الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: الإسلام هو دين الفطرة السليمة، والعقل الصحيح يجلب للناس أعظم المصالح، ويدرأ عنهم أعظم المفاسد في جميع جوانب حياتهم، وعلى مستوى جميع الأفراد في كل زمان ومكان، ولذا كان من الطبيعي أن يقبله الناس ويستجيبوا لتعاليمه وينقادوا لأحكامه في أقل مدة، ومن أهم العوامل في سرعة انتشار الإسلام وقبول الناس واستجابتهم لهذا الدين ما يلي: 1 – الوضع العالمي المتدهور: كان من أهم العوامل التي ساعدت على انتشار الإسلام وقبول الناس له بتلك السرعة هو الانحطاط والتدهور الذي وصلت إليه البشرية في عقيدتها وعبادتها وأخلاقها ومعاملاتها، فانتشار الشرك وعبادة الأصنام والأوثان وعبادة الملائكة والنيران، وكذلك انتشار الظلم والتفرق والبغي والعدوان وكثرة الحروب التي أنهكتهم، وكذلك شيوع الزنا والخمر وعموم الفقر والجوع والخوف، كل ذلك كان من أهم أسباب انتشار دعوة محمد -عليه الصلاة والسلام- فقد وصلت البشرية إلى حالة سيئة لا تطيق البقاء على تلك الحال، وهي تتطلع إلى منقذ يأخذ بيدها من ذلك الوضع المؤلم، وقد عبر جعفر بن أبي طالب عن شيء من ذلك الوضع بين يدي النجاشي فقال: "أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف" (1).

2 – نسب محمد عليه الصلاة والسلام : كان لنسب محمد -عليه الصلاة والسلام- أثر كبير في قبول دعوته واستجابة الناس له، فهو من قريش التي لها مكانة عظيمة عند العرب، وهو من أفضل بيوت قريش نفساً ونسباً، ولأجل هذا لما سأل زعيم النصارى أبا سفيان القرشي عن نسب محمد -عليه الصلاة والسلام- فقال: "هو فينا ذو نسب. قال: وكذلك الأنبياء تبعث في نسب قومها" (2).

ولما تأكد هرقل من نبوته كاد أن يسلم غير أنه خشي على ملكه، وفي ذلك يقول محمد -عليه الصلاة والسلام- : (بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت من القرن الذي كنت منه) (3).

3 – اختيار مكة مكاناً لبعثته عليه الصلاة والسلام : كانت مكة هي مهوى أفئدة العرب والبلد المعظم لديهم، وفيها بيت الله الحرام الذي بناه الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وإليه يحج العرب ويعتمرون، وفيها قبيلة قريش أهل السقاية والرفادة والسدانة وعمارة المسجد الحرام. كما أنها من بلاد العرب الذين بقي عندهم من الأخلاق الحسنة والبعد عن حضارة الفرس والروم التي غيرت الفطر وغلب عليها المادة والشهوات والترف، أما أهل مكة فهم أقرب إلى الفطرة والبداوة والسذاجة، وكانت مكة أيضاً من المدن العربية التي تقام فيها الأسواق بجوار الكعبة، ويأتي إليها العرب من كل مكان، ومن أسواقها المشهورة:

سوق العطارين، وسوق الفاكهة، وسوق الرطب، وكان فيها رحبة واسعة لبيع الحبوب والسمن والعسل، وكان يجبى إلى مكة أصناف الثمار والفواكه، كما نطق بذلك القرآن "أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ" (4). وكان لذلك المكان أهمية في سرعة التعرف على الإسلام ونبي الإسلام وانتشار ذلك في سائر بلاد العرب واستجابتهم له، فليس غريباً على بلد مثل مكة أن يخرج منها نبي وينتشر أمره، إذ ليس بلداً بعيداً مهجوراً (5).

4 – مقدمـات النبـوة: وكان من عوامل انتشار دعوة محمد -عليه الصلاة والسلام- واستجابة العرب لدعوته ما حصل قبل بعثته عليه الصلاة والسلام من المقدمات لبعثته عليه الصلاة والسلام وتصديقه، وأهمها ما حصل من النصر العظيم لأهل مكة على جيش أبرهة الحبشي، رغم أنه نصراني وهو أفضل من عباد الأصنام، ولكن الله تعالى جعل ذلك تمهيداً لبعثته عليه الصلاة والسلام، وجذباً للانتباه، وتوجيهه نحو تلك البلد الحرام، وكيف قضى على جيش كثيف لا طاقة للعرب بقتاله بواسطة الطيور، وكان لذلك أثر في زيادة المكانة العظيمة لمكة المكرمة وبيت الله الحرام، ومكانة قريش عند العرب وتصديق بعثة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- منهم، فليس غريباً على بلد هذا وصفه أن يخرج منهم نبي، وقد سبق الكلام عما حصل له عليه الصلاة والسلام من الأمور العجيبة قبل نبوته وبعثته عليه الصلاة والسلام.

