الانتخابات حصیلة ذهبية وفي المجتمعات الفقیرة ومفتقرة للثقافة والدیمقراطیة أصحبت رمادا ونفایة خطیرة؛ إن احتواء السلطة المتنامیة والنتنة عبر الفصل بین السلطات والتداول السلمي للسلطة کانا إنجازین سیاسیین کبیرین للبشر وهما إنجاز النضال والتضحية لنخبة الذین ضحوا بأمنهم ومصالحهم حتی بأنفسهم لتوفیر الظروف الکفیلة لتحقیق الحریة والعدالة. وبسبب التراکم التأریخي لثقافة الاستبداد وتقدیس السلطة من جانب وحتمیة التطویر من جانب آخر أصحبت الانتخابات في بلادنا آلیة حکومیة ومسرحیة سیاسیة من نوع الحیلة الشرعیة ولا أداة لسیادة الشعب ورمزا لتعویل الحکومة علی أصوات الشعب. لأن الحکومة تعتبر عدم مشارکة الأشخاص في الانتخابات دلیلا علی عدم ولائهم لها کما تستنتج من بطاقات هویة غیر مختومة بختم الانتخابات ومن جانب آخر هناک من یفخر بأن یلعن أن هویاته لم ولن یختم بختم الانتخابات لیبرأ نفسه فکریا وسیاسیا.
في هذه الأیام وفي أتون التمهیدات الانتخابیة لمنصب الرئاسة نحن أمام ظاهرة باسم هوامش تسجیل المرشحین الملونین والمتنوعین وإحیانا ذوي سیاسات مخربة ولکن مبتهجة للنفس وهذا أمر مأسف ومثیر للتفکیر؛ في فکاهیة مریرة وبالطبع ذکیة نری أن طفلا دون السن القانوني للترشح یأتي للتسجیل أو الذي یرید خوض سباق الرئاسة معتمدا علی بدانته المفرطة أو الذي ینافس أوباما في مسابقة السباحة و... هذا الواقع وإن کان فکاهیة مریرة من الابتذال السیاسي في نظرة الملاحظ المتأمل ولکنها قبل کل شيء تنبئ عن مصیبة تتعلق بظروف تسجیل المرشحین والتقلیل العملي من دور رئیس الجمهوریة في إدارة البلاد وتوجیه النقد للعملیة الانتخابیة وغیاب الأحزاب الحقیقیة والمستقلة التي من شأنها أن یهتم بها الحقوقیون ومسؤولو البلاد حتی یتوفر الاعتماد الوافي لمشارکة العامة في مصیر البلاد.
إن الانتخابات لیست مجرد حضور عدد من المرشحین الموافق علیهم وإدلاء الأصوات في صنادیق الاقتراع؛ بل هذه المؤسسة الدیمقراطیة نابعة من فلسفة سیاسیة مکونة من ارتیاب واضح لدور السلطة وضرورة تسخیرها عبر رصد العامة المستمر لتوفیر المصالح العامة والحفاظ علی حریة الأشخاص والأحزاب أمام تعدي السلطات علیهم. الانتخابات هي آلیة لتحقیق حق أساسي ومجدي وسلاح ناعم وهي عبارة عن الإذعان بالمساواة بین کافة شرائح المواطنین لـ"لمشارکة" و"الرقابة" بشأن القرارات التي تتعلق بحقوق الجمیع أو بمصیرهم. وإذا لم یتم الاعتراف بهذا الروح للدیمقراطیة أعني المساواة بین المواطنین في المشارکة والرقابة، سوف لا تکون للمؤسسات والآلیات الدیموقراطیة، الفعالیة اللازمة لتوفیر مصالح الشعب والإجابة للمتطلباتهم وسوف یفقدون إیجابیتهم والقدرة والقابلیة علی إغواء الناس شیئا فشیئا وبالتالي ینتهي إلی انهیار الشرعية وسقوط المقبولیة للسلطات.
لا یمکن أن یحرم شریحة کبیرة من السکان الأصلیین للبلاد من الترشیح ویحمل علیهم تمییزا صارخا وفاضحا بذریعة القانون الذي ینبغي أن یکون أعلى وثيقة من وثائق العدالة ومظهرا للقیم والآفاق للسکان المتنوعین لبلاد؛ صحیح أن أهل السنة أقلیة مذهبیة ولکنهم جزء من هذا الشعب وهم مسلمون کغیرهم ولا یمکن تمییزهم قانونیا خلافا لمعاییر حقوق الإنسان وخلافا لمادتي 19 و20 من الدستور الحالي في حین أنهم إیرانیون ومسلمون.
بناء علی هذا لا یقتصر هذا الحرمان من إحراز منصب الرئاسة الجهموریة لأهل السنة علی الصعید ذاته بل إن الآثار المترتبة على هذه اللامساواة ستنتشر في کافة المستویات الأدنی وستعرقل تفویض أدنی المناصب بکل صراحة وبعد 37 سنة من عمر الثورة الإسلامیة أن "شعار" انتصاب وزیر واحد من أهل السنة أصبح ممکنا بمجرد جرأة "نجادیة" من قبل المرشح الرئاسي "بقائي" ولم یستطع أي رئیس آخر أن یرسم علی وجهه ابتسامة باهتة لـ"لإخوة الأعزاء" من أهل السنة خشیة شراسة القطاع التقليدي من المجتمع.
نعم إن هذا البلاد موطن تأریخي لکافة عناصره المتنوعة وأن أمنه وثقافته وحضارته مرهونة بجمیع المواطنین المتنوعین وبإبداعاتهم وجهودهم المتسقة وأن ضعفه وقوته في شتی الجوانب سیؤثران علی حیاتنا الحقیقیة؛ ومسؤولیتنا الشرعیة والأخلاقیة أن نقوم بتعزیز رکائز البلاد التي تبنی علیها السیاسة التضامنیة والتنمویة وبالنظر للالتزامات القانونية والتأثیر علی التنمیة أن مسؤولیة السلطات والمسؤولین أکثر بکثیر من بقیة الشعب البتة.
الآراء