منذ عشرات السنين وأهل الباطل في الشرق والغرب، من الحاقدين على الإسلام، و الكارهين للمسلمين: يروجون لهذه الفرية، وينشرون تلك الأكذوبة ؛حربا للإسلام، ونكاية بالمسلمين، وتشويها لصورتهم، وقلبا للحقائق، وتزييفا للتاريخ. ومن الضروري أن تبين الحقائق، وتفند أباطيل الخصوم ،وتبطل حججهم الواهية، وقد سبق إلى ذلك من زمن بعيد: علماء أجلاء، وأساتذة أفاضل، جزاهم الله خيرا؛ فقد أدوا ماعليهم فصدعوا بالحق،ودافعوا عن الدين، وأبطلوا حجة المفترين، من خلال كتاباتهم ومحاضراتهم، وخطبهم . و إن كان هذا، لايمنع أمثالي من أهل الدعوة، و طلاب العلم ،والذين يعيشون في بلاد الغرب "والتي مايزال يروج فيها لهذه الأكذوبة، وتنشر بعض وسائل الإعلام هذه الفرية"، أن يدلوا بدلوهم ، حتى لو كانت القضية كما يقال: قتلت بحثا. فأقول وبالله التوفيق. من الإفتراء على الحق، والتجني على التاريخ؛ أن يقول قائل، أو يدعي مدع: بأن الإسلام العظيم إنتشر بالسيف ،ومن المهم بداية أن نسأل ونقول: أين كان هذا السيف عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته على الناس، والقبائل وهم في أسواقهم، ومواسمهم، وأماكن إجتماعاتهم؟ فيؤذونه ويردونه الرد القبيح، "كما حدث في مكة والطائف" ويغرون به سفهائهم، وصبيانهم ومجانينهم؛ ليضربوه بالحجارة ،حتى أصابوه بالجراح، وأدموا جسده الطاهر الشريف.
لقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم ،يدعو الناس بالحكمة والموعظةالحسنة ،ويجادلهم بالتي هي أحسن، في بلده مكة، وبين أهله وعشيرته ،زهاء ثلاث عشرة سنة، فما وجد من غالبيتهم ، غير الصد و الإعراض، وناله وأصحابه الأذى الكثير ،وبلغت الجرأة بهؤلاء المناوئين، أن جاء أحدهم، ورسول الله العظيم، ونبيه الكريم، صلى الله عليه وسلم يوما، يصلي في الكعبة المشرفة، وبينما هو ساجد ،وإذا بالشقي الفاجر التعيس " عقبة بن أبي معيط،" يطأ عنقه الشريف حتى كادت عيناه تبرزان، وخنقه بردائه خنقا شديدا ،والناس من حوله "ينظرون شامتين" حتى أقبل "أبو بكر الصديق رضي الله عنه" مشتدا وخلص الرسول صلى الله عليه وسلم وأنقذه من شرهم ، وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم .
ولم يكن الأذى، قاصرا على الرسول صلى الله عليه وسلم وحده، بل نال المسلمين الأوائل جميعا، وها هو أبو جهل الأثيم "فرعون هذه الأمة" يطعن "سمية أم عمار بن ياسر"، بحربة، في موطن عفتها، فيقضي عليها، ويقتل زوجها، أويأمر ويساعد بقتله، ويأتي ولدهما "عمار" لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،باكيا شاكيا، بعد نجاته من القتل وأخذه بالرخصة، فيقول: يارسول الله بلغ منا العذاب كل مبلغ، وماتركوني حتى نلت منك. فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وماذا تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئنا بالإيمان. فقال له الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن عادوا فعد. "أي إن عادوا لتعذيبك فعد لما قلت في النيل مني". وقال له أيضا صلى الله عليه وسلم: إصبر أبا يقظان، "وهذه كنية عمار" اللهم لا تعذب من آل ياسر أحدا بالنار.
وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه، كان عبدا مملوكا لأمية بن خلف، فلما اعتنق بلال الإسلام، وشرح الله صدره للإيمان؛ حنق عليه سيده وأمره بالرجوع إلى عبادة الأوثان، فأصر على التمسك بدينه، وأبى أن يتخلى عن عقيدة التوحيد ،بعد هداية الله عزوجل له، وتذوقه لحلاوة الإيمان، فما كان من سيده أمية الكافر القاسي، إلا أن بالغ في أذيته، وتعذيبه بالضرب الشديد، ووضع الحجارة الثقيلة على جسده المنهك، في حر مكة اللافح، ورغم ذلك يأبى بلال إلا الصبر والصمود، وإعلان التوحيد الخالص لله عزوجل فيقول: أحد أحد . وظل كذلك حتى هيئ الله عزوجل، بقدره الحكيم :أبا بكر لإنقاذه من العذاب والأذى ،فاشترى بلالا وأعتقه.