5 – البشارات السابقـة: امتلأت الجزيرة العربية وبلاد الشام بالخبر عن قرب بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، فأهل الكتاب موجودون في اليمن والشام ويثرب ومكة، وكذلك في بلاد النصارى مثل الحبشة وبلاد الروم. وكان هؤلاء هم العلماء الذين يرجع إليهم وتصدق أخبارهم وخبر محمد عليه الصلاة والسلام مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وقد كان لتلك البشارات أثر في انتشار دعوة محمد -عليه الصلاة والسلام- وقبولها من جهتين:

الأولى: أنها كانت برهاناً على صدقه ونبوته وشهادة من علماء ذلك الزمان على أنه نبي مبعوث من عند الله حقاً.

الثانية: التوطئة والتمهيد لبعثته -عليه الصلاة والسلام- وتصديقه والإيمان به.

وقد سبق الحديث عن تلك البشارات التي كانت سبباً في انتشار الإسلام، بل وإسلام كثير من الشعوب والأفراد (قصة ابن الهيبان).. فهذا ابن الهيبان أحد علماء اليهود يهاجر إلى المدينة (يثرب) راجياً أن يبعث محمد -عليه الصلاة والسلام- ويهاجر إليها وهو موجود فلما حضرته الوفاة قال: "يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع، قال: قلنا إنك أعلم قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجرة، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أضلكم زمانه فلا تسبقن إليه" (6).

إسلام أهل يثـرب:

سارع أهل يثرب من الأوس والخزرج إلى الدخول في الإسلام بسبب أخبار اليهود عن قرب زمان نبي، ولما التقى بهم النبي عليه الصلاة والسلام في مكة حينما جاؤوا لأداء فريضة الحج فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: "يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه "فأجابوا رسول الله عليه الصلاة والسلام وأسلموا" (7).

إسلام كبير علماء اليهود: كما سارع إلى الدخول في الإسلام كبير علماء اليهود وهو عبد الله بن سلام، ولما سأل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- اليهود عن عبد الله بن سلام قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا حاشا لله ما كان ليسلم. فخرج عبدالله بن سلام فقال: أيا معشر يهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله عليه الصلاة والسلام" (8).

إسلام وفد النصارى: قدم على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وهو بمكة عشرون رجلاً من النصارى من أهل الحبشة، فاجتمع بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوا، وفيهم أنزل الله تعالى:"الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ" (9).وقيل إنها نزلت في وفد نصارى نجران (10).

6 – المعجزات وأثرها في انتشار الإسلام: كان للآيات والمعجزات التي أيد الله بها رسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- أثر كبير في دخول الناس في الإسلام وسرعة استجابتهم، وكان أعظم هذه المعجزات القرآن العظيم.. ذلك الكتاب العظيم المعجز الذي يبهر العقول والألباب بفصاحته وبلاغته وإعجازه، وتذرف العيون بالدمع عند سماع تلاوته، وتشتاق الأسماع وتطرب عند تلاوته، فهو يأسر القلوب ويأخذ بمجامعها ويدفعها نحو تصديقه. وقد كان سبباً في إسلام كثير من الأفراد والزعماء.

وممن أسلموا بسبب سماع القرآن الكريـم:

الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (11)، وكذلك أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي متأثراً بتلاوة النبي -عليه الصلاة والسلام- للقرآن الكريم (12)، وهذا سعد بن معاذ سيد بني عبد الأشهل ما إن سمع القرآن الكريم من مصعب بن عمير حتى سارع إلى الدخول في الإسلام وشهد شهادة الحق (13). وكذلك كان سماع القرآن الكريم سبباً في إسلام الجن كما أخبر الله عنهم في كتابه "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً" (14).

