قال تبارک وتعالی:
"وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَيُطيعونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ أُولئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ"(توبه:71).
رسالة هذه الآیة خلق التوازن في حیاة البشر أو الشعوب المسلمة وتؤکد علی أمر هام وهو أن جلب الخیر والبر وإزالة الشر والفساد یفتقر إلی توفیر المجال للأخوة والتعاون بین النساء المؤمنات والرجال المؤمنین ومن الضروري أن یکون المؤمنون أعوانا وأنصارا بعضهم لبعض: "وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ یَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ". بمعنی أن هذه المساعدة والنصرة من أجل الشعور بالمسؤولیة أمام الآخرین وبذل النصح والجهد لإصلاح الأمور وأن المؤمنین یحرضون بعضهم بعضا بغیة فعل الأعمال الحسنات ویصونون بعضهم بعضا من السیئات.
هذه الآیة تشیر إلی أن النصح والإصلاح في المجتمع لا یختصان بالرجال ویجب أن یعمل الرجال والنساء جنبا إلی جنب حتی یتم إلی التوازن في المجتمع. إذا کان نصف المجتمع غائبا ولا یکون لدیهم الشعور بالمسؤولیة أو لا یسمح لهم للعب بدورهم فهناک لا یحصل الاعتدال ولا تتم رسالة الدین فیلزم للنساء والرجال أن یکونوا في صف واحد حتی یذهبوا بمهمتهم إلی الأمام.
یقول الله تعالی: "وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ" الترکیز علی إقامة الصلاة یعنی البقاء علی الاتصال مع الله الخالق ولأن یکون المؤمنین مصلحین علیهم أن یکونوا علی صلة مع الله والتزکیة التي أکدت علیه في القرآن لا تتأتی إلا مع عبادة الله وأن العبادة هي عماد التزکیة ولهذا یقول الله تعالی "ویقیمون الصلاة".
ثم تتطرق الآیة إلی فریضة الزکاة قائلة: "وَيُؤتونَ الزَّكاةَ" وهذا مرهون بالعمل الجماعي وتقدیم الخدمة للمجتمع وللشعوب وکل ذلک یتم تحقیقها في ظل امتثال أوامر الله ورسوله في إطار قوانین الدین: "وَيُطيعونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ". إذا تم تحقیق هذه السمات سیکون الإنسان مشمولا بالرحمة والرضوان من الله: "سَيَرحَمُهُمُ اللَّهُ"؛ الفوز بالسعادة یحتاج إلی تحقیق أربعة من الصفات التي ترکز علیها الآیة: الإیمان – العمل – الإصلاح – الالتزام بالسعادة الأخرویة وتحقیق هذه الصفات یؤدي إلی خلق التوازن في حیاة المسلمین.
الواجب العام والقانوني للأمر بالمعروف والنهي عن المنکر
جاء في المادة الثامنة من الدستور الإیراني: إن الدعوة إلی الخیر والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر مسؤولیة عامة ومتبادلة تقع علی عاتق الشعب بالنسبة للآخرین؛ الحکومة أمام الشعب والشعب أمام الحکومة. هذا مبدأ تقدمي جدا حیث یجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر مسؤولیة عامة فهو واجب الشعب والحکومة في وقت واحد وأن کافة الأعمال التي نقوم بأدائها کالجماعة تقع تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.
وفقا للآیة الـ 71 من سورة التوبة الآنفة الذکر وما جاء في المادة الثامنة من الدستور أن فعالیات الجماعة واجب دیني ومسؤولیة قانونیة وکما جاء في المادة إذا أهمل الشعب في هذا الصدد علی الحکومة أن تنبهه کذلک العکس. لا شک أن جمیع الدول الإسلامیة کانت مستعمرة لیوم ما ثم حققت الاستقلال فیما بعد ولا تزال لم تستطع أن تزیل کافة العراقیل والعقبات أمامها من الجهات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة والاجتماعیة والتعلیمیة والفنیة وما کانت بإمکانها القضاء علی جمیع أوجه القصور وتطهیر قضایا الفساد حتی تجلب السلام والازدهار المطلوبین لشعوبها.
