غزة، بصلابة الجبال العلی
هیوا راشدي
السلام عليكِ، يا أسطورة الصبر والإيمان.
السلام عليكم، يا فرسان الثبات والصلابة.
السلام عليكم أنتم الذين علمتم البشرية دروس الحرية والعظمة وعلو الهمة.
أشهد أن التاريخ نادراً ما شهد أمثالكم. أنتم نادرون؛ لأنه أينما كنتم، يفرُّ الخوف ويصبح الموت بلا أثر أمامكم.
أين يمكن أن نجد أمة تجمع رجالاً لا يكلون، ونساءً شجاعات، وشباباً أبطالاً، وأطفالاً جسورين؟
أقسم بالله، لقد علّمتم البشرية درساً جديداً وفتحتم أعين العالم ليعيد النظر بعمق.
أريتم الإنسان الذي غرق في مستنقع الشهوات أن من يستنشق هواء الارتقاء الروحي يصبح أثقل من الجبال، وتبدو صلابتها أمامه كأنها شوكة أمام العاصفة.
علمتم العالم أن هناك معايير تفوق الماديات؛ معايير لا يقيس بها البشر أمورهم.
عندما تحدثتم عن النصر بأعدادكم القليلة، ووقفتم أمام كل قوى الغرب وآلتهم الحديدية، سخر الأعداء منكم ووصفوكم بالمجانين.
لقد حددوا لكم مصيراً بأيام معدودة، لأنهم لم يشهدوا أو يسمعوا صلابة كتلك التي رأوها فيكم.
أليس صحيحاً أن بعض الدول الأوروبية سقطت أمام ألمانيا في مدة قصيرة؟
أليس صحيحاً أن الدول العربية هُزمت في حرب سبعة أيام أمام هؤلاء الأعداء؟
لكنكم من نوع آخر؛ لا الحرب، ولا القتل، ولا الحصار، ولا العقوبات استطاعت أن تهز عزيمتكم.
لو وُضعت صلابة البشرية كلها في كفة وصلابتكم في كفة أخرى، لرجحت كفتكم.
إنهم لم يدركوا أنكم متصلون بمصدر قوة الأكوان، بالله الذي تدور السماوات العظيمة بقوته.
أمام هذه القوة، كانوا كقطرة أمام محيط.
بإيمانكم بهذا الإله، كما فعل موسى حين واجه فرعون، تقدمتم بلا خوف معتمدين عليه:
"قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى"
(قال: لا تخافا، إني معكما أسمع وأرى).
تقدمتم بلا تردد، وواجهتم دبابات "ميركافا" ومقاتلات "F-35" بأياديكم العزلاء.
هذه الشجاعة تذكرني بقول المرحوم مفتيزاده الذي حكى أحد رفاقه:
سألناه يوماً: لماذا تتحدث بكل هذه الجرأة؟ فأجاب:
"الخوف نعمة تحمي الإنسان، لكنني محروم من هذه النعمة."
وكأن كلمة الخوف غير موجودة في قاموسكم.
حاولوا كثيراً اقتلاع جذوركم من هذه الأرض، لكنهم فشلوا. كأنكم شجرة معمّرة غاصت جذورها في أعماق الأرض، من المستحيل اقتلاعها بسهولة.
من كان يصدق أن جميع إمكانيات الغرب فشلت في العثور على أماكن أسراكم خلال 15 شهراً؟
سخرتم من تقنياتهم، لأنه لم يكن بينكم من يخون أمته وهدفه مقابل المال، رغم الجوع والعطش والتشريد.
لا بد من كتابة الكتب عنكم؛ عن قادة صادقين وباذلين أرواحهم، وعن تربية جعلت من الأطفال رجالاً عظماء ومن الشباب أبطالاً ميدانياً، ومن بناتکم امهات مثل خنساء.
أطفالنا يتعلمون كيف يتفوقون على أقرانهم، أما أطفالكم فيتعلمون كيف يهزمون الأعداء.
أطفالنا يقرؤون التاريخ ليعرفوا الماضي، أما أطفالكم فقد كتبوا التاريخ بأنفسهم.
طلابنا يدرسون الرياضيات والجغرافيا من أجل الدرجات، أما طلابكم فيدرسونها لحفر الأنفاق ومواجهة العدو.
ما رأيناه فيكم كان مستوى من الإنسانية والعظمة والصبر والصمود جعل البشرية تقف أمامه خاضعة.
والأهم من ذلك، زرعتم في البشرية الإيمان بأن الإسلام دين يصنع إنساناً متفوقاً، لا إنساناً شكلياً وظاهرياً.
ولهذا يخشونه بشدة، لأن قيمهم الزائفة، مثل سحر سحرة فرعون، ابتلعتها عصا سنواركم.
وها هو طوفانكم الاقصى ، مثل زلزال قوي، يهدم الأسس الهشة للكثير من البنى، وما زال يعصف.
الآراء