على الشباب المسلم بعامة، وشباب الحركة الإسلامية خاصة: عدم استبطاء النصر، أو التعجل في تحقيق النتائج، وقطف الثمار؛ فذلك آفة خطيرة تؤدي إلى الفشل الذريع، وتنبئ عن الجهل بسنن الله تعالى، وعدم سلامة التكوين وصحة التربية.

ومراعاة هذا الدرس أمر ضروري في إعداد الجيل الذي يحمل الأمانة، ويعمل على تبليغ الدعوة، وإقامة النظام، وهو درسٌ جِدُّ واضح بين الدروس الحركية التي تؤخذ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذه الهجرة -مثلاً- قد تأخرت بعد البعثة النبوية ثلاثة عشر عامًا، كلها مصاعب ومتاعب. وحتى خلال التمهيد للهجرة.. هؤلاء الأنصار كانوا في أول لقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة أفراد فقط.

وبعد عام كامل -ياه..!! عام كامل؟!- نعم عام كامل، جاء إليه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً فقط، وهم الذين بايعوه بيعة العقبة الأولى.

وبعد عام كامل كذلك -ياه..!! عام كامل؟!- نعم عام كامل، جاء إليه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وهم الذين بايعوه بيعة العقبة الثانية.

بهذا النمو العددي البطيء، والبطء العددي العجيب، ومع مَن؟ مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتعجل النتائج أو يستبطئ هذا النمو العددي.

والجواب على ذلك كله: أن الهجرة لم تتأخر، بل إنها لو جاءت قبل ذلك -ولم تكن لتجيء- لخالفت سنة الله وحكمته في بناء النفوس قبل بناء الدولة؛ فدولة دون أفراد تمَّ بناء نفوسهم: سرعان ما تنهار، وأفراد تم بناء نفوسهم دون دولة: سرعان ما قد يقيمون الدولة؛ ولذلك لم تأت الهجرة إلا بعد بناء الأفراد الذين يقيمون الدولة وتربيتهم، وتمحيصهم.

والنمو العددي البطيء -فيما نرى- صاحبَهُ أمرٌ في غاية الأهمية، هو النمو الكيفي العظيم الهائل؛ ولذلك ما رأينا من النبي صلى الله عليه وسلم استخفافًا بهذا العدد، ولا استبطاء لنموه العددي، خاصة وأن أعمار الدعوات ونجاح مراحلها أمرٌ يقدره الله -سبحانه وتعالى- بعلمه وحكمته ومشيئته {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. كما أن النتائج كلها بيد الله تعالى {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126].

وما علينا إلا أن نأخذ في الأسباب، فنعمل، ونعمل، ونحسن العمل {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].

فضلاً عن أنه - أي أعمار الدعوات- أمر لا يقاس بالسنين وعددها، ولا يقاس بأعمار الأفراد وقصرها، بل بأمور هي من تدبير الله وصنعه، وتحديده وتقديره. ولا ينبغي أن نُخضِع ما يقدره الله من نجاح، أو ما يدبره الله لنجاح إلى موازيننا، ولا أن نضبط إيقاعه بحسابات أعمارنا، ومراعاة هذه الفائدة أمر ضروري ومهم!

وإلا فإننا بتعجلنا: قد نحفر قبر فشلنا بأيدينا، ونستجلب للدعوة وأهلها الصعاب والعقبات، وننسف جهود السابقين، ونضطر إلى البدء -من جديد، بلا فائدة- من أول الطريق الذي قطع فيه من سبقنا أشواطًا بعيدة.

وعلى ذلك: فالتعجل ضد طبائع الأشياء أولاً، وضد السنن الإلهية في الدعوات، وتكوين أفرادها بما يجعلهم مؤهلين للنجاح في حمل أمانتها، وحسن أداء متطلباتها.

وفهم هذه الفائدة، وحسن الإفادة منها، وجدية الالتزام بها - يعين على عدم الوقوع بين براثن اليأس والإحباط، ويساعد في هدوء الأعصاب، وشمولية النظرة، ودقة الأداء، والإجادة فيه، وتجنُّب الأخطاء، وتحقيق المكاسب، وضمان الوصول إلى الغايات بتوفيق الله تعالى.