بعد نشرها سلسله من المقالات السابقة للعلامة مجتهد الشبستري حول موضوع الإسلام وحقوق الإنسان، تنشر منظمة الدفاع عن ضحایا العنف المقالة التإلیة بالتعاون مع لجنة حقوق الإنسان الإیرانیة والدکتور مظفري. یطرح السید شبستري اشکإلیه أخری بقوله: عند اللجوء إلی الکتاب والسنّة والفول بأنّ الله سبحانه عزّوجل منح الإنسان الکرأمة کونه أنسانا وأنّ الله منحه الحریّة وهو الذی أعطاه حقّ الحیاة ویعترف بالحریّة الدینیّة، عندها قد یقولشخص: لم یمنحنا الله سبحانه عزّوجل تلک الحقوق فهذا تفسیرکم ولانقبل به و بمجرّد بأنّ الله منحنا هذه الحقوق سیأتی شخص آخر لیقول لنا: کلّا .... لم یمنحنا الله إیّاها. عند استقراء استدلالهم نجد أنّ لکلّ منهم رأیه الخاص حول عدد هذه الحقوق فبعضهم یعدّها اربعه والآخر خمسه أو أکثر فی حین یحأول آخرون اللحاق برکب البیان العالمی لحقوق الإنسان ویعدّونها عشرین حقا.

برأیی هذه الإشکالیة غیر وارده لأنّنا عندما نقول نحن نؤمن بهذه الحقوق علی أساس الکتاب والسنّة ونمنحها للأنسان بما هو إنسان، فنحن لا نقول ذلک جزافا لأن للبلدان الإسلامية مرجعها الذی ترجع إلیه الا وهو منظمة التعأون الإسلامي التی تعتبر الفیصل فی هذا الموضوع ولیس رؤیة ذلک الوهابی الذی أشرنا إلیه أو فتوی ذلک المفتی القابع فی جبال قندهار بأفغانستان لأنّ البلدان الإسلامية تعتبر منظمة التعأون الإسلامي مرجعها الرسمی بهذا الخصوص.والأدهی من ذلک عندما نصرّح باعترافنا بمقولة حقوق الإنسان ونعتبرها منبثقة من الکتاب والسنّة، نواجه تفسیرا آخر کتفسیر ذلک الوهابي المتطرّف أو تفسیر داعشي لمفاهیم الدّین. فحسب هذا التفسیر، لم تمنحنا النصوص الدینیة تلک الحقوق ولا تعترف بها وعلیه یجب إلغاؤها أو تنحیة الکتاب والسنّة جانبا وعدم الرجوع إلیهما نظرا لتباین الآراء بهذا الخصوص. إذا کنّا نختلف بالتفسیر بیننا فهل نذهب إلی داعش ونقول لهم أنّ تفسیرکم یختلف عن تفسیرنا لأنّکم تؤمنون بقتل وأستعباد الکفّار، ونحن لانعتقد بذلک فالإنسان حرّ. وبما أنّنا نختلف بالرأی تعالوا نضع خلافاتنا جانبا ونقبل بحقوق الإنسان بطابعه العلمانی حتی لا تصبح مشکله بیننا. هل هذه هی المشکلة التی نعانیها؟ فهل سیتقبّل داعش منّا ذلک؟

فی فتره من الفترات سیطرت طالبان علی افغانستان و حأولت تفجیر تمثال بوذا وفی حینه قأمت احدی الفضائیّات الاقلیمیّة بأستضافة الشیخ یوسف القرضأوی ونظرا لکونه سلفی المعتقد وطالبان قریبه من معتقداته فقد طلبوا منه إبداء النصیحة لهم بعدم تفجیر تمثال بوذا لأنّها من التراث الإنسانی، فأجاب القرضأوی: صحیح ونحن کذلک نقول بقولکم ولکن نواجه مشکلة تکسیرهم لاجهزة تلفازهم ویحرمونها فکیف أتحدّث إلیهم وأخاطبهم؟ کیف تطلبون منّا التحدّث إلی من لا منطق له ونقول له عندنا منطق متباین فلکل منّا تفسیره الخاص فی شؤون الدین وعلیه یجب أن نضع تفسیراتنا جانبا ونقبل بالتفسیر العلماني لحقوق الإنسان حتی نتمکّن من التفاهم بیننا وهل سیقبل داعش بحقوق الإنسان بمفهومه العلماني؟ إذن لا یمکننا التملّص من مبادئنا وقیمنا الدینیّة بسبب وجود مثل هذه الإشکالیات. هنالک ملاحظه أخری، لو افترضنا جدلا وجود خلاف فی الرأی بیننا هل یعني ذلک عدم تباین الآراء لدی مکوّنات الطرف الآخر.

