ليس ثمة شك أن الشريعة الإسلامية هي الضمان الحقيقي لحفظ حقوق الناس وحرياتهم وقيمهم، ومنع أي تعدٍّ على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، وهي الضمان لإقامة النظام الشوري العادل القائم على الرحمة والإيمان، والمؤدي إلى النهضة وتحقيق القوة والإنتاج، وإعادة الحضارة الإسلامية بعد أن اغتصبت قرونًا طويلة؛ فقد نزلت لتنقذ الإنسان من أنياب الفساد والشرور، ولتطبعه بطابع العزة والكرامة، ولتنظيم حياته وشئونه، ولتنظيم علاقته بربه عز وجل، وتحديد علاقته بالفرد والمجتمع؛ فالشرع يمتاز عن القانون الوضعي بأنه من صنع الله فلا يعتريه ما يعتري القوانين من الخلل والاضطراب والنقص، ولا يتسنى للقوانين أن تبلغ من الإحكام والشمول والكمال ما قد بلغه الشرع، ومن يحاول المقارنة بين الشريعة والقانون كمن يحاول عبثًا المقارنة بين الإنسان السوي الحي والتمثال المنحوت من الحجر.
الاحتكام إلى شرع الله
تناول الباحث قضية الاحتكام إلى شرع الله، وبين أنها من أصول الإيمان وإفراد الله تعالى بالحكم، وأن الحكم بما أنزل الله كل لا يتجزأ، وأن هناك تلازمًا بين الحكم بما أنزل الله والولاء والبراء في القرآن.
فالحاكمية لله سبحانه؛ لأنه بيده القضاء في شئون العباد، وهو صاحب الحكم فيهم، خلقهم ولم يتركهم هملًا، فأنزل لهم الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى وموعظة للمتقين، وله حق التشريع للناس جميعًا إلى يوم الدين، ولا يحق لأي إنسان من البشر أن يشرع غير شرع الله، أو يأمر أحدًا باتباع شرع مخالف لشرع الله عز وجل. ويجب أن نؤمن أن الحاكمية لله وحده، والأمر له سبحانه وحده، والطاعة واجبة له وحده، والالتزام واجب بأمره وحده، ولا طاعة لأحد ولا التزام بأمر أحد إلا إذا أمر سبحانه بذلك.
وبين أن مسألة الحكم بما أنزل الله من المسائل الخطيرة في حياة الأمة المسلمة؛ لأنها ترتبط بمسألة العقيدة؛ حيث إنها تمثل الجانب الأهم من عقيدتنا الإسلامية، وهي تمثل القالب العملي لعقيدة التوحيد المتمثلة في الشهادتين، والتي تعني الرفض لكل الآلهة المصطنعة من دون الله عز وجل، والحكم بما جاء عن الله وعن رسوله. ولم يكتفِ سبحانه بطلب الالتزام بتطبيق شرعه في الأرض، بل حرص على حصول الرضا والاطمئنان لحكمه، وأنه لن يتم الإيمان إلا إذا احتكم المجتمع لهذه الشريعة.
ويرى الباحث أن الحاكم واحد هو الله، والمشرع للقوانين واحد هو الله سبحانه، وهو الخالق للكون والإنسان والحياة، لذلك أنزل هذه الشريعة لتلبي حاجات الأجيال إلى يوم الدين، وأن على الدولة الإسلامية التطبيق الكامل لكل ما شرعه الله في كتابه أو جاء على لسان رسوله، فحيث يوجد نص رباني يجب اتباعه، ولا يكون لرجال التشريع حينئذ إلا التطبيق والعمل بما جاء عن الله سبحانه، وإذا لم يوجد نص رباني في هذا الأمر كان لرجال التشريع الإسلامي مجال للاجتهاد والاستنباط وَفقَ رُوح الشريعة الإسلامية، فيشرعون الأحكام فيما لا نص فيه بواسطة القياس.
خصائص الشريعة الإسلامية ومقاصدها
ثم تناول خصائص الشريعة الإسلامية، وأوضح ملاءمة الشريعة للفطرة الإنسانية، وأن عموم شريعة الإسلام لسائر الناس والأزمان، وأن الشريعة الإسلامية ساوت بين جميع الناس، وكانت السماحة وسهولة المعاملة في اعتدال هي سبيلها بين الناس، كما بين شمول الشريعة كل مجالات الحياة، وضمان الشريعة الإسلامية سلسلة من المسئوليات وواقعيتها، وأن أسسها مبنية على مصالح العباد.
