني الأمین العام لجماعة الدعوة والإصلاح عند الباب الأمامي. لقد تحدث قبل أیام أثناء حفل الإفطار للرئیس روحاني وقد لقیته قبله بمرات وصاحبته هو من الشیوخ الإصلاحیین والمتجددین یحمل شهادة الدکتوراه في القانون وهو من موالید کرمانشاه غربي البلاد. لقد أصبح معروفا في البلاد وفي منطقتنا أیضا وقد یرافقه مجموعة کبیرة من النشطاء المتنورین والدینیین السنة. تحدثنا قلیلا وکان یشکو من ازدحام الناس والمشاکل الموجودة ولکن تدفق المصلین أجبرني أن أغادر الأستاذ بیراني والدکتور جلالي زاده.

قرابة الظهر اتصل بي الدکتور ستوده من مسؤولي جماعة الدعوة والإصلاح قائلا: قد صلینا الیوم ثمانیة مرات وفي کل صلاة حضر حوالي ثلاثة آلاف شخص. في أي مکان یضطر الناس أن یصلوا ثمانیة مرات بسبب نقص المکان وإذا شارکت نساءهم وأبناءهم لیبلغ العدد بنحو 70 أو 80 ألف شخص.

وأمضینا المساء بمشاهدة مباراة کرة القدم وأن الروح الوطني قلص الآلام؛ إن کرة القدم نعمة لتعزیز التقارب الوطني ونسيان المشاكل ومضی اللیل بأفراح الناس وهتافهم لفوز الفریق الوطني أمام الفریق المغربي. جلعنا الله فرحین متحدین متعاطفین.