كلمة الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح في المؤتمر السادس

في تقرير موسع تحدث الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بيراني الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح في المؤتمر السادس عن الوضع العام للجماعة وأوضاع المنطقة والبلاد.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي جَعَلَ جَزاءَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا 

وَصَلّى اللّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَکَ عَلَى سَیّدِنَا وَحَبیبِنَا وَقُرّةِ أعْیُنِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى الآلِ وَالصَّحابَةِ وَالتَّابِعِینَ وَمَنْ تَبِعَ هُداهُمْ إلى یَوْمِ الدِّینِ

رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا

 رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا

 اللّهُمَّ انْصُرِ الإسْلامَ وَالْمُسْلِمِینَ وَأعِزَّ الإسْلامَ وَالْمُسْلِمینَ؛ اللّهُمَّ انْصُرْهُمْ فِي کُلِ مَکانٍ فَوْقَ کُلِّ أرْضٍ وَتَحْتَ کُلِّ سَمآءٍ

 اللّهُمَّ انْصُرِ إخْوانَنَا وَأخَواتِنَا فِي فِلَسْطینَ وَغَزَّةَ الْعِزَّةَ وَلُبْنانَ الْجَرِیحَةَ

 اللّهُمَّ ارْحَمْ شُهداءهُمْ وَاشْفِ مَرْضاهُمْ؛ اللّهُمَّ افْتَحْ عَلَیْهِمْ أبْوابَ رَحْمَتِکَ حَیْثُ الأبْوابَ مُغَلَّقَةٌ عَلَیْهِمْ.

نحمد الله تعالی ونسجد له ونصلي ونسلم على أنبياء الله وخاصة خاتم الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مع أجمل التحیات لصحبه الکرام، وكذلك خدام الدين والإنسانية. ونعتز بذكرى الأصدقاء والرفاق الذين كان لهم دور في عملية تكوين وتأسيس الجماعة واستمرار حضور في المشهد الثقافي والاجتماعي لبلادنا، وأخص بالذكر الأستاذ الحكيم كاك ناصر سحاني رحمه الله عليه؛ كما نتمنى الشفاء العاجل لكل من یعاني من ألم ومرض، وخاصة الأستاذ إبراهيم مردوخي، وللأحباء الذين رحلوا من بیننا ونالوا الرحمة والمغفرة والجنة. نحمد الله تعالى أن أتاح لنا فرصة عقد المؤتمر السادس لجماعة الدعوة وإصلاح في المقر الرئيسي للجماعة بعد تأخير طويل نسبياَ. أرحب بكم، أعضاء المؤتمر الأعزاء، وأطلب مخلصاً من الذي "بيده ملكوت السماوات والأرض" أن يمن علينا بنعمته في تنظيم هذا اللقاء الميمون على أكمل وجه ممكن.

أبدأ کلمتي بإلهام من آخر آيات سورة الحج المباركة، الآيتين 77 و 78؛ يقول الله تعالى:

«يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْکعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّکمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّکمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاکمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْکمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيکمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاکمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَکونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْکمْ وَتَکونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاکمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ» (78)

في هاتين الآيتين يصور القرآن الكريم بطريقة إعجازية مهمة أهل الإيمان وواجباتهم ومكانتهم وكرامتهم بأجمل صورة ویبشر بتحقيق الخير والنجاح في تحقيق المعتقدات والأفكار النقية والتحلي بالقيم الأخلاقية العالية والتميز في إرادة الخير وبأن يكونوا قدوة للآخرين. 
أولاً، يأمر بالركوع والسجود، باعتبارهما أوضح صور التواضع المستوحى من الفهم الصحيح والإيمان العميق، ووضع حركة الحياة على طريق مستقيم، «ارْکعُوا وَاسْجُدُوا»؛ لماذا التأكيد على الصلاة؟ لأن الصلاة هي عمود الدين وأساسه. الصلاة معراج المؤمن ومعیار العبودیة الصادقة والواعية كما قال سيدنا عيسى (عليه السلام) وهو في المهد:

«وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّکاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا» (مریم/٣١) 

ثم یقول: «وَاعْبُدُوا رَبَّکمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّکمْ تُفْلِحُونَ»

