إن أردت أن تحجب نور الشمس الساطعة بإصبعك فلن تستطيع إلى ذلك سبيلا، أو أردت أن تحذف من التاريخ صفحات حُفرت في عقول وقلوب الناس وتوارثتها الأجيال هو عبث سوف يظهر عواره في يوم من الأيام.

يعتريني شعور بالأسف حينما أبدأ الكتابة عن رائد الدعوة الإسلامية الحديثة في البرازيل الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل – رحمه الله – بتلك المقدمة، ولكن لذلك ما يبرره لأن هذا الداعية الكبير لم يوف حقه وأراد البعض أن يمحو تاريخه وآثاره وفضله في نشر رسالة الإسلام، فكم من الصحف والمجلات الإسلامية صدرت في البرازيل ولم تُبرز دور ذلك العالم الجليل بل وقامت بتجاهله، تم ذلك عن عمد أو غير عمد، تستطيع أن تسميه خوف ضعاف النفوس وأصحاب الأهواء من إبراز تلك القامة العالية حتى ينسب لهم الفضل والسبق في الدعوة إلى الله داخل البرازيل، وتلك لعمري آفة عظيمة وغمط لحقوق الناس.

ولد الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل في مصر، وهو حائز على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية من جامعة عين شمس، ودبلوم في التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس، ودرجة الماجستير في الدراسات الشرقية من جامعة القاهرة، وابتعث من وزارة الأوقاف المصرية عام 1956 ليكون مندوبا لها وإماما لمسجد البرازيل ومشرفا على مبعوثي الأزهر والأوقاف في سان باولو، وتوج ذلك العلم وتلك المعرفة بالحصول على درجة الدكتوراه من جامعة “ساو باولو” بدرجة امتياز برسالة حول عبد الله بن الزبير رضي الله عنه باللغة البرتغالية، وهي رسالة الدكتوراه الوحيدة التي يحصل عليها أحد المشايخ في البرازيل.

كان الشيخ محاورا جيدا وخطيبا بارعا وداعية متميزا، استخدم كل الوسائل الممكنة في زمانه حتى يبلغ دعوة الله، نال احترام المسلمين وأصحاب الطوائف الأخرى وشرفت به المنتديات فقد كانت له مهابة أينما حل وارتحل، قلما تجد مسلما في البرازيل من الجيل الأول أو الثاني إلا وهو يعرفه ويذكر له الكثير من المواقف التي تشرف الدعاة، كانت شخصيته تلقي مهابة على كل من يستمعه، وأسهمت أعماله الإيجابيه بالقدر الكبير لتتحول حياته إلى قصة تتداولها الأجيال وأن تبقى آثاره إلى هذا اليوم شاهدة بما لذلك الرجل من فضل.

مشاريعه الدعوية

لقد اهتم الدكتور عبد الله ببناء المكان والإنسان، فكان وراء تأسيس المدرسة الإسلامية البرازيلية بحي “فيلا كارون” بمدينة ساو باولو عام 1966م، والتي ما زالت إلى اليوم تؤدي رسالتها وهي المدرسة الوحيدة في البرازيل التي تدرس منهج اللغة العربية والدين الإسلامي داخل ساعات الدوام الأساسية وبتصريح من وزارة التربية البرازيلية.

وأسس المقبرة الإسلامية في حي غواروليوس بمدينة ساو باولو، المقبرة الوحيدة إلى اليوم لأكبر الجاليات المسلمة في البرازيل، وبدأ بتأسيس ناد لالتقاء العائلات المسلمة فتم شراء قطعة أرض كبيرة، تحولت فيما بعد لتكون مسجدا ومصلى بحي “سانتو أمارو” بمدينة ساو باولو.

حركة الشبيبة

أما في مجال التربية وإعداد الكوادر البشرية، فقد كان الدكتور عبد الله – رحمه الله – يجمع الشباب ثم يقسمهم إلى مجموعات كل مجموعة تكون كتيبة ويعين لكل كتيبة نقيبا ويسميها باسم أحد الصحابة رضوان الله عليهم، وكان يتعاهد هؤلاء الشباب بالتربية والتعليم، ويوكل لهم مهامّ مختلفة للتدريب على الدعوة كزيارة المرضى والمقابر وإقامة السهرات الدينية والترجمة للغة البرتغالية.

