كلمة تفصيلية للأمين العام للجماعة في اجتماع العلماء وأئمة الجماعات وعائلاتهم في محافظتي طهران وألبرز

التقى الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح يوم الخميس 20 فبرایر 2025 بعلماء المساجد السنية في محافظتي طهران وألبرز وعائلاتهم في المكتب المركزي للجماعة. وقد أقيم هذا اللقاء بمبادرة من مجلس المساجد في هاتين المحافظتين من أجل تكريم زوجات العلماء وأسرهم.

وجاء في تصريحات الأستاذ عبد الرحمن البيراني الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح ما يلي:
بسم الله الرّحمن الرّحیم 
أبدأ کلمتي بإلهام من الآية 55 من سورة النور المباركة، يقول الله تعالى عن نصرة للمؤمنين:

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" ‎﴿النور: ٥٥﴾‏

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ"؛ إن وعد الله حق لا يمكن إخلافه، كما يقول تبارک وتعالی: "وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ" أو: “وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ”
ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم يقول: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا مِنْکُمْ" أي أن بعض المؤمنين فقط سيبلغون درجة تحقيق الوعد الإلهي، وهناك مؤمنون آخرون لم ينالوا توفيق النصر والتمکین؛ لأنه على الرغم من أن كلمة (المؤمنين) عامة وتشمل كل المؤمنين؛ ولكن للمؤمن صفات أخرى إذا اكتسبها ارتفعت درجته ومكانته عند ربه وعلى سبيل المثال يقول القرآن الكريم:

"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ‎﴿١﴾‏ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ‎﴿٢﴾‏"

وأيضاً يمكن أن يرتفع مستوى الإيمان إذا كان الإنسان من الذين قال فيهم القرآن: "وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ".

وهنا أيضاً يرتفع منزلة المؤمنين، ويقول القرآن فیهم: "وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ".

وهنا أيضاً يرتفع مستوى الإيمان وتضيق دائرة المعصية فيقول: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ".

ثم يؤكد على صفتين أساسيتين وحيويتين فيقول: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" ولذلك فإن أهل الإيمان يحتاجون إلى سلسلة من الجهود والتضحيات والجهاد ضد أنفسهم لاكتساب كل فضيلة جديدة.

النتيجة: الإيمان الذي يستحق الوفاء بالوعد الإلهي هو الإيمان الذي يطابق كل جوانب الاعتقاد والفكر والقول والعمل والسلوك مع معايير العدل الإلهي، وينظم حركة الحياة بناء على توصيات رب العالمين.

وأنتم أیها السادة الكرام تعلمون أن الإيمان قابل للزيادة والنقصان، كما قال تعالى:
«هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»﴿الفتح: ٤﴾‏ 

والإيمان يرافقه دائمًا "عمل صالح"، والإيمان بدون العمل؛ ليس إيمانًا واعيًا دقيقًا وعميقًا.

وأما قوله تعالى: لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ"

الإستخلاف: معناه إستبدال الله بإنسان لغرض عمارة الأرض والسعي لإقامة العدل والقسط.

الاستخلاف: یعني السعي لتحقيق أمور ثمينة قيمة وتوجيهية آمنة.

الإستخلاف: عبارة عن العلم والحكمة والرحمة والإصلاح.

وهذه الاستخلاف تلعب أحيانًا دوره على مستوى عائلة، وأحيانًا أخرى علی مستوی حركة محددة، وأحيانًا أخرى على مستوى مجتمع. وتتابع الآية مؤکدة على استمرار الخلافة فيقول: "كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ"

وفقاً لذلك؛ وقد تم التأكيد على استمرارية سنة الاستخلاف، وأنها نيابة عن الله هي قاعدة وسنة إلهية ثابتة لكل من يرتقى إلى المستوى المطلوب من الإيمان ویعملون لنشر القيم.

"وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا" أساسا فإن وجود الخوف في حياة الإنسان أمر بديهي وطبيعي.

فإذا صبر الإنسان واستقام على الإيمان والعمل الصالح حصل التمکین، وزال الخوف والقلق كما يقول القرآن الكريم:

"وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" ‎﴿البقرة: ١٥٥﴾‏

ويقول أيضا: "وَلَيُمَکنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ" في هذه الآية ينسب الدين إلى الإنسان، مما يدل على كرامة واحترام مكانة الإنسان قبل كل شيء. ثانياً: مع أن الدين في الأصل ملك لله؛ ولكن لما كان الغرض والفلسفة من إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية هو خدمة البشرية وهدايتها وإسعادها ونجاحها، فقد قال على هذا الأساس: "دينهم" وقال: "يعبدونني..." لأن أول وأهم ثمن هو عبادة الله، كما أن ثمن الأمن والنجاة من الخوف هو العبادة أيضاً.

يقول تعالى: "فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا‎ ﴿الكهف: ١١٠﴾‏

وثمن الطاعة أيضاً هو تجنب الشرك، كما قال تعالى: "لَا يُشْرِکونَ بِي شَيْئًا" حتى في أصغر صور الشرك. لأن الشرك يتنافى مع الإيمان.

أما بالنسبة لمصطلح (التمكين) في القرآن الكريم، كما تعلمون أيها الكرام لقد تكررت هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم 18 مرة، وقد عبر العلماء والمفسرون عن معاني مختلفة في تفسيرها وشرحها، منها:

الأولی: بمعنی السلطة والقوة کما قال في ذي القرنین: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا" ﴿الكهف: ٨٤﴾

یقول بن کثیر: أَيْ: أَعْطَيْنَاهُ مُلْكًا عَظِيمًا مُتَمَكِّنًا فِيهِ لَهُ مِنْ جَمِيعِ مَا يُؤْتَى الْمُلُوكُ، مِنَ التَّمْكِينِ وَالْجُنُودِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ وَالْحِصَار.

الثانیة: بمعنى المكانة والمنزلة عند الأمير والملك، كما قال في منزلة سيدنا يوسف عليه السلام: "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ "‎﴿يوسف: ٥٤﴾‏

وفي جبریل الأمین: "ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ" ‎﴿التكوير: ٢٠﴾‏ أو "وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" ‎﴿يوسف: ٥٦﴾‏

الثالثة؛ تمکین بمعنی الإعداد والتهیئة: "أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" ‎﴿القصص: ٥٧﴾‏ 
الرابعة من حيث التمتع بحياة مليئة بالخيرات ويسر الرزق کما یقول تبارک وتعالی: "أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ" ‎﴿الأنعام: ٦﴾‏ 

ولقد أعطينا الأمم السابقة من الأموال والأولاد والذرية ما لم نجعل لكم مثلها.

الخامسة: التمکین في الدین وتوفير الأسس لإقامة الشعائر الدينية، والنجاح في نشر القيم الإنسانية والإسلامية، والقيام بدور فعال في توفير الأمن والحرية لبني البشر وأبناء الوطن.

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" ‎﴿النور: ٥٥﴾‏

السادسة: التمکین بمعنی النصر والقوة: "وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" ‎﴿الأنفال: ٧١﴾‏

السابعة: التمکین بمعنی الثبات والبقاء: "أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ‎﴿٢٠﴾‏ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ" ‎﴿٢١﴾ (سورة المرسلات)

وفي الختام، من الواضح أن كل فئة ومجتمع، من أجل تحقيق التمكين، يحتاج إلى مساعدين وداعمين قادرين أكفاء، بإمکانهم توفير أسباب النجاح والنصر. بحيث يعتبر وجود الجماعة عاملاً أساسياً؛ ومن هنا فإن وجود مؤسسة الشورى والالتزام بمبدأ الحكمة الجماعية في ضوء تعاليم دين الإسلام الواضح والوحدة والوئام والتفاهم له أهمية كبيرة، وذلك كما يلي: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ "‎﴿الشورى: ٣٨﴾‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته