"قبول الآخر" مصطلح رائج هذا اليوم. يرادفه: الرأي الآخر.. عدم إقصاء الآخر.. عدم إلغاء الآخر.. التعايش مع الآخر.. الآخر.. إلخ..!!. فمن الآخر ؟.. وكيف يكون قبوله: أبحدود، أم من دونها ؟.. فالآخر بالنسبة لك: - هو: غيرك. بعد أم قرب. - هو: أبوك، وأمك، وأخوك، وابنك، وزوجك، وابنتك، وابن قبيلتك، وجارك، وابن بلدك. - وهو: أخوك في الدين والملة. - وكذا هو: أخوك في الإنسانية، والخلقة والواحدة، من تراب، ومن نطفة.. أخوك لآدم. فهل نسترسل، فنخرج إلى أجناس أخرى، كالجن، والحيوان، والنبات، والجماد. فنقول: أخوك في الوجود؟! كلا، إذ لا أحد من الذين يطلقون هذا المصطلح "قبول الآخر": يدعي أن الآخر يحوي هذه الأجناس كلها.
فهذا معلوم، لكن غير المعلوم هو: ما حد هذا الآخر في جنس الإنسان؟، أهو كله، أم بعضه؟. هذا ما لا يفيده المصطلح، بل يتركه غائبا، عائما، دون تحديد، وهذا ما يفعله عن عمد بعضهم ..!!. ثم ما معنى الكلمة الآخر: قبول ؟..قبول ماذا في الآخر ؟:
- أقبول السماع منه ومحاورته ؟
- أم قبول التعامل معه ؟
- أم قبول التعايش بسلام؟
- أم التزاوج والمساكنة ؟
- أم قبول التآخي والتحاب ؟
- أم قبول التساوي ؟
- أم ماذا..؟!!
- أهو قبول دينه، وأفكاره، وأخلاقه، مهما كانت، وعلى أية صفة، واحترامها واعتقاد صحتها ؟!!.
كل هذه الاحتمالات في معنى "القبول" واردة..!!. ثم أي احتمال لكلمة "قبول" يمكن توفيقه مع أي احتمال لكلمة " الآخر"، فيصح أن يقال حينئذ:
- قبول السماع من الجار والصديق.. وقبول التعامل مع الأخ وابن القبيلة.. وقبول التعايش مع الأبوين.. وقبول التآخي مع المؤمنين، وقبول الخلاف معهم.. وهذا نوع أول.
- ونوع آخر، يمكن أن يقال كذلك: قبول دين البوذية.. واحترام دين اليهود والنصارى، باعتقاد صحتهما.. وقبول التآخي والتحاب مع المعتدي الكافر بدين الإسلام.. وقبول أفكاره، واختياره. فهل المصطلح يتضمن هذين النوعين ؟
بحسب إطلاق المصطلح وعدم ضبطه، ولا تحديده: نعم يتضمن. وكل هذه النتائج بأنواعها المتضادة لازمة لهذا المصطلح؛ إذ إنه مطلق غير مقيد. فإن جاء من يقول: تفسير مصطلح "قبول الآخر" بقبول التعايش مع الأبوين ونحوه، غير مراد؛ لأنه بدهي. قلنا: إذا أخرجنا هذا، صح لنا أن نخرج قبول دين غير المسلمين؛ بمعنى اعتقاد صحته. وهذا ما لا يمكن أن يقبله من وضع المصطلح، فما وضعه إلا لأجل تقرير هذا المعنى.
وإدخال المعاني وإخراجها من المصطلح، ليست وقفا على المزاج، بل المصطلح هو الذي يحدد ما يخرج وما يدخل، فالمصطلح عام مطلق، يحوي جميع هذه النتائج، لا مناص من هذا. وفي هذا المقام لن نشتغل بالنتائج المقبولة إنما بالفاسدة، وبالتحديد تلك التي تفيد قبول دين اليهود والنصارى، بمعنى اعتقاد صحتهما، كونهما دينان سماويان في أصل الأمر، لهما كتابان، وأنبياء.
فهذه النتيجة يؤمن بها طائفة من الناس، يرجون لها تحت هذا المصطلح "قبول الآخر"، بعضهم آفته الجهل. وبعضهم آفته الهوى وإيثار الدنيا على الآخرة، فلرفع الجهل والغفلة، ولإقامة الحجة والبيان: نبين حقيقة دين اليهود والنصارى. لندلل على امتناع صحتهما بعد أن حرفتا، ومن ثم بطلان فكرة قبولهما:
بطلان دين اليهود:
لما جاء موسى عليه السلام بالتوراة، من عند الله تعالى إلى بني إسرائيل، كان ما جاء به هو الإسلام حقيقة، من آمن به من بني إسرائيل نجى وكان من الفائزين، لكنهم كفروا وعصوا، فلما مات عمدوا إلى التوراة فحرفوا فيها وبدلوا، قال الله تعالى:
"فما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تتطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم" [المائدة: 13].
وفي التوراة نصوص كثيرة محرفة، منها: الشناعات والعظائم التي نسبت إلى الأنبياء، والتي لا تليق بهم أبدا، ولا يقبل عاقل أن يصدقها في حق من اصطفاهم الله لهداية البشرية، فمن ذلك:
1- أنهم زعموا أن إبراهيم عليه السلام قدم امرأته إلى فرعون راضيا.[1]
2- أنهم نسبوا إلى نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام الردة وعبادة الأصنام، جاء في التوراة: " وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه مع الرب كقلب داود أبيه".[2]
3- أنهم نسبوا إلى هارون عليه السلام صنع العجل[3].
4- أنهم زعموا أن لوطا عليه السلام شرب الخمر، فسكر، فزنى بابنتيه.[4]
5- أنهم ادعوا أن يعقوب عليه السلام سرق.[5]
6- أنهم افتروا على داود عليه السلام أنه زنى بامرأة أوريا، أحد جنده، فولدت له سليمان عليه السلام.[6]
فهذه الشناعات والنقائص والرذائل المنسوبة إلى الأنبياء عليهم السلام الموجود في التوراة تدل على كذب ما فيها، وعلى عبث أيدي الأحبار بكتاب الله تعالى التوراة. وليست الشناعات والافتراءات مقصورة على الأنبياء، بل لقد اعتدى اليهود على مقام رب العالمين، فوصفوه بالنقائص والقبائح:
1- زعموا أن يعقوب عليه السلام صارع الرب جل شأنه ..؟؟!!، ففي سفر التكوين: "فبقي يعقوب وحده. وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حُق فخذه. فانخلع حُقّ فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر. فقال: لا أطلقك إن لم تباركني. فقال: ما اسمك. فقال: يعقوب. فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال: أخبرني باسمك. فقال: لماذا تسأل عن اسمي. وباركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل. قائلا: إني نظرت الله وجها لوجه ونُجّيتْ نفسي"[7].
2- زعموا أن الله تعالى تعب واستراح يوم السبت، ورد في سفر التكوين: "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع الذي عمل".[8]
3- زعموا أن الله تعالى يندم، ففي سفر الخروج: "فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه".[9]
4- زعموا أن الله تعالى يبكي، ففي سفر إرميا: "وتبكي عيناي بكاء وتذرف الدموع لأنه قد سبي قطيع الرب".[10]
فهذا مما ورد في كتابهم التوراة، وهو من تحريفهم، ليس هو الذي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر شيء من هذه الاعتقادات الباطلة:
- حيث نسبوا إليه الولد. "وقال اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون" [التوبة: 30].
- ونسبوه إلى البخل. وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" [المائدة 64].
- ووصفوه بالفقر. قال الله تعالى: "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء" [آل عمران:181]. فإذا كان القوم على هذا النحو من تنقص الرب سبحانه، ووصف أنبيائه بالرذائل، وكل ذلك موجود في كتابهم المقدس، فلا ريب أن ذلك دال على تحريف دينهم وبطلانه، فلا يمكن أن يكون الدين المنزل من عند الله تعالى على النحو الذي صوره اليهود: تنقص للرب جل شأنه، ونسبة الرذائل إلى الأنبياء..!!. فثبت بذلك أن دين اليهود المحرف لا يمثل الدين الصحيح الذي ارتضاه الله تعالى لعباده.
بطلان دين النصارى:
ذلك عن اليهودية؛ أما عن النصرانية فنقول: جاء عيسى عليه السلام بالإنجيل ليكون المنهج المعدّل والمكمل لبني إسرائيل، ولكن اليهود لم يقبلوا رسالة المسيح، ومن ثم قاوموه، وانتهى بهم الأمر إلى إغراء بيلاطس الحاكم الروماني على الشام يومئذ بقتله وصلبه، لولا أن الله رفعه إليه. ثم سارت الأمور بعد ذلك بين اليهود وأتباع عيسى عليه السلام سيرة بائسة، انتهت بانفصال أتباع المسيح عن اليهود، وانفصال النصرانية عن اليهودية، مع أن عيسى جاء تكملة لما جاء به موسى عليهما السلام.
وقد اضطهد أتباع المسيح من اليهود ومن الرومان، مما اضطر الحواريين وأتباعهم إلى التخفي والعمل سرا فترة طويلة، تناقلوا خلالها نصوص الإنجيل وتاريخ عيسى عليه السلام وأعماله تناقلا خاطفا في ظروف لا تسمح بالدقة ولا بالتواتر، فأولها ألفه متى اللاواني بعد تسع سنين من رفع المسيح عليه السلام، والثاني ألفه مرقس الهاروني بعد اثنين وعشرين عاما، والثالث ألفه لوقا الأنطاكي بعد مرقس، والرابع ألفه يوحنا بن سبذاي بعد رفع المسيح عليه السلام ببضع وستين سنة، وبهذا لم يحفظ الإنجيل، ولم يسطر كما أنزله الله، فكانت هذه الخطوة الأولى في طريق تحريف الدين، قال ابن حزم:
"وأما النصارى فقد كفونا هذه المؤونة كلها؛ لأنهم لا يدعون أن الأناجيل منزلة من عند الله تعالى على المسيح، ولا أن المسيح عليه السلام أتاهم بها، بل كلهم أولهم عن آخرهم: آريوسيهم [11] ، وملَكيهم [12] ، ونسطوريهم [13] ، ويعقوبيهم [14]، ومارونيهم [15] ، وبولقانيهم [16]، لا يختلفون في أنها أربعة تواريخ، ألفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة".[17]
ثم تلتها الخطوة الثانية: فقد دخل بولس في النصرانية، وبولس كان يهوديا من ألد أعداء المسيح، وفجأة انقلب فصار من أتباعه، وذلك بعد موت المسيح، وتبوأ مركزا مهما في النصرانية، حتى صار في مقام الرئيس وسمي بـ (الرسول)، فتسنت له الفرصة ليدخل فيها ما شاء من الوثنية الرومانية والفلسفة الإغريقية، ومن ذلك عقيدة الحلول، فكانت هذه الخطوة كارثة كبرى على النصرانية.
ثم تلتها الخطوة الثالثة في طريق تحريف النصرانية: وهي اعتناق قسطنطين الحاكم الروماني للنصرانية وسيطرة الحزب النصراني على الحكم، فقد كان قسطنطين لا يبالي بالدين، فسهل على المنافقين أن يمزجوا بين الوثنية والنصرانية مستغلين مناصبهم العالية، وكانت من نتيجة ذلك أن ظهر دين جديد تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء، ساعد على تعميق هذا الانحراف، الخلافات السياسية والعنصرية، فقد أصبحت العقيدة النصرانية عرضة للتغيير والتنقيح لتحقيق أهداف سياسية.
فتلك ثلاث كوارث حلت بالنصرانية:
- اضطهاد أتباعها منذ الأيام الأولى مما منعهم من تسطير الإنجيل تماما كما أنزل.
- ثم اختلاط الوثنية بها على يد بولس أولاً، ثم على يد قسطنطين الحاكم الروماني ثانيا.
- ومن ثم صارت النصرانية غريبة كل الغرابة عن الدين الإلهي المنزل [18]. قال الله تعالى: "ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا.." [المائدة: 14].
وفي الإنجيل نصوص كثيرة ثبت تحريفها، من ذلك:
1- ما جاء في إنجيل يوحنا أن جميع أنبياء بني إسرائيل سراق ولصوص، في شهادة يسوع عليهم: "فقال لهم يسوع أيضا: الحق الحق أقول لكم، إني أنا باب الخراف، جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص، ولكن الخراف لم تسمع لهم"[19].
2- ما جاء في إنجيل متى: "وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا"[20]، وأوريا هذا هو أحد جند داود عليه السلام، زعموا أن داود عليه السلام رآها فأعجب بها، فطلبها، وضاجعها، ثم أرسل أوريا في نحر العدو ليقتل، فكان ذلك، وكانت المرأة قد حملت، فولدت سليمان. وقد حكى الله تعالى كفرهم في الكتاب، وذلك لأنهم قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وأن المسيح ابن الله تعالى: "وقال اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون" [التوبة: 30].
"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبد الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم" [المائدة: 73].
ومن كفرهم اتخاذهم - هم واليهود - أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى، قال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون" [التوبة: 31]. فقد ثبت بما سبق ضلال وكفر اليهود النصارى، و تحريفهم وعدم قيامهم بالدين المنزل.
هذا وشريعتهم وشريعة اليهود إنما نزلت إلى بني إسرائيل خاصة، وليست للناس عامة، فلو سلمت من تحريفهم لما كانت صالحة إلا في زمن معين، لقوم معينين، فكيف وقد حرفت؟. فلم يبق دين صحيح منزل، تسمو به الإنسانية، سوى الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، فقد سلمت من التحريف، لكونها محفوظة من عند الله تعالى: قال الله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: 9].
ثم إنه مهيمن على جميع الكتب والشرائع، كما قال تعالى: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاء من الحق" [المائدة: 48] ثم إنه دين شامل للناس كافة، قال تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا" [سبأ: 28].
وهو دين خاتم، باق إلى قيام الساعة، ولأجل ذا فهو صالح لكل زمان ومكان، قال تعالى: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" [الأحزاب: 40]. ومن ثم لا يقبل الله تعالى غيره، والأدلة على ذلك ما يلي:
1- قال تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران: 19].
2- وقال: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران: 85].
3- وقال: "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ" [آل عمران: 20].
4- روى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار )[21]. ذلك ثبوته؛ أي الإسلام، من جهة أدلة الشرع.. أما ثبوته وصحته من جهة أدلة العقل: فإن الذي لا خلاف فيه بين العقلاء والعارفين بالحقائق اللغوية، والتاريخية، والقوانين:
- أن القرآن الكريم ليس من وضع البشر.
- وأنه معجز من حيث لغته، وأخباره، وأحكامه.
- وكذلك ليس فيه أي تحريف أو تبديل.
- وكل من حاول أن يعبث فيه بزيادة أو تحريف ارتد خاسئا.
مما يؤكد صدقه، وأنه منزل من عند الله تعالى، ومثل هذا لا يتوافر في الكتاب المقدس لدى أهل الكتاب.
- كما أن هذا الدين الإسلامي يدعو إلى عبادة الله وحده، والإعراض عن عبادة المخلوقات بلا استثناء، ويدعو إلى تعظيم الخالق وتنزيهه غاية التنزيه والتقديس، عن مشابهته بشيء من مخلوقاته في شيء. وهذا يتفق مع العقل الصحيح، إذ لا يستحق شيء منها أن تعظم كتعظيم الخالق. وقد تبين ما لدى اليهود والنصارى من اختلال وانحراف في نظرتهم إلى الرب جل شأنه.
- وأيضا فإن منزلة الأنبياء وقدرهم محفوظ في الأخبار الواردة في نصوص الكتاب والسنة، ليس فيها طعن أو تنقص، وهذا عين العقل والحق، حيث إنهم الصفوة المختارة لهداية البشرية، فلا بد أن يكونوا الأحسن سيرة وأخلاقا، والأكمل عقولا ودينا، لا كما ادعى اليهود والنصارى فيهم من فواحش. وإذا ثبت ذلك تقرر وتأكد بلا تردد أو ريب: أن الدين الحق هو ما جاء فيه، وهو الإسلام واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا يرضى الله تعالى غيره.
فكل الأدلة الشرعية والعقلية الصحيحة والتاريخية تؤكد أن الدين الإسلامي هو الصحيح، من: حيث أخباره الصادقة، وأحكامه العادلة، وصفحاته المشرقة في تاريخ البشرية. وعلى ذلك فلا طريق للتزكية لتسمو النفس الإنسانية إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والتدين بدين الإسلام.