هل أصحاب الرؤیة العلمانیّة أو حتی الملحدین علی رأي واحد؟ فعلی سبیل المثال تضمّن البیان العالمي لحقوق الإنسان، الاعتراف بحقّ الملکیّة ولکن لم یتطرّق المیثاق إلی هذا الحقّ بسبب وجود دول مختلفة منها الدول الاشتراکیّة التی لا تعترف بالملکیّة الخاصّة، فأین تکمن المشکلة؟ یشیر البیان العالمي لحقوق الإنسان إلی الحقوق السیاسیّة والمدنیّة والحقوق الاقتصادیّة والاجتماعیّة والثقافیّة ولکن تباین فی مواقف الدول المختلفة اتجاهها فالدول ذات الطابع اللیبرإلي أوالدول التي ترتکز عقیدتها السیاسیّة علی الإیدیولوجیّة اللیبرإلیة تعترف جمیعها بالحقوق السیاسیّة والمدنیّة ولکنّها قد لا تعترف بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیّة والثقافیّة فأی مشکله قد یتسبّب بها هذا الواقع والأدهی من ذلک نجد أنّ میثاق حقوق الإنسان الأمریکي یحترم حق حیازة السلاح ضمن حقوق الإنسان. ما المشکلة فی ذلک؟ علی أیّ حال هنالک اختلاف حول تفسیر هکذا أمور ولا ضیر فی ذلک. فأنا عندي تفسیر معیّن عن العیش والحیاة وهو لدیه تفسیر آخر عنها.

فالدول اللیبرإلیة الغربیّة تفسّر حق الحیاة بأن لا تقتل أحدا. فعلی سبیل المثال نفترض أنّ هنالک شخص یتولّی مسئولیّة نجاة الغرقی في المسبح ویعمل من الساعة الرابعة إلی الساعة الثّأمنة مساءا وبعدها لن یکون مسؤولا عن نجات الغرقی لنفرض أنه شاهد شخصا یغرق فی الساعة الثامنة وخمسة دقائق، لماذا یجب علیه إزعاج نفسه فلا مسؤولیّة علیه لأنّه خارج نطاق ساعات العمل إذن لا مسؤولیّه علی عاتقه. ولکن مفهوم حق الحیاة عند الدول الإفریقیّة أو الدول الإسلامية یختلف عنه عند الغرب ویعني إطعام الجائع حتی لا یمقله الجوع. هذا هو حقّ الحیاة عندهم ولکن مفهوم حق الحیاة لا یقتصر علی عدم قتله أو إطعأمه من الجوع بل یتعدّاه لضمان حیاته انطلاقا من ولادة الإنسان وحتی مماته.

فنحن نعتقد بأنّ حقّ الإنسان فی العیش والحیاة أوسع وأشمل من تلک التفاسیر. وحتی تمتد إلی ما قبل مولده ففي عقیدتنا من یسلب الجنین حقّه فی الحیاة یرتکب جریمة القتل. وعلیه هنالک تباین فی وجهات النّظر واختلاف فی تفسیر المفاهیم ولا ضیر فی ذلک. فکما أنّ مفهوم حقوق الإنسان عند الإنسان الاشتراکی ینطلق من معتقداته ولدی الإنسان المسیحي یقوم علی یقوم علی عقیدته الدینیّة، کذلک مفهوم حقوق الإنسان عندنا نحن المسلمون یستند إلی عقیدتنا الإسلامية. ولکنّنا فی العالم الذی نعیش فیه سواءً کنّا مسلمین، أم مسیحیین، أم یهود، أو بوذیین أو هندوس أو ملحدین ومهما تباینت مبادئنا الفلسفیّة أو عقائدنا الدینیّة، فأنّنا نجتمع ونتّفق مع بعضنا البعض. فقد التزم بهذه الحقوق من منطلق المبادئ التی یؤمن بها والآخر کذلک یلتزم بها بناءا علی معتقداته الدینیّة أو غیرها فکلّ منّا یلتزم بها حسب المعتقدات والمبادئ التی یؤمن بها. وعلیه لا یصح القول بأنّ الالتزام بهذه الحقوق یستلزم الابتعاد عن معتقداتنا لذلک یمکننا القول بإمکانیّة التوافق بین الإسلام وحقوق الإنسان وحتی الإذعان لضرورته وحتی وجوبه.