معجزة الإخبار بالغيـب:

وكان لمعجزة الإخبار بالأمور الغيبية أثر كبير في إسلام كثير من الناس فهذا عمير بن وهب يجلس سراً مع صفوان بن أمية ويتفق معه على أن يعول أهله ويقضي دينه وهو يذهب إلى المدينة ليقتل محمداً -عليه الصلاة والسلام- ولم يحضر بينهما أحد، وأمره أن يكتم الخبر ثم انطلق إلى المدينة يريد قتل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- معتذراً أنه جاء ليأتي بولده الذي أسره المسلمون في غزوة بدر، فلما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- ما الذي جاء بك يا عمير قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم. قال عليه الصلاة والسلام: أصدقني ما الذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك. فقال عليه الصلاة والسلام: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فقلت لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني والله حائل بينك وبين ذلك، فقال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا من خبر السماء، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله" (15).

7 – خلقـه عليه الصلاة والسلام وشمائلـه: إن عظمة أخلاق محمد -عليه الصلاة والسلام- ورحمته ورفقه وإحسانه إلى الخلق وصبره على أذاهم وعفوه وصفحه عمن أساء إليه وسماحته مع أعدائه وكرم يديه وغير ذلك مما سبق دراسته من جميل أخلاقه وحسن معاملته كان له أثر كبير على دخول الناس في الإسلام واستجابتهم لدعوة محمد -عليه الصلاة والسلام- .

ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك ما يلي:

أ: هذا أحد اليهود يعوده عليه الصلاة والسلام وهو مريض ثم عرض عليه الإسلام فتأثر من أخلاقه عليه الصلاة والسلام وزيارته له وخوفه عليه من النار، فنظر إلى أبيه كأنه يستثيره، ولكن أباه أيضاً تأثر من هذه المعاملة الحسنة فقال لولده: أطع أبا القاسم عليه الصلاة والسلام فأسلم ثم مات فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) (16). ذلك هو هدف محمد عليه الصلاة والسلام وغايته من دعوته إنقاذ البشرية.

ب: وهذا خلق الكرم والبذل الذي عرف به محمد عليه الصلاة والسلام "جعل رجلاً يأتي إليه فسأله غنماً بين جبلين فأعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- إياه فأتى الرجل على قومه فقال أي قوم أسلموا فوالله إن محمداً ليعطي عطاء ما يخاف الفقر، قال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها" (17). وعن صفوان بن أمية قال: "والله لقد أعطاني رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ" (18).

ج: وهذا خلق العفو والصفح والسماحة مع الأعداء جعل مالكاً بن عوف النظري زعيم ثقيف وقائد معركة حنين لحرب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يدخل في الإسلام حيث بعث إليه رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يقول له: "أخبروا مالكاً أنه إن أتى مسلماً رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل"، فلما بلغه ذلك الخبر أتى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مسرعاً، فأدركه بالجعرانه أو بمكة فأسلم وحسن إسلامه وأعطاه رسول الله عليه الصلاة والسلام ما وعده، فأنشد قائلاً:

ما إن رأيـت ولا سمعـت بمثله *** في النـاس كلهـم بمـثـل محمد

أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى *** ومتى تشأ يخبرك عما في غد (19)

8 - اجتهاده عليه الصلاة والسلام في الدعوة وحكمته: قام رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يدعو إلى دين الله عز وجل بجد واجتهاد منقطع النظير يبذل نفسه وماله وأهله في نشر دين الله عز وجل يدعو إلى الله عز وجل ليلاً ونهاراً وسراً وعلانية حضراً وسفراً في الرخاء والشدة وفي الحر والبرد.. يدعو الناس إلى دين الله جماعات وفرادى مستغلاً كل فرصة لنشر دين الله عز وجل، فهو يستغل مواسم الحج والعمرة، ويستغل فرص الأسواق والأحداث، ويبعث أصحابه إلى الأمصار والبلدان، ويكتب إلى ملوك العالم الرسائل يدعوهم إلى الإسلام، ويحرص على نشر الإسلام خارج مكة كالحبشة واليمن والطائف ويثرب، ويتألف القلوب بما أعطاه الله من الأخلاق والأموال.