وبعد: فهذا المصطلح "قبول الآخر" لا بد من تقييده، وإلا كان القائل به موضع نظر..!!.. حيث يحتمل كلامه: الرضا بدين اليهود والنصارى، وتصحيحه، ورفعه ليتساوى مع الإسلام. وهذا ما لا يقبله الله تعالى..!!. وتقييده يكون بإلحاق قيد به هو: "في حدود الشريعة"، فيقال: "قبول الآخر، في حدود الشريعة". والمخالف يحتمل أن يكون في دائرة الإسلام، ويحتمل أن يكون خارج دائرة الإسلام: فإن كان في دائرة الإسلام، فله حكمه الخاص، يختلف عن حكم غيره، وليس هذا محل الكلام عليه. وأما إن كان خارج دائرة الإسلام فيكون صورة المصطلح كما يلي:
"قبول غير المسلم، سواء كتابي أو غير كتابي، في حدود الشريعة". فهذا القيد يحدد ويضبط معنى القبول، ولا يطلقه، وحينئذ يكون المعنى:
- قبول السماع منه، ومحاورته، ومجادلته بالتي هي أحسن.
- قبول التعايش معه بسلام، إذا كان من المسالمين، سواء كان على شكل دول جوار، أو أفراد متجاورين في المسكن والعمل: معاهدين، أو أهل ذمة، أو حتى في حال إقامة المسلمين في دولهم لعذر شرعي.
- قبول أدائهم شعائرهم، دون إكراه على الإسلام، أو تغيير دينهم، ودون مضايقة، فإذا كانوا في بلاد المسلمين، فلا إعلان ولا دعوة لدينهم، وإذا كانوا في بلادهم فهم أحرار.
- قبول التعامل معهم: تجارة، وتزاورا، وضيافة. وعقد العهود والعقود معهم، وأكل طعامهم، والتزوج بنسائهم، والإحسان إليهم بالبر والقسط.
فيكون حينئذ تفسير المصطلح كما يلي:
"قبول غير المسلم من حيث: محاورته، والتعامل معه في المباحات، والإحسان إليه، وترك حرية التدين له، وعدم العدوان عليه، بحسب ما حده الشرع". فكل قبول للآخر غير المسلم لا يلزم منه الرضا بدينهم، أو تصحيح ملتهم، ولا يلزم منه خرق حدود الشريعة: فهو جائز. فإذا حُدّ هذا المصطلح بمثل هذه الحدود فهو صحيح، وإذا لم يحد واستعمل فيه الإطلاق فهو تلبيس، يحتاج إلى تفصيل، فيسأل هذا المصر على إطلاقه: ماذا يقصد به؟.
فإن قصد ما يكون في حدود الشريعة، وأعلن أنه يلتزم الشرع فيه، ويعتقد بطلان كل الأديان سوى الإسلام، فقصده صحيح، وإطلاقه خاطئ. - وإن قصد ما يتضمنه الإطلاق من معنى، فذلك يفيد تصحيح دين أبطله الله تعالى، فكيف يجرء مسلم على أن يصحح ما حكم الله ببطلانه..؟؟!!. ثم يقال لهذا: أنت تقبل الآخر مطلقا، حتى دينه..!!.. فهل تقبل الآخر إذا سلب مالك، وقتل أبويك، وإخوتك، وزوجك، وأولادك، وأخذك فأهانك، وأذلك، وسجنك..؟!. هل تقول إنك تقبله، وتصحح مذهبه، ودينه الذي حمله على إيذائك، والتقدم بالسوء إليك..؟!!. فإن قلت: نعم أقبله.
فأنت إما مغالط تقول ما لا تعتقد، وتكابر فلا تقبل الحق. أو فاقد الأهلية للحكم على الأحوال، لفساد فطرة، أو فساد عقل. وإن قلت: لا أقبله. فحري بك ألا تقبل من يسلب دينك ومالك، ويهتك حرمات المسلمين، ويعتدي على أرضهم. كما أنه حري بك ألا تقبل من ينتقص ويسب ربك إلهك الذي تدعي حبه، وينسب الفواحش والرذائل إلى أنبيائه الذين تعتقد أنهم أولياء الله تعالى. حري بك ألا تقبل دين وعقيدة من ينتهك دينك، كما لا تقبل دين وعقيدة من ينتهك حرمتك، فهل نفسك عندك أعظم من الله تعالى ودينه..!!.