الصلاة عبادة خاصة؛ لكن معنى "فعل الخير" عام يشمل كل ما يدخل في دائرة العبودية والعبادة كالصلاة والصيام والحج والزكاة وطلب العلم والتخصص والدعوة إلى الله ومساعدة المحتاجین وغيرها. «وَافْعَلُوا الْخَيْرَ»: الخير واللطف والإحسان ليس له حدود؛ ثم يقول: "«وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ»: في سبيل الله ومن أجل الله ولنصرة دين وعباده؛ كلمة الجهاد تشمل الجهاد مع النفس، الجهاد مع الأعداء المعتدين، الجهاد مع الشر والدمار والخرافات والتخلف، والجهاد لنشر الفضائل وتوفير أسباب النمو والرفعة والراحة والسلام والرفاهية للمواطنين. لماذا أمر "وجاهدوا"؟ لأنه «هُوَ اجْتَبَاکمْ» وتم اختياركم لهذه المهمة العظيمة والمشرفة! ولا تتصوروا أن أمر «وَجَاهِدُوا» يفوق قدرتكم وقوتكم؛ لأن القاعدة العامة هي: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْکمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ». 

إن دين الإسلام، متوافق مع الطبيعة البشرية ومستوى التحمل والصبر من ناحية، ومتوافق مع واجبات وعبادات الأوامر المفروضة على الجميع من ناحية أخرى؛ ثم يذكر: "ملة أبيكم إبراهيم" وهذا هو نفس الدين والشريعة التي جاء بها إبراهيم ومحمد (عليهما الصلاة والسلام). وإبراهيم هو أبو الأنبياء وأبو المسلمين ومن الواضح أن هذه النسبة تظهر الاحترام والاستحقاق؛ ولعل هذا الموقف يمكن أن يفهم على أنه «وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» عن زوجات الرسول.

وقد ترجمت وفسرت عبارة "هو سماکم المسلمين" من وجهين: يعني "الله سماکم المسلمين" في الكتب السابقة وفي هذا الكتاب الأخير القرآن الكريم، أو أن "هو" يعني إبراهيم حيث يقول في سورة البقرة: «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَک وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ». ولذلك فقد وهب لكم نجاح الهداية وقبول الإسلام ونجاح الطاعة، ليكون خاتم الأنبياء بشهادته العملية شاهداً عليكم في الدنيا، وفي القيامة ستكون سلوكه وأفعاله هي موازین أفعالكم كمسلمين، وأنتم أيضاً تکونون میزاناً لقياس أعمال الآخرين وقدوة الناس بالشهادة العملية في الدنيا وبكلامكم وأفعالكم وسلوككم يوم القيامة. «فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاکمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»

صَدَقَ اللّهُ الْعَظیمُ وبَلَّغَ رَسُولُهُ الأمینُ وَنَحْنُ عَلى ذالکَ مِنَ الشَّاهِدِینَ

ينعقد المؤتمر السادس للجماعة الإسلامية في ظل ظروف يبدو فيها إرادة تحررية ومؤيدة لحقوق الإنسان، ولكن في الناحیة العملية تنبثق من الثقافة والسلطة الغربية ومع نهج العولمة، الذي يرتكز على أجنحة المعرفة والتقنيات الجديدة والذكاء الاصطناعي، والعديد من الأعراف الثقافية، واجهت التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الروحية والأخلاقية بتحديات خطيرة، هذا من ناحیة ومن ناحية أخرى، العالم الإسلامي بشكل عام والحركات والتيارات الإسلامية في العالم خاصة في أضعف حالاتهم. 

يواجه الشرق الأوسط هذه الأيام أزمات خطيرة وبعد أحداث 7 أكتوبر، وبدعم من الغرب وصمت الحكام العرب، قامت إسرائيل بعمليات إبادة جماعية واغتيال الزعماء وتدمير "الحرث" و"النسل" في فلسطين وغزة ولبنان. ويحاول هذا النظام غير الشرعي الآن إدخال إيران إلى الحرب والمواجهة بینما أن مواطنینا یعانون من سلسلة من المشاكل والاضطرابات والأزمات مثل المشاكل الاقتصادية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع والتضخم واختلال توازن الطاقة والعقوبات القاسية والشاملة وما إلى ذلك نتیجة اتباع بعض الأساليب غير العلمية وغير المتخصصة وإقصاء وتهميش الشخصيات والأشخاص القادرين والمهتمین والمؤثرين على الساحة. إن وجهاً آخر لصورة المجتمع الإيراني الحالي، بحسب بعض الدراسات، بما في ذلك التقرير البحثي لزملاء الدكتور مصطفى معين، هو الهيمنة النسبية لخصائص مثل التشاؤم وانعدام الثقة والأنانية واليأس والإحباط. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي إضافة الفجوة بين الأجيال، والتغيرات الثقافية، وعدم الحساسية وانعدام الحافز، وخاصة بين الشباب.