كل ذلك بغاية من الحكمة والذكاء والتدرج، حيث بدأ دعوته في مكة ثلاث سنوات سراً وهو يعرض الإسلام على من يثق بهم، فأسلم له عدد كبير منهم بدون حرب ولا قتال، بل لاقوا في سبيل الله صنوف التعذيب والإيذاء، ثم صرح بالدعوة بعد ذلك عشر سنوات بصبر وحكمة وتدرج، فلما دخل في الإسلام عدد كبير من الناس أذن الله له بالهجرة والانتقال من مكة إلى المدينة؛ فأقام بها دولة الإسلام واستمر على نفس الطريقة من الجد والاجتهاد والمثابرة على نشر دين الله عز وجل في ربوع الجزيرة.

9 – اجتهاد أصحابه رضي الله عنهم: وكان لاجتهاده -عليه الصلاة والسلام- أثر كبير على أصحابه، فقد اقتدوا به عليه الصلاة والسلام في جده ونشاطه ومثابرته في نشر الإسلام، فما كان أحدهم يدخل في الإسلام حتى يعرف مكانه في الدعوة إلى الله تعالى وحمل لواء هذا الدين. أبو بكر الصديق ودوره في الدعوة:

فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يجتهد اجتهاداً بالغاً في نشر دين الله عز وجل، ويبذل نفسه وماله وأهله في سبيل نجاح هذه الدعوة، وقد أسلم على يديه عدد كبير من الرجال والنساء والأحرار والعبيد، وكان أشهر من أسلم على يديه: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فأسلموا وصلوا رضي الله عنهم جميعاً (20).

أبو ذر الغفاري ودوره : وهذا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يدخل الإسلام، ثم يصرخ بكلمة التوحيد أمام الملأ من قريش، ويحصل له من الأذى والضرب من قبل كفار قريش، ثم يعود إلى قبيلته غفار؛ فأسلموا جميعاً فلما انتقل إلى قبيلة مجاورة وهي قبيلة أسلم جعل يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا، فجاء بهم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله) (21). ا

لطفيل بن عمرو الدوسي: وذاك الطفيل بن عمرو الدوسي يعود إلى قومه ويشتد في دعوتهم، ويطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يدعو عليهم لكنه عليه الصلاة والسلام الرحيم دعا لهم، فقال: (اللهم اهد دوساً، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم)، فلم يزل يدعوهم حتى أسلموا جميعاً (22).

مصعب بن عمير ودوره: وهذا مصعب بن عمير أول سفير وداعية للإسلام في المدينة - وليت سفراء المسلمين اليوم يقتدون به بأعدادهم الكثيرة في دول العالم - فلم يمض عام حتى نجح نجاحاً منقطع النظير في إدخال أهل يثرب (المدينة) في الإسلام، ويهيئ ذلك البلد لهجرة محمد عليه الصلاة والسلام واستقباله دون حرب ولا قتال (23).

سعد بن معاذ ودوره: وهذا سيد بني عبد الأشهل الذي اهتز عرش الرحمن لموته رضي الله عنه وهو سعد بن معاذ ما إن دخل في الإسلام حتى رجع إلى قومه بني عبد الأشهل فقال لهم: "كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله"، قال فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة" (24).

10 – شريعته عليه الصلاة والسلام وأثرهـا: وكان للتعاليم والمبادئ التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام أثر كبير في سرعة استجابة الناس وقبولهم لدين الله عز وجل، وكل من يسأل إلى ماذا يدعو محمد عليه الصلاة والسلام ويعرف ذلك إلا أنصف واستسلم لعظمة تلك التعاليم التي جاءت لإنقاذ الناس من عبادة المخلوقات وتوجيههم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والمحافظة على أرواح الناس وأموالهم وعقولهم وأعراضهم، كما جاءت لإصلاح سياستهم واقتصادهم واجتماعهم بأحسن الطرق وأفضل المناهج في وقت فسدت فيه كل المحاولات البشرية لإسعاد الناس، ولذا سأل هرقل زعيم النصارى أبا سفيان فقال له: بم يأمركم؟ قال: "…ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة" (25).

فاستدل بذلك هرقل عظيم النصارى على صدقه ونبوته، إذ هذه هي تعاليم الأنبياء والمرسلين. وهذا المقوقس ملك مصر لما بعث إليه رسول الله -عليه الصلاة والسلام- برسالة يدعوه فيها إلى الإسلام فقال: "إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر" (26).