إن المصطلح إذا تضمن حقا وباطلا، فلا يصح استعماله إلا بالبيان والتفصيل.. فمن كان غرضه الإصلاح فعليه أن يتميز بمصطلحات واضحة، يُعرف بها، ويجتنب ما كان منها غامضا، أو متضمنا الضدين، حتى يقف الناس على مراده، ولكيلا يشتبه حاله بأهل الغموض والتلبيس، الذين يستعملون الكلام المحتمل، فمتى آنسوا أفصحوا، وأعلنوا، وإذا ما استوحشوا أضمروا، وأنكروا، وقالوا: ما أردنا إلا الحسنى..!!.
فيظن به موافقته لهم، وأنه مثلهم في الهدف والغاية؛ فإن هذا يضر الذين وثقوا به، وأتمنوه على دينهم..!!.
--------------------
[1] - انظر: سفر التكوين، الأصحاح 12، عدد 14.
[2] - سفر الملوك الأول، الأصحاح 11، عدد 5.
[3] - انظر: سفر الخروج، الأصحاح 32، عدد 1.
[4] -انظر: سفر التكوين، الأصحاح 19، عدد 3.
[5] - انظر: سفر التكوين، الأصحاح 31، عدد 17.
[6] - انظر: سفر صموئيل الثاني، الأصحاح 11، انجيل متى، الإصحاح الأول، عدد 6.
[7] - سفر التكوين، الأصحاح 32، عدد 24 –3.
[8] - سفر التكوين، الأصحاح 2، عدد 1- 2.
[9] - سفر الخروج، الأصحاح 32، عدد 14.
[10] - سفر إرميا، الأصحاح 13، عدد 17.
[11] - أريوسيون: أنصار آريوس [أنكر اللاهوت، فحرمه مجمع نيقية 325، ونفي، مات موتا غامضا] وقد أنكروا لاهوت المسيح، وبالتالي عقيدة الثالوث. انظر: معجم الإيمان المسيحي ص32.
[12] - ملَكيون: اسم أطلقه اللاخلقيدونيون على الذين حافظوا على العقيدة الخلقيدونية، انفصلوا عن الغرب، فبذلت جهود للتقارب، حتى أنشئت كنيسة ملكية متحدة برومة، وكلمة (ملكية) اليوم تدل على الروم الكاثوليك فقط. انظر: معجم الإيمان المسيحي ص482.
[13] - نسطورية:نسبة إلى نسطور، متوحد وكاهن أنطاكي، قال بأن المسيح مكون من شخصين، شخص إلهي هو الكلمة، وشخص بشري هو يسوع، لم يكن هناك في نظره اتحاد بين طبيعة بشرية وأقنوم إلهي، بل مجرد صلة، ويرفض كل مشاركة في الخواص، حرم، ونفي إلى ليبيا حيث توفي، انتشرت هذه الكنيسة في آسية، فقدت عددا كبيرا من مؤمنيها، وعادوا إلى الكنيسة الكاثوليكية، وتسمى الكنيسة الآشورية المشرقية. انظر: معجم الإيمان المسيحي ص59-51.
[14] - يعاقبة: اسم عرف به السريان، أطلق على حزب يعقوب البرادعي في أثناء المشاكل التي أثيرت على البطريرك بولس الأنطاكي الثاني، فليس أصلها جدل تعليمي. انظر: معجم الإيمان المسيحي ص547.
[15] - ماورنية: أتباع مارون الراهب، بطريركية يعود أصلها إلى دير مار مارون في وادي نهر العاصي في جنوب أنطاكية. .انظر: معجم الإيمان المسيحي ص425. [16] - بوليقيون: هراطقة من القرنين السابع والثامن، انتشروا في أرمينية بلغاريا، كانوا يقولون بوجود إلهين: إله صالح، خالق النفوس، وإله شرير، خالق وسيد العالم الحسي. انظر: معجم الإيمان المسيحي ص121.
[17] - الفصل 2/13.
[18] - انظر: المستقبل لهذا الدين، سيد قطب، ص29-34، الفصل لابن حزم، ابتداء ذكر الأناجيل 2/13-17.
[19] - الأصحاح 1، عدد 8.
[20] - الأصحاح الأول، عدد 6.
[21] - الصحيح، كتاب الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملة بملته، 1/134(24).
الآراء