وباختصار، يمكن القول إن بلدنا ومنطقتنا في ظروف صعبة؛ إن استمرار النشاط الفعال والآمن للجماعة، في مثل هذه البيئة الملتهبة، يتطلب دراسة جادة وعميقة وخبيرة لحالة المجتمع وبنية السلطة والعلاقات والفجوات بينهما. إن تحديد مستقبل الجماعة وتحديد الدور الذي يمكن وينبغي أن تلعبه لا يمكن تحقيقه إلا في ضوء الفهم الدقيق للتغيرات والتحولات السريعة والعميقة والمتعددة، التي تتسم عمليات تحديدها بتعقيدات خاصة.

وفي حال حدوث تغييرات جوهرية بمشيئة الله، فإن الحفاظ على سلامة الجماعة وتماسكها ولعب الأدوار قد يواجه الكثير من المشاكل. لذلك، في المرحلة الحالية، من المهم للغاية أن نفهم أولويات الجماعة بشكل صحيح؛ إن اتباع أساليب حديثة وحكيمة وواقعية يمكن أن يمنحنا الإمكانية والفرصة لعدم الوقوع في مصير الحركات المتحالفة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي؛ والأستاذ محمد أحمد راشد (رحمه الله) في تحليله للمصير المرير الذي حل بجزء مهم من الحركات في العالم الإسلامي، يؤكد بوضوح أننا "أخطأنا في اختيار الأولويات". إنه يليق بمجتمعنا الرائع أن نكون أبناء عصرنا في هذا المركز المهم لصنع القرار وکبستاني مهتم نحافظ على حديقة المجتمع المثمرة بأفضل طريقة وبأفضل ما في وسعنا من الآفات المرئية وغير المرئية.

وفي الختام أود التأكيد على النقاط التالية بشكل خاص:

1- الحفاظ على الأخوة وتعزيزها وتجنب الصراع والشقاق ومضاعفة الجهود في اتجاه التلاحم الداخلي ووحدة العمل الجماعي والوفاق والتعاطف والتغلب على القضايا الشخصية.

2- مع الحفاظ على مركزية الجماعة والبرامج التعليمية والفكرية، من المناسب توسيع دائرة التواصل الثقافي والاجتماعي، خاصة في مجالات العلماء والنساء والطلاب والمنظمات غير الحكومية، والتعاون مع الشخصيات والمؤسسات وعامة المواطنين المستعدين والقادرين على التفاعل والتعاون. وهذه الجهود تحمي المجتمع من العزلة من جهة، وتسهل التعاون والتآزر المتبادل من جهة أخرى. وأنا على ثقة أنه في حال حضور الجماعة وبرامجها، فإنها ستكون مرشدة ملهمة لجزء كبير من أبناء الوطن.

3- توفير الأسس اللازمة للاستخدام الصحيح والمفيد للانفتاحات الثقافية والاجتماعية والسياسية والانفتاح النسبي، خاصة بعد تولي الحكومة الرابعة عشرة السلطة؛ وفي الأساس فإن الممثل القادر هو الذي يصنع بوابة وفتحة ويحاول توسيعها وتعميمها ويخطو خطواته بدقة متناهية وسرعة أكيدة.

4- والحمد لله، لقد أصبحت الجماعة مصدرا لرأس المال البشري والفكري القيم، وهي مؤسسة ذات أهمية وطنية وثقل إقليمي ومصداقية وعلاقات دولية مقبولة. ولذلك فمن المناسب أن نقدر ذلك ونعد أنفسنا للعب دور يتجاوز الدائرة الصغيرة والمحدودة للمنظمة ولا ننسى أن أرض إيران قدمت دائماً رجالاً عظماء وشخصیات لامعة للحضارة العالمية ، ولا تزال آثارهم الخالدة حاضرة في مختلف مجالات تاريخ العالم البعيد والقريب.

وَفَّقَنَا اللّهُ وَإیّاکُمْ لِخَیْرِ مَا یُحِبُّهُ وَیَرْضَاهُ. 

وَالسَّلامُ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَکاتُهُ