الحمد الله والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله وعلي اله ومن ولاه … و بعد ،،، فإن الله تعالي مدح شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن الكريم فيه فقال تعالي: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة: من الآية 185) وكان نزول القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان قال تعالي: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ" (الدخان: من الآية3) وقال تعالي: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر:1) وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسنده عن وائلة يعني ابن الاسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة بست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان” (هذا الحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع) . والمناسبة بين نزول القرآن وصيام رمضان لما كان نزول القرآن لقصد تربية الأمة وهداها ناسب ما يكون ما به تطهير النفوس والتقرب من الحالة الملائكية واقعاً فيه ، والأغلب علي الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم أيام تحنثه في غار حراء قبل أن ينزل الوحي عليه (أنظر التحرير والتنوير لأبن عاشور جـ 2/2172) .
أهل القرآن في رمضان:
لقد ذكرت الآية القرآنية شهر رمضان وإنزال القرآن فيه ، ووصف القرآن بأنه فيه الهدي والفرقان ، فالقرآن يمتاز علي سائر الكتب السماوية بأنه آيات بينات من الهدي ، وبينات من الأمر الإلهي الفارق بين الحق والباطل . ولم ينقل إلينا أن الصحابة خفي عليهم شيء من آيات القرآن فلم يفهموها ، وكيف لا وقد جعل الله تعالي القرآن هدي في نفسه لجميع الناس ، والبيان الذي ليس بعده بيان . ومن ثم كان لأهل القرآن معه شأن عظيم من تلاوة وحسن تدبر ليفزوا بثواب التلاوة وأفضلية تعلمه وتعليمه قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وأبو داود (بسنديهما) عن عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضى الله عنه عن النبي قال: ”خيركم من تعلم القرآن وعلمه” وفي رواية للبيهقي ”إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه” وأخرج الطبرانى بإسناد جيد عن ابن مسعود قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ”خيركم من قرأ القرآن أو أقرأه” .
ولقد علم أهل القرآن أن القرآن ومدارسته وتعلمه وتعليمه أفضل من الدعاء ، فقد أوضحت السنة فيما رواه الترمذى من حديث أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”يقول الله تعالى: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين” ولا عجب في ذلك ، فإن القرآن الكريم لا يخلو من الدعاء ففيه أدعية كثيرة . بل والأعجب من هذا أن السنة بينت أفضليه تعلم القرآن وتعليمه عن الصلاة النافلة ، فقد أخرج ابن ماجة عن أبي ذر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة” .
وسبب حرص السنة علي تعلم القرآن وتعليمه عدة أمور منها:
1) أن القرآن يكلم الرجال ليعيد صياغتهم ، ويكلم الأحياء ليحقق استجابتهم ، ويكلم العقلاء ليوجه وعيهم ، فيجعل منهم أمة تحمل رسالتها . قال تعالي:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال: من الآية 24)
وفعلاً حملت الأمة رسالتها لأنها فهمت المقصود من كلام ربها ، قال تعالي :
"وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً" (الإسراء:106) .
2) القرآن شفاء ورحمة قال تعالي:
"وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً" (الإسراء:82) .
3) القرآن يهدي للتي هي أقوم: قال تعالي:
"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً" (الإسراء:9) ،
فهو يهدي للتي هي أقوم في عالم الشعور والضمير ، وفي عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف وطاقة الإنسان في الأداء ، وفي علاقات الناس بعضهم البعض .
4) القرآن تبيان لكل شيء ، ففيه تفصيل لكل ما ينفع البشرية لأن منزله عالم بكل شيء قال تعالي:
"أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (الملك:14) .
ومن هنا كان لأهل القرآن عدة واجبات عملية نوجزها فيما يلي:
أ- الاهتمام بالقرآن تلاوة وتدبراً وحفظاً .
ب- جعلوا القرآن نبراس حياتهم فتخلقوا بأخلاقه كما كان نبيهم عليه الصلاة والسلام (كان خلقه القرآن) .
ت- الإكثار من سماع القرآن والعمل بما فيه:
"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ" (قّ:37) .
الآراء