يقول الأستاذ محمد سعيد صالح القيادي في الجماعة الإسلامية اللبنانية وأحد تلاميذ الدكتور عبد الله “كان يجمع الشباب في مسجد سان باولو مرة في الأسبوع ويعطيهم درساً ثم يقوم الشباب بنقله إلى المسلمين في بيوتهم مرتين في الأسبوع، وكان يشجع الشباب المتدين ويعطيه فرصة للحديث والخطبة، كنت أتابعه بسكل دائم وكان يحاول التراجع خوفاً من تهمة الإخوان، وكان هدف “حركة الشبيبة” الدعوة إلى الله وجمع كلمة المسلمين حتى أن عدد رواد المسجد في العام 1967 يوم الجمعة كان حوالي 350 مصلياً فارتفع العدد في عام واحد إلى 900 مصلٍّ بفعل حركة الشباب ونشاطهم “.

ويقول الأستاذ حسين عبد الله السراج عن الشبية “أما من ناحية الشباب فقد بدأت ندوة الشبيبة الإسلامية نشاطها منذ ثلاث سنوات بساو باولو وجعلت من رسالتها تكوين مجموعة من الدعاة المحليين من الشباب يعملون في تنشيط المؤسسات الإسلامية، ويقومون بزيارات لمراكز تجمعات المسلمين داخل ولايات البرازيل مع الاهتمام الكبير بتثقيف أنفسهم دينياً وعلميا، ولقد تمكنت الندوة من أن تمثل في مجلس إدارة (12) مؤسسة بالبرازيل إما كأعضاء عاملين وإما أعضاء شرف كمستشارين موجهين للشباب”.

ولعل بناء الشخصيات القيادية التى ستتحمل عبء الدعوة مستقبلا كان همه الدائم، ولهذا نبغ من هؤلاء الشباب من حمل هم الدعوة بعد ذلك، ويذكر منهم الأستاذ عز الدين البعلبكي مؤسس مجلة “الرسالة” وصاحب المؤلفات المختلفة المؤلفات باللغتين العربية والبرتغالية، والأستاذ سمير الحايك صاحب أول ترجمة دقيقة لمعاني القرآن الكريم والتي قدم لها الدكتور عبد الله، وعشرات الكتب إلى اللغة البرتغالية، والحاج حسين الزغبي – رحمه الله – مؤسس اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل والذي يعد من أقوى المؤسسات الإسلامية البرازيلية في الوقت الحاضر، والأستاذ محمد سعيد صالح من قيادات العمل الإسلامي في لبنان ومؤسس مركز الأبرار الخيري، وغيرهم من شباب الجالية الذين يدينون بالفضل لذلك الرجل.

تربية أطفال المسلمين

كان الشيخ حريصا على الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين ولذلك عمل بكل جهده لتأسيس المدرسة الإسلامية في مدينة ساو باولو، وكان يساهم بشكل فعال في تربية أبناء المسلمين. يقول الأستاذ على حسين الزغبي “ما زلت أذكر تعاهده لنا بالتربية من خلال إتقان بعض القطع المسرحية حول الأمور التاريخية الإسلامية، والتي ما زالت محفورة في ذاكرتي إلى اليوم”.

أما عن تأسيس المساجد فتشهد البرازيل أنه كان وراء تأسيس مسجد “كوريتيبا”، ومسجد “باريتوس” وغيرها من المساجد التي ستشهد له يوم القيامة بإذن الله، وقد أبدع في المجال الصحفي والإعلامي حيث أسس صحيفة “العروبة” و”إسلامنا” وكانتا تهتمان بنشر مفاهيم الدعوة الإسلامية وأخبار الجالية المسلمة. يقول الأستاذ السراج “وللمسلمين صحيفة تسمى (العروبة) وتصدر في ساو باولو باللغتين العربية والبرتغالية وتعتبر لسان حال المسلمين، حيث أنها تخدم النشاط الإسلامي وتعرف بالإسلام عبادة وحضارة، وكان صدورها في عام 1958 عقب وصول فضيلة الشيخ عبد الله عبد الشكور كامل الداعية الإسلامي الكبير الذي انتدبته وزارة الأوقاف المصرية لتبليغ رسالة الإسلام في هذا الجزء من العالم”.