وحتى أبي بكر رضي الله عنه "رغم مكانته في قومه "لم يسلم من أذاهم وشرهم وعدوانهم. هذا قليل جدا، من الإضطهاد و الأذى، والعذاب الذي تعرض له المسلمون الأوائل في بادئ أمر الدعوة، ولم يسل لهم سيف، ولم يخرج من جعبتهم سهم ،ولا رمح، رغم مالا قوه من عنت، وأذى. وماكانت حروبهم ،وغزواتهم بعد الهجرة، وإقامة الدولة في المدينة المنورة "والتي فرض القتال في بعضها عليهم فرضا كما في بدر وأحد وغيرها " ؛ إلا ردا للعدوان، وحماية وتأمينا للدعوة، ودفاعا عن النفس والعرض، والدين والوطن، ومنعا للفساد في الأرض فالقول" بأن الإسلام إنتشر بالسيف": فرية باطلة لاتلبث أن تنهار، وتنكشف أمام قوة الحق والخير، وقوة الحجة والبرهان، وقوة الجلال والجمال، التي إختص الله عزوجل بها هذا الدين الحنيف.
ولذا يمكننا القول: بأن الإسلام العظيم الذي أكرمنا الله به، وهو دين الله الخالد، الذي أحكم الله بنيانه ورفع شأنه، وختم بشريعته الشرائع ،وبرسالته الرسالات، إنتشر هذا الدين: بقوة الحجة قوة الحق، والخير التي جاء بها، ودعا إليها والقرآن الكريم "كتاب الله عزوجل ودستوره الخالد لعباده" بين الحق تبارك وتعالى فيه: أنه لاإكراه في الدين. وعلى الناس إن أرادوا الحق، وكانوا منصفين: أن يقرأوا التاريخ، ويتدبروا أحداثه؛ ليعرفوا عظمة الإسلام، والأحداث العظيمة، التي صنعها المسلمون الأوائل، ومدى تأثيرها في الأمم والشعوب.
فعندما زحف الرومان لمهاجمة المسلمين، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه؛ لملاقاتهم في تبوك ،فوجدهم عادوا أدراجهم، فلم يتعقبهم وعاد بالجيش إلى المدينة." رغم ماتكبده من مال، وجهد في إعداد ،وتجهيز ذلك الجيش" لأنه لم يكن يحارب للحرب ذاتها "كما يفعل المعتدون المجرمون، والمرتزقة الآثمون"وإنما كانت حروب المسلمين وغزواتهم؛ دفاعا عن النفس والدين، والحرمات وردا للعدوان، وتأديب الذين يصدون عن سبيل الله عزوجل. وتشهد بذلك معاركهم، في بدر، وأحد والخندق وغيرها.
والمتأمل أيضا لوقائع التاريخ يجد: أن المذاهب والفلسفات والدول، والإمبراطوريات التي أسست مجدها وعظمتها، عن طريق القوة والعدوان؛ إنهارت يوم ضعفت قوتها، وسقط سلاحها من يدها ،وأصبحت نسيا منسيا، وخير مثال على ذلك الفرس والروم، و التتار والمغول، والفاشية والنازية. أين هؤلاء جميعا الآن؟ وفي عصرنا الحديث، أين الماركسية اللينينية الشيوعية السوفيتية؟ والتي ماتت بالسكتة القلبية في عقر دارها ،مابين عشية وضحاها! تفتتت واضمحلت بعد هزيمتها عسكريا، في أفغانستان، وعقب أزماتها المالية، ودمار إقتصادها."وقد كانت تعد شعوبها بحياة الرغد والنعيم."
وهكذا نجد أن أعظم العواصف العسكرية، والتي تعرضت لها البشرية، في تاريخها الطويل؛ لهي خير دليل على ذلك. ثم أين هي الآن؟! لو أن الإسلام إنتشر بالسيف، وعن طريق القوة، وإجبار الناس على اعتناقه، كما يدعي خصومه والحانقون عليه؛ مابقي نصراني أو يهودي، أوغيرهما على ملته ،وديانته في البلاد التي فتحها المسلمون. لكنا وجدناهم يعيشون بحرية وأمان، بل ماوجدوا عدلا وأمانا على أنفسهم، وأموالهم إلا في ظل الإسلام، وحكمه العادل.
يشهد بذلك: التاريخ ويقر به: المنصفون منهم لقد حكم المسلمون بلاد الهند قرابة ألف عام، وماأجبروا الناس على إعتناق الإسلام والواقع اليوم خير دليل على ذلك. فبعد قرابة عشر قرون حكم فيها المسلمون بلاد الهند، وجدنا الغالبية العظمى من الهنود ،لم تعتنق الإسلام ونسبة المسلمين في الهند قرابة العشرين بالمائة.
