صورة نراها ونشاهدها كل يوم على غلاف الجرائد والمجلات وعلى شاشات التلفاز والقنوات الفضائية وصفحات الإنترنت و..الخ. صورة تلقي بظلالها على عقلية الشباب والمراهقين لتعطيهم انطباعاً عن العالم الذي ترسخ في أذهانهم أنه أرض العجائب أو أرض الذهب (El Dorado) أو قل العالم الغربي.
صورة روتينية يومية، صورة شباب أو شابات وجدوا طريقهم إلى الشهرة عن طريق الرياضة أو الغناء أو الرقص أو التمثيل أو ما شابه ذلك. وتأتي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وتجري مقابلة مع واحد من هؤلاء تستفسره عن هواياته وإنجازاته وغرامه وحبّه وصديقاته وحتى مجونه ويعرضون أحياناً لقطات من أعماله البطولية ، لتقدم هذا البطل البلامنازع كقدوة لناشئتنا وشبابنا ولتعطيهم انطباعاً -وهم في عنفوان الشباب - بأن العالمين جميعاً غارقون في لهو ولعب ورقص وكأس وغناء وحب وغرام مع المغنيات الراقصات العاريات في الليالي الحمراء، ولتوجه رسالة إلى المخاطبين بأن من يريد أن يصل إلى هذه الدرجة من الشهرة والمال -وطبعاً هذه هي الغاية المنشودة عندهم - فَليَسلُك هذا المسلك.
هذه صورة، وهناك صورة أخرى، وهذه الصورة بطبيعة الحال غائبة أو مُغيَّبة، قلما تشاهدها الجماهير على شاشات التلفاز أو عبر وسائل الإعلام وربما بتعمد ماكر، صورة لأناس قابعين في المختبرات ومراكز البحوث والتحقيق والمكتبات والجامعات و..الخ معتكفين على البحث والتحقيق والإنجاز، بلا كلل ولا ملل ولا تعب ولا كسل ،وقفوا أنفسهم للعمل، يمضون في طريقهم حتى يصلوا إلى الغاية المنشودة. أناس يشكلون العنصر الأساسي في الحضارة الغريبة ويحملون على عاتقهم عبئها ويلعبون دور القلب من هذه الحضارة البراقة وهم الذين خططوا ويخططون لبقائها وديمومتها. ولكن هذه الصورة مع الأسف تغيب عن أذهاننا، أو بالأحرى تُغيَّب عن أذهاننا لحاجة في نفوس من يمسكون بزمام وسائل الإعلام، فيقدمون إلينا حثالات من هذه الحضارة نموذجا وقدوة ليوحوا إلينا بأن الطريق إلى التقدم يمر من الاقتداء بهذه الحثالات والقشور، ويظل الشباب المسلم يحلم في كل حياته أن يصل إلى ما وصل إليه هؤلاء مهما كانت النتائج.
وهذه الظاهرة خيمت على معظم وسائل الإعلام في العالم الإسلامي حيث يقومون بعرض الوجه السلبي للحضارة الغربية وتقديمه للجمهور وهم يعرفون تمام المعرفة بأن الغرب لم يتقدم بفضل لاعبي كرة القدم وأبطال الرياضة ولم يصل إلى هذا المستوى بجهود الفنانين والممثلين والراقصين الغارقين في الجنس وشرب الخمر والدخان واستعمال المخدرات في الليالي الحمراء، ولو كان هذا أساس التقدم لكانت)) الكاميرون (( أكثر الدول الإفريقية تقدماً إذ أنها تمتلك فريقاً قوياً في كرة القدم على المستوى العالمي، ولو كان هذا أساس التقدم لكان العالم العربي وعلى رأسه) مصر( مصنفاً في العالم الأول أو العالم المتقدم إذ أن مصر وحدها تمتلك من الفنانين والفنانات والممثلين والممثلات ما يفوق عدد أساتذة الجامعات بحيث أصبحت تلعب دوراً رياديا في العالم العربي في مجال الفن والتمثيل ولكن كل ذلك لم يشفع لـ) مصر(أن ترتقي إلى مستوى الدول المتقدمة. ولو كان تقليد نجوم السينما والمسرح والرياضة تقدماً فما أكثر من يقلدون هؤلاء النجوم تقليد الببغاء في عالمنا العربي والإسلامي ولكن كل ذلك لم يرفع مستوانا إلى مستوى الدول المتقدمة.
إن الذين دفعوا بعجلة التقدم في العالم الغربي إلى الأمام لم يكونوا من هؤلاء الحثالات ، بل كانوا عباقرة من رجال الإدارة والتخطيط و خبراء في علم الاجتماع و علماء في القانون والطب والسياسة وغيرهم الذين وقفوا أنفسهم لهذه العلوم، وكانوا أصحاب حزم وعزم، لا يعرفون إلى البارات و الكازينوهات سبيلا ولا يعرف اليأس والكلل إليهم سبيلا ولا يكفون عن البحث والتحقيق ليلا ونهاراً. فبمثل هؤلاء وصلت الدول الغربية إلى ما وصلت إليه اليوم. بل إن علماء الاجتماع يؤكدون أن فساد الأخلاق هو السبب الرئيس وراء انهيار كل الحضارات السابقة وأن الحضارة تبقى ما دام أهلها متمسكين بالمبادئ الأخلاقية وإذا تخلوا عنها ذهبوا وذهبت معهم حضارتهم، ولا يخفى على عاقل أن الحضارة الغربية قامت أساساً على مجموعة من المبادئ الأخلاقية المستمدة من الشرائع السماوية كالعدل والحرية واحترام حقوق الآخرين والانضباط واحترام القانون وحقوق الإنسان وغيرها إذ بدونها لا يمكن لأي حضارة أن تقوم مهما طبّل لها أنصارها و زمر لها أصحابها. فلنتمسك باللب ولنطرح القشر جانباً لأنه كما قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ [الرعد : 17]
الآراء