لم تقدم إحصاءات واضحة ودقیقة من عدد سکان أهل السنة بإیران لأسباب مختلفة لکن یمکن القول بالتأکید بأن أهل السنة هم أکبر أقلیة دینیة بإیران وهذه الأقلیة لا تبدو کثیرا ونموهم السکاني دوما ما یثیر قلق مراجع الشیعة. إن الوحدة بین المذاهب الإسلامیة تعتبر من سیاسات النظام الرئیسیة مند العقود الأولی من الثورة واستمرت إلی الآن ولکنها بغض النظر عن جانبها الدولیة والتواصل مع البلدان الإسلامیة، هناک سؤال حول مدی نجاح هذه الوحدة وجدارتها في داخل البلاد مع أقلیة غیر قلیلة ومسلمة طبعا ومن المواطنین الإیرانیین. یبدو أن ملف أهل السنة یجب التطرق إلیه في قسمین منفصلین:

أ: أهل السنة في الخارج وجانبه الدولي

ب: أهل السنة في الداخل وجانبه الوطني

سنسعی في هذا المقال أن نتطرق إلی الجزء الثاني أعني أهل السنة في الداخل وحقوق هذه الأقلیة المذهبیة بإیران ولکن أذکر بإیجاز بنظرة واقعیة أننا مع الأسف مع الإنفاق الکبیر في کلا الجانبین لم نحصل علی النتائج المطلوبة؛ إن الحصول علی نتیجة مطلوبة لیست طریقة صعبة أو معقدة ومن المستحیل أن یکون الحکماء غیر مدرکین ما هو الطریق الرئیسي.

ولکن المصلحیة والمجاملة تحول دائما دون اتخاذ القرارات النافذة؛ فخلاصة القول أن الطریقة الصحیحة في الجانب الدولي هي الطریقة التي اتخذها آیة الله البروجردي ولکنها لم تستمر وهذه الطریقة قد أدت إلی صدور فتوی الشیخ شلتوت والاعتراف بمذهب التشیع کأحد المذاهب الإسلامیة؛ فعلینا أن نتخلي عن المجاملات ونتحلي بقلیل من الشجاعة في مجال الفتوی وفتوی آیة الله الخامئنئي بشأن حرمة الإهانة إلی معتقدات أهل السنة وأزواج النبي صلی الله علیه وسلم – من النادر من نوعه – أفضل من الآلاف من المؤتمرات الدولیة وإنفاق الملیارات وقد أطفأ کثیرا من شرارات الفتن.

وفي الجانب الوطني أیضا یبدو الحل بسیطا لأن المذهبیة والتفادي عن النهج الأمني هي طریقة منخفضة التکلفة ومؤثرة جدا وتطبیق المادة الثاني عشر من الدستور لیس صعبا شریطة أن نجتنب عن المخاوف التافهة والانتهازیة السیاسیة. واعترف الدستور الإیراني بالمذاهب الإسلامیة بما فیها الحنفیة والشافعیة والمالکیة والحنبلیة والزیدیة في المادتين الثانیة عشر والثالثة عشر وفي السیاق نفسه اعترف بغیر المسلمین من أهل الکتاب کأقلیات مذهبیة وقد وضع لهم حقوقا. ولکن نظرا لهذه المواد الدستوریة هل تتمتع الأقلیات الدینیة المعترف بها، بالحقوق المدنیة والمواطنة المتساوية؟

الإجابة علی هذا السؤال لیست واضحة تماما والأرجح أن نراجع مرة أخری المادة التاسعة عشر: إن الشعب الإیراني من کل أمة أو قبیلة یتمتعون بالحقوق المتساویة وأن اللون والجنس واللغة وأمثالها لن تکون سببا للتمییز. کما نری في نص المادة التاسعة عشر أن صانع القرار تفادی متعمدا وواعیا عن عبارة الدین أو المذهب کعنوان لأسباب حظر التمییز في الحقوق المدنیة والمواطنة واکتفي بعبارة عامة وغامضة "وأمثالها" بینما أن کل الوثائق الحقوقیة الدولیة صرحت إلی جانب الجنس واللغة واللون والعرق بالمذهب باعتباره واحدا من بنود حظر التمییز وهذا الغموض من قبل صانع القرار أدی إلی ازدواجیة التعاطي واتباع النهج الحذر في التعامل مع الأقلیات المذهبیة علی مر السنین. وإذا أردنا أن نتکلم بکل صراحة وصداقة علینا أن نقر أنه قد تم إجحاف کثیر من الحقوق المواطنة بالنسبة للأقلیات المذهبیة بما فیها حق الحصول علی المهنة والتمتع بالحریات الدینیة.