أيضا لو كان المسلمون الأوائل يكرهون الناس على الدخول في الإسلام؛ لتقلص الآن عدد المسلمين ،وترك الدين من اعتنقوه عنوة "خاصة والمجتمعات الإسلامية في أشد حالات الضعف والهوان" لكننا بفضل الله عزوجل، نجد الإسلام يمتد أثره، ويشع نوره، وتزداد أعداد معتنقيه من أهل الغرب والشرق، بل ومن علماء أوروبا، ومفكريها فقد عثروا فيه: على بغيتهم ووجدوا الحل لمشاكلهم، ومشاكل البشرية جمعاء. وكيف لا؟! وهو دين الله الحق، الذي اختاره لعباده، ورضيه لهم (إن الدين عند الله الإسلام ) (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) من فضل الله عزوجل: أن إسلامنا شع نوره ،وامتد أثره وشرق وغرب، وانطلق من أرض الجزيرة إلى شتى أنحاء العالم: بقوة الحق التي جاء بها، ودعا الناس إليها، وقوة الخير التي تنشر المساواة ،والعدالة والتراحم، والتكافل بين جميع الخلق. وقوة الجلال، في عقيدته الصافية، التي تخاطب الفطرة السليمة، وتبين عظمة الخالق عزوجل، وقدرته وبديع صنعه، و قيوميته ووحدانيته، وبيان المعاد والجزاء.
وقوة الجمال، في شريعته التي جاءت لإسعاد الإنسان وصلاح أمره ،وأخلاقه التي حث الناس على الاتصاف بها وتطبيقها ،فالدين المعاملة. والدين حسن الخلق. وكانت بعثة النبي الأعظم، والرسول الأكرم، صلى الله عليه وسلم؛ ليتمم مكارم الأخلاق. وحفظ الله: إمامنا القرضاوي إذ يقول: إن رسالة الإسلام إمتدت طولا، حتى بلغت آباد الزمان، وامتدت عرضا حتى انتظمت آفاق الأمم، وامتدت عمقا حتى شملت شئون الدنيا والآخرة .
والإسلام دين عالمي، ينبغي أن تنتشر أضواءه في الآفاق وتعم دعوته أرجاء الأرض إننا جميعا نؤمن إيمانا لاشك فيه أنه دين عالمي. وكتب أيضا حفظه الله في موسوعته العظيمة (فقه الجهاد ) عن أكذوبة إنتشار الإسلام بالسيف: وهذه فرية تكذبها تعاليم الإسلام القطعية، وتكذبها وقائعه التاريخية، ويكذبها المنصفون من المؤرخين المستشرقين أنفسهم. ومما قاله أيضا "ارك الله في عمره" لأصحاب دعوى إنتشار الإسلام بالسيف: إن السيف يمكنه أن يفتح أرضا، ويحتل بلدا، ولكن لا يمكنه أن يفتح قلبا. ففتح القلوب وإزالة أقفالها: يحتاج إلى عمل آخر، من إقناع العقل، واستمالة العواطف، والتأثير النفسي في الإنسان.
بل أستطيع القول: إن السيف المسلط على رقبة الإنسان كثيرا مايكون عقبة تحول بينه وبين قبول دعوة صاحب السيف. فالإنسان مجبول على النفور ممن يقهره ويذله. وانظر إلى بلد كمصر بعد فتحها: ظل معظم الناس على نصرانيتهم عشرات السنين لايدخل الإسلام إلا الواحد بعد الواحد، وبعد عقود من الزمن بدأ المصريون يدخلون في دين الله أفواجا ،وكثر بعد ذلك الداخلون في الإسلام ومن أحب أن يبقى على دينه بقي إلى اليوم.
ورحم الله، أديب الدعوة وفارسها "الإمام محمد الغزالي "،والذي صدع بالحق في خطبه ،ومحاضراته وكتبه قائلا: لم ينتشر الإسلام بالسيف، وإنما إنتصر الإسلام على السيف؛ لأن السيف "أي سيف المعتدين" هو الذي شهر في وجه الإسلام ،من أول يوم ظهرت فيه الدعوة إلى التوحيد .
ويقول المستشرق المنصف، والمؤرخ البحاثة "العميق في بحثه" (توماس أرنولد) في كتابه العظيم" الدعوة إلى الإسلام": إن الإسلام لم ينتشر في العالم بحد السيف، بل إنتشر بالدعوة ،والحجة والإقناع، وأخلاق المسلمين، ولم يثبت في التاريخ قط: أن شعبا من الشعوب، أوقبيلة من القبائل، أو حتى أسرة من الأسر: أجبروا على التخلي عن دينهم، أو الدخول في الإسلام.
وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن ينصر الإسلام، ويعز المسلمين، ويرفع راية الحق والدين. اللهم مكن لدينك في الأرض وافتح له قلوب الناس. وائذن لشريعتك؛ أن تحكم ،و أن تسود.
إنك على ما تشاء قدير .
الآراء