11 – الجهاد وأثره في نشر الدعـوة: سبق أن ذكرنا في خلاصة سيرته -عليه الصلاة والسلام- أن المشركين في مكة أرسلوا إلى زعيم المدينة عبد الله بن أبي يطلبون منه مقاتلة محمد عليه الصلاة والسلام وإخراجه من المدينة، وكذلك أرسلوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه أنهم سوف يأتون لقتالهم، ولم يكتفِ المشركون بما فعلوا بالمسلمين في مكة من الضرب والإيذاء والحصار، وأخيراً إخراجهم من ديارهم.

وأمام هذا التصميم من قبل الكفر وأهله على مقاتلة المسلمين رأى المسلمون أنفسهم أنه لابد من الاستعداد للقتال لنشر دينهم والدفاع عن أنفسهم وحماية المستضعفين منهم، وكذلك إزالة القوى التي وقفت في طريق انتشار الإسلام ومنعت الناس من دخوله والتعرف عليه ونقضت الطوائف الأخرى العهود والمواثيق مثل اليهود وغيرهم. وبعد الاستقرار في المدينة وتأسيس المجتمع والدولة الإسلامية بدأ المسلمون باستخدام هذه الوسيلة التي فرضت تدريجياً، حيث بدأت بالإذن بالقتال ثم بقتال المعتدين ثم بقتال المشركين كافة.

حتمية الجهاد وضرورتـه:

وكان من الطبيعي جداً أمام ذلك العدو الشرس والمحن الشديدة التي يواجهها المسلمون مع نقض اليهود في المدينة للعهود والمواثيق وتعاونهم مع الأحزاب القادمين للهجوم على المدينة ومحاولة قتل النبي عليه الصلاة والسلام، إضافة إلى أن تغييراً مثل هذا الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام لإنقاذ البشرية من الظلم والوثنية والاعتداء.. والذي كان يستفيد من وجوده أولئك الطغاة المجرمون ويتنعمون في ظله ويحرصون على بقائه، فكان من الطبيعي أن يواجهوا الإسلام ويقفوا أمام انتشاره ويمنعوا الناس من اعتناقه مثل طاغية كسرى الذي مزق الرسالة، وقتل الصحابي الذي أرسله محمد -عليه الصلاة والسلام- إليه، واستعداد أمير غسان للاعتداء على المسلمين، وتجمع كثير من الأعراب مثل بني المصطلق وغيرهم على غزو المدينة، كل ذلك وغيره جعل المسلمين يجاهدون عدوهم وتفرض عليهم الشدائد والمحن ضرورة المواجهة قبل أن يكون الجهاد فريضة شرعية، وكان من ثمار الجهاد وغاياته وآثاره الحميدة:

1- إعلاء كلمة الله تعالى وتعبيد الناس لله عز وجل، وذلك هو الهدف الأعلى والأسمى للجهاد كما قال عليه الصلاة والسلام:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" (27).

2- رد اعتداء المعتدين على المسلمين كما قال تعالى:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (28).

3- إزالة الفتنة عن الناس حتى يستمعوا إلى دلائل التوحيد من غير عائق، وحتى يروا نظام الإسلام مطبقاً ليعرفوا ما فيه من عدل وإصلاح للبشر، وما فيه من سمو في شتى المجالات، قال تعالى:" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه" (29).

4- حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار واستعدادهم لغزو المسلمين واجتياح المدينة ونشر الرعب والخوف في قلوبهم حتى لا يغزو بلاد المسلمين (30). وبهذا وصل الإسلام إلى كثير من الأمم والشعوب وتعرفوا عليه واعتنقوه.

12 – التجارة وأثرها في نشر الإسلام: وكان من أسباب انتشار الإسلام في الأرض انتشار تجار المسلمين بتجارتهم يبتغون من فضل الله وينشرون دين الله عز وجل وتعاليم الإسلام وأخلاق محمد عليه الصلاة والسلام، وكان للتجار المسلمين الذين انتشروا في قارة أفريقيا وقارة آسيا أثر كبير في دخول كثير من تلك الدول والشعوب في الإسلام، والقضاء على الوثنية وإقامة المدن الإسلامية، وذلك بسبب ما كان يتمتع به أولئك التجار من الصدق والأمانة وحسن المعاملة والبعد عن الغش والتزوير والنصح للأمة متمسكين في ذلك بهدي نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام.

يقول الدكتور مصطفى الجمال في خاتمة كتابه (أمة التجارة): "وتحدثت عن انتشار الإسلام في مالي على أيدي التجار وفقهاء لمتونه، وما ذكره ابن خلدون من أن أول ملك أعلن إسلامه هو برمندانة".