وفي خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى قارة أمريكا اللاتينية أقام الدكتور عبد الله مؤتمرا إسلاميا عام 1970م حضره وزير الأوقاف المصري آنذاك الدكتور عبد العزيز كامل – رحمه الله – والشيخ محمد بن ناصر العبودي حفظه الله، ومثل هذا المؤتمر نقلة نوعية في مسيرة الدعوة الإسلامية في البرازيل حيث قام بعدها الشيخ محمد العبودي بزيارات متتالية للبرازيل أثمرت عن بناء العشرات من المساجد بدعم من المملكة العربية السعودية وابتعاث الكثير من المشايخ لرعاية أمور الجالية المسلمة.

وبتتبع سيرة الدكتور نستطيع أن نلمس أن هذا المؤتمر لم يكن الأخير فقد كان يطمح لما هو أكبر من ذلك ويتبن ذلك من خلال رسالة بعث بها للأستاذ حسين عبد الله السراج، يقول فيها: “وقد تلقيت ساعة تسطير هذا التقرير رسالة من فضيلة الشيخ عبد الله عبد الشكور يقول فيها “أخي: بإذن الله تعالى تجتمع المؤسسات الإسلامية في البرازيل في مؤتمر إقليمي عقب شهر رمضان المبارك وسيُعرض عليها موضوع المجلس الإسلامي بالبرازيل وسيناقش قانونه، هذا المجلس الذي سيتولى التخطيط والتوجيه للحركة الإسلامية بالبرازيل والذي سيكون واسطة لربط النشاط الإسلامي هنا بالمنظمات الإسلامية العالمية بمكة المكرمة إن شاء الله تعالى”، وواضح أن للشيخ رحمه الله بصمات في تأسيس “إتحاد المؤسسات الإسلامية” حيث أعلن تأسيسه عام 1979 في برازيليا برئاسة الحاج حسين الزغبي رحمه الله.

شهادات

الدكتور حلمي محمد نصر الذي تم ابتعاثه عام 1962 ليتولى أستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة “ساو باولو” العريقة، والذي جمعته صداقة وأخوة قوية بالدكتور عبد الله يقول عنه “كان مسلما صادقا في إسلامه، يعمل بكل وسعه وطاقته على أن يظهر عظمة الإسلام وأن يكون له مكان لائق في المهجر، وقد أثار هذا العمل والذكاء الكبير الذي تمتع به حفيظة ضعاف النفوس، فكانوا يهاجمونه بكل شراسة ولكنه كان لا يأبه لهم واستمر في عطائه حتى آخر يوم له في البرازيل”.

يقول الأستاذ حسين عبد الله سراج والذي شغل منصب المدير العام لرابطة العالم الإسلامي إبان تأسيسها مدة أكثر 15 عاما بعدما التقى الدكتور عبد الله خلال زيارته للبرازيل عام 1972م “وفضيلة الشيخ عبد الله عبد الشكور عالم جليل، تقي ورع، كتلة من النشاط والحركة يتنقل من بلد إلى آخر في البرازيل في سبيل الدعوة إلى الله ويتكلم اللغة البرتغالية كأحد أبنائها، والفضل لله تعالى ثم له في ظهور الحركة الإسلامية ونشاط الدعوة الإسلامية وتوحيد الصف الإسلامي في البرازيل، فالمسجد استكمل بناؤه في أيامه والمدرسة الإسلامية البرازيلية بنيت بجهوده المتواصلة في حض المسلمين وأصحاب البر على التبرع لها حتى أصبحت على ما هي عليه. وهو الذي أصدر جريدة “العروبة” ومجلة أخرى تسمى ”إسلامنا“ وتعنى بنشر الثقافة الإسلامية بالبرتغالية والعربية، وهو الذي دعا إلى عقد مؤتمر إسلامي لأول مرة في أمريكا الجنوبية حضره ممثلون عن المسلمين في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية كما حضره الشيخ محمد العبودي مندوباً عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومهما قلت عن الشيخ عبد الله عبد الشكور فلن أوفيه حقه من الجهود والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله في ذلك الجزء النائي من العالم، فجزاه الله عن عمله خير الجزاء”.