وبغض النظر عن الأقلیات الدینیة غیر المسلمة أنه لا یمکن التغاضی عن سکان أهل السنة الذي یبلغ عددها الملایین إلی جانب توزیعها السکاني في أکثر من 10 محافظات في البلاد؛ إن الدستور الإیراني رغم بعض الغموض التي أشیرت إلیها، لدیها قدرة کبیرة للحفاظ علی حقوق المسلمین السنة وبتبیینها والإصرار علیها یمکن التخلص من مخاطرها المختلفة في المستقبل. لا شک أن الممارسات الخاطئة التي اتبعها الرئیس الوزاء العراقي نوري المالکي في التعاطي مع أهل السنة في العراق قد أسفرت عن التشدد الدیني والتوجه النسبي لأهل السنة إلی جماعات إرهابیة في المنطقة؛ رغم أن إیران ونظامها السیاسي لا یمکن مقارنتها مع العراق والدول الأخری بالمنطقة ولکن فیها الدروس والتجارب.

فالتغاضی عن حقوق المواطنین الإیرانیین السنة واتباع السیاسة المزدوجة یمکن أن تکون خطیرة في المستقبل وقد تسفر عن اشتعال نیران الغضب تحت رماد الحرائق. قد انتهت فرصة انتهاج السیاسات الملتبسة والغموضة وأفضل الطرق وأضمنها اتباع قرارت واضحة وموضوعیة وأن أهل السنة قادرون علی فهمه بشکل جید. إن دین الإسلام ومذهب التشیع دین البلاد الرسمي ومذهب أغلبیة سکانها بینما أن الشیعة في کثیر من البلدان الإسلامیة تعتبر من الأقلیات الدینیة إلا في العراق؛ وکما نتوقع أن یتم احترام حقوق الشیعة في تلک البلدان فعلینا أیضا أن نکون ملتزمین جدا بمبدإ الاحترام بحقوق الأقلیات الدینیة.

المادة الثاني عشر تنص علی "أن دین البلاد الرسمي هو دین الإسلام والمذهب الرسمي المذهب الجعفري الاثنی عشري وجعلها مادة غیر قابلة للتغییر والمذاهب الأخری بما فیها الحنفي والشافعي والمالکي والحنبلي تستحق الاحترام التام وأتباعها لدیهم الحریة في أداء طقوسهم الدینیة وفقا لآراء فقهائهم ویتم الاعتراف بهم في التعالیم الدینیة والشؤون الشخصیة کالزواج والطلاق والمیراث والوصیة والمتطلبات المتعلقة بها في المحاکم وفي أي من المناطق التي تکون الأغلبیة لأتباع تلک المذاهب لیجب تطبیق القوانین المحلیة وفقا لآراء ذلک المذهب مع الحفاظ علی حقوق أتباع المذاهب الأخری".

وفي هذه المادة یمکن استخراج الحقوق الأربعة: الاحترام والتمتع بالحریة في أداء الطقوس الدینیة والاعتراف بالتعلیم والتربیة الدینیة والشؤون الشخصیة والاعتراف الإقلیمي؛ وفقا لهذه المادة أن أهل السنة یستحقون الاحترام التام ویجب أن یحظر کلا من الإهانة واللعن وانتهاک الحرمة في إطار القانون ویتم معاقبة کل من یتعرض لها ولکن لیس هناک ضمان لتطبیق هذه المادة من الدستور في قوانین البلاد الجنائية وعلی صانع القرار أن یقوم بتجریمها قانونیا خاصة بعد إصدار الفتوی الأخیر لقائد الثورة.

حریة أداء الطقوس الدینیة من أبرز نتائج الحقوق والحریات الدینیة التي قد تم التأکید علیها في جمیع الوثائق الهامة والمعتبرة في المستوی الدولي والإقلیمي. التعلیم والتربیة الدینیة والشؤون الشخصیة کالزواج والطلاق والمیراث والوصیة التي لها طابع شخصي هي بالکامل متعلقة بأتباع أي دین ومذهب ولوجود فوارق بین أهل السنة والشیعة في تلک القضایا فإن الدستور قام باعتراف بهذه الحقوق لأهل السنة بصراحة وشفافیة وإن ضمان تطبیق هذا الجزء في النظام القضائي للبلاد محدد ومقبول وأن المحاکم یجب علیها أن تقوم بتطبیق أحکام الفقة لکل مذهب بدلا من القوانین العامة عند إصدار الأحکام.