وقال أيضاً: "ويمكن في هذا المقام أن نقول كلمة حق بأنه كان من حصاد أخلاق هؤلاء التجار تلك الإمارات والدول والإمبراطوريات الإسلامية التي سبق ذكرها وكفى بالله شهيدا".

وقال أيضاً: "…يمكن القول بأن الجهد الذي بذله التجار العرب والبربر الذين جابوا الديار الأفريقية حيث كانوا خير دعاة للإسلام بعملهم وسلوكهم ونشرهم للدين الحنيف؛ فأسلم على أيديهم خلق كثير، كما قاموا ببث العلوم الإسلامية، ونبغ على أيديهم جيل من أبناء أفريقيا حملوا أمانة الدعوة، فأضافوا إلى شعوبهم الإسلامية شعوباً، ولأمتهم العربية الإسلامية مسلمين" (31).

شهادة منصف: وهذا (بارتولد) الذي تخرج من جامعة بطرسبرغ عام 1981م يقول في تاريخ الحضارة الإسلامية ص(54): "انتشر الدين الإسلامي في القرن الرابع الهجري في قبائل الترك وفي بعض مدن التركستان الصينية بواسطة التجارة وبدون استخدام أي سلاح" (32).

13 - لماذا ينتشر الإسلام اليوم في العالـم: لست أدري من الذي يجبر كثير من الناس اليوم على اعتناق الإسلام؟ ومن الذي قهرهم على إعلان إسلامهم وترك ما هم عليه من النصرانية أو الوثنية أو غيرها.. من الذي أجبر أولئك القساوسة والمبشرين والأطباء والصحفيين ورجال الأعمال على اعتناق الإسلام؟ بل لا يكاد يمر يوم ولا أسبوع إلا ونسمع عن عشرات من الناس في جميع أنحاء العالم يدخلون في الإسلام، فهل قهرهم المسلمون وأجبروهم بالسيف؟ إن حالة المسلمين اليوم في غاية من الضعف والتفرق والغثائية والتقصير الكبير في نشر دينهم وتشاغلهم بدنياهم إلا ما رحم الله، ورغم ذلك فالإسلام ينتشر في الأرض رغم ما يقوم به العدو من قتل وضرب وإبادة في صفوف المسلمين، سواءً في أفغانستان أو في فلسطين أو في العراق أم في غيرها. إن هذا يذكرنا بالأيام الأولى للإسلام يوم أن كان المسلمون يضربون أشد الضرب وتنزل بهم أعظم المحن من قبل أعدائهم وهم مع ذلك متمسكون بدينهم، بل ويدخلون في دين الله أفواجاً بإرادتهم واختيارهم، رغم ما يشاهدون فيمن أسلم من التعذيب والنكال، بل ربما أعلن أحدهم إسلامه وذهب ليخبر بذلك زعماء قريش من أجل أن يضربوه كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهل هم مكرهون بالسيف؟

لماذا أسلم هـؤلاء ؟

1 - المبشر النصراني (بشير أحمد شاد): كان أبوه مبشراً نصرانياً، وحرص على تنشئة ولده على ذات الطريق، وأكمل دراسته عام 1947م وبدأ يعمل في التبشير في لاهور، وبعد عشرين عاماً من التبشير والبحث عن الحق والمعاناة أعلن إسلامه عام 1968م. (33)

2 – القس المبشر خليل أحمد: قس مبشر ولد في الإسكندرية عام 1919م يحمل شهادات عالية في علم اللاهوت من كلية اللاهوت المصرية ومن جامعة برنستون الأمريكية، عمل في أسوان سكرتيراً عاماً للإرسالية الألمانية السويسرية، وكانت مهمته الحقيقية التنصير والعمل ضد الإسلام، لكن تعمقه في دراسة الإسلام قاده إلى الإيمان بهذا الدين، وأعلن إسلامه رسمياً عام 1959م وله العديد من المؤلفات (34).

3 – القسيس الدكتور أ.ج. دورائي: قضى ردحاً من حياته في كنيسة إنجلترا، حيث عمل قسيساً منذ عام 1939م حتى عام 1963م ثم أعلن إسلامه. ومثله المبشر (ناجيمواراموني) الذي كان متحمساً للنصرانية لكنه عندما قرأ عن الإسلام اهتزت قناعته بالنصرانية فأسلم عام 1963م (35).