أما الشيخ إحسان محمد علي قلندر مبعوث وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وإمام وخطيب مسجد أبو بكر الصديق رضي الله عنه بضاحية “سان برناندو” فيقول عنه “أول داعية عمل في البرازيل هو الشيخ الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل، وهو أول داعية يصل القارة الجنوبية، استمر حوالي 15 سنة في عمله، وفي عهده حصلت صحوة إسلامية طيبة، وكان لوجوده أثر كبير في نهضة الجالية الإسلامية، إذ كان يتمتع بشخصية دينية واسعة، وشغل قبل ذلك منصب وكيل وزارة الأوقاف في مصر، وأحيل إلى التقاعد أخيرا”.

ويقول الأستاذ محمد سعيد صالح أحد تلاميذه “كان الشيخ عبد الله رحمه الله أول مبعوث أزهري رسمي إلى أمريكا الجنوبية، فجمع شمل الجالية وأظهرها للمجتمع العربي في البرازيل وأعطاها دعماً معنوياً وثقافة وشخصية إسلامية متميزة، حيث كان المسلمون قبل قدومه لا قيمة لهم ولا وزن حتى أن الكثير منهم كان يتسمى بأسماء برازيلية، وكان رحمه الله خطيبا مفوهاً قوي الشخصية يقول كلمة الحق لا يهاب أحداً وكان مهابا من الجميع، تمتع بدعابة محببة وتواضع مع التماسك وعزة النفس، وكنا نعتبره مثلنا الأعلى في شخصية المسلم، وكان شديد الذكاء قوي الملاحظة محباً لنهضة المسلمين وعاملا لها”.

شهادة الشيخ حسين شعبان وهدان، وهو عالم جليل عمل في مجال الدعوة إلى الله في البرازيل “وأجمل الأشياء ذكرًا هو الحفاوة، والاحترام، والتقدير المكنون في قلوب أبناء الجالية هناك على العموم للداعية الأزهري؛ حيث إن دعاتنا لهم هناك بصمة وثيقة العهد بأول خطوات المسلمين هناك، وكان أشهر صادح بصوت الدعوة منذ سنين مضت، هو شيخنا وأستاذنا فضيلة الدكتور عبدالله عبدالشكور.. أثابه الله”.

مكث الدكتور عبد الله 20 عاما في البرازيل يدعو إلى الله ويصلح من أحوال الجالية ويعلي من شأنها، وبحلول عام 1976 ودعت الجالية المسلمة في البرازيل الدكتور عبد الله ليعود إلى موطنه مصر ويشغل منصب وكيل وزارة الأوقاف، ثم يتم انتدابه ليكون ممثلا لرابطة العالم الإسلامي ومديرا للمركز الإسلامي بفيينا وإيطاليا والبرتغال.

جمعنى بالدكتور عبد الله برنامج عن المسلمين في أمريكا اللاتينية قام بتصويره تليفزيون أبو ظبي عام 1993م، وخلال زيارتي للقاهرة في صيف عام 2010م حرصت على عيادته في منزله ولكنه كان في غيبوبة تامة، وحزنت حزنا شديدا لأنني لم أتحدث إليه وأستمع إلى ذكرياته ونصائحه.

في ليلة الجمعة 14 يناير 2011م صعدت روحه إلى خالقها وبارئها ليطوي صفحات من الجهاد والدعوة إلى الله في البرازيل وأمريكا اللاتينية، نسأل الله أن يكتبها في ميزان حسناته وأن يغفر له، ويرحمة رحمة واسعة، وأعتبر هذا المقال مقدمة لكتاب أجمع فيه كل ما يتصل بحياته ومؤلفاته، يستفيد منه أصحاب الدعوة الإسلامية في المجتمعات الغربية.