ویعتبر الاعتراف الإقلیمي أحد المیزات الخاصة لأهل السنة التي تم قبولها في إطار خیارات المجالس البلدیة ولأن المادة المائة من الدستور تنص علی أن مجال نشاط المجالس یقتصر علی القضایا الاجتماعیة والاقتصادیة والتنمویة والصحیة والثقافیة والتعلیمیة وسائر الشؤون الرفاهیة – التي لیس لها علاقة خاصة بالمذهب – یبدو أن الاعتراف الإقلیمي الوارد في المادة الثاني عشر لیس له تأثیر کبیر. رغم أن جاء في مفاوضات المراجعة النهائیة للدستور تطبیقات کحکم هدم المسجد لشق الطرق ووضع الضرائب المحلیة في حجم الزکاة وتبني القرارات الثقافية بناء علی المذهب الحاکم.

وبناء علی المادة السادسة والعشرین من الدستور أن الأقلیات الدینیة المعروفة خاصة جمیع أتباع المذاهب الإسلامیة لدیهم حریة تأسیس الأحزاب والجمعیات والاتحادات السیاسیة والنقابیة بصورة عامة والجمعیات الإسلامیة بصورة خاصة وحسب هذه المادة أن کافة المواطنین السنة بإمکانهم أن یبذلوا جهودهم للحصول علی المکانة الاجتماعیة والثقافیة والسیاسیة والمذهبیة البارزة وأن علی الحکومة أن تحمي من حقوقهم کما تحمي من حقوق الشیعة الاثني عشریة.

ومن جانب آخر أن الدستور الإیراني أیضا لدیه قدرات ملحوظة في توفر الظروف لمشارکة أهل السنة السیاسیة ولفعالیاتهم المدنیة والانتخابیة؛ أن المادة الرابعة والستین من الدستور التي تتحدث عن ممثلي مجلس النواب لم تتمیز بین المسلمین الإیرانیین في هذا الصدد. في هذه المادة تم تطبیق قیود للزرادشتیة والیهود والمسحیین من جهة التمثیل في مجلس النواب والصمت القائم بالنسبة للأقلیات المسلمة غیر الشیعة یفید بأن أهل السنة لیست أمامهم قیود للتمثیل في مجلس النواب في أي نقطة من البلاد وبإمکانهم الحضور فيه عند الفوز في الانتخابات.

الفصل الثالث من الدستور الذي یتحدث عن حقوق الشعب قد اعتبر الحقوق الإنسانية والسیاسیة والمدنیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة لکافة المواطنین السنة بالتساوي وبما يتفق مع المعايير الإسلامية والعبارة الأخیرة التي جاءت في الأصل العشرین رغم غموضها الحقوقي یفتح المجال للتفاسیر المختلفة ولکن نضطر أن نقدم تفسیرا واسعا حتی یتسق مع روح المساواة والمبادئ العامة للجمهوریة والحریة المنصوص علیها في نفس الدستور.

ووفقا للنصوص الواردة في المواد التاسعة والعشرین والعشرین والثاني والعشرین من الدستور الإیراني أن أهل السنة بإمکانهم التمتع بکافة الحقوق الإداریة والتوظیفة وتصدي لکثیر من المناصب الحکومیة وأن کل ألوان من التمییز في القضایا التوظیفیة والإداریة والمهنیة والسکنیة لمجرد معتقداتهم المذهبیة مرفوضة ومدانة وتستحق الملاحقة القانونیة.

في السنوات الأخیرة حصل تحسن نسبي في ما یتعلق بالقضایا التوظیفية والإداریة لأهل السنة رغم أن هناک فجوة کبیرة حتی الوصول إلی الحالة المثالیة ولکن عملیة التجنب من "التمییز علی أساس المذهب" تسري في الاتجاه المتنامي والواعد. کلما نتحدث عن الأقلیات المذهبیة من الضروري أن یتم النظر في "التمییز المذهبي" کالخطر الرئیسي علی الأقلیات وأن العرق واللون والانتماء السیاسي والمذهبي یمکن أن تجر إلی التمییز بین أبناء الشعب ولکن التمییز الدیني له أهمیة خاصة وأنه یتعارض مع حقوق الإنسان الرئیسیة.

إن کل مواطن له حق التمتع بکافة الحقوق المدنیة والاجتماعیة کالحق المهني والصحي والمذهبي بالتساوي ودون أی تمییز؛ فعلی سبیل المثال أن بعض المواطنین لا ینبغي حرمانهم من الحقوق المدنیة والسیاسیة والاجتماعیة والثقافیة لاعتناقهم مذهبا خاصا غیر المذهب الرسمي وهذا القسم من الحرمان یسمی "حظر التمییز علی أساس الدین"(discrimination in Grounds or religion Rigthts).