4 – اللوردهدلـي: من أكبر شخصيات الأشراف البريطانيين وكان سياسياً ومؤلفاً خدم في الجيش برتبة (لفتنانت كولونيل) في الفرقة الرابعة المشاة في نورث منستر وأعلن إسلامه عام 1913م، وقال: "من المحتمل أن يتصور بعض أصدقائي أنني وقعت تحت تأثير المسلمين، ولكن ذلك ليس هو السبب في تحولي إلى الإسلام لأن اقتناعي كان حصيلة لدراسة دامت عدة سنوات". وقال: "وكم كان اغتباطي وانشراح صدري عندما وجدت أن نظرياتي في مقدماتها ونتائجها كانت تتفق تماماً مع تعاليم الإسلام" (36).

5 – السير عبدالله ارشبيولدهاملتونى (إنجلترا): بريطاني مرموق ومن رجال الدولة، نال البارونية من درجات مختلفة، وكان ملازماً في قوة الدفاع البريطانية، ورئيساً لجمعية المحافظين في سلزى (37).

6 – العالم اللغوي الجيولوجي البروفسور هارون ليون: كان نابغاً في علم اللغات، ونال الماجستير من جامعة بوتوماك في الولايات المتحدة، وكان زميلاً وعضو شرف في كثير من الهيئات العلمية في أوربا وأمريكا، وسكرتير عام الجمعية الدولية لعلم أصول اللغات (38).

7 – الدكتور الطيب علي سلمان بنوا (فرنسا): يقول أنا دكتور في الطب، وأنتمي إلى أسرة فرنسية كاثوليكية، ويقول: "كنت قبل أن أعرف الإسلام مؤمناً بالقسم الأول من الشهادتين لا إله إلا الله، وبهذه الآيات من القرآن (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) (سورة الإخلاص)، وقال أما مركز الثقل والعامل الرئيس في اعتناقي للإسلام فهو القرآن" (39).

وأخيراً فالمتتبع لهذا الدين وانتشاره يجد كثيراً من الشخصيات من رجال الدول والسياسة والعلماء والأطباء والنساء والمصلحون والوعاظ ورجال الاجتماع يدخلون في الإسلام بإرادتهم واختيارهم لما عرفوا النور والخير والهدى في دين الإسلام، ولما يرون في غيره من التناقضات والأباطيل ومصادمة العقل والفطرة السليمة (40). ________________

(1) السيرة النبوية د/ أبو شهبة (1/378 ).

(2) رواه البخاري (7 ).

(3) رواه البخاري (3557 ).

(4) القصص، آية (57 ).

(5) السيرة النبوية للندوي 87 .

(6) ابن هشام (1/250 ).

(7) المصدر السابق (2/42 ).

(8) رواه البخاري (3911 ).

(9) القصص، الآيات (52-53 ).

(10) ابن هشام (2/5 ).

(11) ابن هشام (1/383 ).

(12) المصدر السابق (1/420 ).

(13) البداية والنهاية لابن كثير (3/152 ).

(14) الجن، الآيات (1-2 ).

(15) ابن هشام (2/273 ).

(16) رواه أحمد (3/175)، وصححه شعيب في المسند رقم (12792 ).

(17) رواه مسلم – الفضائل (2312 ).

(18) رواه مسلم (2313 ).

(19) ابن هشام (4/143 ).

(20) ابن هشام (1/287 ).

(21) رواه مسلم (2514 ).

(22) ابن هشام (1/420 ).

(23) انظر: فقه السيرة للغزالي 156 .

(24) ابن هشام (2/50 ).

(25) رواه البخاري (2941 ).

(26) الرحيق المختوم (354 ).

(27) رواه البخاري (2810 ).

(28) البقرة، آية (190 ).

(29) الأنفال، آية (39 ).

(30) أهمية الجهاد د/ علي العلياني (158) وما بعدها بتصرف يسير .

(31) أمة التجار، د/ مصطفى الجمال، ص268 وما بعدها .

(32) قالوا عن الإسلام 269 .

(33) قالوا عن الإسلام، د/ عماد الدين خليل، ص74 نقلاً عن كتاب رجال ونساء أسلموا (7/19-20 ).

(34) المصدر السابق ص49 .

(35) المصدر السابق (105-181 ).

(36) لماذا أسلمنا 43 .

(37) المصدر السابق 52 .

(38) المصدر السابق 68 .

(39) المصدر السابق 70 .

(40) انظر كتاب: لماذا أسلمنا