ولذلک ینبغی أن تحاول منظمات المجتمع المدني والأحزاب والجماعات جادة للعب بدورها وتقدم الخدمة للمجتمع بناء علی المشارکة البناءة وإعادة الثقة والتفاهم المتبادل. فبدلا من ممارسة سیاسة الطرد أو التهمیش أو استخدام اللغة المسیئة والمهینة أو زرع بذور الکراهیة والانقسام، یستلزم أن یکون تواجدها في الساحة فائقة علی الانتماءات العرقیة والدینیة في إطار دین الإسلام والوطن الحبیب مزینة بمنطق الأخوة الإسلامیة والإنسانیة والمحبة والتسامح والشفقة والمنافسة السلیمة.
وفي القرآن الکریم نری سنة باسم التدافع وهذه السنة یستلزم تضافر الجهود من قبل المجتمعات المسلمة أمام الغزوات الثقافیة والمؤامرات المختلفة التي تجری ضد المسلمین صیانة لدینهم ووطنهم وثقافتهم وأن تحقیق سنة التدافع یتطلب أن تفتح الدول الإسلامیة المجال أمام المنظمات المدنیة والجماعات التي تقصد الخدمة في إطار القانون.
نظرة صحیحة إلی قضیة الاختلاف والتعددیة
من الضروري أن یکون للجمیع خاصة للمنظمات والجماعات نظرة صحیحة ومنطقیة لقضیة الاختلاف والتعددیة وأن علامة صحة منظمة ما قبولها للتعددیة بوصفها قیمة؛ إن الله تعالی خلق الأکوان مختلفة: "وجَعَلناکُم شُعوباً و قَبائِلَ" وأن الاختلاف سنة من سنن الله التي لا ریب فیها ولا ینبغي المحاولة لإزالة هذه السنن وأي جهد صب في هذا الاتجاه فهو محاربة مع سنن الله.
وإذا استعطنا أن نصبغ هذا الاختلاف صبغة الهیة ونجعلها أساسا للتنمیة والتطور لاستطاع أي منا أن نکون مؤثرین في إطار الذي نثق فیه علی قدراتنا.
ضرورة وحدة الفهم لأعضاء الجماعة من المفاهیم الأساسیة
نحن نؤکد علی أن یصل أعضاء الجماعة إلی فهم واحد في المفاهیم الأساسیة کضرورة قبول الآخر واحترام التعددیة؛ لأن وحدة الصف ثمرة وحدة الفهم وإذا افتقرنا إلی التقارب الفکري في هذه المفاهیم سوف نواجه العدید من المشاکل. نحن في الجماعة وضعنا الأساس علی قبول الآخر والتسامح واحترام التعددیة وما زلنا نؤکد علی اجتناب الشمولیة.
رسالتنا إصلاحیة
نحن بحاجة إلی الفهم الصحیح والإیمان العمیق والحکمة والنظرة الکلیة والبصیرة والواقعیة في ظل تعالیم الدین بناء علی مناهج الجماعة وسیاساتها قاصدین الإصلاح کرسالة لنا: "إن اُریدُ الا الاصلاحَ مااستَطَعتُ" واتمنی أن تخطو الجماعة في مسار الإصلاح خطوات فاعلة ملیئة بالصبر والإخلاص.
الاهتمام بالتخصصات بدلا من مزاعم الشمولیة
أود أن أؤکد علی مسألة وهي علینا أن نفکر بالتخصص بدلا من مزاعم الشمولیة؛ صحیح أن سمة الدین شمولیته ولکنا لسنا ذات الدین ومن الخطإ أن نظن أننا بإمکاننا فهم کافة رسالات الدین ونستطیع القیام بتحقیقها؛ رغم أن الدین أمر جامع ولکن الحرکات الإسلامیة لیست لدیها تلک الشمولیة فعلیها أن تسیر في مسار التخصصات.
الدکتور جاسم سلطان من المفکرین المسلمین المعاصرین یتطرق في کتابه "أزمة التنظیمات الاسلامیة" إلی بعض من أزمات الحرکات الإسلامیة و یشیر بثلاثة مسائل:
1- مزاعم الشمولیة.
2- الاستبداد والمحاولة للاستحواذ علی کافة المجالات.
3- قلة الوعي بالوقائع السیاسیة والاقتصادیة والإقلیمیة والعالمیة.
الآراء