إن الأقلیات المذهبیة بصفة عامة وما اعترف بها بصفة خاصة لابد أن تتمتع بالحقوق المذهبیة والحریات کحق إنساني ولا ینبغي أن یتم أي تمییز ضدها وبعبارة أخری أن من مهام الحکومات بذل الجهود من أجل الحفاظ علی حقوق المواطنین المدنیة والسیاسیة والحمایة عن الحقوق الدینیة والحریات لکافة المواطنین بما فیما الأقلیات المذهبیة وأن "حظر التمییز المذهبي" تضاعف من واجب الحکومة نحو الحقوق والحریات المذهبیة. وبغض النظر عن المبادئ النظریة لحقوق الإنسان المعاصرة وقضایا صعبة کالتعددیة الدینیة، إن الحقوق والحریات المذهبیة تعتبر من الحقوق الإنسانیة الرئیسیة وغیر قابلة للغصب.

وفي جمیع الوثائق المعتبرة الدولیة والإقلیمیة المتعلقة لحقوق الإنسان تم تحدید حقوق الأشخاص وحریاتهم الدینیة دون أي تمییز؛ والمادة الثانیة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة الثانیة عشر للاتفاقیة الدولیة الخاصة للحقوق المدنیة والسیاسیة التي قبلتها إیران کعضو فیها تم اختصاصه للحقوق والحریات الدینیة. إن نطاق قضیة الحقوق والحریات الدینیة أوسع من أن نتطرق به في هذا المقال ولکن نستطیع القول باختصار أن جانب الخارجي للحریات الدینیة التي تعتبر بـ"حق المساواة في المذهب" ویحتوي علی معظم القضایا الحقوقية والحریات الدینیة یشمل علی بنود واضحة ومعینة.

واتفاقیة القضاء علی جمیع أشکال التعصب والتمییز علی أساس المذهب والعقیدة تحتوي علی ما یلی:

1- الحریة في أداء الطقوس والشعائر الدینیة فردیا وجماعیا وانعقاد الاجتماعات الدینیة.

2- حق تأسیس المراکز الدینیة والحفاظ علیها.

3- الحریة في إنشاء المنظمات الخيرية والإنسانية والحفاظ علیها.

4- حریة النشر والطباعة والتوزیع للمنشورات الدینیة في إطار الکتب والنشرات ووسائل الإعلام الأخرى.

5- حریة تعلیم القضایا الدینیة في المحال المناسبة لهذا الصدد.

6- حریة أخذ المساعدات المالیة وغیر المالیة من الأشخاص والمؤسسات.

7- حریة انتخاب وانتصاب القیادات.

8- حریة احتفال الأیام الدینیة الخاصة بما فیها العطلات والأعیاد.

9- حریة الاتصال مع الأشخاص والمؤسسات الدینیة الأخری في المستوی الوطني والدولي فیما یتعلق بالقضایا الدینیة.

کما أشرنا أن الحقوق والحریات الدینیة في النظام الدولي للقانون واضحة تماما وأنه یتعین علی الحکومات تطبیق هذه الحقوق وتوفیر الضمانات اللازمنة لتنفیذيها. إن أهل السنة بإیران یمکن اعتبارهم أقلیة مذهبیة بالتساهل لأنهم یحتلون جزءا کبیرا من الجغرافیا السکانیة لیس فقط من حیث الکمیة بل أن لهم مکانة علیا من الأقلیات الدینیة کالنصاری والیهود والزرادشتة في الدستور الإیراني وهم جزء من الأمة الإسلامیة ویجب أن یتمتعوا بکافة الحقوق المذکورة في إطار الحریات الدینیة لیس فقط في ما تخص بالأقلیات الدینیة بل في ما تخص بجمیع المواطنین الإیرانیین السنة.

والقضیة أوضح من أن تحتاج إلی حجة لأن الوحدة والأخوة الإسلامیة لن تتحقق خارج حدود البلاد إذا لم تتحقق في الداخل وأن أهل السنة في البلاد کمواطني هذه الأرض والتراب إذا وجدوا أمامهم صعوبات في أداء صلاة الجمعة وبناء المساجد في عقر دارهم ففائدة الحدیث عن الأخوة والتقریب مع المذاهب الإسلامیة لتذهب أدراج الریاح ولا ینبغي التعویل علیه کثیرا.