فالشريعة الإسلامية تتصف بـ"العموم"؛ حيث كانت الرسالات السابقة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالات خاصة لأقوام بعينهم وجماعات محددة، أما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها جاءت من عند الله عامة لكل أجناس البشر، بل للجن والإنس، لا يختص بها قوم ولا جماعة، ولا هي محدودة بظروف المكان أو الزمان أو البشر، بل هي دين الله الباقي الخالد حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فهذه الشريعة، وإن اختص الله بها العرب حيث جعلها في نبي منهم، واختار لسانهم ترجمانًا لهذه الرسالة، فهو شرف لهذه الجماعة البشرية، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وهو شرف مرتبط بالقيام بهذا الدين؛ ولكنها جاءت عامة للعرب والعجم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وعاداتهم وثقافاتهم.
كما بين أن من أهم خصائص الشريعة الإسلامية السمحة "الواقعية"؛ فهي شريعة تهتم بالواقع، وتتحرك مع الحياة فتعالج مشاكلها، وتتفاعل مع أحداثها، وتعطي لكل حالة من حالات الواقع التي يعيشها المسلمون ما يوافقها من النصوص والأحكام، وتتعامل مع كل مرحلة من المراحل التي يمر بها المسلمون بما يناسبها من الأحكام والحلول.
أيضًا تتصف الشريعة بـ"الشمول"؛ فبين أن ختم الرسالات السماوية ونسخ رسالات الأنبياء يستلزم أن تكون هذه الشريعة وافية بمتطلبات الحياة كلها، فكما أنها عامة لكل البشر على اختلاف أجناسهم، لا فضل فيها لعربي على عجمي إلا بالتقوى، فإنها كذلك رسالة شاملة لكل جوانب الحياة ومناحي الاجتماع، لم تترك شاردة ولا واردة إلا ذكرت فيها خبرًا، أو شملتها بحكم، أو كانت مندرجة تحت أصل من أصولها أو قاعدة من قواعدها. فالشريعة تناولت تحديد الغاية من خلق الإنسان، ووظيفته في الحياة، ومركزه في هذا الكون، ونظمت علاقته بربه، وصلته بإخوانه والمجتمع الذي يعيش فيه، وحددت الحقوق والواجبات، ووضعت أصولاً لفض المنازعات، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإقامة العدل بين الناس في كل جانب من جوانب نشاطاتهم وأعمالهم. فهي منهج حياة كامل جمع بين الدنيا والدين، وبين العمل والعبادة، وبين الظاهر والباطن، فضمن بذلك للإنسان خيري الدنيا والآخرة.
كما بين مقاصد الشريعة الإسلامية، والمقصد العام من التشريع، وكذلك المصالح الضرورية والمصالح الحاجية والتحسينية.
ثم تناول القانون الوضعي، وبين أنه طاغوت العصر، وكيف دخل القانون الوضعي إلى بلاد المسلمين، وتناول حكم المبدِّلين المعطِّلين لشرع الله، كما قارن بين الشريعة والقانون وأن الشريعـة هي الحل، فهي مصدر الرخاء والأمن.
*حول المؤلف
"محمد أمحزون" باحث وأكاديمي مغربي، أستاذ التاريخ الإسلامي الوسيط بكلية الآداب جامعة المولى إسماعيل المغربية. حصل على البكالوريوس من جامعة الملك سعود بالرياض، وعلى الماجستير من الجامعة نفسها، كما حصل على الدكتوراه من جامعة محمد الأول بوجدة بالمغرب. شارك في ندوات علمية في مختلف الدول العربية. أشرف على عديد من الرسائل الجامعية. عمل أستاذًا زائرًا في جامعة الإمارات العربية بمدينة العين وفي جامعة الشارقة.
من مؤلفاته: أسماء اللَّـه الحسنى.. المعاني والآثار، العولمة بين منظورين، تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين، منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة، تاريخ العلاقات الشيوعية الصهيونية، حقيقة الإيمان، الفرق الباطنية.. التاريخ والمنهاج، ومنهج دراسة التاريخ الإسلامي.
الآراء