فالقبول بالدولة الحدیثة یعنی قبول الحکومة الوطنیّة (Nation State) و بالتالي القبول بتوأمهما أي حقوق الإنسان. ولکنّ الفکر الداعشي لا یقبل بالدولة الحدیثة والحکومة الوطنیّة ویطالب بالخلافة مما یعني إلغاء القوانین الدولیّة وعدم قبول میثاق الأمم المتّحدة والبیان العالمي لحقوق‌ الإنسان. ولکن عندما نؤسّس للدولة الحدیثة والحکومة الوطنیّة ویصبح لدینا أمة وبلد نعیش فیه فسیکون لها توأم وقرین أي حقوق الإنسان. لا یمکننا قبول الدولة الحدیثة فی حین ننتهک حقوق الأفراد ونحتکر حقوق الإنسان وعدم ضمان حقوق الآخرین. فالدولة الوطنیّة الحدیثة وحقوق الإنسان توأمان لا یمکن الفصل بینهما إذا أسّسنا للحکومة الحدیثة لا یمکننا عدم القبول بتوأمها أي حقوق الإنسان. ولکن فی عصر هابز الذی کان یقول إنّ أهم مخأوف الإنسان هو فقدان الأمن والأمان وأهم حقوقه هو حقّ البقاء وحفظ النفس وصونها. فعندما یؤسّس الإنسان حکومته بناءا علی عقد إجتماعي فأنّه فی الواقع ینیط بکافّة حقوقه إلی الحکومة ویتنازل عن حقوقه الخاصّة لتمنحه تلک الحکومة المقتدرة، الأمن والأمان. هذا الکلام قد یصدق فی عهد هابز حیث سادت الفوضی وانعدم الأمن والأمان.

ولکن عند تأسیس الدولة الحدیثة ومجئ حکومه قویّه فقد أصبحت تلک الدولة التی کانت تخشی من جیرانها من أن یسلبوها الأمن والأمان، أکبر خطرا علی الإنسان من المئات من أمثاله وأصبح یخشی من أن تسلبه حقوقه وعلی هذا الأساس یقول جان لاک وبعض فلاسفة عصر التنویر: عندما یتنازل الإنسان عن حقوقه بناءا علی عقد اجتماعي و یفوضها إلی الحکومة، یجب علی تلک الحکومة تحدید ما هي الحقوق الفردیّة التي ستضمنها له وعلیه لا یمکن الفصل بینهما. وبعبارة أخری عندما نؤسس الدولة الحدیثة یجب قبول توأمها أي ضمان الحقوق والحریات الأساسیة الفردیّة للمواطن. قد یأتینا أحد ویقول: لا أقبل بحقوق الإنسان لأنّه مفهوم وخطاب غربي کما أرفض الدیمقراطیّة الغربیّة ویطرح بالمقابل نموذج الدیمقراطیّة الدینیّة المنبثق من الخطاب الدینی. لا بأس إن رفَضنا الدیمقراطیّة الغربیّة ولکن لا مناص من ضمان الحقوق والحریّات الأساسیّة للمواطنین وإذا تحقّق ذلک فلا یهم الأسم الذی سنطلقه علی هذا النموذج فالمهم أن نضمن الحریّة والعدالة فی المجتمع.

من حسن الحظ توجد هکذا مؤسّسات فی نصوصنا الدینیّة یمکنها أن تحل محلّ حقوق الإنسان، مثل مؤسسة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والتي بإمکانها أن تصبح البدیل الأفضل لحقوق الإنسان. یجب الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ مؤسسة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لیست مؤسسة حکومیّة. فالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر الذي یتدخل فی الحیاة الخاصة للمواطنین ویثیر لهم المتاعب لا یصلح أن یکون بدیلا عن حقوق الإنسان. أما النموذج الأصلح لمؤسسة حقوق الإنسان لیکون بدیلا عن حقوق الإنسان فهو النموذج الذی یقف بوجه الحکومات ویطالبها بضمان حقوق المواطنین إزاء انتهاکها من قبل الآخرین. إنّ نطاق مسئولیات هذه المؤسسة یمتد حتی مجالات حفظ البیئة والأمور الصناعیّة والاقتصادیّة وحتی الحریّات السیاسیّة. فهذه المجالات تعتبر من صلب مسئولیّات مؤسّسة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

إذا تمکّنّا من الارتقاء بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إلی هذا المستوی فإنها بلا شک ستعطی نتائج أفضل من حقوق الإنسان فعلی سبیل المثال نواجه فی مجال صناعة السیّارات العدید من الإشکالیات التي تتسبّب بوقوع أضرار وخسائر بالأموال والانفس وکما أنّ منظومة حقوق الإنسان یمکنها المطالبة بمراعاة حقوق المواطنین، فمن الأولی أن یتمکن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من المطالبة بها.

إذا فسّرنا مفهوم الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر هکذا سیکون بإمکانه الحلول بدلا عن حقوق الإنسان. لیس المطلوب أن تصبح مؤسسة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر مؤسسة حکومیّة تثیر المتاعب للمواطنین بل المطلوب أن تکون مؤسسة مدنیّة تواجه مثیری المشاکل والمتاعب للناس وتدافع عن حقوق وحریات المواطنین. من السهل أن یحلّ هذا الخطاب محل خطاب حقوق الإنسان وأن یکون أکبر تأثیرا وأسرع نتیجة.

وختاما أتقدم بجزیل الشکر لکافة القائمین علی شئون هذا الملتقی وأتمنّی لهم التوفیق.